الخميس، 9 مايو 2019

خطبة جمعة شهر القرآن "حديث عن القرآن "




الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين 
 قد شرف الله رمضان وأعلى شانه بقوله تعالى
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}
وقد جعل الله القرآن موعظة وشفاء ورحمة وهدى لمن عمل به
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ... قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}
قال أَبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى " {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}  ، قَالَ: الْفَضْلُ الْقُرْآنُ، وَبِرَحْمَتِهِ أَنْ جَعَلَكُمْ مِنْ أَهْلِهِ ".
أيها المسلمون
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مأْدُبَةُ اللَّهِ تَعَالَى، فَتَعَلَّمُوا مِنْ مَأْدُبَتِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ، إِنَّ هَذَا حَبَلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ النُّورُ الْمُبِينُ، وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ، عِصْمَةٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ، وَنَجَاةٌ لِمَنْ تَبِعَهُ، لَا يَعْوَجُّ فَيُقَوَّمُ، وَلَا يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبُ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَلَا يَخْلُقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ؛ فَاتْلُوهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَأْجُرُكُمْ عَلَى تِلَاوَتِهِ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ..
قد حسدكم عليه أعدائكم أشد الحسد
قَالَ الله تعالى: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 105]  ما حسدتكم اليهود والنصارى عَلَى شيء كحفظ القرآن وتعلمه.
 أيها الصائمون           
اوجب الله تدبر القرآن لأن من ثمرات التدبر التذكر والاتعاظ والاهتداء {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا}  ، وقَالَ سبحانه وتعالى : {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}
يجب أن يكون لك وردا يوميا من القرآن تتدبره وتفهم معناه وتستنير بنوره في ظلمات الفتن وتستشفي به من أمراض القلوب .. {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا }  : كذلك أنزلناه عَلَى التفريق والترتيل لتقرأه مفرقا في كل وقت وحين : {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ }
وهناك من الناس من تهاون في تعلم القرآن وتدبره وانشغل عنه باللهو واللعب ومتابعة وسائل الاتصال والتواصل والقنوات الفضائية وضاع وقته وقل علمه وضعف إيمانه ثم يوم القيامة يكون في حسرة وندامة
قال الله تعالى محذرا من ذلك { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ..  يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ... لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ... وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}.
فمن ظلم نفسه وحرمها من تعلم القرآن والعمل به يندم في ساعة لا ينفع فيها الندم ويعض يده حسرة على ما فرط وما اتخذ من الأصدقاء الذي اشغلوه وصرفوه عن القران حتى اتخذه مهجورا فهجر تعلمه والعمل به   ثم يقول يوم القيامة {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ... لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ...  لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا  وهذا يشمل كل ما يشغل عن القرآن ويصد عن طاعة الله سواء كان من وسائل التواصل أو الاجهزة الحديث او القنوات الفضائية أو أصحاب السوء أو غير ذلك.
فكونوا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ، قِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، فَهُمْ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتِهِ» .
فكونوا من أهل القرآن  وورثة الرسول الذين ورث لكم القرآن ..
فعَنِ الْأَعْمَشِ، قَالَ: مَرَّ أَعْرَابِيٌّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ،
 وَعِنْدَهُ قَوْمٌ يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ، فَقَالَ: مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «يَقْتَسِمُونَ مِيرَاثَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»
وقال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما  : «عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ فَتَعَلَّمُوهُ، وَعَلِّمُوهُ أَبْنَاءَكُمْ، فَإِنَّكُمْ عَنْهُ تُسْأَلُونَ، وَبِهِ تُجْزَوْنَ، وَكَفَى بِهِ وَاعِظًا لِمَنْ عَقَلَ  
عباد الله
«إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ فَاشْغَلُوهَا بِالْقُرْآنِ واملؤها به ، وَلَا تَشْغَلُوهَا بِغَيْرِهِ فتمرض وتموت»
 واعلموا أن القرآن لكم أو عليكم
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا.
وقال أَبو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، رَضي اللَّهُ عنه : « اتَّبَعُوا الْقُرْآنَ , وَلَا يَتْبَعَنَّكُمُ الْقُرْآنُ، فَإِنَّهُ مَنْ يَتْبَعِ الْقُرْآنَ يَهْبِطْ بِهِ عَلَى  رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ يَتْبَعْهُ الْقُرْآنُ يَزُخُّ فِي قَفَاهُ حَتَّى يَقْذِفَهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ» .
«فطُوبَى لِمَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللَّهِ ثُمَّ اتَّبَعَ مَا فِيهِ»
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا 
.............................
الخطبة الثانية 
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين
الْمَخْرَجُ مِن الفتن والشرور  كِتَابُ اللهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الفَصْلُ لَيْسَ بِالهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ ابْتَغَى الهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَبْلُ اللهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، هُوَ الَّذِي لاَ تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلاَ تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسِنَةُ، وَلاَ يَشْبَعُ مِنْهُ العُلَمَاءُ، وَلاَ يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.............إخوة  الإيمان  
إنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ، لَقِيَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِعُسْفَانَ، وَكَانَ عُمَرُ، اسْتَعْمَلَهُ عَلَى مَكَّةَ، فَقَالَ عُمَرُ: مَنِ اسْتَخْلَفْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي؟ قَالَ: اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمْ ابْنَ أَبْزَى، قَالَ: وَمَنِ ابْنُ أَبْزَى؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ مَوَالِينَا، قَالَ عُمَرُ، فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى، قَالَ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ، قَاضٍ، قَالَ عُمَرُ، أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ»
 أيها الصائمون
إن من اشرف الأعمال التي يشغل بها رمضان مدارسة القرآن وتدبره وفهمه والعمل به  و«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ  »
فهذا الرسول الملكي افضل أهل السماء وسيد الملائكة يلتقي بالرسول البشري سيد ولد آدم واللقاء على مدارسة أفضل كتب الله  وهو القرآن
فيا من تريد النجاة والكرامة اقتد بهذين الرسولين الكريمين واحفظ وقتك من لصوص رمضان لا يسرقوه منك  وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا

الجمعة، 3 مايو 2019

خطبة : كيف نستقبل رمضان .. استقبال رمضان



الحمد لله رب العالمين والصلاة على رسوله الأمين ..  وبعد
أيها الأخوة الكرام :تمر الأيامُ وما أسرعها! وتمضي الشهورُ وما أعجلها! ويطل علينا موسمٌ خير، وشهر عظيم القدر، ويفد علينا وافدٌ حبيب وضيف عزيز، فبعد يوم أو يومين  يهل علينا شهر رمضان المبارك بأجوائه العبقة، وأيامه المباركة الوضاءة، ولياليه الغر المتلألئة، ،فيا لها من مناسبة كريمة، تصفو فيها النفوس، وتزكو فيها الأرواح، تفتح فيها الجنات، وتتنزل الرحمات، وترفع الدرجات، وتغفر الزلات، وتحط الأوزار والخطيئات، فلله الحمد والشكر على جزيل نعمائه، وترادف مننه وآلائه.

خَيْرُ الشُّهُوْرِ ورُوضَةُ الأَخيارِ يا مَرْحَباً بِهَديَّةِ الغَفَّارِ
رمضان يا رَمزاً لِكُلِّ فَضَيلةٍ فِيكَ الجِنَانُ تُزَفُّ لِلأَبرار
رمضان أهلاً قَدْ تَطاولَ شَوقُنا لِسناكَ يَكْسُو الأرضَ بالأنوارِ
عباد الله .. صوم رمضان عبادة تمنع النفس عما تحب من شهواتها .
والصوم هو الامساك عن المفطرات  بنية التعبد لله من طلوع الفجر إلى المغرب .
والمفطرات التي تفسد الصوم مثل الجماع، والأكل والشرب، وإنزال المني بشهوة ، وما يكون بمعنى الأكل والشرب،
والقيء عمداً، والحجامة، وخروج دم الحيض والنفاس.
وحقيقة الصوم وثمرته هو اجتناب المعاصي والمحرمات في نهار رمضان وليله لقول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ  الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ»
أيها الإخوة الكرام: مع قدوم الزائر الحبيب الذي تنتظره نفوس المؤمنين بلهف وشوق وتترقب الأعين هلاله الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه  بقدومه احتفاء به وفرحاً قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغَلَّقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ».

أيها الأخ الكريم :تبييت النية الصالحة على أن تكون في رمضان على حال يرضاها الله تعالى.والنية أيها الأخوة أساس العمل ونية المؤمن أبلغ من عمله ، فمن نوى  الخير   لا يزال بخير ما نوى الخير "
فما الذي نويت أن تكون عليه في رمضان من الآن؟! ما هو مشروك في رمضان الذي تريد أن تقدمه لأخرتك وتنفع به نفسك ؟ ما الذي تحدث نفسك به؟ وما الذي تريد أن تفعله في نهارك وليلك؟
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُإِلَى أَجْسَادِكُمْ، وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ»
ما الذي يراه الله في قلبك الآن؟ هل هو عزم على أن تكون أكثر قرباً منه؟  هل هو نية على أن تختم القرآن كذا وكذا مرة؟
أهو عهد على أن لا تفوت صلاة الجماعة ولا مرة واحدة خلال رمضان؟ أهو عزم على أن لا تضيع صلاة التراويح ؟
 أم أن الله يرى من قلبك الآن  غفلة وضياعاً أو يرى تبييتاً لمتابعة المسلسل الفلاني والبرنامج الفلاني وغير ذلك مما يعده قطاع الطريق إلى الله ولصوص رمضان من شياطين الإنس من البرامج والمسلسلات التي تقطعك عن الله في رمضان وتحول بينك وبين     لذة العبادة  وحلاوة الطاعة.
والله ما رأيت وصفا اصدق في  أصحاب هذه البرامج والمسلسلات والملهيات  وما يعدونه في رمضان لفتنة عباد الله.. من قول الله تعالى:(  وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا  ).

عبد الله وفقك الله :  عليك بكثرة التوبة والاستغفار مع قدوم رمضان . أيها الأحبة إن رمضان شهر الكرامات وأعظم الكرامات أن يمن الله عليك بالعتق من النار ، والذنوب والمعاصي من أعظم الأسباب التي بها يحرم العبد التوفيق والخير والكرامة من الله تعالى،
ومن أعظم كرامات رمضان ما يرزق فيه العبد من زيادة الإيمان وحلاوة الخلوة بالقرآن والتلذذ به ، وذلك لا يمكن أن يتحصل لقلب مثخن بجراحات الذنوب والآثام فإن الذنوب تمنع العقل من تدبر القرآن وفهمه، وتحجب عن القلب قوّة التأمل قال تعالى:( لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ) وقال تعالى:( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)  
 فاستقبلوا شهركم رعاكم الله بالإكثار من الإستغفار والتوبة والإنابة حتى تصلح قلوبكم ونفوسكم فيكرمكم الله بكرامات رمضان..
وعليكم بكثرة الدعاء والتضرع لله ...  عبد الله : ادع الله تعالى وتضرع إليه بأن يعينك ويوفقك في رمضان لما يحب ويرضى ..فإنك لن توفق إلى شيء إلا إذا أعانك الله تعالى ،   :" والله لن تصلوا إلى شيء بغير الله فكيف تصل إلى الله بغير الله ) والشأن ليس في بلوغ الأجساد لشهر رمضان ولكن الشأن كله في أن يُبـَـلِـغَ اللهُ قلبـَـك إلى رضاه والأنسَ به .. وإلا فكم ممن وصل بجسده ولكن قلبـَه مقطوعٌ عن الله فلا توفيقَ إلا لمن وفقه الله، ولأهمية الدعاء في التوفيق لما يقرب إلى الله تعالى تأمل في وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين أوصاه أن يدعو بعد كل الصلاة ( اللهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ) ، فتضرع إلى الله وابتهل إليه ليمن عليك فيصلك مع الواصلين.

عبدالله  حدث نفسك بحلاوة الطاعة ولذة الإنس بالله.. وأن الصيام وغيره من الطاعات انفع لك من الدنيا وما فيها .. وتذكر ما الذي ينفعك يوم القيامة ..وتذكر أن تعبَ الطاعة يخلفه نعيمٌ يبقى وراحةٌ أبدية ..وأن المعصيةَ والتهاونَ والكسلَ والملهياتِ حسراتٌ دائمةٌ وندامة باقية
  فابعث في نفسك الشوق إلى الله .. وحدثها عن ما يحبه الله حتى تحبه واقنعها بما يرضي الله حتى ترضى به  .  
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ

اقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه من كل ذنب  يغفر لكم  
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده 
أخي الحبيب إن التوفيق سيكون حليفك على قدر حذر وبعدك من  مصاحبة الكسالى والبطالين وخاصة في وسائل الاعلام والاتصال والتواصل المعاصرة الذين يقعدونك عن اغتنام غنائم رمضان ويشغلونك عن ارباحه النفيسه بسراب خسائرهم الخسيسة فليس هناك أشأم على السائر إلى الله من البطالة في العمل الصالح  وصحبة البطالين، فالصاحب ساحب، والقرين بالمقارّن يقتدي. وقد أمر الله خير الخلق صلى الله عليه وسلم بصحبة المجدّين المجتهدين في السير إلى الله وترك الغافلين فقال عز من قائل : { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } مع هذه الصحبة الصالحة  تحفظ وقتك ودينك لأنهم يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ، وترى البطالين الذين اتبعوا أهوائهم أهل الغفلة   يسهرون ويسمرون ويسمدون ويضيعون أوقاتهم ودينهم وصلاتهم وخاصة صلاة الفجر أو الظهر  { وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا }.  .

أيها اللبيب : اعرف قدر الموسم فإنك إن لم تعرف قدر رمضان لم تجتهد في استغلاله فاحرص واشتغل هذه الأيام بالإكثار من  أن تسمع وتقرأ المواد النافعة المتعلقة بفضائل الصيام ومنزلته عند الله لتحرك همتك لاغتنامه على ما يحب الله تعالى وتتعرف أكثر على أسباب الفوز والفلاح والربح وتغتنمها ..وتعرف أسباب الخسارة والضياع لتجتنبها وتسلم منها. .

أخي وفقك الله لكل خير  .. تعلم فقه التعبد في رمضان ، أو ما يمكن أن نسميه فقه الأوليات، ومعنى ذلك أن هناك أعمال عظيمة مفضلة في رمضان أكثر من غيرها فمن تمام الفقه أن تكون أكثر حرصاً عليها حتى لا يفوت عليك الشهر وأنت ربما منشغل بأعمال قد تكون صالحة ولكن غيرها أفضل منها ، والمتأمل في النصوص الواردة في الحث على استغلال رمضان يجد أن أعظم الأعمال التي رغب الله فيها في رمضان هي:
1ـ قراءة القرآن وتدبره فرمضان شهر القرآن (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) وكان جبريل عليه السلام ينزل من السماء في رمضان ليتدارس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن. الصيام والقرآن حبيبان متلازمان في الدنيا والآخرة قال صلى الله عليه وسلم(الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ "، قَالَ: «فَيُشَفَّعَانِ»)  
2ـ قيام رمضان ، والفضل فيه ظاهر وقد كاد أن يكون قسيم الصيام لولا أن الصيام فرض، ومن أجل تسهيل القيام على الناس شرعت صلاة التراويح جماعة، ومن فضل الله تعالى أن من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة  .

أيها ألأخوة هذه هو رمضان شهر النقاء والطهر فنقوا قلوبكم من ذنوبكم وطهروا أنفسكم بماء التوبة والطاعة وتزينوا بلباس التقوى.

شَهْرُ النَّقَاءِ ورُوضَةِ الطُّهرِ ـ هَا قَدْ أَتيتَ كَنَسْمَةِ الفجر
رمضان جِئتَ وأنتَ مَدرسةٌ ـ للجُودِ والإخلاصِ والصَّبرِ
فيكَ السَّكِينةُ قد أظلتنا ـ فِيكَ الخُشُوعُ ودَمعَةُ الوتر
كم تائب ونادم مبتهلاًـ يرجو عتاقاً من لظى الوزرِ
رمضانُ فيك الرُّوحُ مُشرِقةٌـ بِتلاوةِ الآياتِ والذِّكرِ
فيكِ المَلائكُ تَحتَفيْ فَرَحاً ـ جبريلُ يَنزلُ ليلَةَ القَدْرِ
طُوبى لِعَبدٍ باتَ مُنْكَسِراً يدعو الإلهَ ودمعُهُ يجري
يدعو وفي شَفَتيهِ رائحةٌ ـ أزكى إذا فاحتْ من العِطْرِ
رمضان هلَّ هلالُهُ يَدعُو أينَ التَّقيُّ وباغي الخيْرِ؟!
هَيَّا إلى الجَنَّاتِ فاستَبِقُوا وتَنَافَسُوا في سَاحَةِ البِّرِ
صَعدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَلَمَّا رَقِىَ عَتَبَةً قَالَ آمِينَ ثُمَّ رَقِىَ عَتَبَةً أُخْرَى فقَالَ آمِينَ ثُمَّ رَقِىَ عَتَبَةً ثَالِثَةً فقَالَ آمِينَ ثُمَّ قَالَ أَتَانِي جِبْرِيلُ فقَالَ يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ قُلْتُ آمِينَ قَالَ وَمَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ قُلْتُ آمِينَ فقَالَ وَمَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ قُلْ آمِينَ فَقُلْتُ آمين.
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا