الأحد، 17 سبتمبر 2023

التفسير المادي لما يحدثه الله في الكون خلل في العقيدة والإيمان

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ تَقْوَى اللهِ الْمَلِكِ الرَّحْمَنِ هِيَ الْعِصْمَةُ مِنَ الْبَلَايَا، وَالْمَنَعَةُ مِنَ الرَّزَايَا؛ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}  

مشاهد مؤلمة يقدرها الله حولنا في هذا العالم فما موقف المؤمن منها

عِبَادَ اللهِ: وَلَنَا مَعَ هَذَا الْمَشْاهدِ وِقْفَاتٌ وَتَأَمُّلَاتٌ:الْوِقْفَةُ الْأُولَى: فِي مَوْقِفِ الْمَعْصُومِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي التَّعَامُلِ مَعَ هَذَا الفواجع، فَلَمْ يَتَعَامَلِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ هَذِهِ النذر تَعَامُلًا جَامِدًا، وَتَحْلِيلًا مَادِّيًّا؛ بَلْ رَبَطَ ذَلِكَ بِالْخَالِقِ وَتَدْبِيرِهِ فِي هَذَا الْكَوْنِ.وَهَكَذَا أَهْلُ الْإِيمَانِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لَهُمْ نَظْرَةٌ تَخْتَلِفُ عَنْ غَيْرِهِمْ تِجَاهَ الْمُتَغَيِّرَاتِ الْكَوْنِيَّةِ وَالْكَوَارِثِ الْأَرْضِيَّةِ، مِنْ زَلَازِلَ وَأَعَاصِيرَ وَفَيَضَانَاتٍ، لِمَاذَا؟

لِأَنَّ لَهُمْ عَقِيدَةٌ تُخْبِرُهُمْ بِأَنَّ مَا يَجْرِي فِي هَذَا الْكَوْنِ كُلِّهِ بِقَدَرِ اللهِ، فَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْ إِرَادَتِهِ، وَلَا يَجْرِي شَيْءٌ مِنْ دُونِ مَشِيئَتِهِ.نَعَمْ: لِلْكَوَارِثِ أَسْبَابُهَا الْحِسِّيَّةُ، وَتَفْسِيرَاتُهَا الْعِلْمِيَّةُ، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَعْنِي التَّعَلُّقَ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ، وَنِسْيَانَ خَالِقِهَا وَمُسَبِّبِهَا وَمُوجِدِهَا.فَإِنَّ اللهَ -تَعَالَى- إِذَا أَرَادَ شَيْئًا، أَوْجَدَ سَبَبَهُ، ثُمَّ رَتَّبَ عَلَيْهِ نَتِيجَتَهُ؛ كَمَا قَالَ –سُبْحَانَهُ-: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}   بَلْ إِنَّ الرُّكُونَ إِلَى التَّفْسِيرَاتِ الْمَادِّيَّةِ وَالتَّعَلُّقَ بِهَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ خَلَلٍ عَقَدِيٍّ – هُوَ مِنْ تَزْيِينِ الشَّيْطَانِ وَعَمَلِهِ؛ كَمَا قَالَ –سُبْحَانَهُ-: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}

الْوِقْفَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ مَا يَحْدُثُ فِي هَذَا الْكَوْنِ مِنْ مُتَغَيِّرَاتٍ وَكَوَارِثَ هِيَ رَسَائِلُ خِطَابٍ لِأَهْلِ الْأَرْضِ، تُخَاطِبُهُمْ بِعَظَمَةِ الْخَالِقِ وَعَجْزِ الْمَخْلُوقِ وَضَعْفِهِ، تُخَاطِبُهُمْ بِأَنَّ الْأَمْرَ للهِ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ، وَأَنَّ الْمَخْلُوقَ مَهْمَا طَغَى وَبَغَى، وَمَهْمَا تَكَبَّرَ وَتَجَبَّرَ، فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ، وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ؛ فَمَهْمَا أَوتِيَتِ الْبَشَرِيَّةُ مِنْ تَقَدُّمٍ وَقُوَّةٍ وَعِلْمٍ، يَقِفُوا عَاجِزِينَ حَائِرِينَ أَمَامَ هَذِهِ الْآيَاتِ وَالْمَثُلَاتِ، لَا يَمْلِكُونَ رَدَّهَا، وَلَا يَسْتَطِيعُونَ صَدَّهَا، وَصَدَقَ اللهُ: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}

الْوِقْفَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمَّى كُسُوفَ الشَّمْسِ آيَةً مِنْ آيَاتِ اللهِ، يُخَوِّفُ اللهُ بِهَا عِبَادَهُ، فَالْوَاجِبُ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى هَذِهِ الْمُتَغَيِّرَاتِ الْكَوْنِيَّةِ، وَالْكَوَارِثِ الْمُؤْلِمَةِ لِلْبَشَرِيَّةِ أَنَّهَا آيَاتُ إِنْذَارٍ مِنَ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، فَتَرْتَجُّ لَهَا الْقُلُوبُ وَتَدْمَعُ عِنْدَهَا الْعُيُونُ، وَتَقْشَعِرُّ لِرُؤْيَتِهَا الْجُلُودُ {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} ، فَالتَّذَكُّرُ وَالِاعْتِبَارُ مِنْ آلَامِ الْأَقْدَارِ حِكْمَةٌ أَرَادَهَا اللهُ -تَعَالَى- قَالَ –سُبْحَانَهُ-: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}  وَإِذَا حَصَلَتِ الْعِبْرَةُ وَالذِّكْرَى، جَاءَ بَعْدَهَا النَّدَمُ وَالرُّجُوعُ وَالتَّضَرُّعُ للهِ –تَعَالَى-: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}  

وَكَمْ فِي هَذِهِ الْأَقْدَارِ الْمُؤْلِمَةِ مِنَ الْخَيْرِيَّةِ الْمُخَبَّأَةِ تَحْتَ سِتَارِ الْغَيْبِ! فَكَمْ مِنْ هَائِمٍ غَافِلٍ أَفَاقَ يَوْمَ حَلَّتِ الْكَوَارِثُ بِأَرْضِهِ! وَكَمْ مِنْ مُضَيِّعٍ لِحُقُوقِ اللهِ عَرَفَ حَقَّ اللهِ يَوْمَ أَنْ مَسَّهُ ضُرُّ الْفَوَاجِعِ! وَكَمْ مِنْ مُمْسِكٍ بَسَطَ يُمْنَاهُ حِينَ اعْتَصَرَ قَلْبُهُ أَسًى مِنْ مَنَاظِرِ الْبَائِسِينَ الْمَنْكُوبِينَ!   نَاهِيكُمْ عَنْ مَنَاظِرِ الْإِخْبَاتِ وَالتَّضَرُّعِ وَالدُّعَاءِ وَالِالْتِجَاءِ إِلَى اللهِ، فَيَحْصُلُ فِي هَذِهِ الْكَوَارِثِ مِنَ الْخَيْرِيَّةِ وَالرُّجُوعِ وَالْإِقْبَالِ مَا لَا يَحْصُلُ فِي غَيْرِهَا، وَهَذَا هُوَ الرُّجُوعُ الْمَعْنِيُّ فِي آيَاتِ الْقُرْآنِ {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}  ، {وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}

الْوِقْفَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ الْعُقُوبَاتِ وَالْكَوَارِثَ وَالْآيَاتِ مُرْتَبِطَةٌ بِمَعَاصِي بَنِي آدَمَ، وَلِذَا حَذَّرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ أَنْ رَأَى آيَةَ رَبِّهِ مِنْ عِصْيَانِ اللهِ، وَانْتِهَاكِ مَحَارِمِهِ

وهَذَا الْفَهْمُ النَّبَوِيُّ عَنِ اللهِ -تَعَالَى- كَرَّرَهُ الْمُصْطَفَى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ بَلَغَتْ حَدَّ التَّوَاتُرِ، إِنَّ الْمَعَاصِيَ سَبَبٌ لِلْعُقُوبَاتِ وَالْمَصَائِبِ. يُسْأَلُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ: قَالَ: "نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ".

فإنَّ الْكَوَارِثَ مَقْرُونَةٌ بِالْمَعَاصِي.وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ -عِبَادَ اللهِ-: أَنَّ هَذِهِ الْعُقُوبَاتِ الْإِلَهِيَّةَ بِسَبَبِ الذُّنُوبِ قَدْ تَكُونُ حِسِّيَّةً خَفِيَّةً غَيْرَ ظَاهِر ٍفِيهَا الْعُقُوبَةُ، كَالتَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ؛ كَمَا قَالَ –سُبْحَانَهُ-: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا}  ، وَالْحُرُوبِ: {وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الْأَنْعَامِ: 65]، وَقَدْ تَكُونُ أَزَمَاتٍ اقْتِصَادِيَّةً، وَالَّتِي عَبَّرَ عَنْهَا الْقُرْآنُ بِـ"السِّنِينَ". وَقَدْ تَكُونُ الْعُقُوبَةُ بِأَشْيَاءَ مَعْنَوِيَّةٍ، كَالذُّلِّ وَالضَّعْفِ وَالْهَوَانِ. قَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ -سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ"؛

الْوِقْفَةُ الْخَامِسَةُ: أَنَّ هَذِهِ الْمُتَغَيِّرَاتِ وَالْكَوَارِثَ لَا تَقَعُ إِلَّا بِحِكْمَةٍ مِنَ اللهِ وَعَدْلٍ مِنْهُ؛ {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}   ، قَدْ دَلَّنَا كِتَابُ اللهِ أَنَّ لِلْعَذَابِ أَسْبَابًا، وَأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُنْفَكٍّ عَنِ الْإِيمَانِ، فَيَنْبَغِي التَّفْرِقَةُ فِيمَنْ حَلَّتْ بِهِ تِلْكَ الْمَوَاجِعُ.فَإِنْ نَزَلَتْ بِأَرْضِ الْمُعْرِضِينَ عَنْ دِينِ اللهِ، الْمُكَذِّبِينَ رِسَالَةَ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهِيَ عَذَابٌ وَعُقُوبَةٌ؛ قَالَ –سُبْحَانَهُ-: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} [الْمَائِدَةِ: 49]، وَبِسَبَبِ الْكُفْرِ وَالْعِنَادِ وَالْإِعْرَاضِ حَلَّ الْبَطْشُ الْإِلَهِيُّ عَلَى الْأُمَمِ السَّابِقَةِ؛ {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ }   .   وَإِنْ حَلَّتِ الْكَوَارِثُ بِدِيَارٍ إِسْلَامِيَّةٍ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ النَّظَرُ إِلَى هَذِهِ الْمَوَاجِعِ بِمِنْظَارَيْنِ:

أَوَّلًا: بِمِنْظَارِ الِابْتِلَاءِ، وَأَنَّهَا تَمْحِيصٌ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَتَكْفِيرٌ لِسَيِّئَاتِهِمْ، وَرِفْعَةٌ لِدَرَجَاتِهِمْ، وَامْتِحَانٌ لِإِيمَانِهِمْ، وَتَسْلِيمِهِمْ لِمَكَارِهِ الْأَقْدَارِ.

قَدْ صَحَّتِ الْأَخْبَارُ عَنِ الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارِ أَنَّهُ قَالَ: "لَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ، حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى الْأَرْضِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ". "وَمَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ هَمٍّ وَلَا غَمٍّ وَلَا حُزْنٍ، حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا؛ إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ". "إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدِهِ خَيْرًا، عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ، وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدِهِ شَرًّا، أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ، حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".فَلَيْسَ كُلُّ كَارِثَةٍ إِذًا هِيَ عُقُوبَةٌ، بَلْ قَدْ تَكُونُ رَحْمَةً لِأَهْلِهَا، وَقَدْ وَقَعَتْ بَلَايَا وَكَوَارِثُ فِي عُصُورِ السَّلَفِ؛ فَحَصَلَ عَامُ الْمَجَاعَةِ، وَحَدَثَ طَاعُونُ عَمْوَاسَ فِي عَهْدِ عُمَرَ، وَفِي أَهْلِهِ مِنَ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهِمْ.ثَانِيًا: أَنْ يُنْظَرَ إِلَى هَذِهِ الْمَوَاجِعِ بِمِنْظَارِ الْإِنْذَارِ، وَأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ عُقُوبَةً لِتَقْصِيرَاتٍ حَدَثَتْ، وَمُنْكَرَاتٍ حَلَّتْ، فَيَخَافُ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْبَلَايَا بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ؛ قَالَ –تَعَالَى-: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}

والْوَاجِبُ أَنْ يُحَاسِبَ أَفْرَادُ الْمُجْتَمَعِ أَنْفُسَهُمْ، وَيُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدُوا؛ خَشْيَةَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ عُقُوبَةً وَقَعَتْ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ.

الْوِقْفَةُ السَّادِسَةُ: الواجب أن تحدث لنا هذه الفواجع توبة وصلاحا وتقوى فَيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا: هَا هِيَ الْمِحَنُ مِنْ حَوْلِكُمْ تَسْتَعْتِبُكُمْ، {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}  . اسْتَدْفِعُوا الْبَلَاءَ بِكَثْرَةِ الأعمال الصالحة والحذر من الذنوب وَاتَّقُوا كَوَارِثَ الدَّهْرِ بِالصَّلَاحِ وَالْإِصْلَاحِ؛ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}  .كُونُوا مِنْ أُولِي الْبَقِيَّةِ الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، أَكْثِرُوا مِنْ صَدَقَةِ السِّرِّ؛ فَهِيَ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، تَبَرَّعُوا لِلْمُسْتَضْعَفِينَ الْمُحْتَاجِينَ  .اِرْجِعُوا إِلَى رَبِّكُمْ حَقًّا وَصِدْقًا، كَمَا رَجَعَ خِيَارُ أُمَّتِكُمُ، الَّذِينَ جَمَعُوا الْعَمَلَ الصَّالِحَ مَعَ الْخَوْفِ مِنَ اللهِ فِي أَزَمَاتِهِمْ. وَنَعُوذُ بِاللهِ أَنْ نَكُونَ مِمَّنْ جَمَعَ الْخَطَايَا مَعَ الْأَمْنِ مِنْ مَكْرِ اللهِ.

نَعُوذُ بِاللهِ أَنْ نَكُونَ مِمَّنْ عَمِيَتْ بَصَائِرُهُمْ، فَغَرَّتْهُمُ الدُّنْيَا عَنِ الدِّينِ. نَعُوذُ بِاللهِ أَنْ نَكُونَ مِمَّنْ قَالَ اللهُ فِيهِمْ: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} [التَّوْبَةِ: 126].بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:  

 الْحَمْدُ للهِ وكَفَى، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى رَسِولِهِ الْمُصْطَفَى، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَاقْتَفَى. أمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى.

أَيُّهَا المُسْلِمُوْنَ : لَقَدْ كَثُرَتِ الْمعَاصِي وَالْفِتَنُ فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَانْغَمَسَ أَكْثَرُ النَّاسِ فِي الشَّهَوَاتِ وَالْعِصْيَانِ، فَأَتْرَفُوا أَبْدَانَهُمْ، وَأَتْلَفُوا أَدْيَانَهُمْ، وَأَنْسَتْهُمْ دُنْيَاهُمْ أَهْوَالَ آخِرَتِهِمْ.

أَقْبَلُوا عَلَى الْأُمُورِ الْمَادِيَّةِ الْمَحْسُوسَةِ، وَأَعْرَضُوا عَنِ الْأُمُورِ الْغَيْبِيَّةِ الْمَوْعُودَةِ، الَّتِي هِيَ الْمَصِيرُ الْحَتْمِيُّ وَالْغَايَةُ الْأَكِيدَةُ.

اتَّخَذُوا الْآيَاتِ وَالنُّذُرَ أُمُورًا طَبِيعِيَّةً، وَالْحَوَادِثَ وَقَائِعَ اعْتِيَادِيَّةً، يُنْظَرُ إِلَيْهَا دُونَ وَجَلٍ أَوْ اعْتِبَارٍ، حَتَّى أَظْلَمَتِ الْقُلُوبُ، وَرَانَتْ عَلَيْهَا الذُّنُوبُ.

فَللّهِ دَرُّ أَقْوَامٍ حذروا فتنة الدُّنْيَا فَأَصَابُوا، وَسَمِعُوا مُنَادِيَ اللهِ فَأَجَابُوا، وَحَضَرُوا مَشَاهِدَ التُّقَى فَمَا غَابُوا، وَاعْتَذَرُوا مِنْ تَقْصِيرِهِمْ ثُمَّ تَابُوا وَأَنَابُوا، وَقَصَدُوا بَابَ مَوْلَاهُمْ فَمَا رُدُّوا وَلَا خَابُوا.

﴿يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾.

﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.

عِبَادَ اللهِ : قَالَ اللهُ جَلَّ في عُلَاهُ : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ. اللَّهُمَّ ارْضَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَمَنْ تَبِعَ

نَسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- أَنْ يُرِيَنَا الْحَقَّ حَقًّا وَيَرْزُقَنَا اتِّبَاعَهُ، وَيُرِيَنَا الْبَاطِلَ بَاطِلًا وَيَرْزُقَنَا اجْتِنَابَهُ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّنْ يَتَّعِظُ بِالْمَثُلَاتِ،

وَيُعَظِّمُ اللهَ حَقَّ التَّعْظِيمِ، وَأَنْ يَهْدِيَنَا سَوَاءَ السَّبِيلِ، وَأَنْ يَحْفَظَنَا مِنْ طَوَارِقِ الدَّهْرِ وَفَوَاجِعِ الزَّمَانِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبٌ