الخميس، 28 أكتوبر 2021

الكهان الجدد

 عِبَادَ الله: الرَّغْبَةُ في مَعْرِفَةِ المَجْهُول، أَمْرٌ يُثِيرُ الفُضُول، وَقَدْ يُغَطِّي على العُقُول! فَتَنْسَاقُ إلى الكُهَّانِ والعَرَّافِيْن، مِمَّنْ يَدَّعُوْنَ الغَيب! 

وعِلْمُ الغَيْبِ؛ اسْتَأْثَرَ اللهُ بِه! قال تعالى: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾. 

وَمِنْ هُنَا؛ يَنْبَغِي الحَذَرُ مِنَ الكُهَّانِ والعَرَّافِيْن، الَّذِيْنَ يَدَّعُونَ الغَيْبَ بِوَسِيلَةٍ لا تَثْبُتُ حِسًّا ولا عَقْلًا ولا شَرْعًا! وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِك: التَّنْجِيْمُ ،  والخَطُّ على الرَّمْل، وَقِرَاءَةُ الكَفِّ والفِنْجَان، وَنَحْوِ ذلك.

والذَّاهِبُ إلى هَؤلاءِ الكُهَّانِ والعَرَّافِيْن؛ على قِسْمَيْن:

القِسْم الأَوَّل: أَنْ يَذْهَبَ إِلَيْهِمْ ويَسْأَلَهُمْ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيق؛ وَإِنَّمَا مِنْ بَابِ الفُضُوْلِ والتَّسْلِيَة! وهذا كَبِيْرَةٌ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوب؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ؛ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً).

القِسْم الثَّانِي: أَنْ يَذْهَبَ إِلَيْهِمْ وَيَسْأَلَهُمْ وَيُصَدِّقَهُمْ؛ وَهَذَا تَكْذِيْبٌ لِلْقُرْآن! قال ﷺ: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ فِيمَا يَقُولُ؛ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ).

 وَفِي هَذَا العَصْر؛ تَلَبَّسَتِ الكِهَانَةُ بِأَقْنِعَةٍ جَدِيْدَةٍ، وَأَسْمَاءٍ عَدِيْدَة! كَالْعُلُوْمِ النُّوْرَانِيَّة، والطَّاقَةِ الخَفِيِّة، وَتَحْلِيْلِ الشَّخْصِيَّة: مِنْ خِلَالِ مَعْرِفَةِ الاِسْم، أَوْ اللَّوْنِ المُفَضَّل، أو قِرَاءَةِ الأَبْرَاج!

ومِنَ الكُهَّانِ الجُدُد: الّذِيْنَ يَزْعُمُونَ أَنَّ نِهَايَةَ العَالَمِ سَتَكُوْنُ في وَقْتِ كَذا وكَذا!  وَقَدْ قالَ جِبْرِيْلُ للنبيِّ ﷺ: (فأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ؟)، فقال: (مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ!). وإذا كانَ أَشْرَفُ الملائكة، وأَشْرَفُ الرُّسُلِ؛ لا يَعْلَمانِ مَتَى السَّاعَة؛ فَكَيْفَ بِغَيْرِهِمْ!  ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ﴾.

 

أخي وفقك الله: يَنْبَغِي على المُسْلمِ في تَعَامُلِهِ معَ المَجْهُوْل، والمُسْتَقْبَلِ المَأْمُوْل: أَنْ يَتَوَكَّلَ على الله، مَعَ الأَخْذِ بالأَسْبَابِ المَشْرُوْعَةِ والمُبَاحَة ،  وَأَنْ يَحْذَرَ مِنْ هَؤُلاءِ الكُهَّان؛ وَلَوْ تَلَبَّسُوا بِلِبَاسِ العِلْمِ والدِّيْنِ والطِّب! قالتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: (مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ؛ فَقَدْ كَذَبَ)، ثُمَّ قَرَأَتْ: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾   

إخوة الإيمان:  العُلُوْمُ الَّتِي تُدْرَكُ بالعِلْمِ والتَّجْرِبَة؛ فَإِنَّ الإِخْبَارَ عَنْهَا لا يُعْتَبَرُ مِنْ عِلْمِ الغَيْب، ولا مِنَ الكِهَانَة: كَمَعْرِفَةِ أَحْوَالِ الطَّقْس، وَوَقْتِ الكُسُوفِ والخُسُوف ومَعْرِفَةِ جِنْسِ الجَنِين، والقِيَافة، والفِرَاسة، وَنَحْوِهَا مِنَ الأُمُوْرِ الَّتِيْ تُدْرَكُ بالحِسِّ والعِلْمِ والتَّجْرِبَة؛ لا بالظَنِّ والوَهْم، أو الرَّجْمِ بالغَيْب، أو الاِسْتِعَانَةِ بِالشّيَاطِيْن!

عباد الله : مِنْ مَعَالِمِ وَأَخْلَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي جَاءَ الْإِسْلَامُ بِإِبْطَالِهَا، وَوُجُوبِ الْكُفْرِ بِهَا، خرافات الكهان ودجل العرافين وشعوذة السحرة فلَا يُصَدِّقُهَا إِلَّا جَاهِلٌ قَدْ طَمَسَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ، وَلَوْ حَصَلَ عَلَى أَعْلَى الشَّهَادَاتِ الْعِلْمِيَّةِ، ولو تستر بقراءة بعض الآيات والأحاديث النبوية.

ومما يؤسف له حال بعض المسلمين الذين يبتعدون عن خالقهم فلا يفزعون إليه، ولا يثقون به، ولا يتوكلون عليه.. ويستوحشون من المستقبل فيستطلعونه عند كل كاهن وعراف ودجال ويتحسسونه في برامج الوهم، وينشدوا تقويم الحياة في قوانين الجذب والطاقة التي يسوق لها في وسائل التواصل والإعلام من نأى بجانبه عن الدين ، أو امتهن التسويق للخرافة والتكسب من الدجل !

فمن تابع هؤلاء بأي مبرر سواء لِلتَّجْرِبَةِ، أَوْ التَّسْلِيَةِ، أَوْ لِلْمُزَاحِ، فَهَذَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مَا قَالَ صَلَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً))،. فَعُقُوبَةُ مَنْ أَتَى هَؤُلَاءِ حِرْمَانُهُ مِنْ أَجْرِ صَلَاتِهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَمَا اقْتَرَفَهُ مِنْ مُنْكَرٍ عَظِيمٍ يَخْسَرُ بِسَبَبِهِ هَذِهِ الْحَسَنَاتِ الْعَظِيمَةَ، وَلَا يَعْنِي هَذَا أَنَّهُ لَا يُصَلِّي، بَلْ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يُؤْجَرُ عَلَى صَلَاتِهِ مُدَّةَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَيَكُونُ قَدْ خَسِرَ بِهَذَا الْعَمَلِ الشَّنِيعِ أُجُورًا عَظِيمَةً، فَإِذَا كَانَتْ رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، فَكَيْفَ بِالْفَرَائِضِ؟ فَقَدْ خَسِرَ بِجُرْمِهِ هَذَا وَذَنْبِهِ الْعَظِيمِ مَا هُوَ خَيْرٌ.

ومن فوائد هذا الحديث: تحريم حضور مجالس الباطل والذهاب إلى اهل الفساد.

وتحريم سؤال من ليس بأهل للسؤال. .

وتحريم القول على الله بغير علم خاصة من يظهر من حاله اغواء الناس.

وخطورة الكفر بعد الإيمان وإن ذلك يمكن أن يقع خاصة في زمن ظهور الفساد وفشو الشر.

وخطورة الكهانة والسحر سواء سحر الأجساد والارواح أو سحر العقول وهو أخطر واضر ومنه سحر البيان والمشاهد التي تعرض على الناس لتقلب لهم الحقائق وتلبس عليهم وتضلهم.

اعلموا رحمكم الله : أنه مَن اتخذَ لَهُ مِنْ دُونِ الله ولياً ووكيلاً رَكَنَ إلى ضعفٍ، واستندَ إلى هباءٍ، وتوكل على وَهَن (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أمَّا بَعْدُ..فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. 

عِبَادَ الله؛ يَقُولُ الله: ((هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ*تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ))، لَقَدْ أَقَامَ الشَّيْطَانُ لِوَاءَ السَّحَرَةِ وَالْكَهَنَةِ بِعَمَلِهِ وَكُفْرِهِ، يَتَلَبَّسُ بِهمُ الشَّيْطَانُ، وَيَنْطِقُ عَلَى لِسَانِهِمْ، وَلِذَا بِعَمَلِهِ الشَّيَاطِيْنُ تَأْلَفُ هَذِهِ النُّفُوْس الخَبِيْثَةُ الَّتِيْ تَدَنَّسَتْ بِالْشَرِّ، وَرَضِيَتْ بِهِ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَّل: ((وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ)) وَيَرْتَكِبُوْنَ فِيْ سَبِيْلِ إِرْضَاءِ أَنْفُسِهِم الخَبِيْثَةِ، وَأَهْوَائِهِمْ الْدَّنِيْئَةِ، الْدَّجَلُ  وَالشِّرْكِيَّات، فَيُبَاشِرُونَ النَّجَاسَاتِ، وَيَأوُونَ إِلَى الأَمَاكِنِ المُسْتَقْذَرَةِ، وصِفَاتهِم الجَهْلُ وَالضَلَالُ، وَالكَذِب وَالبُهْتَان، ويتخذون من وسائل التقنية لإفساد من يصلون إليه ،وكهنة هذا الزمان ودجاجلته تجوب البلدان وتجوس خلال الديار، بأشكال غريبة، واعمال مريب، ، وألعاب مثيرة ، تظهر عبر وسائل اتصال ، تأخذ بعقول الأطفال، وتخدع الكبار ،قال الله تعالى: ﴿شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ  ‌وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ ﴾.