الخميس، 16 يونيو 2022

امتهوكون فيها يا ابن الخطاب

 

‌أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؟

من القائل؟ ومن المقول له ؟ وما القصة والمناسبة التي ورد بسببها هذا الزجر الشديد والنهي البليغ؟

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: (أَتَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِنُسْخَةٍ مِنْ التَّوْرَاةِ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ، هَذِهِ نُسْخَةٌ مِنْ التَّوْرَاةِ)  (أَصَبْتُهَا مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، أَعْرِضُهَا عَلَيْكَ؟)  (" فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - " ، فَجَعَلَ عُمَرُ يَقْرَأُ ، " وَوَجْهُ رَسُولِ اللهِ يَتَغَيَّرُ " ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -: ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ  أَمَا تَرَى وَجْهَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ ، فَنَظَرَ عُمَرُ إِلَى وَجْهِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ غَضَبِ اللهِ وَغَضَبِ رَسُولِهِ ، رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا ، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا ، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا)  (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " ‌أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؟ ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا  بَيْضَاءَ نَقِيَّةً) (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَوْ أَصْبَحَ مُوسَى فِيكُمْ فَاتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي ، لَضَلَلْتُمْ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ، وَلَوْ كَانَ حَيًّا وَأَدْرَكَ نُبُوَّتِي مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي).

التهوك كالتهور، والوقوع في الأمر بغير روية.

والمتهوك الذي يخوض في كل أمر، ثم يقع في  التحير والشك.

 

وقوله: «لقد جئتكم بها بيضاء نقية»، يعنيواضحة صافية ظاهرة خالصة، خالية عن الشرك والشبهة. لأنها الملة الحنيفية، ؛ كقول الله تعالى: ﴿ وَذلِكَ دِيْنُ الْقَيِّمِةِ ﴾

 

وشريعة الرسول التي أرسله الله بها  مصونة عن التبديل والتحريف والأغلال، خالية عن التكاليف الشاقة، فهي الشريعة الأعلى والأفضل والأسلم والأكمل والأتم.

 

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (لو كان موسى حيًّا واتبعتموه وتركتموني، ضللتم)، لأن الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ أمروا أن يؤمنوا به صلى الله عليه وسلم وينصروه، قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾  

 

وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوكُمْ وَقَدْ ضَلُّوا، وَإِنَّكُمْ إِمَّا أَنْ تُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ وإما أنْ تُكَذِّبُوا بِحَقٍّ، وَإِنَّه والله:

: «لَوْ كَانَ مُوسَى وَعِيسَى حَيَّينِ؛ لَمَا وَسِعَهُما إلا اتِّباعِي».

 

فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد أوجب الله عليهم أن يؤمنَ بعضُهم ببعض، ويصدقَ بعضُهم بعضًا؛ لأن جميع ما عندهم هو من عند الله، وكل ما من عند الله يجب التصديق به والإيمان، فهم كالشيء الواحد.

والرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتمُهم، فكل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لو أدركوه لوجب عليهم الإيمان به واتباعه ونصرته، فهو إمامُهم ومقدمُهم ومتبوعُهم.

 

وهذه الآية من أعظم الدلائل على عُلو مرتبته وجلالة قدره، وأنه أفضل الأنبياء وسيدهم صلى الله عليه وسلم، ولما قررهم الله تعالى﴿ قَالُوا أَقْرَرْنَا ﴾؛ أي: قبلنا ما أمرتنا به على الرأس والعين، ﴿ قَالَ ﴾ الله لهم﴿ فَاشْهَدُوا ﴾على أنفسكم، وعلى أممكم بذلك، قال﴿ وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ ﴾ العهد والميثاق المؤكد بالشهادة من الله ومن رسله ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾.

 

فعلى هذا كل من ادَّعى أنه من أتباع الأنبياء كاليهود والنصارى، ومن تبعهم، فقد تولوا عن هذا الميثاق الغليظ، واستحقوا الفسق الموجب للخلود في النار إن لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم

عباد الله : يجب على المسلمين أن يغرسوا في أنفسهم وفي أبناء المسلمين اعتزازهم بهذا الدين، كما يجب أن يُظهِروا أخلاق الإسلام في تعاملهم مع غير المسلمين مما يكون سببًا في التأثير عليهم وترغيبهم في الإسلام، لا أن يكون لديهم انهزام في السلوك وتأثر بالآخرين!

فهل يعي اللاهثون خلف هذه الثقافات المستوردة خطرها على الأخلاق والمفاهيم والأفكار وما تحدثه عند المسلمين من انفصال عن هويتهم والاقتداء بهدي نبيهم ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾ 

الخطة الثانية

الحمد لله الذي خلق العباد ليَعبدوه، وتكفَّل بأرزاقهم، وأنزل القرآن ليدَّبروا آياته، واشهد أنه أرسل خاتم الرسل محمدًا - صلى الله عليه وسلم - الذي قال:   [تركتُكم على ‌المحجَّةِ ‌البيضاءِ ليلُها كنهارِها، لا يَزيغُ عنها إلا هالكٌ]، وبيَّن الحلال والحرام، وما يَنبغي أن يفعله العباد، وما عليهم أن يَجتنبوه، ولم يَبقَ لأحد عذر، عباد الله اتقوا الله واجعلوا هذه الحياة الفانية مَزرعة للدار الباقية، فاليوم عملٌ ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾  

أيها المسلمون: لقد انكر رسول الله على عمر لما جاء بصفحة منسوبة للتوراة يقرأها بين يدي رسول الله ، ومن هو عمر!! إنه عمر الفاروق أكمل الأمة إيمانا وعقلا وتقوى بعد رسول الله وصاحبه الصديق، إنه عمر الذي إذا سلك طريقا سلك الشيطان طريقا اخرا ،إنه عمر المبشر بالجنة ،إنه عمر الخليفة الراشد ،إنه عمر الذي أمرنا رسول الله بالاقتداء بهديه ،إنه عمر الملهم المسدد ،إنه عمر الذي كان سدا بين المسلمين وبين الفتن والبدع فلما قتل انفتح باب الشر على الأمة. فكيف لا نخاف على أنفسنا وأولادنا ونحن اضعف في الدين والفهم والعلم من عمر الفاروق ، ويتخطفنا ويتخطف أولادنا من الفتن المظلمة والشرور المهلكة والشكوك والشبهات أكبر واخطر من صفحة التوراة التي كانت بيد عمر بين يدي رسول الله ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾ ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾