الأربعاء، 4 مارس 2020

خطبة جمعة عن فيروس كورونا

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً).
أما بعد: موقف المسلم من مرض كورونا الذي هو حديث الناس اليوم, وشاغل مجالسهم,  أناس يحذرون منه, وآخرون يقللون من قيمته, وفئة ثالثة تنسج حوله الإشاعات والأراجيف .  
فيا أيها الناس: كم نرى من الأصحاء يموتون بغير مرض ولكن أكثر الناس  لا يعلم أنه يسير إلى الموت ويهرب منه إليه ، وما علم أنه يقترب منه ولا يبتعد عنه: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) فلا تشتغل بالموت والخوف منه، فليس أمره إليك، ولكن اشتغل بالعمل النافع قبل هجوم الموت: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً).
  عباد الله: مهما تعددت الطرق للموت، وتنوعت الأسباب، إلا أن الموت واحد، ووقته لا يتغير.
 من لم يمت بالسيف مات بغيره * تعددت الأسباب والموت واحد
 وخير من ذلك قوله تعالى: (فإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ).

 معاشر المؤمنين: فليحذر المسلم من أن يصيبه الهلع والوسواس  بسبب ضعف التوكل على الله، فمن علم أن القدر مكتوب، وأنه لا يكون شيء إلا بأمر الله، وأن ما قدّره الله كائن لا محالة، متى استقرت هذا في القلب، وأيقن به صاحبه، اطمأن قلبه، وزال همه وخوفه من الأقدار، وانزاحت عنه الوساوس والأوهام، لذا كان لزامًا علينا جميعًا أن نغرس التوكل في قلوبنا غرسًا، ونسقيه بكلام الله وسنة رسوله لننعم بالحياة المطمئنة
وعلينا أن نعلم بحقائق تجعلنا أكثر طمأنينة وراحة .. منها.

 أولا: الأمراض كلها بقدر الله، فلن يصاب أحد إلا بما كتبه الله عليه، فلم الجزع والخوف؟! قال -صلى الله عليه وسلم-: “واعلم أنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ.

 ثانيا: مرض كورونا كبقية الأمراض التي مرّت بالناس من قبله  ، فالواجب أن نستفيد مما مضى، وأن لا نكون ألعوبة في أيدي تجار العقاقير، فما يموت في الحوادث أكثر ممن يموت بالأمراض، فلماذا الهلع من الأمراض؟!
ومن انتهى أجله مات بالكورونا أو بغيره
ثالثا: لا شك أن لهذا المرض علاجًا -بإذن الله تعالى-, جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما أنزل اللهُ من داءٍ, إلَّا أنزل معه دواءً, علِمه من علِمه, وجهِله من جهِله, إلَّا السَّامَ؛ قيل: يا رسولَ اللهِ: وما السَّامُ؟! قال: الموْتُ".قد يكون البشر لم يتوصلوا بعدُ  لعلاج لهذا المرض, ولكن لبحثوا فإن لكل داء دواء .وليتأكد من أصيب بذلك المرض أن نسبة شفائه منه كبيرة جدًا, فإن نسبة المتعافين من المرض هي الأكبر ولله الحمد والمنة.
.
إخوة الإيمان  ما هي أسباب الوقاية من هذا المرض وغيره من الأمراض المعدية ؟
هناك أسباب وقاية  مادية وهناك أسباب وقاية شرعية  
فيجب علينا الأخذ بهذه الأسباب كلها دون الاقتصار على سبب دون الاخر
 الوقاية المادية ومنها
 على المريض عدم مخالطة الأشخاص الأصحاء قدر الإمكان، وهو مقتضى حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ
الأخذ بنصائح أهل الشأن والخبرة في هذا الشأن وهم الأطباء
أما سبل الوقاية الشرعية : فمنها  التحصن بذكر الله -تبارك وتعالى-, فيحرص الإنسان على أذكار الصباح والمساء فهي خير حافظ من الله للعبد فقد جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَن قال حينَ يُصْبِحُ وحينَ يُمْسي: أعوذُ بكلماتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِن شرِّ ما خلَق لم يضُرَّه شيءٌ.
ومَنْ نَزَلَ مَنْزِلا فَقَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ
فهذه وصية نبينا صلى الله عليه وسلم لكل من نزل منزلا سواء كان في الخلاء أو في بيت أو في العمل ".
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم "ما من عبدٍ يقولُ في صباحِ كلِّ يومٍ ومساءِ كلِّ ليلةٍ: بسمِ اللَّهِ الَّذي لا يضرُّ معَ اسمِهِ شيءٌ في الأرضِ ولا في السَّماءِ وَهوَ السَّميعُ العليمُ، ثلاثَ مرَّاتٍ، إلا لم يضرَّهُ شيءٌ
ومن أسباب الوقاية الشرعية : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أكل سبعَ تمْراتٍ حين يصبح، لم يضرّه في ذلك شيءٌ حتى يُمسيَ". قال الراوي: وأظنُّه قال: "وإن أكلَها حين يُمسي، لم يضرُّهُ شيءٌ حتى يُصبحَ", وقد ذكر جمع من أهل العلم أنه إذا لم يتوفر تمر العجوة فإن غيره من أنواع التمور تقوم مقامه.
وقال  (من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه) ، أي كفتاه من كل آفة وشر
ومن الوقاية الشرعية الحذر من التسرع في نشر الأخبار, وإشاعة الإشاعات, ونقل الرسائل دون التثبت من صحتها, فكثير من تلك الرسائل والأخبار كذب محض لا أصل له
ومن الوقاية الشرعية الاعتصام بالله والتوكل عليه وتفويض الأمر إليه والرضا بقضائه فلنتوكل على الله، فمن توكّل على الله كفاه، ولنعمل بالأسباب والاحتياطات من غير مبالغة ولا ركون للأسباب، ولنعلم أنه ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، وأن انتشار الفواحش يسبب الأمراض التي لم تعرف من قبل، فما دفع البلاء بمثل التوبة والاستغفار، وكثرة الطاعات، والدعاء.
والله يقدر مثل هذه الأمراض ليري الناس علامات قدرته وقوته ومن حكمة   ذلك لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ
فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ .
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, قد قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.أَمَّا بَعْدُ:
 أيها المؤمنون : من أهم أسباب الوقاية اجتناب المعاصي والتوبة منها لأن الله أخبرنا أن هذه الأمراض والحوادث المؤلمة والموذية للأنسان تقع بسبب معصية الإنسان .
قال الله -تبارك وتعالى-  : (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ). ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
 فتكون عقوبة ليرتدع الباغي عن بغيه, ويفيق الغاوي من غيه, وينال العاصي جزاء عصيانه.وقد تكون هذه الأمراض والأسقام ابتلاءً من الله -تبارك وتعالى- لعباده المؤمنين؛ ليزيد في درجاتهم ويمحصهم:  

 معاشر المسلمين:
كورونا ركب الطائرات بلا تذاكر. وتجاوز نقاط التفتيش بلا استئذان .ودخل الدول بلا جوازات .وعبر القارات مع شدة تدابير المنظمات .ذلك ليعلم العالم أن أمر الله نافذ واذا أراد الله شيئا فلا مرد له
ونحن أمام هذا المرض الذي أخاف الدول والمنظمات الصحية والأفراد ، والعالم عاجز أمام مخلوق صغيرمتناهي في الصغر ولكن هز العالم
 نعم عجز البشر مع تقدم علمهم أمام عظمة الله وقدرته وتلاشت الماديات ولا  يرتكن إليها فهي لا شيء امام قوة الله فهذا كورونا مثال واحد صغير حقير يثبت لنا شدة فقر الإنسان إلى الله تعالى وشدة جهله به ويقول  أيها الإنسان انك جاهل مهما بلغت من العلوم المادية
أيها الإنسان انك ضعيف مهما تمكنت من القدرات والقوة
أيها الإنسان انك عاجز فقير أيها الإنسان اعرف قدرك
فليحذر المسلم من الاعتماد على  الأسباب  المادية الحسية دون التوكل على الله فإن من ركن إلى غير الله أشرك ومن اتقى الله وقاه ومن توكل على الله كفاه ومن عصاه اذله ومن اطاعه اعزه
اللهم ارفع عنا الوبا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن..