الخميس، 14 نوفمبر 2019

مجاهدة النفس خطبة جمعة

الحمد لله ... أما بعد

مجاهدة النفس فريضة من فرائض الله على عبده (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)

اعْلَمْ وَفَّقَكَ اللَّهُ أَنَّ النَّفْسَ مُجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ الْهَوَى

وهوى النفس مضرر لها ضررا كبيرا وخطيرا فهي مفْتَقرَة إِلَى مُجَاهَدَةِ الهوى  ومُخَالَفَته وَمَتَى لَمْ تُزْجَرْ النفس عن اتباع الهوى هَجَمَ عَلَيْهَا الْفِكْرُ فِي طَلَبِ مَا شُغِفَتْ بِهِ فَاسْتَأْنَسَتْ بِالآرَاءِ الْفَاسِدَةِ وَالأَطْمَاعِ الْكَاذِبَةِ وَالأَمَانِي الْخادعة خُصُوصًا إِنْ سَاعَدَ الشَّبَابُ والصحة والفراغ فقد يبلغ الإنسان جنون الغفلة وهو لا يشعر.

 أخي رحمك الله : لا نجاة للنفس ولا سعادة لها ولا هداية الا بمجاهدتها، قال الله {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}

فَجِهَادُ النّفْسِ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ:

إحْدَاهَا: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى تَعَلّمِ الْهُدَى وَدِينِ الْحَقّ الّذِي لَا فَلَاحَ لَهَا وَلَا سَعَادَةَ فِي مَعَاشِهَا وَمَعَادِهَا إلّا بِهِ وَمَتَى فَاتَهَا عَلِمَهُ شَقِيَتْ فِي الدّارَيْنِ.

الثّانِيَةُ: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الْعَمَلِ بِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ وَإِلّا فَمُجَرّدُ الْعِلْمِ بِلَا عَمَلٍ إنْ لَمْ يَضُرّهَا لَمْ يَنْفَعْهَا..

الثّالِثَةُ: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الدّعْوَةِ إلَيْهِ وَتَعْلِيمِهِ مَنْ لَا يَعْلَمُهُ وَإِلّا كَانَ مِنْ الّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ الْهُدَى وَالْبَيّنَاتِ وَلَا يَنْفَعُهُ عِلْمُهُ وَلَا يُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ اللهِ..

الرّابِعَةُ: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الصّبْرِ عَلَى مَشَاقّ الدّعْوَةِ إلَى اللهِ وَأَذَى الْخَلْقِ وَيَتَحَمّلُ ذَلِكَ كُلّهُ لله..

فَإِذَا اسْتَكْمَلَ هَذِهِ الْمَرَاتِبَ الْأَرْبَعَ صَارَ مِنْ الرّبّانِيّينَ فَإِنّ السّلَفَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنّ الْعَبد لَا يَسْتَحِقّ أَنْ يُسَمّى رَبّانِيّا حَتّى يَعْرِفَ الْحَقّ وَيَعْمَلَ بِهِ وَيُعَلّمَهُ فَمَنْ عَلِمَ وَعَمِلَ وَعَلّمَ فَذَاكَ يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السّمَاوَاتِ.

والواجب على من يريد النجاة والفلاح مجاهدة النفس ومراقبتها ومحاسبتها على ما تُمْدَحُ به وما تُذَم وإلزامها دائماً بأحسن الأمور والأخلاق والبعد عن الأخلاق الذميمة وعن اسباب المعصية التي تدنس النفس والاجتهاد فيما ينفع عند الله.

{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}

إن مما يزكي النفس تتبُّع صفات المؤمنين والصفات الحميدة التي دعا إليها القرآن الكريم والرسول ومحاولة التحلي بها، والحذر والبعد مما حذّرا منه من الأخلاق السيئة وأخلاق الكافرين والمنافقين والفاسقين والاحتراس منها والحذر كل الحذر من الوقوع فيها.

أخي وفقك الله : أنت في حاجة شديدة إلى المجاهدة النفس ، فإن النفس مَيَّالة إلى التفلت من القيود والتكاليف، والنفس تنساق وراء سعادة لحظية مُتَوهَّمة تسبب شقاء الأبد!.

ولا يصح لك أن تطلب معالي الأمور بأرخص الثمن!

ولا يصح أن يُطمِّعك في الشر والدناءة حصولهما بغير ثمن!

وإن من يريد عظيماً ومن يريد معالي الأمور لا بد له من أن يدفع ثمنها المناسب، وإلا لاستوى الناس جميعاً في فُرَصِ الوصول إلى المعالي!!.

حقاً ليست العبرة دائماً بمقدار الثمن ولكن بالنتيجة والمُثَمَّنِ، وقد اقتضت سنة الله تعالى في الحياة أن يَبْذل الإنسان لكل شيء ما يناسبه، فللدنيا سعي وللآخرة سعي!! وللفضائل سعيٌ وللرذائل سعيٌ!!.

{وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً}.

 

ومن علامات الانتصار على النفس في معركة الجهاد معها أن تفعل ما يرضي الله ولو كرهته النفس وتجتنب ما يكرهه الله ولو رغبته النفس وأحبته ومالت إليه.

والصبر بأنواعه المختلفة مِن أهم عُدّة المجاهِد لنفسه، ومِن أهم ما يَحتاجه في هذا الباب الصبر عن الشهوة.

فمَن جاهَدَ نفسه لله، وأراد أن يَقوى صبره  فعليه بالنظر في عواقب الأمور كلها.

ومِن أهم ذلك النظر في عواقب الاستجابة للشهوة، أياً كانت هذه الشهوة، حلالاً أم حراماً؛ فإنّ لكلّ عَمَلٍ عاقِبَةً، ولكلِّ خطوةٍ نتيجةً، والنتيجة لك أو عليك!.

إنّ على الإنسان أن يكون موقفه مِن شهوته موقف المراقبة والمحاسبة، لا موقفَ الاسترسال معها والاستجابة لها، وأن يستحضر -قَبْل الاستجابة لشهواته عواقب اتباع الشهوات:

وليعلم العاقل إن الصبر عن الشهوة أسهلُ مِن الصبر على ما توجبه الشهوة من عواقب :

فإنها: إِمّا أَنْ توجب أَلَماً وعقوبةً.

وإِمّا أَنْ تقطع لذةً أكملَ منها كلذة القرب من الله .

وإِمّا أَنْ تُضيع وقتاً إضاعته حسرةٌ وندامةٌ.

وإِمّا أَنْ تَثْلمَ عِرضاً توفيره أنفع للعبدِ مِن ثَلْمه.

وإِمّا أَنْ تُذهِب مالاً بقاؤه خيرٌ له من ذهابه.

وإِمّا أَنْ تَضَعَ قَدْراً وجاهاً قيامه وبقاؤه خيرٌ مِن وضْعه.

وإِمّا أَنْ تَسْلب نعمةً بقاؤها ألذّ وأطيبُ مِن قضاء الشهوة.

وإِمّا أَنْ تُطَرِّقَ لِوَضيعٍ إليك طريقاً لم يَكُن يَجِدها قبلَ ذلك.

وإِمّا أَنْ تَجْلِبَ همّاً وغَمّاً وحُزْناً وخوفاً لا يُقارِبُ لذّة الشهوة.

وإِمّا أَنْ تُنْسيَ عِلْماً ذِكْرُهُ أَلَذّ مِن نَيلِ الشهوة.

وإِمّا أَنْ تُشْمِتَ عدوّاً وتُحزِنَ ولِيّاً.

وإِمّا أَنْ تَقطَعَ الطريق على نِعْمةٍ مُقْبلةٍ.

وإِمّا أَنْ تُحْدِثَ عَيباً يَبقى صفةً لا تَزول؛ فإنّ الأعمال تورث الصفات والأخلاق"!!.

فمن الشجاعة المحمودة مجاهدة الإنسان نفسه ومجاهدة النفس تكون بتعلم وعمل ما ينفع  وبقمع الشهوة وتهذيب النفس وتطهيرها وتزكيتها

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ»،

 الخطبة الثانية

الحمد لله .... أما بعد

من لم يجاهد نفسه فسوف يقع في ظلم نفسه قال الله  {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ }

{وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ }

ومن جاهد نفسه نفعها بالهدى ومنعها من الضلال واتباع الهوى قال الله  {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا}

ومن لم جاهد نفسه فلن يكن من الشاكرين قال الله  {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ}

وعلى قدر مجاهدة النفس تحصل التزكية وتتحقق قال الله  {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ}

 ومن صدق في جهاده لنفسه نال الفقه في الدين وابصرت نفسه ما ينفعها وكان على بصيرة من دينه  قال الله { قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا }

من ضعف في جهاده لنفسه فقد حرم نفسه الصالحات وأساء لنفسه قال الله  {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}

ومن السفه والحمق أن يتهاون الإنسان في مجاهدة نفسه على اتباع منهج المرسلين  قال سبحانه {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ}

كل إنسان مع نفسه بائع ومشتري فمن شرى نفسه من عذاب الله برضوان الله فقد فاز ومن باع نفسه بثمن بخس من معصية الله فقد خاب وخسر  قال الله {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ}

من لم يصبر على مجاهدة نفسه ويستمر على الإستقامة فقد ضر نفسه بالذنوب والأثام قال تعالى {وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ}

ومن لم يطهر نفسه بالصدقة فقد دنسها بالبخل والشح قال تعالى {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ}

{وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}

فمجاهدة النفس فرض وواجب وإيمان وإحسان وطاعة وشكر وصبر وتقوى وجهاد ورباط  قال الله  {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ }

اللَّهُمَّ قَوِّي إِيمَانِنَا بِكَ وَنَوِّرْ قُلُوبَنَا بِنُورِ الإيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ، اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ وَأَلْهِمْنَا ذِكْرَكَ وَشُكْرَكَ، وَأَمِّنَّا مَنْ سَطْوَتِكَ وَمَكْرِكَ، اللَّهُمَّ ادخلنا فِي حِزبكَ الْمُفِلِحِين، وَاجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الْمُخْلِصِينَ، وَآمِّنَّا يومَ الفَزَعَ الأَكْبر يومَ الدِّين، وَاحْشُرْنَا مَعَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيين وَالصِّدقِينَ والشُّهْداء والصالحِينِ، وَاغْفِرَ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ والْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ 

السبت، 2 نوفمبر 2019

معنى قول الله وثيابك فطهر خطبة جمعة


الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الصادق الأمين

ماذا قال أهل الشأن والاختصاص من العلماء في تفسير قول الله وَثِياَبَكَ فَطَهِّرْ}
قيل خلقك فحسن  ونزه نفسك وطهرها من المعايب والنقائص والمساوي.
وقيل كسبك ومالك ومأكلك ومشربك فطهره من الحرام
وقيل : نساءك طهرهن" وقد يكنى عن النساء بالثياب واللباس. قال تعالى:
{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إلَى نِسائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187]
وقيل بيتك فطهر من المعاصي قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا
وقيل عَمَلَكَ فَأَخْلِصْهُ. وقيل بدنك وملبسك فطهر
وأكثر المفسرين على أن المراد بالثياب هاهنا القلب، والمراد بالطهارة إصلاح الأعمال والأخلاق التي هي علامة على صلاح القلب وطهارته .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ.
والغفلة عن طهارة القلب أصل كل فساد وهي من العقوبات التي يصاب بها الإنسان في دينه..  قال الله تعالى
{أُولِئك الّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} [المائدة: 41] قال ذلك بعد قوله: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لقوم آخرين لم يأتوك يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} [المائدة: 41] .
مما يدل على أن العبد إذا اعتاد سماع الباطل وقبوله أكسبه ذلك تحريفا للحق عن مواضعه، فإنه إذا قبل الباطل أحبه ورضيه، فإذا جاء الحق بخلاف الباطل الذي اعتاده رده وكذبه إن قدر على ذلك، وإلا حرفه.
فهذه علامة الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم، فإنها لو طهرت لما أعرضت عن الحق، وتعوضت بالباطل عن كلام الله تعالى ورسوله، فلو  طهرت قلوبهم لما تعوّضوا بالسماع الشيطانى عن السماع القرآنى الإيمانى. قال عثمان بن عفان رضى الله عنه: "لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله".
فالقلب الطاهر، لكمال حياته ونوره وتخلصه من الأدران والخبائث، لا يشبع من القرآن، ولا يتغذى إلا بحقائق القرآن ، ولا يتداوى إلا بأدوية القرآن ، بخلاف القلب الذى لم يطهره الله تعالى، فإنه يتغذى من الأغذية التى تناسبه، بحسب ما فيه من النجاسة. فإن القلب النجس كالبدن العليل المريض، لا تلائمه الأغذية التى تلائم الصحيح.
ودلت الآية على أن من لم يطهر الله قلبه فلا بد أن يناله الخزى فى الدنيا والعذاب فى الآخرة، بحسب نجاسة قلبه وخبثه. قال تعالى: {أُولئِكَ الّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فى الدُّنْيَا خِزْىٌ وَلَهُمْ فى الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 41] .ولهذا حرم الله سبحانه الجنة على من فى قلبه نجاسة وخبث، ولا يدخلها إلا بعد طيبه وطهره. فإنها دار الطيبين. ولهذا يقال لهم:
{طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: 73] .
أى ادخلوها بسبب طيبكم. والبشارة عند الموت لهؤلاء دون غيرهم، كما قال تعالى:
{الّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الجنَّةَ بِمَا كُنْتمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32] .
فالجنة لا يدخلها خبيث، ولا من فيه شىء من الخبث. فمن تطهر فى الدنيا ولقى الله طاهراً من نجاساته القلبية دخلها بغير معوق، ومن لم يتطهر فى الدنيا فإن كانت نجاسته عينية، كالكافر، لم يدخلها بحال. وإن كانت نجاسته عارضة دخلها بعد ما يتطهر فى النار من تلك النجاسة، ثم يخرج منها، حتى إن أهل الإيمان إذا جازوا الصراط حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيهَذَّبون وينقَّون من بقايا بقيت عليهم، قصرت بهم عن الجنة، ولم توجب لهم دخول النار، حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم فى دخول الجنة.
والله سبحانه بحكمته جعل الدخول عليه موقوفا على الطهارة، فلا يدخل المصلى عليه حتى يتطهر. وكذلك جعل الدخول إلى جنته موقوفا على الطيب والطهارة القلبية ، فلا يدخلها إلا طيب طاهر القلب. فهما طهارتان: طهارة البدن، وطهارة القلب. ولهذا شرع للمتوضئ أن يقول عقيب وضوئه:
"أَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحّمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنِى مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِى مِنَ المُتَطَهِّرِينَ".
فطهارة القلب بالتوبة، وطهارة البدن بالماء. فلما اجتمع له الطهران صلح للدخول على الله تعالى، والوقوف بين يديه ومناجاته....
ولا يمكن أن يطهر القلب إلا إذا اهتم الإنسان بحراسة منافذ القلب وحفظ هذه المنافذ حتى تبقى هذه المنافذ طاهرة وبهذا يسلم القلب من الدنس
ولسائل أن يقول: ما هي المنافذ التي يدخل منها الدنس والفساد إلى القلب؟
فهذه المنافذ هي
منفذ البصر والنظر الى الحرام سهم مسموم من سهام ابليس يفتك بالقلب
منفذ السمع وسماع الباطل من غناء ولهو وكلام يدنس القلب
منفذ اللسان والكلمات التي يقولها الإنسان لا يراقب الله فيها جراحات تجرح القلب وتلوثه وكم من جرح قتل
الفم ومنه ينفذ اكل الحرام فكُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ   
فمن لم يعتني بطهارة قلبه لن تدخل التقوى إلى ذلك القلب ولن تستقر فيه قال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى)
فان التقوى لا تسكن إلا قلبا نظيفًا.

الخطبة الثانية    
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
قال الله تعالى : { وَثِياَبَكَ فَطَهِّرْ}
هذه  الآية  توضح بلاغة القرآن في اللفظ والمعنى فهي آية موجزة في كلمتين ولكنها منهج حياة شامل كامل وتعم وتشمل أنواع الطهارات الحسية والمعنوية والظاهرة والباطنة فهي تدل بطريق التنبيه واللزوم على:
طهارة  الجسد بالغسل والوضوء، وطهارة الملبس .
 وطهارة البصر والسمع واللسان مما لا ينفع .
  وطهارة القلب من المعاصي القلبية  ، وطهارة النفس بحفظها من الذنوب "بالتقوى" وتطهيرها من المعاصي "بالتوبة" .
وطهارة العمل من الرياء والنفاق والفساد  . وطهارة العلم من سوء الفهم وسوء القصد وطهارة العقيدة من الريب والشرك والبدع .
وطهارة الأخلاق والسلوك من المعائب والنقائض والمساوئ. وطهارة التعامل مع الناس والعلاقات مع الآخرين من الظلم والبغي والغش والخيانة والغدر وسوء الظن .. وطهارة المأكل والمشرب والتطهر من نجاسات المخدرات والخمر التدخين .
 وطهارة النساء بالمحافظة على الحياء والعفة والتقوى.. وطهارة البيوت من المعاصي.

  عباد الله اعلموا رحكم الله إن سلامة القلب وصلاحه اهم شيء ينجزه الإنسان في هذه الحياة الدنيا فإن المحافظة على القلب من أهم الفروض والواجبات.
وقد حذر الله أشد التحذير من قرب أهل الباطل أو مصاحبتهم عبر وسائل الاتصال والتواصل الحديثة .
تأمل كيف حذر الله ونهى وحرم من الصلاة مع أهل الباطل وان الصلاة معهم في مسجدهم باطلة مردودة غير مقبولة .. قال الله   تعالى
لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ
فاذا كان هذا حكم الله في مسجد أهل الباطل لأنه أسس على غير التقوى فكيف بباطلهم وكيف بمرافقتهم ومصاحبتهم ومتابعتهم وتقليدهم والتشبه بهم .. فلا نجاة ولا سلامة إلا أن تكون من الذي يحبون أن يتطهروا طهارة كاملة شاملة لعلك تكون ممن فازوا بمحبة الله لهم.