الخميس، 24 مايو 2012

فوائد من القرآن الكريم



إثبات السؤال يوم القيامة والجواب عن السؤال المنفي في بعض الآيات

{ فَلَنَسْأَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ }


لم يبين هنا الشيء المسؤول عنه المرسلون، ولا الشيء المسؤول عنه الذين أرسل إليهم.
وبين في مواضع أخر أنه يسأل المرسلين عما أجابتهم به أممهم، ويسأل الأمم عما أجابوا به رسلهم.
قال في الأول:
{ يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ }
[المائدة: 109].
وقال في الثاني:
{ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَآ أَجَبْتُمُ ٱلْمُرْسَلِينَ }
[القصص: 65].
وبين في موضع آخر أنه يسأل جميع الخلق عما كانوا يعلمون، وهو قوله تعالى:
{ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }
[الحجر: 92-93].
وهنا إشكال معروف: وهو أنه تعالى قال هنا: { فَلَنَسْأَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ } [الأعراف: 6]، وقال أيضاً:
{ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }
[الحجر: 92-93]، وقال:
{ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ }
[الصافات: 24]، وهذا صريح في إثبات سؤال الجميع يوم القيامة، مع أنه قال:
{ وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ }
[القصص: 78]، وقال:
{ فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ }
[الرحمن: 39].
وقد بينا وجه الجمع بين الآيات المذكورة في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) وسنزيده إيضاحاً هنا إن شاء الله تعالى.
اعلم أولاً: أن السؤال المنفي في الآيات المذكورة. أخص من السؤال المثبت فيها. لأن السؤال المنفي فيها مقيد بكونه سؤالاً عن ذنوب خاصة. فإنه قال:
{ وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ }
[القصص: 78] فخصه بكونه عن الذنوب، وقال:
{ فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ }
[الرحمن: 39] فخصه بذلك أيضاً. فيتضح من ذلك أن سؤال الرسل والموؤودة مثلاً ليس عن ذنب فعلوه فلا مانع من وقوعه. لأن المنفي خصوص السؤال عن ذنب، ويزيد ذلك إيضاحاً قوله تعالى:
{ لِّيَسْأَلَ ٱلصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ }
[الأحزاب: 8] الآية، وقوله بعد سؤاله لعيسى المذكور في قوله:
{ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ }
[المائدة: 116] الآية.
{ قَالَ ٱللَّهُ هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ ٱلصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ }
[المائدة: 119] الآية، والسؤال عن الذنوب المنفي في الآيات: المراد به سؤال الاستخبار والاستعلام. لأنه جل وعلا محيط علمه بكل شيء، ولا ينافي نفي هذا النوع من السؤال ثبوت نوع آخر منه هو سؤال التوبيخ والتقريع. لأنه نوع من أنواع العذاب، ويدل لهذا أن سؤال الله للكفار في القرآن كله توبيخ وتقريع كقوله:
{ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ }
[الصافات: 24-25]. وقوله:
{ أَفَسِحْرٌ هَـٰذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ }
[الطور: 15]. إلى غير ذلك من الآيات وباقي أوجه الجمع مبين في كتابنا المذكور - والعلم عند الله تعالى-.  (انتهى من كلام الشنقيطي رحمه الله).

{ فَلَنَسْأَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ }



والحق يسأل الرسل بعد أن يجمعهم عن مدى تصديق أقوامهم لهم، والسؤال إنما يأتي للإِِقرار، ومسألة السؤال وردت في القرآن بأساليب ظاهر أمرها أنها متعارضة، والحقيقة أن جهاتها منفكة، وهذا ما جعل خصوم القرآن يدعون أن القرآن فيه تضارب. فالحق سبحانه يقول:
{ فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ }
[المؤمنون: 101]
ويقول سبحانه أيضاً
{ وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً }
[المعارج: 10]
ويقول جل وعلا:
{ ...وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ }
[القصص: 78]
ويقول سبحانه وتعالى:
{ فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ }
[الرحمن: 39]
ثم يقول هنا: { فَلَنَسْأَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ } [الأعراف: 6]
وهذا ما يجعل بعض المستشرقين يندفعون إلى محاولة إظهار أن بالقرآن- والعياذ بالله- متناقضات. ونقول لكل منهم: أنت تأخذ القرآن بغير ملكة البيان في اللغة، ولو أنك نظرت إلى أن القرآن قد استقبله قوم لسانهم عربي، وهم باقون على كفرهم فلا يمكن أن يقال إنهم كانوا يجاملون، ولو أنهم وجدوا هذا التناقض، أما كانوا يستطيعون أن يردوا دعوى محمد فيقولوا: أيكون القرآن معجزا وهو متعارض؟! لكن الكفار لم يقولوها، مما يدل على أن ملكاتهم استقبلت القرآن بما يريده قائل القرآن. وفي أعرافنا نورد السؤال مرتين؛ فمرة يسأل التلميذ أستاذه ليعلم، ومرة يسأل الأستاذ تلميذه ليقرر.
إذن فالسؤال يأتي لشيئين اثنين: إما أن تسأل لتتعلم، وهذا هو الاستفهام، وإما أن تسأل لتقرر حتى تصبح الحجة ألزم للمسئول، فإذا كان الله سيسأله، أي يسأله سؤال إقرار ليكون أبلغ في الاحتجاج عليه، وبعد ذلك يقولون:
{ وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِيۤ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ * فَٱعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ }
[الملك: 10-11]
وهذا اعتراف وإقرار منهم وهما سيدا الأدلة؛ لأن كلام المقابل إنما يكون شهادة، ولكن كلام المقر هو إقرار اعتراف.
إذن إذا ورد إثبات السؤال فإنه سؤال التقرير من الله لتكون شهادة منهم على أنفسهم، وهذا دليل أبلغ للحجة وقطع للسبل على الإِنكار. فإما أن يقر الإِنسان، وإن لم يقر فستقول أبعاضه؛ لأن الإِرادة انفكت عنها، ولم يعد للإِنسان قهر عليها، مصداقاً لقوله الحق:
{ وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ... }
[فصلت: 21]
والحق هنا يقول: { فَلَنَسْأَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ }.
وهو سؤال للإِقرار. قال الله عنه:
{ يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ... }
[المائدة: 109]
وحين يسأل الحق المرسلين، وهم قد أدوا رسالتهم فيكون ذلك تقريعاً للمرسَل إليهم.
ويقول الحق بعد ذلك: { فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ... } (انتهى من كلام الشعراوي رحمه الله).
 
أى : أنهم لا يسألون عن ذنوبهم عند خروجهم من قبورهم ، وإنما يسألون عن ذلك فى موقف آخر ، وهو موقف الحساب والجزاء ، أذ فى يوم القيامة مواقف متعددة .


يَوْمَ تَكُونُ السمآء كالمهل وَتَكُونُ الجبال كالعهن وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } ثم بين - سبحانه - ما يترتب على هذا الانشقاق والذوبان للسماء من أهوال فقال : { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ } . أى : ففى هذا اليوم العصيب ، وهو يوم الحشر ، لا يسأل عن ذنبه أحد ، لا من الإنس ولا من الجن

وبذلك يجاب عن الآيات التى تنفى السؤال يوم القيامة ، والآيات التى تثبته ، كقوله - تعالى - : { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } وبعضهم يرى أن السؤال المنفى فى بعض الآيات هو سؤال الاستخبار والاستعلام ، والسؤال المثبت هو سؤال التوبيخ والتقريع . . . عن الأسباب التى جعلتهم ينحرفون عن الطريق المستقيم ، ويسيرون فى طريق الفسوق والعصيان . .

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق