الخميس، 19 مايو 2016

لتتبعن سنن من كان قبلكم (2)

قال الله تعالى: ﴿اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾.

في هاتين الآيتين قسَّمَ اللهُ النَّاسَ إلى ثلاثة أقسام:

١. الذي أنعم الله عليهم بالعلم النافع والعمل الصالح. وعلى رأسهم الرسل -عليهم السلام- والصحابة -رضوان الله عليهم- والتابعين لهم بإحسان -رحم الله مَنْ مات منهم وبارك فيمن بقي-.
٢. المغضوب عليهم، وَهُمْ مَنْ عَلِمَ الحقَّ وعرف الصحيح من الفاسد ثم عمل بعكس ما علم وعمل عملاً فاسداً. وعلى رأسهم اليهود ومن شابههم، ومن لم يعمل بما علم.
٣. الضالون وهم من لم يعلم علماً نافعاً ولم يعمل عملاً صالحاً. وعلى رأسهم النصارى ومن اتصف بهم، ومن عمل بغير علم. 
     فلا نجاة للمسلم إلا بالعلم النافع والعمل الصالح ولا هداية له إلا بذلك. 

     وعلى قدر مجاهدتنا لأنفسنا لتعلم العلم النافع والقيام بالعمل الصالح ننال من الهداية على قدر تلك المجاهدة، ونسلم من مشابهة من كان قبلنا من المغضوب عليهم والضالين على قدر تلك المجاهدة، ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين﴾. [العنكبوت: 69].

    وقد تضمن هذا الدعاء أربعة أمور مهمة:

١. بيان الهداية والإرشاد إليها وايضاح سبلها.
٢. التضرع لله بأن يوفقنا للهداية ويعيننا عليها.
٣. الحذر من موانع الهداية وأسباب البعد عنها.
٤. الثبات على الهداية والاستمرار عليها حتى الممات.
     وهاتان الآيتان صرحتا بأن اتباع سنن من كان قبلنا له خطورة شديدة تتضح لنا حين نتأمل ونتدبر هذا الدعاء العظيم (اهدنا الصراط المستقيم ….)

فهذا الدعاء الذي هو أجمع وأنفع الدعاء وأهمه وأوجبه، وقد فرض الله علينا الصلاة، وسورة الفاتحة من أعظم أركان الصلاة، وهذه السورة هي أعظم سورة في القرآن الكريم، ومن آياتها هذا الدعاء العظيم الذي أمرنا الله أن ندعوه في كل وقت من اليوم والليلة أن يهدينا صراطه المستقيم ويجنبنا ويبعدنا عن طرق المغضوب عليهم والضالين، فدل ذلك دلالة واضحة صريحة على وجوب الحرص على الهداية والحذر من المغضوب عليهم والضالين والبعد عن مشابهتهم والبراءة من أعمالهم وصفاتهم.

     وإذا تأملنا في تكرار هذا الدعاء في كل ركعة من صلاتنا -فرضها ونفلها- وجدنا أنه يدل على حقيقتين، هما:
الأولى: الطائفة التي هداهم الله وساروا على منهج ﴿الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا﴾ واقتدوا بهم ظاهراً وباطناً فهم الفائزون المفلحون.

الثانية: أن طوائف من هذه الأمة ممن يتبع سبل المغضوب عليهم والضالين، وأن هذه الاتِّباع واقعٌ مشاهدٌ من جميع شرائح الأمة من غير استثناء.

     فالمسلم بحاجةٍ شديدةٍ لهداية الله له أشد من حاجته للهواء والغذاء فإطلاق طلب الهداية يقتضي العموم؛ لأن المسلم بحاجة للهداية في دينه وفي جميع شؤون حياته وكل أموره وأحواله، وبهذه يتبين ضلال وانحراف من ينادون بإبعاد شئون الحياة عن الدين من أصحاب المذاهب المادية العلمانية والسماعون لهم، فمن خالف الصراط المستقيم في أي حال من أحواله فقد اتبع صراط أصحاب الجحيم من الكفار والمنافقين دعاة الغواية وأعداء الهداية.

    وإذا تأملنا هذه الآية ﴿صراط الذين انعمت عليهم﴾ وجدناها ترسخ منهج القدوة الذي يعصم من سلكه واعتنى به من الانزلاق إلى مهاوي سبل المغضوب عليهم والضالين، وهذا المسلك السليم والمنهج القويم يسمو ويشمخ بأهله إلى قمم الهداية ويعصم من السقوط والانحطاط إلى مستنقعات الغواية؛ سواء غواية الأفكار والأفهام أو غواية التعبد والنسك غواية الأخلاق والسلوك أو غواية التعصب للجهل والجاهلية والتقليد الأعمى بشتى أنواعه. 
    وفي هذ الدعاء -في سورة الفاتحة- التحذير من خطورة أهل الشبهات والشهوات وأهمية الحذر من شرهم ومكرهم وباطلهم، ووجوب دعاء الله بالسلامة من مشابهتهم.

   ومما يجدر التنبيه عليه والتحذير منه: هو الباطل المتجدد والفساد المتنوع الذي يقذفه -سونامي الإعلام الفاسد من قنوات فضائية وشبكة الإنترنت وبرامج التواصل وغيرها- وما تنفثه تلك الوسائل من سموم الأفكار وسرطان الأخلاق وشدة فتنة المسلمين بهذا الانحلال والانحطاط الذي اقتحم بيوتهم ولم يرض إلا بالتغلغل في عقولهم والتجذر في نفوسهم حتى اشرأبت به قلوبهم فشب عليه الصغير وهرم فيه الكبير.. إلا من رحم الله.

    وقد تضمنت سورة الفاتحة منهج الوقاية من انحراف وضلال من كان قبلنا "وممن حولنا" ويتضح ذلك من خلال مايلي:
١. أهمية التوحيد ومعرفة عظمة ربوبية الله﴿الحمد لله رب العالمين﴾.
٢. أثر الإيمان بالله واليوم الآخر ﴿مالك يوم الدين﴾.
٣. دور العبادة الفعال في حماية العابد وأهمية استعانته بالمعبود ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾.
٤. أهمية الدعاء.
٥. أهمية الهداية والسعي لتحصيلها وزيادتها ﴿والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم﴾.
٦. أهمية بيان طريق الهداية ﴿الصراط المستقيم﴾.
٧. أهمية معرفة أهل الهداية ﴿صراط الذين انعمت عليهم﴾ حتى يقتدى بهم ويقطع الطريق على الادعياء والملبسين والمضللين.
٨. أهمية معرفة أهل الباطل وبيان صفاتهم ومعرفة أحوالهم حتى نسلم من اتباعهم أو مشابهتهم أو الانخداع بهم ونسلم من شرهم ومكرهم وخداعهم.