الخميس، 26 مايو 2022

هل بنيت لك بيتا في الجنة

 

هل بنيت لك بيتا في الجنة
كَمْ يَسْعَى الْإِنْسَانُ وَيَشْقَى فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِيَبْنِيَ لَهُ بَيْتًاً فِيهَا ، فَيَخْسَرُ مِنْ مَالِهِ وَجَهْدِهِ وَفِكْرِهُ وَوَقْتِهُ مَا لَا يَخْطُرُ عَلَى بَالٍ .

ثُمَّ هَذَا الْبَيْتُ الَّذِي شَقِيَ فِيهِ مُعْرِضٌ لِلْبِلَى وَالزَّوَالِ ، وَالْحَرْقِ وَالْهَدْمِ ، وَالتَّشَقُّقِ وَالتَّصَدُّعِ ، وَانَ سَلِمَ الْبَيْتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَلَنْ يَسْلَمَ صَاحِبُهُ مِنْ الْمَوْتِ ، فَكُلٌ مُسَافِرٌ مَعَ قَافِلَةِ الرَّاحِلِينَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ ‌مُشَيَّدَةٍ ﴾ .

وَيَكُونُ هَذَا الشَّخْصُ قَدْ تَحْمِلَ الْهُمُومَ وَالْغُمُومَ وَالْأَرَقَّ وَالْقَلَقَ ، وَلَرُبَّمَا سَكبَ مَاءَ وَجْهِهِ ، طَلَبَاً للْقَرْضِ وَالدَّيْنِ ، وَسَائِلًاً الْإِمْهَالَ وَالتَّأْجِيلَ ، وَفِي النِّهَايَةِ هُوَ يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ عَرْضٌ زَائِلٌ وَمَتَاعٌ حَقِيرٌ .   

وَلِذَلِكَ الْمُؤْمِنُ تَسَمُّوْا نَفْسُهُ وَيَتَشَوَّقُ لِيَبْنِيَ لَهُ بَيْتا وَقَصْرا فِي الْجَنَّةِ .

وَبُيُوتُ وَقُصُورُ الْجَنَّةِ لَيْسَت كَبُيُوتِنَا وَقُصُورِنَا جَاءَ فِي وَصْفِ بُيُوتِ الْجَنَّةِ كَمَا قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  :

( الْجَنَّةُ بِنَاؤُهَا لَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ وَ لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَ مَلَاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ وَ حَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْيَاقُوتُ وَ تُرْبَتُهَا الزَّعْفَرَانُ مَنْ يَدْخُلُهَا يُنْعَمُ لَا يَبْأَسُ وَ يَخْلُدُ لَا يَمُوتُ لَا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ وَ لَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ)  

وهناك أيها الأحبة أعمال رتب عليها النبي  صلى الله عليه وسلم  أن من عملها فان الله يبني له بيتا في الجنة من هذه الأعمال :
من حمد الله واسترجع عند مصيبة موت الولد.
 
وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ ، قَالَ اللهُ لِمَلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ ، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ ، فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ‌ثَمَرَةَ ‌فُؤَادِهِ  ؟ ، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ ، فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ ، فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ   فَيَقُولُ اللهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ »
ومن تلك الأعمال : قراءة سورة الإخلاص

عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ حَتَّى يَخْتِمَهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ ، ‌بَنَى ‌اللهُ ‌لَهُ قَصْرًا فِي الْجَنَّةِ»

ومن الأعمال الصالحة التي يبني الله لعاملها بيتا عنده في الجنة : من بنى لله مسجدا لا رياء فيه ولا سمعه ويبتغي به ما عند الله

 قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : « مَنْ ‌بَنَى ‌مَسْجِدًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ، بَنَى اللهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ » وَفِي رِوَايَةِ  : «بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ»  
وفي رواية «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ ‌كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ»


  ومنها : السنن الرواتب قبل الفريضة وبعدها.
عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ ‌يُصَلِّي ‌لِلَّهِ ‌كُلَّ ‌يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا، غَيْرَ الفَرِيضَةٍ، إِلَّا بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ » قَالَتْ أَمُّ حَبِيبَةَ: «فَمَا بَرِحْتُ أُصَلِّيهِنَّ بَعْدُ» وقَالَ عَمْرٌو: «مَا بَرِحْتُ أُصَلِّيهِنَّ بَعْدُ»، وقَالَ النُّعْمَانُ مِثْلَ ذَلِكَ.

‌وهذه السنن الرواتب القبلية والبعدية وهي ‌أَرْبَعُ ‌رَكَعَاتٍ ‌قَبْلَ ‌الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الظُّهْرِ، ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعشاء وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ»

وعبادات التطوع ونوافل الصالحات لها أهمية كبيرة وفضل كبير فهي تكمل النقص في الفريضة وتجبر الخلل الذي لا نسلم منه، قال رسول الله صلى الله وسلم:

«إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الصَّلَاةُ»، قَالَ: " يَقُولُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَزَّ لِمَلَائِكَتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ: انْظُرُوا فِي صَلَاةِ عَبْدِي أَتَمَّهَا أَمْ نَقَصَهَا؟ فَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً، وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا، قَالَ الله : انْظُرُوا ‌هَلْ ‌لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ؟ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ، قَالَ: أَتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى ذَاكُمْ »

ومن فوائد التطوع العظيمة محبة الله للعبد قال الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي «وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ ‌بِالنَّوَافِلِ ‌حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ»

عباد الله : بيوت الدنيا تبنى بالتراب وفي التراب وبانيها من تراب ومصيرها الزوال والفناء !!
وأما بيوت الجنة وقصورها فإنما تبنى في أعظم دار وبجوار أعظم جار وبعظيم الأعمال، ومن أعظمها: الاستعانة بالله والدعاء بأن يوفقك الله للأعمال الصالحة التي تبني بها بيتك في الجنة كما فعلت المرأة الصالحة التي جعلها الله مثلا للذين امنوا

﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ ‌بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ 

 قال العلماء ما أعقل هذه المرأة حين اختارت الجار قبل الدار

أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم 

  الخطبة الثانية

ومن الأعمال الصالحة التي يبني الله لعاملها بيتا عنده في الجنة :

- من ترك المراء وإن كان محقا بنى الله له بيتا في الجنة.
 - من ترك الكذب ولو كان مازحا بنى الله له بيتا في الجنة.
 - من حسن خلقه بنى الله  له بيتا في الجنة.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي ‌رَبَضِ ‌الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ»

لكن هذا الفضل لن يناله ويفوز به من يخوض مع الخائضين في هذه الزمن لأن الحديث طلب من المسلم أن يكون على سلوك صالح مستقيم وملتزم بأدب رفيع منيع من تسلل سفاسف الأمور وأن يكون على عفة عالية في التحرز من المعائب والنقائص ولن يصعد إلى درجات هذا السمو الأدبي والنقاء الخلقي من دنسوا أنفسهم بملوثات المناهي والملاهي لأن هؤلاء حالهم  ﴿كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ ‌بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ فهم لم يهتموا بالصالحات حتى يفوزوا بتلك المنازل الجميلة ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ‌وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ 

ومن كان له بيتٌ في ربض الجنة و بيت في وسط الجنة و بيت في أعلى غرف الجنة فإنه قد جاهد نفسه حتى بلغ من مجاهدة نفسه أنه لم يدع للخير مطلبا إلا وطلبه ، ولم يدع للشر مهربا إلا هرب منه ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ* جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ‌طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ 

الخميس، 19 مايو 2022

فضل قراءة القرآن بفهم وتدبر

 

‌‌‌ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا } وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليما

عبادة خص الله بها البشر دون الملائكة ولحب الملائكة لهذه العبادة فإنهم يحضرونها ويستمعون، وهذا لعظم فَضْل ‌تَرْتِيل ‌الْقُرْآن وَالْخُشُوع في قراءته

عَنِ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَرَأَ رَجُلٌ الْكَهْف، وَفِي الدَّارِ دَابَّةٌ فَجَعَلَتْ تَنْفِرُ، فَنَظَرَ فَإِذَا ضَبَابَهٌ أَوْ سَحَابَةٌ قَدْ غَشِيَتْهُ قَالَ: فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «اقْرَأْ فُلَانٌ! فَإِنَّهاَ السَّكِيْنَةُ تَنَزَّلَتْ عِنْدَ الْقُرْآنِ، أَوْ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ»

وعَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَيْنَمَا أَنَا أَقْرَأُ اللَّيْلَةَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ إِذْ سَمِعْتُ وَجْبَةً مِنْ خَلْفِي، فَظَنَنْتُ أَنَّ فَرَسِي انْطَلَقَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم: "اقْرَأْ يَا أَبَا عَتِيكٍ"، تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ نَزَلَتْ لِقِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ مَضَيْتَ لَرَأَيْتَ الْعَجَائِبَ".

هذا أثر من بركة القرآن ،وهذه علامة  صدق قراءة القارئ الصادق المخلص

فمن شَرَعَ فِي القِرَاءَةِ فَلَيَكُنْ شَأْنُهُ التَّدْبُرَ وَلِيَحْذَرْ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ بَعْضِ الْجهال يَقْرَأَ القُرْآنَ وَعُيُونُهُ تَجُولُ فِيمَا حَوْلَهُ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ يَتَلاعَبُ بالقُرْآنِ وَلا يَهْتَمُ لَهُ قَالَ تَعَالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} ، وَقَالَ تَعَالى في مَعْرَضِ الإِنْكَارِ على من لا يتدبر : {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} .

فالمؤمنُ العاقلُ المُحُب للهِ وَرَسولِهِ تِلاوةُ القرآنِ وَتَفَهُّمُهُ عِنده أَلَذُّ الأَشْيَاءِ وَأَنْفَعَهَا لِقَلْبِهِ

ولا يَملُ من تِلاوته ولا يقنعُ بتلاوته دُونَ أن يَطْلُبَ فَهْمَ مَعَاني ما أرادَ الله عز وجل من تَعْظِيمِهِ وَتَبْجِيلِهِ وَتَقْدِيسِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَإِرْشَادِهِ وَآدَابِهِ وَوَعَدِهِ وَوَعِيدِهِ.

وَيَعْلَم أنه لا ينال مَنَافِعَ آخِرَتِهِ وَلا الفَوْزَ بِهَا وَالنَّجَاةَ مِنْ هُلْكَتِهَا إِلا بإتباع القرآن الدَّال على كل نَجاة والْمُنْجِي لَهُ مِن كُلِّ هَلَكَةٍ.

قَالَ الله جل وعلا: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}  

القرآن أَنْزَلَهُ اللهُ جَلَّ وَعَلا عَلَى عباده لِيُعُرِّفَهُم بِنَفْسَه وَيُذَكِّرهُمْ بِهِ وَيُنَبِّههم من رَقدَاتِ الغَافِلين.

وَيُحْيِيَ قُلُوبَهُم ويُنَوِّرَ أَبْصَارَهُم وَيَشْفِي صُدُورَهُم وَيزُيلَ جَهْلَهَا وَيُنْفِي شُكُوكَهَا وَدَنَسَهَا وَزَيْفَهَا وَيُوضِحَ سَبِيلَ الْهُدَى وَيكْشِفَ بِهِ العَمَى وَالشُّبُهَاتِ.

وَيُزيلَ نوازعَ الشَّيْطَانِ وَوَسَاوسَ الصُّدُورِ وَيُغْنِي بِهِ مِنْ فِهْمَهُ وَيَنْعَمَ بِهِ مَنْ كَرَّرَ تِلاوَتَهَ وَيَرْضَى بِهِ عَمَّنْ سواه.

هُوَ صِرَاطُ اللهِ الْمُسْتَقِيم الذي مَن سَلَكَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ أَوْقَفَهُ على الرغائب وَسَلَّمَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَهَالِكِ وَخَفَّفَ عَنْهُ أَهْوَالَ يومِ العَرْضِ والنُّشُورِ. وَأَوْرَدَهُ رِيَاضَ جَنَّاتِ النعيم.

هُوَ حَبْلُ اللهِ الْمَتِين الذي لا انقطاعَ لَهُ مَن تَمَسَّكَ بِهِ نَجَا قال الله جل وعلا وتقدس لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} .

ومَن أَعْرضَ عنه عَطِبَ قال جل وعلا: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}

قراءة القرآن بتدبر وفهم وعقل تعلم طلاقة اللسان وفصاحته

وتغذي طمأنينة القلب وتزكي النفس وتزيد الإيمان وتقوي اليقين

وتعلم الأخلاق والآداب وفي قصصه وأمثاله وأخباره اكتساب الخبرة والبصيرة  بالمنافع والمضار وتحقيق المصالح ومنع المفاسد، والاتصاف بقوة الشخصية ونمو العقل ورجاحته

واتزان التصرفات وضبط الانفعال و تعلم الإحسان وتحقيق التقوى

 

ألست أيها المؤمن تحبُ ربك وتُجِله وتعظمه ؟!!

فأين علامة حبِك واجلالك لربك وتعظيمه!

إن ذلك يظهر في حسن علاقتك مع كلامه وحسن قراءتك وحسن استماعك وتدبرك للقرآن العظيم

ألا تريد أن تعرف ربك فتزداد به إيمانا ويقوى يقينك بخالقك ويعلو صدقك مع ربك الغني وتخلص لإلهك المعبود بحق!

إذا أردت أن تكون عارفا بربك موقنا به صادقا معه مخلص له فعليك بقراءة كلامه بتدبر واستماعه بعقل! ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ ‌كَانَ ‌لَهُ ‌قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ 

‌‌‌ومن أهم ثمار قراءة القرآن حصول فَضْلُ ‌الْعَمَلِ ‌بِالْقُرْآن

قَالَ تَعَالَى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ ، وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}

• وحين لا يتأثر أكثر الناس بالقرآن فقد تأثر به الجن ساعة سمعوه، وامتلأت قلوبهم بمحبته وتقديره، وأسرعوا لدعوة قومهم إلى اتباعه فَقَالُوا (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا * وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا)

• وقد أخبرنا الله في القرآن الكريم عنهم أنهم قَالُوا (يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)

الخطبة الثانية

إن من المعلوم شرعاً وعقلاً وبداهةً أن القرآن الكريم أكبر منةٍ امتن الله تعالى بها على هذه الأمة، ففيه حياةُ القلوب ويحصل بالتمسك به سعادة الدارين، لم تظفر الدنيا كلها بكتاب أجمع للخير كله، وأهدى للتي هي أقوم، وأوفى بما يُسْعد الإنسانية، من هذا القرآن المجيد الذي فتح الله به أعينًا عميًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غلفًا، وهدى به من الضلالة وبصر به من العمى وأخرج به من الظلمات إلى النور، هذا الكتاب العظيم الذي ضمن للإنسانية الأمن والسعادة في دنياهم وأخراهم، إذا هم آمنوا به وتلوه حقَّ تلاوته، وتفهموا سوره وآياته، وتفقهوا جمله وكلماته، ووقفوا عند حدوده وَأْتمروا بأوامره، وانتهوا بنواهيه، وتخلقوا بأخلاقه، وطبقوا مبادئه ومُثُله وقيمه على أنفسهم وأهليهم ومجتمعاتهم، وصفه الله تعالى بقوله (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ  . كما وصفه -جلت قدرته- بقوله: كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ  

• حقا، إن آيات القرآن الكريم في غاية الدقة والإحكام، والوضوح والبيان، أحكمها حكيم، وفصَّلها خبير، وسيظل هذا الكتاب معجزًا من الناحية البلاغية والتشريعية والعلمية والتاريخية وغيرها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لم يتطرق إليه أدنى شيء من التحريف؛ تحقيقا لقوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)

من خصائصه وفضائله قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ‌شَفِيعًا ‌لِأَصْحَابِهِ».

وقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «َالْقُرْآن حجَّة لَك أَو عَلَيْك». فمن كان القرآن حجة له افلح وسعد ، ومن كان القرآن حجة عليه يوم القيامة خسر وشقي

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ‌يَتْلُونَهُ ‌حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ}  قال أهل العلم «يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ ، وَيَعْمَلُونَ بِهِ حَقَّ عَمَلِهِ» ويحكمونه ، فهؤلاء يكون القرآن حجة لهم.

ويرفعهم الله بالقرآن في الدنيا والاخرة، لَقِيَ  نَافِعٌ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ، عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِعُسْفَانَ، وَكَانَ عُمَرُ، اسْتَعْمَلَهُ عَلَى مَكَّةَ، فَقَالَ عُمَرُ: مَنِ اسْتَخْلَفْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي؟ قَالَ: اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمْ ابْنَ أَبْزَى، قَالَ: وَمَنِ ابْنُ أَبْزَى؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ مَوَالِينَا، قَالَ عُمَرُ، فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى، قَالَ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ، قَالَ عُمَرُ، أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ ‌يَرْفَعُ ‌بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ»

إخوة الإيمان : فَلَا شَيْءَ عِنْدَ الْمُحِبِّينَ أَحْلَى مِنْ كَلَامِ مَحْبُوبِهِمْ، فَهُوَ لَذَّةُ قُلُوبِهِمْ، وَغَايَةُ مَطْلُوبِهِمْ. قَالَ عُثْمَانُ: لَوْ ‌طَهُرَتْ قُلُوبُكُمْ ، مَا شَبِعْتُمْ مِنْ كَلَامِ رَبِّكُمْ.  

الخميس، 12 مايو 2022

تأملات في سورة المزمل

 

يَأْمُرُ تَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتْرُكَ التَّزَمُّلَ، وَهُوَ: التَّغَطِّي فِي اللَّيْلِ ، وَيَنْهَضَ إِلَى الْقِيَامِ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ،

وَكَذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُمْتَثِلًا مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}   وَهَاهُنَا بَيَّنَ لَهُ مِقْدَارَ مَا يَقُومُ، فَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا  نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (٤) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (٥) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا

وقد مدح الله تعالى المستيقظين بالليل لذكره ودعائه واستغفاره ومناجاته فقال الله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}  وقال الله تعالى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}   وقال الله تعالى: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}    وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً}  وقال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ}   وقال تعالى: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ}   وقال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً}   

وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِرَجُلٍ: «لَا تَدَعْ قِيَامَ اللَّيْلِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَدَعُهُ، وَكَانَ إذَا مَرِضَ صَلَّى قَاعِدًا»   «وقَالَتْ: بَلَغَنِي عَنْ قَوْمٍ يَقُولُونَ ‌إنْ ‌أَدَّيْنَا ‌الْفَرَائِضَ لَمْ نُبَالِ أَنْ لَا نَزْدَادَ، وَلَعَمْرِي لَا يَسْأَلُهُمْ اللَّهُ إلَّا عَمَّا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمَا أَنْتُمْ إلَّا مِنْ نَبِيِّكُمْ، وَمَا نَبِيُّكُمْ إلَّا مِنْكُمْ، وَاَللَّهِ مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِيَامَ اللَّيْلِ. »

عباد الله : إن الذي لا يتحمل ثقل الصلاة وما يُقرأ فيها من قرآن فلن يتحمل العمل بالقرآن لأن الله قال بعد الأمر بالقيام وترتيل القرآن (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ) إنا سنلقي عليك القرآن، وهو قول ثقيل؛ لما فيه من الفرائض والحدود والأحكام والآداب وغيرها

ثم ذكر الحكمة في أمره بقيام الليل، فقال: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} أي: الصلاة فيه بعد النوم {هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا} الصلاة في الليل أقرب إلى تحصيل  مقصود القرآن، يتواطأ على القرآن القلب واللسان، وتقل الشواغل، ويفهم ما يقول، ويستقيم له أمره، وهذا بخلاف النهار، فإنه لا يحصل به هذا المقصود .

ثم أخبرنا الله أن هناك قياما طويلا شديدا ثقيلا ، فعلى من ثقلت عليه الصلاة أن يتذكر ذلك اليوم وطوله وشدته وثقله(يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا * السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا *  إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا ﴾ 

إذا قيل للمزمل المُتَلَفِّف بثيابه صل بالليل إلا قليلا

فماذا يقال للمتغطي بالغفلة  وما ظنكم بالملتبس بالكسل

وأين الاقتداء بالرسول وصحابته في ذلك!

‌يُحْيُونَ ‌لَيْلَهُمُ ‌بِطَاعَةِ ‌رَبهِمْ … بِتِلاوَةٍ، وَتَضَرُّعٍ، وَسُؤَالِ

وعُيُونُهُمْ تجْرِى بِفَيْضِ دُمُوعِهِمْ … مِثْلِ انْهِمَالِ الوَابلِ الهَطَّالِ

فى الَّليْلِ رُهبَانٌ، وَعِنْدَ جِهَادِهِمْ … لِعَدُوهِمْ مِنْ أَشْجَعِ الأبطالِ

وَإِذَا بَدَا عَلَمُ الرَهَانِ رأَيتَهُمْ … يَتَسَابَقُونَ بِصَالِح الأعمالِ

بِوُجُوهِهِمْ أَثَرُ السُّجُودِ لِرَبهمْ … وَبهَا أَشِعَّةُ نُورِهِ المُتَلالى

الخطبة الثانية

الْتِّعْدَادُ السُّكَّانِيُّ الَّذِي تَقَومُ بِهِ الْهَيْئَةُ الْعَامَّةُ لِلْإِحْصَاءِ لَهُ أَهَمِّيَّةٌ كبيرة فِي الْتَّخْطِيطِ  وَرِعَايَةِ  الناس ومَصَالِحِهِمُ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ  فَعَلَيْنَا الْتَّعَاوُنَ مَعَ هَيْئَةِ الْإِحْصَاءِ وَالْإِدْلَاَءَ بِالْبَيَانَاتِ الدَّقيقَةِ، لِيَعُودَ نَفْعُهُ بِإِذْنِ اللهِ عَلَى الجميع.

إخوة الإيمان: ذكر الله في أول سورة المزمل أنه أمر رسوله بقيام نصف الليل أو ثلثه أو ثلثيه، وأمته تبع له ،وأنه امتثل ذلك هو وطائفة معه من المؤمنين.

ثم ذكر بعض الأسباب المناسبة للتخفيف، فقال: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} يشق عليهم صلاة ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه، فليصل المريض ما يسهل عليه.

{وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}

يسافرون للتجارة، وطلب الرزق . وهذا سبب دنيوي للتخفيف والمحافظة على ما تيسر من قيام الليل

وكذلك {آخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ}  

فالانشغال بنصرة الدين  سبب شرعي للتخفيف من قيام الليل والاقتصار على ما تيسر من القيام.

 ثم أمر الله سبحانه في خاتمة السورة بعبادات مهمة:

أولها : قراءة ما تيسر من القرآن وخاصة في الصلاة وصلاة الليل على وجه الخصوص .

وثانيها : {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} بأركانها، وشروطها، ومكملاتها،

وثالثها: (وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا}   خالصا لوجه الله، من نية صادقة، ومال طيب، ويدخل في هذا، الصدقة الواجبة؟ والمستحبة،

رابعها : الحث على عموم الخير وأفعاله: {وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا}

 خامسها : التوبة والاستغفار {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وفي الأمر بالتوبة والاستغفار بعد الحث على أفعال الطاعة والخير، فائدة كبيرة، وذلك أن العبد ما يخلو من التقصير فيما أُمِرَ به، إما أن لا يفعله أصلا أو يفعله على وجه ناقص، فأُمِرَ بترقيع ذلك بالتوبة والاستغفار، فإن العبد يذنب آناء الليل والنهار، فمتى لم يتغمده الله برحمته ومغفرته، فإنه هالك.

واعلموا رحمكم الله : إنَّ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي هَذِهِ الحياةِ مِنْ الْخَيْرِ، يُقَابِلُهُ أَضْعَافُ أَضْعَافِ الدُّنْيَا، وَمَا عَلَيْهَا فِي دَارِ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ مِنْ اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ، وَإِنَّ الْخَيْرَ وَالْبِرَّ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، مَادَّةُ الْخَيْرِ وَالْبِرِّ فِي دَارِ الْقَرَارِ، وَبَذْرِهِ وَأَصْلِهِ وَأَسَاسِهِ.

فواأسفاه على أوقات مضت في الغفلات، واحسرتاه على أزمان تقضت بغير الأعمال الصالحات، واغوثاه من قلوب لم يؤثر فيها وعظ بارئها، ولم ينجع فيها تشويق من هو أرحم بها منها .

فلك اللهم الحمد، وإليك المشتكى، وبك المستغاث، ولا حول ولا قوة إلا بك.

 

الخميس، 5 مايو 2022

محاسبة النفس ، حاسب نفسك قبل أن تحاسب

 

الموفق هو الذي يحاسب نفسه في ليله ونهاره على أقواله واعماله وافعاله ، ودائم الحزم مع نفسه لما فعلتِ كذا ولمن عملتِ؟

ربح من حاسب نفسه ! وفاز من صدق في محاسبتها !وافلح من حَزِمَ معها

قال الله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ ‌وَلْتَنْظُرْ ‌نَفْسٌ ‌مَا ‌قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}

وقال الله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }

المحاسبة: هي التمييز بين ما للإنسان وما عليه.

فيأخذ ماله .. ويؤدي ما عليه .. لأنه مسافر سفر من لا يعود.

وينظر ما قدم لغد، هل يصلح ما قدمه أن يلقى الله به أولا يصلح؟

وينظر هل يكفيه ما قدم من عمل فينجيه من عذاب الله، ويبيض وجهه عند الله؟

وينظر كذلك إلى ما قدم من العمل، هل يحبه الله ويرضاه، أم يبغضه ويسخطه؟.

ومن حاسب نفسه في الدنيا خف في القيامة حسابه، ومن أهمل المحاسبة دامت حسراته في الدنيا والآخرة.

والناس متفاوتون في المحاسبة، وفي كيفية الحساب؟

والمحاسبة أن يخلو العبد بنفسه فيحاسبها ويسألها سؤال المحاسب الدقيق!

يحاسب نفسه على أداء الفرائض وعلى ترك واجتناب المناهي والذنوب المعاصي

يحاسب نفسه على حالها مع القرآن على سماعه وقراءته وتعلم معانيه والعمل بأحكامه

يحاسب نفسه على الصحبة والرفقة فإن أخطر رفيق هو الأجهزة التي اشغلت وضيعت كثيرا .

الرفقة الصالحة تزيد الصالح صلاحا والرفقة الغافلة اللاهية اللاهثة وراء شهوات الدنيا تغير الصالح إلى طالح

يحاسب نفسه على النوافل وعبادات التطوع ، حاسب نفسك على مالك من أين كسبته وفيما انفقته

حاسب نفسك على حقوق العباد وابدأ بحقوق الوالدين والأولاد وأصحاب الحقوق المالية ثم المعنوية وتحلل منها قبل أن يأتي يوم القيامة فيأخذ الغرماء حسناتك وتحمل عنهم سيئاتهم

فيا من يريد النجاة حاسب نفسك فإن الله يحصي عليك كل شيء

تأ ملوا رحمكم الله في هذا المشهد ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ ‌وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ لما غفلوا عن محاسبة أنفسهم نسوا ما عملوه وما نظروا إليه وما سمعوه وما تكلموا به وما اتهموا الناس به ونسوا آذاهم للخلق ومخالفتهم للحق

﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا ‌حَاسِبِينَ﴾ 

حاسب  نفسك قبل أن تحاسب ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ   ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ ‌الْحَاسِبِينَ ﴾ 

إن اتباع أهواء النفس يفسد وينسي ،فيغفل عن الاخرة فيخسر﴿ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ ‌الْحِسَابِ ﴾

إن الناس إذا غفلوا عن محاسبة أنفسهم هلكوا واهلكوا وحاسبهم الله حسابا شديدا ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا ‌حِسَابًا ‌شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا ﴾ 

قَالَ الْحَسَنُ: " إِنَّ الْمُؤْمِنَ قَوَّامٌ عَلَى نَفْسِهِ، يُحَاسِبُ نَفْسَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّمَا خَفَّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَوْمٍ ‌حَاسَبُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا شَقَّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَوْمٍ أَخَذُوا هَذَا الْأَمْرَ مِنْ غَيْرِ مُحَاسَبَةٍ

ومن انفع أنواع محاسبة النّفس : محاسبتها بعد العمل الصالح،

كمحاسبتها على طاعة قصّرت فيها من حقّ الله تعالى؛ فلم تعملها على الوجه الّذي ينبغي.

وحقّ الله تعالى في الطّاعة ستّة أمور وهي: الإخلاص في العمل، والنّصيحة لله فيه، ومتابعة الرّسول فيه، وحصول المراقبة فيه، وشهود منّة الله عليه، وشهود تقصيره فيه بعد ذلك كلّه. فيحاسب نفسه: هل وفّى هذه المقامات حقّها، وهل أتى بها في هذه الطّاعة.

عباد الله :عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ، قَالَ: - وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ؟ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ: قُلْتُ: ‌نَافَقَ ‌حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: ‌نَافَقَ ‌حَنْظَلَةُ، يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَمَا ذَاكَ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً»

يعني ساعة تحضرون مجالس الذكر وساعة تقومون بحقوق أهلكم وأولادكم وما يصلح معاشكم وليست كما يفهم أهل اللهو ساعة لربك وساعة لشيطانك.

وفي هذه القصة حرص السلف الشديد على محاسبة النفس واتهامها. وإنهم رضي الله عنهم يتهمون أنفسهم بالنفاق عندما يرونها قصرت في الاجتهاد في الصالحات فيحملهم محاسبة أنفسهم واتهامها على المسارعة والسابقة في الحسنات والتنافس فيما يرضي الله.

 أُولئكَ آبائِي فجِئنِي بمِثْلِهِم ..إِذَا جَمَعَتْنَا ‌يا ‌حكيمُ ‌الْمَجَامِعُ

الخطبة الثانية

إن من علامات التقوى أن يحاسب نفسه على أمر مباح، أو معتاد: لم فعله؟ وهل أراد به الله والدّار الآخرة؟ فيكون رابحا، أو أراد به الدّنيا وعاجلها؛ فيخسر ذلك الرّبح ويفوته الظّفر به، لأن الذي يحاسب نفسه قد أحسن لنفسه ويسر عليها الحساب ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ ‌حِسَابًا يَسِيرًا ﴾ 

ومن علامات التوفيق أن يحاسب نفسه على كلّ عمل كان تركه خيرا له من فعله. لأن (‌المُؤْمِنُ ‌كَيِّسٌ فَطِنٌ حَذِرٌ)

عباد الله : من حاسب نفسه فله نصيب من قوله ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ ‌زَكَّاهَا ﴾ 

ومن غفل عن محاسبة نفسه فله نصيب من قوله ﴿ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ 

كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، إِلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ،: " أَنْ ‌حَاسِبْ ‌نَفْسَكَ ‌فِي ‌الرَّخَاءِ قَبْلَ حِسَابِ الشِّدَّةِ، فَإِنَّهُ مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الرَّخَاءِ قَبْلَ حِسَابِ الشِّدَّةِ عَادَ مَرْجِعُهُ إِلَى الرِّضَا وَالْغِبْطَةِ وَمَنْ أَلْهَتْهُ حَيَاتُهُ وَشَغَلَتْهُ أَهْوَاؤُهُ عَادَ أَمْرُهُ إِلَى النَّدَامَةِ وَالْحَسْرَةِ فَتَذَكَّرْ مَا تُوعَظُ بِهِ وكُونّْ عِنْدَ التَّذْكِرَةِ وَالْمَوْعِظَةِ مِنْ أُولِي النُّهَى»

وقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: " مَثَّلْتُ نَفْسِي فِي الْجَنَّةِ، آكُلُ ثِمَارَهَا، وَأَشْرَبُ مِنْ أَنْهَارِهَا، وَأُعَانِقُ أَبْكَارَهَا، ثُمَّ ‌مَثَّلْتُ ‌نَفْسِي ‌فِي ‌النَّارِ، آكُلُ مِنْ زَقُّومِهَا، وَأَشْرَبُ مِنْ صَدِيدِهَا، وَأُعَالِجُ سَلَاسِلَهَا وَأَغْلَالَهَا؛ فَقُلْتُ لِنَفْسِي: أَيْ نَفْسِي، أَيُّ شَيْءٍ تُرِيدِينَ؟، قَالَتْ: أُرِيدُ أَنْ أُرَدَّ إِلَى الدُّنْيَا؛ فَأَعْمَلَ صَالِحًا قَالَ: قُلْتُ: فَأَنْتِ فِي الْأُمْنِيَةِ فَاعْمَلِي "