الخميس، 24 سبتمبر 2020

العبور على الصراط المنصوب فوق جهنم (خطبة جمعة)

 

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)

أما بعد

هل سيرد كل منا النار ؟

ورود الناس النار حقيقة إيمانية وعقيدة غيبية لا شك فيها عند كل مؤمن !

فجميع الخلائق سيردون النار مؤمنهم وكافرهم .. برهم وفاجرهم .. حُكمٌ حتَّمه الله على نفسه .. وأوعد به عباده .. فلا بدَّ من نفوذه .. ثم ينجي الله المتقين .. ويذر الظالمين لأنفسهم بالكفر والمعاصي في جهنم جثياً .. فيسقط الكفار في النار.

ويمر المؤمنون والمنافقون على الصراط على قدر أعمالهم .. فينجو المؤمنون .. وويهلك ويهوي المنافقون إلى الدرك الأسفل من النار.

قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا  }  

{وَإنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} وَالوُرُودُ: هُوَ العُبُورُ عَلَى الصِّرَاطِ، وَهُوَ جِسْرٌ مَنْصُوبٌ عَلَى ظَهْرِ جَهَنَّمَ، عَافَانَا اللهُ مِنْهَا.

 {وَإِنْ مِنْكُمْ إلَّا وَارِدُهَا} فَقَدْ فَسَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  : {بِأَنَّهُ الْمُرُورُ عَلَى الصِّرَاطِ} وَالصِّرَاطُ هُوَ الْجِسْرُ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُرُورِ عَلَيْهِ لِكُلِّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ.

 

قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصف أهوال يوم القيامة : يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ،  وَيَقُولُونَ: اللهُمَّ سَلِّمْ، سَلِّمْ " قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الْجِسْرُ؟ قَالَ: " دَحْضٌ مَزِلَّةٌ، فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكٌ تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ، فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ، وَكَالْبَرْقِ، وَكَالرِّيحِ، وَكَالطَّيْرِ، وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، أي  مطروح فيها.

ويكون الناس في ذلك المشهد العظيم كما وصف الله : {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إلَّا هَمْسًا}   قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَلَا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ إلَّا الرُّسُلُ وَدَعْوَى الرُّسُلِ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ}.

 والعبور على جهنم يكون في ظلمة شديدة

فقد سئل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات؟ قال: هم في الظلمة دون الجسر.

قيل:، فمن أول الناس إجازة؟ قال: فقراء المهاجرين»  

ومكان الظلمة دون الجسر   وفيها تقسيم الأنوار للجواز والمرور على الجسر،  

{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ }

تأتي البشارة للمؤمنين بالنجاة والفوز ، ويبقى في الظلمات الذين فتنوا أنفسهم وخدعوها بالأماني وغرتهم الدنيا ، فلما ايقنوا بالهلاك نادوا المؤمنين (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ ) ونعمل مثلكم في الدنيا (قَالُوا بَلَى) كنتم معنا وعملت مثلنا ولكنكم خلطتم أعمالكم بفتنة أنفسكم وقضيتم حياتكم على وهم الأماني وطول الأمل وراء سراب الغرور بالدنيا وشهواتها ومتعتها الفانية  (فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)

فعلى من يريد النجاة أن يحاسب نفسه بصدق وأمانة وينظر في ما يشغل به نفسه ويقضي به وقته ويفني فيه عمره مما يسمعه بإذنه  وينظر إليه بعينه ويقوله بلسانه وما يهتم به في يومه وليله وما يعمله في أوقاته ومن يرافقه ويصاحبه ، هل هو يفتن  نفسه أو يصلاحها ،هل هو يزكي نفسه او يدنسها {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}.

 

 

الخطبة الثانية

(وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)    أما بعد

إن عبور المؤمنون على الصراط وجهنم تحتهم تتلظى وتستعر موقف حقيقي ومشهد يقيني من مشاهد يوم القيامة لا شك ولا ريب فيه ولن ينجو أحدا إلا بقدر ما معه من تقوى الله والإيمان والعمل الصالح !

فيا أيها الرجل المريد نجاته هل أنت الآن مستعد للعبر على الصراط المنصوب فوق جهنم؟

لو نادى عليك الآن المناد وقال هيا انطلق للمرور على قدر إيمانك وعملك الصالح .. فما حالك عندما يقال لك ذلك؟

قال رسول الله : (فَيَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ، وَالصِّرَاطُ كَحَدِّ السَّيْفِ دَحْضٌ مَزِلَّةٌ، قَالَ: فَيُقَالُ انْجُوا عَلَى قَدْرِ نُورِكُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَانْقِضَاضِ الْكَوْكَبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالطَّرْفِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالرِّيحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَشَدِّ الرَّحْلِ وَيَرْمُلُ رَمَلًا فَيَمُرُّونَ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، حَتَّى يَمُرَّ الَّذِي نُورُهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ يَجُرُّ يَدًا وَيُعَلِّقُ يَدًا وَيَجُرُّ رِجْلًا وَيُعَلِّقُ رِجْلًا فَتُصِيبُ جَوَانِبَهُ النَّارُ)

وهكذا كلما كان الإنسان من المسابقين إلى الصالحات كان اسرع مرورا وكلما كان من المتثاقلين تأخر في العبور وزادت نسبة الخطر في سقوطه في النار

ولسائل أن يسأل : ما هي الأعمال التي تؤدي للعبور الآمن على الصراط ؟

هي باختصار : التوبة النصوح ثم الاستقامة على تقوى الله.

قال الله تَعَالَى: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }  .

فكلما زاد نور الإيمان والتوبة والتقوى في قلبك الآن زاد وقوي النور الذي يعطى لك لتعبر به على الصراط الى الجنة.

وكلما زادت نار الجهل والغفلة في نفسك زادت نسبة سقوطك في النار .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق