الأربعاء، 6 فبراير 2019

الرد على بعض شبهات من يبيح ويجيز بناء الكنائس والمعابد الكفرية في بلاد المسلمين


وممَّا يثيره - اليومَ في وسائلِ الإعلامِ وغيرها- الجهلةُ تارةً، والمغرِضون تارةً أخرى، قولهم: كيف لا نسمح لهم ببناء الكنائس والمعابد في بلادنا وقد سمَحوا لنا ببناء المساجِد في بلادهم؟! ولو منعناهم من ذلك فسيمنعون المسلمين من بناء المساجِد والصلاة فيها، وأنَّه ينبغي أن نُعطي رَعاياهم حريَّتهم الدينيَّة، كما أعطَوْا رعايا المسلمين حريَّتهم الدينيَّة، وأنَّ مِن العلماء المعاصرين مَن أفتى بجواز ذلك؛ اعتمادًا على رأي أبي حنيفةَ في الجواز، ...إلخ.

وردُّ هذه الشُّبَه من وجوه:

الأول: أنَّ المساجدَ دُورٌ يُعبد فيها الله عزَّ وجلَّ وحده، أما الكنائس والمعابد غير الإسلاميَّة فهي معابدُ كفريَّة، يُكفر فيها بالله عزَّ وجلَّ، ويعبد معه غيره؛ فهل يستويان؛ {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص:28] ؟!

الثاني: أنَّ دعوى منحهم المسلمين الحريَّةَ في ممارسة تعاليمهم الدينيَّة عاريةٌ عن الصحَّة؛ فهاهم يمنعون المسلمين من أقلِّ حقوقهم الشخصيَّة: كتطبيق أحكام الإسلام عليهم، وإنشاء بنوك إسلاميَّة، وتعدُّد الزوجات، ولُبْس الحِجاب، وغير ذلك؛ بحُجَّة أنَّ أنظمة البلد العلمانيَّة تحظر ذلك؛ أفلا يحقُّ للمسلمين أن يمنعوهم من بناء الكنائس والمعابد؛ لأنَّ تعاليم دِينهم الإسلامي تمنع ذلك؟!

الثالث: أنَّ مواطني الدول الغربيَّة قدِ اعتنق كثيرٌ منهم الإسلام، فالمساجد تُعتبر عندهم من حقوق المواطنة، وليس للوافدين من المسلمين، أمَّا دُول الجزيرة العربية؛ فالأصلُ أنَّهم كلَّهم مسلمون، ومن تنصَّرَ منهم، فهو مرتَّدٌ عن دِين الله، وحُكمه في الشرع معروف؛ فلِمَن تُبْنَى الكنائس والمعابد؟ أللعمالة الوافدة غير المستقرَّة؟! ما لكم كيف تَحكُمون؟!

الرَّابع: أنَّ الإذنَ لهم ببناء كنائس ومعابد كفريَّة في دِيار الإسلام بحُجَّة سماحهم للمسلمين ببناء المساجد في بلادهم يقودنا إلى قضية أخرى، وهي الإذن لهم بالدعوة لدينهم بين المسلمين بحُجَّة أنهم يَسمحون للمسلمين بأنْ يدعُوا إلى الإسلام في بلادهم؛ فهل يقول بذلك مسلمٌ؟! (بل مَن يُجوِّز ذلك بحُجَّة ما يُسمَّى بحريَّة الاعتقاد؛ فهو كافر مرتدٌّ وإنْ صلَّى وصام وزعَم أنَّه مسلمٌ)( [33]).

الخامس: أنَّ الإذن ببناء معابدَ وكنائس وغيرها من دور الكفر، يجعل الجزيرة العربيَّة مسرحًا لدِيانات الكفر والشرك، وهي التي أمَر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ألَّا يكونَ فيها دِينان!

السادس: أنَّه لو ترتَّب على منْعِ بناء الكنائس والمعابد في بلاد المسلمين منعُ بناء المساجد في بلاد الكفَّار؛ فإنَّ دَرءَ مفسدة تلويث بلاد المسلمين - وجزيرة العرب خاصَّةً - بدِين النصارى واليهود والهندوس والبوذيين، أَوْلى مِن المحافظة على مصلحة مكاسب بعض المسلمين في بلاد الكُفر، وعلى المسلمين القادرين على الهِجرة أن يُهاجروا، وعلى العاجزين أن يُصَلُّوا في بيوتهم، كما أفتى بذلك الشيخ عبد الرحمن البرَّاك حفظه الله.

السابع: أنَّ ممَّا يدلُّ على اعتبار الخصوصيَّة ومراعاتها، وأنها قاعدةٌ معتمدة عند العقلاء من كلِّ مِلَّة: أنَّ دولة الفاتيكان تمنع من بِناء معابد غير الكنيسة فيه؛ وذلك لِمَا يرونه من كون الفاتيكان معقلًا للنصرانيَّة، وملاذًا لأهلها، فالجزيرة العربية - وفيها البلد الحرام، والكعبة المشرَّفة - أَوْلى بذلك؛ كيف لا؟! وهي ملاذُ المسلمين، ومنتهى مقاصدهم. وعلى هذا الأصل الذي يُقِرُّ به عقلاءُ كلِّ ملَّة، جاءتِ النصوصُ النبوية في بيان كون هذه الجزيرة العربيَّة جزيرةَ الإسلام، لا يجتمع فيها دِينان. ولكن لو سمح الفاتيكان ببناء المساجد فيه؛ هل يكون هذا مسوِّغًا لنا في الإذن ببناء الكنائس في جزيرة العرب؟ الجواب: لا؛ فلسنا تبعًا للفاتيكان، إنْ مَنَعَ مَنَعْنَا وإنْ أذن أذِنَّاا! فالإسلام يَعلو ولا يُعلى عليه، وقد تقدَّم أنَّ التسويةَ بين دُور التوحيد ومعابد الكُفر، سفهٌ وضلال، نعيذ منه كلَّ مسلم.

الثامن: أنَّ حُرمة بناء الكنائس والمعابد الكفريَّة في بلاد المسلمين ممَّا انعقد عليها الإجماع، نقل ذلك كثيرٌ من أهل العلم منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية( [34])، وتقيُّ الدِّين السُّبكي( [35])، والشيخ ابن باز( [36])، وغيرهم كثير؛ فلا وجه لِمَا ذكَره بعضُ المعاصرين عن تجويز الإمام أبي حنيفة ذلك، مع أنَّ القاضي تقيَّ الدِّين السبكيَّ قد أوْضح المراد بكلام أبي حنيفة، فقال: (ولعلَّ أبا حنيفة إنما قال بإحداثها في القُرى التي يتفرَّدون بالسُّكنى فيها، على عادتهم في ذلك المكان، وغيرُه من العلماء بمنعها؛ لأنَّها في بلاد المسلمين وقبضتهم وإنِ انفردوا فيها، فهُم تحت يدِهم؛ فلا يُمكَّنون من إحداث الكنائس؛ لأنَّها دار الإسلام، ولا يريد أبو حنيفة أنَّ قريةً فيها مسلمون فيُمكَّن أهل الذمة من بناء كنيسة فيها؛ فإنَّ هذه في معنى الأمصار، فتكون محلَّ إجماع)( [37]).

التاسع: أنَّ المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة - في جلسته المنعقدة بالقاهرة في 10/10/2000م - أصدر بيانًا قال فيه: (التأكيد الحاسم بأنَّ الجزيرة العربية وقَلْبها المملكة العربيَّة السعوديَّة هي الحصانةُ الجغرافيَّة لعقيدة الإسلام، لا يجوز شرعًا أن يقومَ فيها دِينان، ولا يجوز بحالٍ أن يُشهَر على أرضها غيرُ دِين الإسلام. كما تَستنكر هيئةُ رئاسة المجلس العودةَ إلى المطالبة ببناء كنائس على أرض السعوديَّة، بعدَ أنْ حُسِمَ هذا الأمر سابقًا في حوار مطوَّلٍ مع الفاتيكان عَبْر اللجنة الإسلاميَّة العالميَّة للحوار، واتَّفق على إغلاق هذا الملفِّ، وعدم إثارته ثانيًا).

وأخيرًا، و(بناءً على جميع ما تقدَّم؛ فإنَّه ليس لكافر إحداثُ كنيسةٍ في [جزيرة العرب]، ولا بيعة، ولا صومعة، ولا بيت نار، ولا نَصْب صنمٍ؛ تطهيرًا لها عن الدِّين الباطل، ولعموم الأحاديث، وعليه؛ فليس للإمامِ الإذنُ بشيء منها، ولا الإبقاءُ عليه؛ مُحدَثًا كان أو قديمًا)( [38]).