الخميس، 12 أكتوبر 2023

معنى الصمد وموجز ما ذكره المفسرون في معنى هذا الاسم الكريم

 

﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾   

 (الصمد): اسم كريم من أسماء الله الحسنى ، وقد ورد ذكره في كتاب الله مرة واحدة في قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : اللَّهُ الصَّمَدُ )

ومعنی الصمد: السيّد الذي تصمد وتتوجه له الخلائق لكمال خيره وعطائه، وكثرة إحسانه وجوده، فتضطر له الأبدان لقضاء حوائجها كلها، وتفتقر له النفوس لفضله الذي لا غنى لهم عنه طرفة عين

الصمد هو السيد الذي يُصمَدُ اليه والذي ليس فوقه أحد؛ والعرب تسمي اشرافها بهذا الاسم (الصمد) لكثرة الصفات المحمودة في هذا الاسم

ومن معاني (الصمد) :  المصمود بالحوائج، والمقصود إليه بها) . فانظر لهذا العالم الفسيح، ولهؤلاء الخلق الذين لا يحصيهم إلا من خلقهم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وكيف أنهم كلهم يحتاجون إلى ربهم في حوائجهم كلها، فيتوجهون إليه ويصمدون نحوه، وحوائج الخلق - كما هو معلوم - لا تنتهي، بل لا ينتهي أحدهم من حاجة إلا ويضطر لما بعدها فيقضيها لهم الله، فتتابع إحسانه سبحانه وتعالى عليهم لا ينقطع.

       

وصمود الخلق له في صغائر حوائجهم قبل كبارها، ومهما عظمت مكانة المرء فهو مضطر لمولاه، فقير لفضله، محتاج لإحسانه ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ ‌أَنْتُمُ ‌الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ 

لقد احتوى هذا الاسم على اوصاف عظيمه ومدائح جميلة لربنا جل في علاه لا تنبغي الا لمن تناهى سؤدده وعَظُمَ فضله وجوده وهو الله وحده تعالى

فهو الذي قد كمل بجميع أنواع الشرف والسؤدد؛ كمل في ذاته وصفاته وأفعاله؛ وكماله وكمال صفاته لا منتهى له، وعظمته فوق كُلِّ عظمة، وإحسـانه فوق كل إحسان ﴿وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو ‌الْفَضْلِ ‌الْعَظِيمِ﴾ 

ومن معاني: (الصمد) هو الذي لا جوف لــه فقد تنزّه وتقدّس وتعالى عن صفات المخلوقين كأكل الطعام ونحوه، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عن ذلك علــواً كبيراً)

ولذا رد الله على النصارى بما ذكر من وصف حاجة عيسى وأمه للطعام والشراب مما يدل على بطلان ألوهيتهما ، فالرب الحق لا يأكل ولا يشرب :لأن الأكل حاجة، والرب منزّه عن الحاجة، ومن أكل احتاج لإخراج ما في جوفه - والإله الحق يُنزّه عن ذلك أعظم تنزيه ، فلو عقلوا لأيقنوا ببطلان الوهيتهما.

ووحدوا الله الغني الصمد، قال الله سبحانه وتعالى :

﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا ‌يَأْكُلَانِ ‌الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ والله هو الصمد الذي لم يحتج للطعام ولا للشراب

ومن معاني الصمد العالي الذي تناهى علوه وله العلو المطلق من جميع الوجوه ومن له صفات التعالي وصفة العزة والقهر والعلو ﴿مَا قَدَرُوا اللَّهَ ‌حَقَّ ‌قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ 

﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ‌هَلْ ‌تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾

و من معاني الصمود النفيسة ما أشار إليها ابن القيم رحمه الله بقوله: (صمود القلوب إليه بالرغبة والرهبة، وذلك لكثرة خصال الخير فيه، وكثرة الأوصاف الحميدة)

وهو معنى لطيف فيه الإشارة لحاجة القلوب للتوجه لربها، والعيش مع صفاته الحميدة التي تملأ القلب طمأنينة وثقةً وأنسا وراحة.

وصمدية الله فيها إثبات الكمال المطلق لرب العالمين ﴿لَيْسَ ‌كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ 

فهو الصمد الذي لم يحتج إلى أحد ، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، وهو المبتدئ بالفضل وبكل شيء وإليه المنتهى ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ ‌وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ .

والله هو الصمد الذي لم يحتج للزوجة ولا للولد

وهو الصمد الأحد الذي لا يحتاج لشريك أو وزير أو معين أو نصير. قال تعالى ﴿‌بَدِيعُ ‌السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ 

وهو الصمد الكامل في حياته، فلا تأخذه سنة ولا نوم.

وهذه المعرفة لهذا الاسم الجليل تُثمر : التعلّق بالله وحده، فلا تتوجه القلوب إلا إليه وحده في طلب الحاجات، فرب بهذه الأوصاف العظيمة ينبغي أن يتـوجه إليه دون سواه.

وهذه فائدة جليلة من فوائد معرفة [‌الصمد] ،وهي عبادة الافتقار إليه وهو الذي يفتقر إليه كل شيء، وهو مستغني ويستغنى عن كل شيء. بل الأشياء مفتقرة من جهة ربوبيته، ومن جهة إلهيته، فما لا يكون به لا يكون، وما لا يكون له لا يصلح ولا ينفع ولا يدوم، وهذا تحقيق قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}  

وللدعاء بهذا الاسم العظيم مزية وفضيلة فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ ‌الْأَحَدُ ‌الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ، الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ"

 ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ ‌وَلَا ‌يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ الخطبة الثانية

هُوَ الإِلهُ ‌السَّيِّدُ ‌الصَّمَدُ الَّذِي … صَمَدَتْ إِلَيهِ الخَلْقُ بالإذْعَانِ

الكَامِلُ الأوْصَافِ مِنْ كُلِّ الوُجُو … هِ كَمَالُهُ مَا فِيهِ مِنْ نُقْصَانِ

ومعرفة الله الصمد سبب لمحبة العبد لربه ومن أحب الله بصدق فاز بحب الله له عَنْ ‌عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِ فَيَخْتِمُ بِـ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ. فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: ‌لِأَنَّهَا ‌صِفَةُ ‌الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللهَ يُحِبُّهُ

ان اسم الصمد يتضمن جميع صفات الكمال ونعوت العظمة والجلال التي بلغت منتهى الكمال وذروة الجمال وعظمة الجلال فاتجهوا الى ربكم المصمود اليه في الحوائج والنوازل والمقصود اليه في الرغائب والمستغاث به عند المصائب

قال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،: {الصَّمَدُ} السَّيِّدُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي سُؤْدُدِهِ، وَالشَّرِيفُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي شَرَفِهِ، وَالْعَظِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي عَظَمَتِهِ، وَالْحَلِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِلْمِهِ، وَالْغَنِيُّ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي غِنَاهُ، وَالْجَبَّارُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي جَبَرُوتِهِ، وَالْعَالِمُ الَّذِي قَدْ ‌كَمُلَ ‌فِي ‌عِلْمِهِ، وَالْحَكِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِكْمَتِهِ، وَهُوَ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي أَنْوَاعِ الشَّرَفِ وَالسُّؤْدُدِ وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ هَذِهِ صِفَةٌ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لَهُ لَيْسَ لَهُ كُفُوٌ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فَسُبْحَانَ اللَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴿فَذَلِكُمُ ‌اللَّهُ ‌رَبُّكُمُ ‌الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ﴾ 

﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ ‌حَقَّ ‌قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ 

 ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ ‌مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾