الخميس، 26 مايو 2022

هل بنيت لك بيتا في الجنة

 

هل بنيت لك بيتا في الجنة
كَمْ يَسْعَى الْإِنْسَانُ وَيَشْقَى فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِيَبْنِيَ لَهُ بَيْتًاً فِيهَا ، فَيَخْسَرُ مِنْ مَالِهِ وَجَهْدِهِ وَفِكْرِهُ وَوَقْتِهُ مَا لَا يَخْطُرُ عَلَى بَالٍ .

ثُمَّ هَذَا الْبَيْتُ الَّذِي شَقِيَ فِيهِ مُعْرِضٌ لِلْبِلَى وَالزَّوَالِ ، وَالْحَرْقِ وَالْهَدْمِ ، وَالتَّشَقُّقِ وَالتَّصَدُّعِ ، وَانَ سَلِمَ الْبَيْتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَلَنْ يَسْلَمَ صَاحِبُهُ مِنْ الْمَوْتِ ، فَكُلٌ مُسَافِرٌ مَعَ قَافِلَةِ الرَّاحِلِينَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ ‌مُشَيَّدَةٍ ﴾ .

وَيَكُونُ هَذَا الشَّخْصُ قَدْ تَحْمِلَ الْهُمُومَ وَالْغُمُومَ وَالْأَرَقَّ وَالْقَلَقَ ، وَلَرُبَّمَا سَكبَ مَاءَ وَجْهِهِ ، طَلَبَاً للْقَرْضِ وَالدَّيْنِ ، وَسَائِلًاً الْإِمْهَالَ وَالتَّأْجِيلَ ، وَفِي النِّهَايَةِ هُوَ يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ عَرْضٌ زَائِلٌ وَمَتَاعٌ حَقِيرٌ .   

وَلِذَلِكَ الْمُؤْمِنُ تَسَمُّوْا نَفْسُهُ وَيَتَشَوَّقُ لِيَبْنِيَ لَهُ بَيْتا وَقَصْرا فِي الْجَنَّةِ .

وَبُيُوتُ وَقُصُورُ الْجَنَّةِ لَيْسَت كَبُيُوتِنَا وَقُصُورِنَا جَاءَ فِي وَصْفِ بُيُوتِ الْجَنَّةِ كَمَا قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  :

( الْجَنَّةُ بِنَاؤُهَا لَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ وَ لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَ مَلَاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ وَ حَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْيَاقُوتُ وَ تُرْبَتُهَا الزَّعْفَرَانُ مَنْ يَدْخُلُهَا يُنْعَمُ لَا يَبْأَسُ وَ يَخْلُدُ لَا يَمُوتُ لَا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ وَ لَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ)  

وهناك أيها الأحبة أعمال رتب عليها النبي  صلى الله عليه وسلم  أن من عملها فان الله يبني له بيتا في الجنة من هذه الأعمال :
من حمد الله واسترجع عند مصيبة موت الولد.
 
وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ ، قَالَ اللهُ لِمَلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ ، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ ، فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ‌ثَمَرَةَ ‌فُؤَادِهِ  ؟ ، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ ، فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ ، فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ   فَيَقُولُ اللهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ »
ومن تلك الأعمال : قراءة سورة الإخلاص

عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ حَتَّى يَخْتِمَهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ ، ‌بَنَى ‌اللهُ ‌لَهُ قَصْرًا فِي الْجَنَّةِ»

ومن الأعمال الصالحة التي يبني الله لعاملها بيتا عنده في الجنة : من بنى لله مسجدا لا رياء فيه ولا سمعه ويبتغي به ما عند الله

 قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : « مَنْ ‌بَنَى ‌مَسْجِدًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ، بَنَى اللهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ » وَفِي رِوَايَةِ  : «بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ»  
وفي رواية «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ ‌كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ»


  ومنها : السنن الرواتب قبل الفريضة وبعدها.
عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ ‌يُصَلِّي ‌لِلَّهِ ‌كُلَّ ‌يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا، غَيْرَ الفَرِيضَةٍ، إِلَّا بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ » قَالَتْ أَمُّ حَبِيبَةَ: «فَمَا بَرِحْتُ أُصَلِّيهِنَّ بَعْدُ» وقَالَ عَمْرٌو: «مَا بَرِحْتُ أُصَلِّيهِنَّ بَعْدُ»، وقَالَ النُّعْمَانُ مِثْلَ ذَلِكَ.

‌وهذه السنن الرواتب القبلية والبعدية وهي ‌أَرْبَعُ ‌رَكَعَاتٍ ‌قَبْلَ ‌الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الظُّهْرِ، ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعشاء وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ»

وعبادات التطوع ونوافل الصالحات لها أهمية كبيرة وفضل كبير فهي تكمل النقص في الفريضة وتجبر الخلل الذي لا نسلم منه، قال رسول الله صلى الله وسلم:

«إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الصَّلَاةُ»، قَالَ: " يَقُولُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَزَّ لِمَلَائِكَتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ: انْظُرُوا فِي صَلَاةِ عَبْدِي أَتَمَّهَا أَمْ نَقَصَهَا؟ فَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً، وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا، قَالَ الله : انْظُرُوا ‌هَلْ ‌لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ؟ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ، قَالَ: أَتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى ذَاكُمْ »

ومن فوائد التطوع العظيمة محبة الله للعبد قال الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي «وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ ‌بِالنَّوَافِلِ ‌حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ»

عباد الله : بيوت الدنيا تبنى بالتراب وفي التراب وبانيها من تراب ومصيرها الزوال والفناء !!
وأما بيوت الجنة وقصورها فإنما تبنى في أعظم دار وبجوار أعظم جار وبعظيم الأعمال، ومن أعظمها: الاستعانة بالله والدعاء بأن يوفقك الله للأعمال الصالحة التي تبني بها بيتك في الجنة كما فعلت المرأة الصالحة التي جعلها الله مثلا للذين امنوا

﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ ‌بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ 

 قال العلماء ما أعقل هذه المرأة حين اختارت الجار قبل الدار

أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم 

  الخطبة الثانية

ومن الأعمال الصالحة التي يبني الله لعاملها بيتا عنده في الجنة :

- من ترك المراء وإن كان محقا بنى الله له بيتا في الجنة.
 - من ترك الكذب ولو كان مازحا بنى الله له بيتا في الجنة.
 - من حسن خلقه بنى الله  له بيتا في الجنة.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي ‌رَبَضِ ‌الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ»

لكن هذا الفضل لن يناله ويفوز به من يخوض مع الخائضين في هذه الزمن لأن الحديث طلب من المسلم أن يكون على سلوك صالح مستقيم وملتزم بأدب رفيع منيع من تسلل سفاسف الأمور وأن يكون على عفة عالية في التحرز من المعائب والنقائص ولن يصعد إلى درجات هذا السمو الأدبي والنقاء الخلقي من دنسوا أنفسهم بملوثات المناهي والملاهي لأن هؤلاء حالهم  ﴿كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ ‌بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ فهم لم يهتموا بالصالحات حتى يفوزوا بتلك المنازل الجميلة ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ‌وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ 

ومن كان له بيتٌ في ربض الجنة و بيت في وسط الجنة و بيت في أعلى غرف الجنة فإنه قد جاهد نفسه حتى بلغ من مجاهدة نفسه أنه لم يدع للخير مطلبا إلا وطلبه ، ولم يدع للشر مهربا إلا هرب منه ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ* جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ‌طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق