السبت، 28 ديسمبر 2019

أقوال أهل العلم في النهي عن مشاركة الكفار أعيادهم

 أقوال السلف، وأهل العلم في حكم الاحتفال بعيد رأس السنة ( الكريسماس ) أو #الكريسمس 



قال ابن حجر الهيتمي الشافعي :

من أقبح البدع موافقة المسلمين النصارى في أعيادهم، بالتشبه بأكلهم، وتهنئتهم، والهدية لهم، وقبول هديتهم فيه.

[ الفتاوى الفقهية الكبرى (4/238) ]

وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم .

[ ابن القيم - أحكام أهل الذمة (1/234) ]

 يقول عطاء بن أبي رباح -رحمه الله -:

اجتنبوا أعداء الله في أعيادهم ؛
    *فإن السخطة تنزل عليهم*

[ الأدب؛ لابن أبي شيبة (1/23) ]


ومن فعل شيئاً من ذلك (أي الكريسمس) فهو آثم سواء فعله مجاملة أو تودداً أو حياءً أو لغير ذلك من الأسباب ؛ لأنه من المداهنة في دين الله، ومن أسبـاب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بِدينهم .

 [ ابن عثيمين - مجموع الفتاوى (3/44) ]

 المشابهة الظاهرة ذريعة إلى الموافقة الباطنة؛ فإنه إذا أشبه الهدي الهدي، أشبه القلب القلب.

[ ابن القيم - إغاثةاللهفان (1/364) ]

ﻗﺎﻝ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ ابن العاص -ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ-: 

ﻣﻦ مر ﺑﺒﻼ‌ﺩ ﺍﻷ‌ﻋﺎﺟﻢ ﻓﺼﻨﻊ ﻧﻴﺮﻭﺯﻫﻢ ﻭﻣﻬﺮﺟﺎﻧﻬﻢ، ﻭﺗﺸﺒﻪ ﺑﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻮﺕ ـ ﻭﻫﻮ ﻛﺬﻟﻚ ـ حُشر ﻣﻌﻬﻢ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ.

 [ ابن القيم - ﺃﺣﻜﺎﻡ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺬمة (2/240) ]

قال الإمام الدَّمِيري الشافعي رحمه الله :


يُعزّر من وافق الكفار في أعيادهم.

[ النجم الوهاج في شرح المنهاج (9/244) ]
 

لا يجوز الاحتفال بعيد الكريسمس، ولا غيره من أعياد الكفار، ولا مشاركة أهله في احتفالهم، ولا تهنئتهم به.

[ ابن باز - مجموع الفتاوى (9/329)  ]

 قال البهوتي الحنبلي رحمه الله :

ويحرم شهود عيد اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار لما في ذلك من تعظيمهم، فيشبه بداءتهم بالسلام، ويحرم كل ما فيه تخصيص؛ كعيدهم وتمييز لهم، وهو من التشبه بهم والتشبه بهم منهي عنه إجماعا، وتجب عقوبة فاعله.

[ كشف القناع عن متن الإقناع (3/131) ]

 إذا كانت الشريعة قد جاءت بالنهي عن مشاركة الكفار في المكان الذي حلّ بهم فيه العذاب، فكيف بمشاركتهم في الأعمال التي يعملونها.

[ ابن تيمية - الاقتضاء (1/267) ]

 مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم، بما هم عليه من ‎الباطل.*

[ ابن تيمية - الاقتضاء (1/546) ]. 

ﺍﻟﻤﺸﺎﺑﻬﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﺗﻮﺭﺙ ﻧﻮﻉ ﻣﻮﺩﺓ ﻭﻣﺤﺒﺔ، ﻭﻣﻮﺍﻻ‌ﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺎﻃﻦ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺎﻃﻦ ﺗﻮﺭﺙ ﺍﻟﻤﺸﺎﺑﻬﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ، ﻭﻫﺬﺍ ﺃﻣﺮ ﻳﺸﻬﺪ ﺑﻪ ﺍﻟﺤﺲ ﻭﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ.

[ ابن تيمية - الاقتضاء (1/549) ]

ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺍﻟﻘﺎﺳﻢ ﺍﻟﻄﺒﺮﻱ ﺍﻟﻔﻘﻴﻪ ﺍﻟﺸَّﺎﻓﻌﻲ: 

ﻭﻻ‌ ﻳﺠﻮﺯ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺃﻥ ﻳﺤﻀﺮﻭﺍ ﺃﻋﻴﺎﺩﻫﻢ؛ ﻷ‌ﻧﻬﻢ ﻋﻠﻰ منكر وزور، ﻭﺇﺫﺍ ﺧﺎﻟﻂ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻤﻨﻜﺮ ﺑﻐﻴﺮ ﺍﻹ‌ﻧﻜﺎﺭ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻛﺎﻟﺮﺍﺿﻴﻦ ﺑﻪ، ﺍﻟﻤﺆﺛﺮﻳﻦ ﻟﻪ؛ ﻓﻨﺨﺸﻰ ﻣﻦ ﻧﺰﻭﻝ ﺳﺨﻂ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﺎﻋﺘﻬﻢ، ﻓﻴﻌﻢ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ، ﻧﻌﻮﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺳﺨﻄﻪ.

[ ابن القيم - ﺃﺣﻜﺎﻡ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺬﻣﺔ (3/239) ]

‏كان معاذ بن جبل يقول في النصارى:

 «لا ترحموهم، فلقد سَبُّوا الله مَسَبَّةً ما سَبَّه إياها أحدٌ من البشر».

الخميس، 26 ديسمبر 2019

أهمية الاعتبار (فاعتبروا يا أولي الأبصار) (إن في ذلك لعبرة )


.الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً، أحمده تعالى وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، سبحانه وبحمده جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله؛ بعثه بالحق بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ .
أما بعد   الاعتبار :
عباد الله: لقد دعانا ربنا -تبارك وتعالى- في كثير من الآيات في كتابه الكريم إلى الاعتبار والنظر، والتأمل والتفكر، والاتعاظ والتدبر، والنظر في حقائق الأشياء، والتعرف على مدلولاتها، حتى نتعرف على الخالق -جل وعلا- من خلال تلك الآيات والعظات.
وهذا يبين اهمية الاعتبار فهو مدرسة من انفع وابلغ مدارس الحياة
وإذا تأملنا في آيات القرآن الواردة في الاعتبار؛ نجد أن الله قد حدثنا عن الاعتبار بمعان متعددة ودلالات متنوعة، فمرة يدعونا إلى الاعتبار بما نراه ونشاهده من حولنا، كما قال تعالى: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) [النور: 44]، ومرة يدعونا للاعتبار بنعمه التي انعم بها علينا فيقول: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) والاعتبار بالنعم قبل الانتفاع بها لأنه يمنع من بطر.

كما دعانا في آيات أخرى إلى الاعتبار بالمرويات التي تروى والقصص التي تنقل إلينا، فقال: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) .
 ويقول -جل وعلا- بعدما ذكر قصة فرعون وختم القصة بقوله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى) [النازعات: 26]، وخاطب المسلمين بعد غزوة بني النضير بقوله: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) [الحشر: 2] حتى يعتبروا بما حصل لليهود في تلك الغزوة عندما أصروا على الكفر والعناد ونقض العهود.

أيها المسلمون: إن القرآن العظيم مليء بالآيات التي تدعو إلى الاعتبار بما حصل للأمم السالفة، والاتعاظ بما وقع لهم عندما طغوا وكفروا واستمروا في العصيان، فدمرهم الله شر تدمير، وجعلهم أثراً بعد عين, فيدعونا ربنا الرحمن الرحيم -جل وعلا- إلى أن نتعظ بهم، ونجعلهم عبرة لنا، فإن السعيد من اعتبر بغيره، كما قال -سبحانه وتعالى-: (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى)
ويقول: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج: 46]، وقال: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) .

أيها الناس، اعلموا أن الله تعالى خلق للإنسان عقلاً يعقله عن المكروهات، ويطلقه في طلب المحبوبات، ويقرأ به عِبَر الزمان، وحوادث الأيام؛ ليفيد منها دروسًا نافعة في الحياة.

فمن كان أوفى عقلاً كان أكثر اعتباراً بما ينفعه في العاجل والآجل، فأسرع -بعد اتعاظه- إلى الاقتداء بصالح التجارب، والانزجار عن سيئها. فالاعتبار بالعِبَر، والاتعاظ بالغِيَر من نتائج العقول الكاملة، والألباب الصافية.
ولذلك فإن الله تعالى حينما يذكر في كتابه الكريم مواضع العبر والعظات كالقِصص القرآني يختم ذلك ببيان أن المستفيد من تلك الآيات البينات هم أولو الألباب الذين أناروها بالتفكر، فربحوا بذلك الاعتبار الذي يحجز العاصي عن عصيانه، ويدفع المبطئ عن إبطائه في طاعة ربه.
فمن تلك الآيات قوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ ....   و قوله: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ ...........، وقوله: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى ﴾ ........... وقوله: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ﴾ ............... وقوله: ﴿ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ .
  قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه السعيد من اتعظ بغيره
وقال الشاعر:
اقرأ التاريخَ إذ فيه العبرْ ♦♦♦ ضلّ قوم ليس يدرون الخبرْ
.
أيها المسلمون، إن من موارد العبرة ومجالات الاعتبار : الواقعَ الذي يعيش فيه الإنسان، ففيه عبرة لمن أراد الاعتبار.
وذلك آت من النظر والتأمل في ماضي الإنسان، وسنوات عمره السالفة؛ فإنه كلما امتد به الزمان، وتعاقبت عليه أحداث الأيام، فإن كان عاقلاً فسيأخذ من زمانه الفائت دروسًا لزمانه القادم...
ولا حكيم إلا ذو تجربة، كما قيل.

وكما يأتيه الاعتبار من واقعه هو، يأتيه كذلك من واقع الآخرين وما جرى لهم من أحداث ومواقف.

عباد الله، إن السادرين في غيهم، الذين لم يعتبروا بالعِبر، ولم يتعظوا بالغِير، سيؤدبهم الزمان القريب أو البعيد لا محالة، فالمنافقون لم تؤدبهم المصائب والفضائح في الدنيا، كما قال تعالى: ﴿ أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [التوبة:126]. واهل النار لم يدّكروا بما جرى لأسلافهم، ولكن يوم القيامة يحضرهم الاعتبار في غير مكانه وزمانه، كما قال تعالى: ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الملك:10-11].

فطوبى لأهل الاعتبار الذين ظفروا بالربح والسلامة، وسلموا من الخسران والندامة، قال الله ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ 

لقد غفلنا اليوم في عالم الماديات وعصر التكنولوجيا والمحسوسات عن الاعتبار بمن مضى، بل والاعتبار بما نرى ونشاهد، فكم نرى من آيات، وكم نشاهد من عبر ودلالات، ولكننا لا نعتبر ولا نستفيد، وكأن الله -سبحانه وتعالى- لم يدعُنا إلى الاتعاظ والاعتبار في كتابه العظيم.

لقد نسينا اليوم قصص الغابرين التي قصها الله علينا في كتابه العظيم، وغفلنا عن صور العذاب وألوان العقاب الذي أنزله على أولئك الأقوام حينما طغوا في البلاد, وأكثروا فيها الفساد.

 ان المسلم اليوم وفي هذا العصر في أمس الحاجة إلى التذكير بهذا الموضوع المهم موضوع الاعتبار والادكار، فإن الله -جل وعلا- ما كرر الآيات التي تدعو إلى الاعتبار والتذكر إلا من أجل أن يذكرنا بهذا الموضوع الهام، حتى لا ننساه أو نغفل عنه.

إننا نعيش اليوم في زمن طغت فيه الماديات، وانتشر فيه الشر بكل أشكاله وأنواعه، وتلونت فيه المعاصي وتعددت، وراجت واستفحلت، وألفها الناس حتى صارت جزءً لا يتجزأ من حياتهم وواقعهم.

ثم استحكمت الغفلة في النفوس ، وابتعدنا عن تدبر القرآن وسماع المواعظ التي تذكرنا بقصص الأمم التي سبقتنا ولم نعتبر بها، ولم نتأملها، أليس حرياً بنا أن ننظر في الآيات والعبر التي نراها في واقعنا، ونشاهدها كل يوم ؟.

ألسنا نرى الأخبار، ونسمع الأحوال، ونشاهد الأحداث التي تقع في الدنيا بالصوت والصورة؟ فلماذا لا نتعظ بها؟ ولا نعتبر بالأحداث الكونية العظام التي تحدث دائماً في هذا الكون الفسيح.

كل يوم نسمع عن إعصار، أو زلزال، أو دمار، أو فيضان، أو سيول عارمة،   أو رياح عاتية، أو أمراض غريبة، أو أوبئة مهلكة، ولكن أين من يعتبر بها؟ وأين من ينظر إليها بعين الاعتبار؟.

نذر وآيات، عقوبات وتخويفات ولكن من يعتبر؟ وأين من يتعظ؟ 
أليست هذه آيات ونذر يجب علينا أن نعتبر بها، ونتفكر فيها، ونتأمل في حال أهلها، ونتعظ بما حصل لهم، قبل أن يقع لنا ما وقع لهم؟ فإنه لا ينزل بلاء إلا بذنب، ولا يرفع إلا بتوبة (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ).


الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، وأصلي وأسلم على من نطق بكمال الصدق، وأرشد إلى سُبل الحق، فأدى الأمانة وبلغ الرسالة، ونصح الأمة وكشف الله به الغمة -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام-.

عباد الله: يموج العالم من حولنا موج البحر، وتحدث فيه من المتغيرات ما يحتاج منا إلى أن نتفكر فيه ونعتبر، فإنما هي تنبيهات ودلالات يحدثها الله للاتعاظ والاعتبار، (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا) [الإسراء: 59]، (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا) [فاطر: 44].
أيها الناس: إن الاتعاظ وأخذ العبرة لا يقتصر على أخذها من الآيات الكونية فقط، وإنما أيضاً يجب أن نأخذ العبر من الآيات الشرعية، فالقرآن الكريم بقصصه، ومعجزاته، ودلالاته، وأحكامه، مليء بالعبر والمواعظ، وما أنزل الله القرآن إلا موعظة وذكرى للناس؛ ليعتبروا بما فيه، ويتعظوا بآياته، وإشاراته، ومعانيه، يقول الله -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [يونس: 57].

فمن لم يعتبر بهذه الآيات، ولم تؤثر فيه تلك العبر ، فإن الله -جل وعلا- يرسل على من لم يعتبر ما هو أشد وأعظم، وكل آية تكون أشد وأكبر من سابقتها، حتى يصحو ويعتبر، فإن لم يصحو ويعتبر جاء الدمار الكامل والعذاب الشامل على من أعرض ولم يعتبر، يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) .... ويقول: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ).

فما أكثر الشواهد، وما أكثر العبر، وما أكثر المواعظ، ولكن تحتاج فقط منا إلى أن نعتبر، ونتأمل بعقولنا وتفكيرنا، وننظر ببصرنا وبصيرتنا، حتى تؤثر فينا هذه العبر، وتحرك الران الذي في قلوبنا، وتغير أحوالنا، وتصلح ما فسد فينا، فالسعيد من اعتبر بغيره، والشقي من كان عبرة لغيره، يقول عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: “المؤمن إِنْ سَكَتَ تَفَكَّر, وَإِنْ تَكَلَّمَ ذَكَرَ, وَإِذَا نَظَرَ اعْتَبَرَ, وَإِذَا اسْتَغْنَى شَكَرَ, وَإِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ
اللهم اجعلنا من المعتبرين، واجعلنا هداة مهتدين، صالحين مصلحين