الخميس، 24 سبتمبر 2020

العبور على الصراط المنصوب فوق جهنم (خطبة جمعة)

 

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)

أما بعد

هل سيرد كل منا النار ؟

ورود الناس النار حقيقة إيمانية وعقيدة غيبية لا شك فيها عند كل مؤمن !

فجميع الخلائق سيردون النار مؤمنهم وكافرهم .. برهم وفاجرهم .. حُكمٌ حتَّمه الله على نفسه .. وأوعد به عباده .. فلا بدَّ من نفوذه .. ثم ينجي الله المتقين .. ويذر الظالمين لأنفسهم بالكفر والمعاصي في جهنم جثياً .. فيسقط الكفار في النار.

ويمر المؤمنون والمنافقون على الصراط على قدر أعمالهم .. فينجو المؤمنون .. وويهلك ويهوي المنافقون إلى الدرك الأسفل من النار.

قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا  }  

{وَإنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} وَالوُرُودُ: هُوَ العُبُورُ عَلَى الصِّرَاطِ، وَهُوَ جِسْرٌ مَنْصُوبٌ عَلَى ظَهْرِ جَهَنَّمَ، عَافَانَا اللهُ مِنْهَا.

 {وَإِنْ مِنْكُمْ إلَّا وَارِدُهَا} فَقَدْ فَسَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  : {بِأَنَّهُ الْمُرُورُ عَلَى الصِّرَاطِ} وَالصِّرَاطُ هُوَ الْجِسْرُ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُرُورِ عَلَيْهِ لِكُلِّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ.

 

قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصف أهوال يوم القيامة : يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ،  وَيَقُولُونَ: اللهُمَّ سَلِّمْ، سَلِّمْ " قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الْجِسْرُ؟ قَالَ: " دَحْضٌ مَزِلَّةٌ، فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكٌ تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ، فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ، وَكَالْبَرْقِ، وَكَالرِّيحِ، وَكَالطَّيْرِ، وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، أي  مطروح فيها.

ويكون الناس في ذلك المشهد العظيم كما وصف الله : {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إلَّا هَمْسًا}   قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَلَا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ إلَّا الرُّسُلُ وَدَعْوَى الرُّسُلِ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ}.

 والعبور على جهنم يكون في ظلمة شديدة

فقد سئل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات؟ قال: هم في الظلمة دون الجسر.

قيل:، فمن أول الناس إجازة؟ قال: فقراء المهاجرين»  

ومكان الظلمة دون الجسر   وفيها تقسيم الأنوار للجواز والمرور على الجسر،  

{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ }

تأتي البشارة للمؤمنين بالنجاة والفوز ، ويبقى في الظلمات الذين فتنوا أنفسهم وخدعوها بالأماني وغرتهم الدنيا ، فلما ايقنوا بالهلاك نادوا المؤمنين (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ ) ونعمل مثلكم في الدنيا (قَالُوا بَلَى) كنتم معنا وعملت مثلنا ولكنكم خلطتم أعمالكم بفتنة أنفسكم وقضيتم حياتكم على وهم الأماني وطول الأمل وراء سراب الغرور بالدنيا وشهواتها ومتعتها الفانية  (فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)

فعلى من يريد النجاة أن يحاسب نفسه بصدق وأمانة وينظر في ما يشغل به نفسه ويقضي به وقته ويفني فيه عمره مما يسمعه بإذنه  وينظر إليه بعينه ويقوله بلسانه وما يهتم به في يومه وليله وما يعمله في أوقاته ومن يرافقه ويصاحبه ، هل هو يفتن  نفسه أو يصلاحها ،هل هو يزكي نفسه او يدنسها {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}.

 

 

الخطبة الثانية

(وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)    أما بعد

إن عبور المؤمنون على الصراط وجهنم تحتهم تتلظى وتستعر موقف حقيقي ومشهد يقيني من مشاهد يوم القيامة لا شك ولا ريب فيه ولن ينجو أحدا إلا بقدر ما معه من تقوى الله والإيمان والعمل الصالح !

فيا أيها الرجل المريد نجاته هل أنت الآن مستعد للعبر على الصراط المنصوب فوق جهنم؟

لو نادى عليك الآن المناد وقال هيا انطلق للمرور على قدر إيمانك وعملك الصالح .. فما حالك عندما يقال لك ذلك؟

قال رسول الله : (فَيَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ، وَالصِّرَاطُ كَحَدِّ السَّيْفِ دَحْضٌ مَزِلَّةٌ، قَالَ: فَيُقَالُ انْجُوا عَلَى قَدْرِ نُورِكُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَانْقِضَاضِ الْكَوْكَبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالطَّرْفِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالرِّيحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَشَدِّ الرَّحْلِ وَيَرْمُلُ رَمَلًا فَيَمُرُّونَ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، حَتَّى يَمُرَّ الَّذِي نُورُهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ يَجُرُّ يَدًا وَيُعَلِّقُ يَدًا وَيَجُرُّ رِجْلًا وَيُعَلِّقُ رِجْلًا فَتُصِيبُ جَوَانِبَهُ النَّارُ)

وهكذا كلما كان الإنسان من المسابقين إلى الصالحات كان اسرع مرورا وكلما كان من المتثاقلين تأخر في العبور وزادت نسبة الخطر في سقوطه في النار

ولسائل أن يسأل : ما هي الأعمال التي تؤدي للعبور الآمن على الصراط ؟

هي باختصار : التوبة النصوح ثم الاستقامة على تقوى الله.

قال الله تَعَالَى: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }  .

فكلما زاد نور الإيمان والتوبة والتقوى في قلبك الآن زاد وقوي النور الذي يعطى لك لتعبر به على الصراط الى الجنة.

وكلما زادت نار الجهل والغفلة في نفسك زادت نسبة سقوطك في النار .

الخميس، 17 سبتمبر 2020

من نعم الله علينا

 

الحمدلله الذي خلق السماوات والأرض الحمدلله الذي سخر لنا ما في السماوات والأرض الحمدلله الذي اسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة واشهد أن لا اله الا الله واشهد أن محمدا عبده ورسوله.... اتقوا الله ولا تكونوا كالذين بدلوا نعمة الله كفرا    أما بعد

من نعم الله على بلادنا وجود الكعبة المشرفة ودعوة نبي الله إبراهيم (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ)  ولكن نعمة البلد الآمن لم يشعر بها كثير ممن يتمتعون بها فقال مذكرا ومحذرا

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ) وهناك من يرى أن اتباع غير هدي الرسول اسلم وابعد عن الشرور وإن اتباع هدي الرسول فيه خطر (وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)

وهناك نعمة أعظم وأجل وأنفع من نعمة البلد الآمن وهي نعمة ارسال الرسول محمد بدين الحق

(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ ) وكان من دعائهما (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ)

فاستجاب الله لهذه الدعوة وبعث رسوله محمدا (شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا) فأخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.

ثم طال بالناس العهد وصار بينهم وبين زمن النبوة قرون طويلة فقل العلم وكثر الجهل وراجت الخرافه ووقع الناس في الشرك فمن الله عليهم أن قام فيهم رجل منهم يدعوهم لكتاب الله وسنة رسوله وهو الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب فناصره الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى ولم تزل دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الإصلاحية قائمة في هذه البلاد حتى قام الملك عبدالعزيز رحمه بتوحيد هذه البلاد وكانت هذه الدعوة لها الدور الفعال في جمع الكلمة وتوحيد والصف .. وإن كان هناك من يلمز هذه الدعوة الإصلاحية القائمة على الكتاب والسنة ويتهمها  بتهم باطلة ويمكن أن نجمل الرد على جميع تلك التهم ونقول هاتوا الدليل من الكتاب والسنة على ما تتهمون به هذه الدعوة .. بينوا لنا الأشياء التي خالفت فيها الكتاب والسنة ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين).

وهناك من يتهم هذه الدعوة بالانغلاق والتشدد وغير ذلك التهم ..  وتلك تهم عارية من الدليل بل أن هناك ادلة تدمغ هذه التهم وتبين كذبها ومن هذه الأدلة :

إن علماء هذه البلاد الذي تخرجوا من مدرسة الدعوة الإصلاحية درسوا كتب العلم التي كتبت قبل وجود هذه الدعوة بقرون ومنها كتب الأئمة الأربعة وغيرهم من علماء القرون الأولى في تاريخ الإسلام. فهم امتداد لعلماء الإسلام

ومن الأدلة أن مساجد ومعاهد وجامعات هذه البلاد لم تنغلق على تدريس كتب علماء الدعوة الإصلاحية بل دُرِسَ فيها كتبٌ كثيرة لعلماءِ الإسلام منهم على سبيل المثال ابن كثير الدمشقي الشافعي ومنهم النووي الشامي الشافعي ومنهم ابن حجر العسقلاني ثم المصري الشافعي ومنهم أبي العز الحنفي من علماء الحنفية ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية الشامي وتلميذه ابن القيم ومنهم الشوكاني والصنعاني وهما من علماء اليمن المحققين المجددين وغيرهم الكثر العلماء.

ومن الأدلة التي تبطل تهمت الانغلاق والتقليد أن نخبة من علماء العالم الإسلامي من العراق والشام ومصر واليمن وغيرها قاموا بالتدريس والتعليم في الحرمين الشريفين وفي مساجد ومدارس المملكةالعربية السعودية .

عباد الله : إن ما أنعم الله به علينا من نعم وخاصة نعمة الدين يوجب علينا الخضوع لله والانقياد له بالطاعة وشكر نِعَمَه بالتقوى والاستقامة على طاعته والحذر من معصيته وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ

الخطبة الثانية

إن من مقاصد الإسلام الجليلة وقواعده الكبيرة الألفة بين المسلمين ووحدة صفهم واجتماع كلمتهم وهذا لن يكون إلا بالفهم الصحيح لكتاب الله وسنة رسولة والإستقامة على هدي النبي قال الله ( هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ  (أي بشرع الله) جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا (فيه ولا عنه) وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ (بالإيمان والقرآن والرسول) إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ (أي بدينه)إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

فَاشْكُرُوا اللهَ تَعَالَى عَلَى نِعْمَةِ التَّوْحِيْدِ والسنة، وَالتِي مِنْ بَرَكَاتِهَا مَا نُشَاهِدُهُ مِنْ نِعْمَةِ الأَمْنِ وَوَحْدَةِ الصَّفِ فِيْ هَذِهِ البِلَادِ الـمُبَارَكَةِ، وَالْزَمُوا جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ، وَخُذُوا عَنْ الْعُلَمَاءِ الْأَجِلَّاءِ الرَّاسِخِينَ، وَأَعْرِضُوا عَنْ غَيْرِهِمْ مَنْ دُعَاةِ الْبَاطِلِ وَالْمَنَاهِجِ الضالة ولا تستبدلوا نعمة القرآن وطاعة الرحمن بمعصية الشيطان   قال الله

{وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}

 

الخميس، 10 سبتمبر 2020

خطبة جمعة : التخبيب بين الزوجين ، تخبيب المرأة على زوجها

 الحمد لله وكفى 

من أحبُ جنودِ إبليس إليه وارضاهم عملا عنده

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ ويَلْتَزِمُهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ))

فهل يقوم أحد من البشر بهذا العمل الإبليسي؟

نعم كثير من الناس يقع في التفريق بين المرء وزوجه سواء علم أم جهل    .

ومن أكثر أنواع التفريق بين المرء وزوجه انتشارا " التخبيب ".

والتخبيب هو افساد أحد الزوجين على الآخر فيقع بسبب التخبيب بينهما من الخلاف أو الكره والشقاق ما يفسد علاقتهما ببعضهما.. ومن أخطر الأساليب : إلباس التخبيب ثوبَ النصيحة، وتظاهُرِ المخبِّبِ بالشفقة على من يريد تخبيبه فيتسلل إلى قلبه ، فالمفسد في هذه الحال لا يصرح بالتحريش، ولكن يلبس ثوب الناصح المشفق المتعاطف  ، فيبدأ قلب المخبَّبِ وهو الضحية بالغليان، ثم الغيظ على صاحبه أو زوجه  ، فينقلب عليه بغضا وذما، بعدما كان يُكْبره ويحبه ويكنُّ له الاحترام , وهكذا ينجح شيطان الإنس في فك العلاقة بين الطرفين وزعزعتها، وإزالة خيوط الترابط والمحبة وسلامة الصدر.

التخبيب بين الزوجين وإفساد ما بينهما لأي غرض كان، منكرا وجريمة  .. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا، أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ»   وفي رواية  : ((وَمَنْ أَفْسَدَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا فَلَيْسَ مِنَّا)).

ومن صور التخبيب بين الزوجين  : أن يُوقعَ  عداوةَ احدِها في قلب الآخر  ، كمن يَذكرُ مساوئَ الزوج عند الزوجة،  ويَحملَها على أن تنفر منه وتُؤذيَه، وتطلبَ الطلاقَ منه،  وكذلك من يذكر مساوئ الزوجة عند زوجها وتحقيرها في عينه، سواء بشكلها وهيئتها أو خدمتها له وعشرتها معه، ثم إما أن يحمله ذلك على سوء عشرتها، أو طلاقها، أو يذرها كالمعلقة.

وقد يهدف المخببُ بين الزوجين إلى الإفساد بين الزوجين لأجل الزواج  من احدهما، وكل ذلك من الإثم العظيم.

ومن صور التخبيب: تخبيب القنوات الفضائيّةِ ووسائل الاتصال والتواصل التي تعرِض صوَرَ النساءِ والرّجالِ في أكمَلِ زينةٍ، فأصبحَت المواصَفاتُ للزّواج فضائيّة، او انترنتية فلا تُرضِي الرجلَ امرأةٌ، وكذلك يقال للمرأةِ التي تَبني أحلامًا ورديّة للحياةِ على ضوءِ ما تربّت عليه من أفلامٍ ومسلسَلات، ثم تُصدَم بواقعِ الحياة جاهلةً أنَّ ما تربّت عليه أو تربَّى عليه الزوجُ ما هو إلاَّ مجرَّد تمثيليّات وصوَرٍ وخيالات وعُصارة أفكارِ فاسقة.

إنَّ الأفلامَ والمسلسَلاتِ وما تبثُّه القنواتُ من حِواراتٍ لم يقتصِر شرُّها على إثارةِ الشَّهوات، بل أفسدَت أخلاقَ الناس وتعاملاتِهم في بيوتهم، وقرَّرت في نفوسِ مشاهديها مبادئَ خاطئةً عن الحياةِ الزوجيّة والتعاملِ الأسريّ، وقلبَت المفاهيمَ، وحسَّنت المنكرَ، وقبَّحت المعروفَ، وفتحَت على البيوتِ أنواعًا من المشكِلات لم تكن موجودةً من قبل. إنَّ ما تقومُ به هذه الوسائلُ الإعلاميّة هو منَ التخبيب الذي حرَّمه النبيّ ‘ وهو إفساد المرأة على زوجِها وإثارتها عليه أو افساد الزوج على زوجته.

ومنَ التخبيبِ ومن إفسادِ البيوت : مناداةُ المغرضين بخروجِ المرأةِ عن ولايةِ الرجل، وإقناعُها بأنها مهضومةَ الحقوق مسلوبةَ الحرية.

ومن صور التخبيب الحديثة: تخبيب برامج التواصل ، وخاصة تلك البرامج التي تنقل اليوميات، فترى الواحدة منهن تعرض أكلها وشربها ومسكنها وسفراتها وهداياها مما يوغر صدور الزوجات على أزواجهن فيطالبن بما يعجز عنه الزوج من النفقة الباهظة لأجل مماثلة تلك ومجاراة أخرى، فيقع بين الزوجين خصومة وجدال قد تؤدي إلى الطلاق أو النفرة، ولو أن كل امرأة ورجل احتفظ بخاصة أمره ولم ينشره لتوقفت مظاهر المفاخرة والتقليد الذي سبب ديونا ومشاكل أسرية، وعدم رضا بما قسم الله، وحسدا لمن أنعم الله عليهم .. (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ).

 بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بكتابه وبسنة سيد المرسلين، أقول قولي هذا.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: نداء إلى المخبِّبِ: اعلم أي شر أصبت به، وأي دور تقوم به، إنه دور الشيطانِ ومُغْضِبُ الرحمن، وكفاك به سوءا ومغبة، إنه «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ» ، وإن رسول الله ‘ قد تبرأ ممن هذا عمله، فإياك أن تغلبك شهوة نفسكَ وهوى قلبِكَ وغيرةً تجدها في جوانحك، فتطفئَ نارَ قلبِك بإشعالِ قلوبِ الناس على بعضهم، فتفرقَ بين المرء وزوجه، وتسعى جهدك في الفتنة، ألا فلتنتبه ولتحذر، وليتوقف لسانك وقلمك ، وسل ربك العفو، وأصلح ما أفسدت فهو والله خير لك.

وأنتما أيها الزوجان: احذرا قبول من يريد التخبيب بينكما  ، ولو كان من يثير ذلك أُمًّا أو أبًا أو أخًا أو أختًا أو قريبًا أو أيا كان..

 وإذا أردت أن تفرق بين الناصح والمفسد، فعلامة المصلح محبةُ الألفةِ والحرصُ على الاجتماعِ والترابُط، وعلامةُ المفسدِ التخريبُ وإفسادُ العلاقة وفتح أبواب الخلاف والشقاق.

فإذا سمعت احداً من أولائك المخببين فتحل بصفات الأولياء الأصفياء {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ}.

  ..

أيها المسلم: يا لا تكن أذنا تسمع وتستجيب، فالعاقل يحلل وينظر ويفكر ويقيس الأمور والمصالح، ويحفظ الود، ويبقي على العلاقة، ويتجنب سبل الشيطان، ويسعى للتلاحم والترابط وتقوية المحبة والعشرة، ويعلم علم اليقين أن لا صفاء في هذه الدنيا ولا سلامة من الأخطاء والتقصير ولن يجد الكمال في أحد

فالوعي بهذه الأمور عاصم بإذن الله من شرورها، مع الاستعانة بالله تعالى أولًا وآخرًا، . والحذر من اشباه الشياطين والسحرة الذين من أعمالهم التفريق بين المرء وزوجه (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ)

أحسن الله أحوالنا، وسلم قلوبنا، وحفظ أسماعنا وأبصارنا وألسنتنا وجوارحنا عن العصيان وأهله، واجعلنا أخوة متحابين، وأعاذنا من الشيطان الرجيم وشر كل ذي شر، إن ربي لسميع الدعاء

 

الخميس، 3 سبتمبر 2020

خطبة جمعة عن الاخوة الاسلامية في زمن ثورة التواصل

 

الحمد لله؛ شرح قلوب من شاء من عباده بالإسلام، وألف بينهم بالإيمان؛ فأصبحوا بنعمة الله إخوانا، أحمده وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ امتن على رسوله ‘ بإزالة الشحناء من قلوب أصحابه، وملأها محبة ومودة ووئاما؛ {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ نهى عن الإفساد بين الناس وأمر بالعدل والإصلاح، وكان للمتقين إماما، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أَمَّا بَعْدُ: أيها الناس: اتقوا الله وامتثلوا أمر ربكم {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، وكونوا لبعضكم أولياء وإخوة كما يحب ربكم {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}

ف((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)) بهذا أخبر نبيكم ‘ وشبّك بين أصابعه.

أيها المسلمون: إن الأخوّةَ التي هي أعظمُ من أخوةِ النسبِ: الأخوةُ بين المسلمين وإن تباعدت أقطارهم ونأت ديارهم، أخوةٌ توجبُ التناصحَ والتناصرَ والتواصيَ بالحق والصبرِ عليه، أخوةٌ تمنع المسلم أنْ يغُش أخاه المسلم أو يخدعه أو يخذله أو يؤذيه بأي أذى في دمه وماله وعرضه، فقد قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً}. إن اللهَ سبحانه قد رسم لهذه الأخوةِ طريقاً تسير عليه، يُثبتُ قواعدَها وينمِّي ثمراتِها، ويدفعُ كلَّ ما يتنافى معها أو يقف في طريقها.

فأمر سبحانه بالتثبت حينما ينقل إلينا خبر سيّئ عن فرد أو جماعة من المسلمين، فلا نتعجل بقبوله حتى نعلم مدى صحته. بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} ونهى المسلمَ أنْ يسخرَ أو يحطَّ من قدر أخيهِ المسلم، وقدر المسلم عند الله عظيم، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ}.

ونهى الله سبحانه عن تلمسِ العيوبِ للمسلم وإعلانها على الناس. ونهى سبحانه عن تعيير المسلم بلقب يكرهه؛ لأن ذلك مما يسيء إليه ويورث العداوة، وربما يسبب الرد بالمثل، فيكون الإنسان قد جنى على أخيه وجنى على نفسه، قال تعالى: {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} واعتبر ذلك فسوقاً وظلماً ممن لم يتب منه فقال: {بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.

ثم نهى سبحانه عن سوء الظن بالمسلم ما لم يتبين منه ما يوجب ذلك. فإن الأصل في المسلم العدالةُ والخيرية. وسوءُ الظنِّ به يسبب الابتعاد عنه، وعداوته وبغضه، وهذا يتنافى مع الأخوة الإيمانية، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}.

ونهى -سبحانه- عن البحث عن عورات المسلم وتطلب عثراته التي قد سترها الله عليه؛ لأن في البحث عن عورات المسلم وتطلب عثراته التي قد سترها الله عليه إشاعةً للمنكر، وتشويهًا للمجتمع المسلم، وزعزعة للثقة بين المسلمين فقال تعالى: {وَلا تَجَسَّسُوا}.

كما نهى سبحانه عن الغيبة؛ لأن فيها انتهاكاً لحرمته، وتدنيساً لعرضه، وخيانة له في غيبته {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} فكيف يكره أكل لحمه ميتاً، ويأكل لحمه حياً.

عباد الله: كيف إذا اجتمعت تلك الصفات السيئة التي ذكرها الله وحذر منها، إذا اجتمع سوء الظن والسخرية والحط من أقدار الآخرين والهمز واللمز والغيبة والنميمة؟ إذا اجتمعت في امرئ أصبح شيطانا يمشي على الأرض. ثم قلَّ من كانت هذه خصاله إلا وله من الشر والإفساد نصيب, فتراه لا يهنأ بعيش إلا أن ينغص حياةَ غيره، ويحملُه غلُّه على إفساد غيره، وتفكيك الروابط بين المسلمين بعد أن كانت معقودة بعقد وميثاق، ذلكم عباد الله هو مراد الشيطان وبغيته

 

 الحمد لله الذي جعل المؤمنين إخوة. وشرع بموجب هذه الأخوة لبعضهم على بعض حقوقاً واجبة ومستحبة. أحمده على نعمه التي لا تعد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الإخوة الأحبة، وسلم تسليماً كثيراً.

أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: اتقوا الله, فإن تقوى الله خير زاد, وأفضل وسيلة إلى إرضاء رب العباد {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}

الأخوة الإسلامية: هي رابطة شرعية ربانية، وثيقة دائمة، تجمع بين كل مسلم وجميع المسلمين في كل ناحية وجزء من العالم.

﴿ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ أي: صرتم بنعمة الإسلام أخواناً في الدين

فالله تعالى هو الذي صيَّر المسلمين بالإسلام إخوانا، بعد أن كانوا قبله طرائق قددا، كما جعل سبحانه الكفار الذين أسلموا وصاروا مؤمنين إخوانا للمسلمين، تظللهم راية الأخوة الإسلامية، فقال جل شأنه: ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾

((أحبُّ الناس إلى الله تعالى أنفعُهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرورٌ يُدخِله على مسلم، أو يكشِف عنه كربةً، أو يقضي عنه دَينًا، أو يطرد عنه جوعًا، ولأن أمشِي مع أخٍ في حاجةٍ أحبُّ إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد - يعني: مسجد المدينة - شهرًا، ومَن كف غضبه ستر الله عورتَه، ومَن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة، ومَن مشَى مع أخيه في حاجة حتى تتهيَّأ له، أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام، وإن سوء الخلق يُفسِد العمل كما يُفسِد الخلُّ العسلَ

عباد الله .. هل استخدم المسلمون وسائل الاتصال والتواصل فيما يتلقونه وينقلونه لترسيخ مبادئ الأخوة بينهم والتعاون والتناصح والتصالح والألفة والمحبة والسلام فيدخلوا جنة ربهم بسلام أم أن هذه التقنية اصبحت كالوقود لنار الفتنة التي ينفخ عليها بمنفاخ البغضاء لاشعال جحيم العداوات بحطب الاحقاد فتكون النتيجة خسارة وعذاب.