الخميس، 28 مارس 2019

فقه الجمعة واهميتها وبعض خصائصها.. الجزء الثاني

الحمد لله ذي الجلالِ والإكرام والفضل والإنعام، أحمد ربي وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ القدوس السلام، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله المبعوثُ بأفضل الأحكام، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه الكِرام.
أما بعد:
فاتقوا الله حقَّ التقوى؛ فتقوى الله خيرُ زادٍ ليوم المعاد.
﴿ يَا أَيَّهَا الَّذِينَ آَمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَ قُولُواْ قَولاً سَدِيداً * يُصلِحْ لَكُم أَعْمَالَكُم وَ يَغْفِرْ لِكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ مَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيمَاً ﴾
لم يزل الحديث مستمرا عن أهمية يوم الجمعة وفضائله وخصائصه
عباد الله:
إن من نِعَم الله العظيمة، ومِنَحه الجليلة، أنْ فضَّلَ بعضَ الشهور والأيام على بعض، فجعل لعبادِه مواسمَ خيرٍ يتنافسون فيها بالطاعات، ويحذرون خلالها مقاربة الخطيئات؛ ليحظوا من ربهم برفعة الدرجات، وإجابة الدعوات؛ ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [القصص: 68]، ألا وإن من بين تلك الأيام التي خصَّ الله بها أمَّةَ الإسلام يومًا اصطفاه الله تعالى على غيره من الأيام، وفضَّله على ما سواه من الأزمان، يومًا خصَّه الله بخصائصَ عظمى، وشرَّفه بمزايا كبرَى، فهو من أعظم الأيام عند الله قدرًا، وأجلِّها شرفًا، وأكثرِها فضلاً، أعرفتم عبادَ الله ذلك اليوم؟
إنه يومكم هذا، يوم الجمعة، عيد أهل الإسلام الأسبوعي؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ، جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ، وَإِنْ كَانَ له طِيبٌ فَلْيَمَسَّ مِنْهُ، وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ»
فإن الله عز وجل فرَضَ على المؤمنين في كلِّ يوم وليلة خمسَ صلوات، وأيام الدنيا تدور على سبعة أيام، فكلما كمل دور أسبوع من أيام الدنيا، واستكمل المسلمون صلواتِهم فيه، شُرع لهم العيدُ في يوم استكمالهم، وهو يوم الجمعة

﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ ﴾ ومن هذا تفضيل الله عز وجل بعض الأيام على بعض فخير أيام الأسبوع يوم الجمعة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ»  فخصه ربنا عز وجل بفضائل وأحكام تخالف بقية أيام الأسبوع.
أمة الإسلام، إن هذا اليوم المبارك يوم لتكفير السيئات التي أثقلت الظهور، فأين الحريص على تكفير ذنوبه ؟؟  فان هذا اليوم من أسباب المغفرة
وتكفير السيئات فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  : «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ، وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ،  ثُمَّ صَلَّى مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ ، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ جُمُعَتِهِ الَّتِي قَبْلَهَا» - قَالَ: وَيَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةِ: «وَزِيَادَةٌ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ» - وَيَقُولُ: «إِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا».

وتكفير السيئات الوارد في هذا الحديث وغيره خاص بالصغائر دون الكبائر فالكبائر لا بد لها من توبة فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ»
ومما يسن في هذا اليوم قراءة القرآن لا سيما سورة الكهف  وقد قال «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ»
.
ومما يسن في هذا اليوم كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ»   قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ - يعني: بَلِيتَ -؟ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ»
فتسن كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي ليلته فكل خير نالته أمته في الدنيا والآخرة فإنما نالته على يده فمن شكره وحمده وأداء القليل من حقه صلى الله عليه وسلم أن نكثر من الصلاة عليه خصوصا في هذا اليوم وليلته.
ومما يستحب في هذا اليوم الاغتسال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنِ اغْتَسَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ»
فالغسل يوم الجمعة أفضل لمن جسمه نظيفا لا يحتاج للغسل.
وأما من يحتاج جسمه للغسل والنظافة فالغسل يوم الجمعة في حقه واجب لقول الرسول صلى الله عليه وسلم    «غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ»

ووقت الغسل يبدأ من طلوع الفجر يوم الجمعة لأنَّ الغسل أُضِيف إلى يوم الجمعة واليوم يدخل بطلوع الفجر الثاني ..وينتهي وقت الغسل بالنداء لأنَّ الغسل مسنون والحضور بعد النداء واجب فلا يشتغل بالمسنون عن الواجب.فيحرم التشاغل عن الصلاة بعد النداء الثاني لقوله تعالى ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الجمعة: 9] فأمر الله بالذهاب إليها بعد النداء وأمره عز وجل على الوجوب ونهى عن التشاغل عنها والنهي للتحريم..
أيها المسلمون:
مما ادَّخره الله لكم في هذا اليوم المبارك: أن فيه ساعةً يُسمع فيها النداء، ويُجاب فيها الدعاء؛   فمن فضائل هذا اليوم أن فيه ساعة الإجابة وهي ساعة لا يسأل اللهَ أحد فيها شيئا إلا أعطاه
وأصح ما جاء في تحديد وقتها  إنها بعد العصر إلى غروب شمس يوم الجمعة قال رسول الله   إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ فِيهَا شَيْئًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ» وأشار بيده يقلِّلها.

معشر المسلمين، إلى كل صاحب هم وضيق، وإلى كل طالب خير عاجل أو آجل لقد أهداك الله يوم الجمعة ليكون زمناً لإجابة الدعاء، فلا تحرم نفسك فضله.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الجَنَّةَ، وَفِيهِ أُهْبِطَ مِنْهَا، وَفِيهِ سَاعَةٌ لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يُصَلِّي فَيَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَلَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلاَمٍ فَذَكَرْتُ لَهُ هَذَا الحَدِيثَ، فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِتِلْكَ السَّاعَةِ، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِهَا وَلاَ تَضْنَنْ بِهَا عَلَيَّ، قَالَ: هِيَ بَعْدَ  العَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، قُلْتُ: فَكَيْفَ تَكُونُ بَعْدَ العَصْرِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي؟ وَتِلْكَ السَّاعَةُ لاَ يُصَلَّى فِيهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ فَهُوَ فِي صَلاَةٍ؟، قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَهُوَ ذَاكَ.
فعلام يفرط  بعض إخواننا في هذا الوقت الذي هو مظنة إجابة الدعاء وتمر الأشهر بل السنون وهم غافلون  في هذا الوقت ! هل لهم غنى عن ربهم ؟ فالبدار البدار لاستغلال الأوقات الفاضلة والتعرض لنفحات رب كريم وهاب والحرص على أوقات هبوب جوده وإفضاله.
إخواني:
ومن الساعات التي ترجى فيها الإجابة يوم الجمعة ساعة صعود الإمام على المنبر حتى تنقضي الصلاة، لأن لاجتماع المسلمين وصلاتِهم، وتضرُّعِهم وابتهالهم إلى الله - تعالى - تأثيرًا في الإجابة، فساعةُ اجتماعهم ساعةٌ ترجى فيها الإجابة، .
وساعة الإجابة التي بعد العصر غير هذه الساعة التي تكون وقت صلاة الجمعة.
فهل - يا عباد الله - نحتسب هذه الساعةَ عند الله؟ نروض من خلالها أنفسنا على الجلوس في المساجد؛ ابتغاء ما عند الله - تعالى - ولو لم نتحرَّ هذه الساعةَ كلَّ جمعة، فلنحاول ولو في بعض الجُمَع، وإذا لم نستطعِ المكثَ في المسجد من صلاة العصر، فلنحرص على اغتنام دقائق قبل غروب الشمس في الدعاء والابتهال إلى الله - تعالى - لأنفسنا ووالدينا وأهلينا، والمسلمين جميعًا في مشارق الأرض ومغاربها، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون
ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ   وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ







الخطبة الثانية  :
  الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
ومن الأمور المستحبة والمهمة في  هذا اليوم التبكير لصلاة الجمعة منذ شروق الشمس؛ ليقضي المسلم وقته في عبادة الله تعالى، وليحوز على الجوائز الثمينة التي أُعدت لأصحاب التبكير لصلاة الجمعة.

إن المشاهد - يا عباد الله - في أيامنا هذه يرى قلة الحرص على هذا الخير العظيم، فالخطيب قد يصعد المنبر ولا يرى أمامه إلا القليل ثم يبدأ الناس بعد ذلك بالحضور، فأين هم من فضل الساعات الأُول التي يجني أهلها خيراً وافراً، وأين هم من تدوين الملائكة الذين يسجلون الأول فالأول من الداخلين حتى يصعد الخطيب المنبر فيطوي الملائكة-عند ذلك- صحفهم ويستمعون الخطبة؟! فيا خسارة الغائبين، ويا ندامة المفرّطين!.

فيأهل الجمعة هذا يومكم الذي فُضِّلتم به فاعرفوا فضائله وتمسكوا بآدابه، وأطيعوا الله فيه واجعلوه يوماً لمزيد الطاعة والقربة، ولا تجعلوه يوماً للهو وتضييع الصلوات، والغفلة عن العبادات والقربات، فأظهروا لله من أنفسكم أنكم أحق به وأهلُه باتباعكم سننه، ومعرفتكم فضلَه، وبصلاحكم وحرصكم على قبول ضيافة الله فيه، والكريم من يشكر فضل ربه، ويعرف حق النعمة عليه، فمن شكر فلنفسه جلب الخير، ومن جحد أو غفل فعلى نفسه جنى، ولا يضر الله شيئًا.

وهذا اليوم موسم خصب لكثرة الأجور والحسنات، واغتنام الخيرات والقربات، فأين تجار الآخرة الحريصون على كثرة الأرباح، وحيازة بضاعةِ الفوز و الفلاح؟

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنَ الْإِمَامِ، فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ، أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا»

قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ وَقَفَتِ المَلاَئِكَةُ عَلَى بَابِ المَسْجِدِ يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ، وَمَثَلُ المُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَبْشًا، ثُمَّ دَجَاجَةً، ثُمَّ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ، وَيَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» 
قال بعض أهل العلم: كانت الطرقات في عهد السلف
عامرةً وقت السَّحر وبعد الفجر بالمبكرين إلى الجمعة الذين يمشون بالسُرج، ويقال: إن من أول البدع في الإسلام: تركُ البكور إلى الجمعة.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا فَقَالَ لَهُمْ: «تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي، وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ»
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ عَنِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ»
فأين نحن من التبكير يا أهل الجمعة، نسأل الله أن يعيننا على ما يحبه ويرضاه.

وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ

الثلاثاء، 19 مارس 2019

فقه الجمعة (الجز الأول) سلسلة تتحدث عن أهمية الجمعة وفضائلها وخصائصها




الحمد لله الذي أعزَّنا بالإسلام، وأكرَمَنا بالإيمان، ومنَّ علينا ورَحِمَنا بأن جعلَنا من أمَّة خير الأنام، رسولنا وسيدنا وقدوتنا محمد عليه أفضل الصلاة وأكمل السلام صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطيبين والصحب الكرام .
أمَّا بعد      فاتقوا الله حق التقوى
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا

إن يوم الجمعة يومٌ عظيمٌ قدرُه، جليلٌ شأنُه، خصَّه الله - عزَّ وجلَّ - بالمزايا والفوائد؛ جعله عيدًا للمسلمين، لكن الكثير من المسلمين لا يشعرون بعظمة هذا اليوم، فلم يَعُدْ أكثرهم يوفي هذا اليوم حقَّه، بل إنه غدَا يومًا كباقي الأيام، بل ربما أقل عبادةً من باقي الأيام، فبعض المسلمين اليوم جعل من هذا اليوم موسمًا لطول النوم ولكثرة اللهو، لكن قلة من الناس هم الذين عرفوا قدر يوم الجمعة، فجعلوه يومَ قربةٍ إلى الله - عزَّ وجلَّ.

أخي وفقك الله أعِرْني قلبك وسمعك ، وانت تعلم زادك الله هدى وتقى ان الله - عزَّ وجلَّ - يقول في كتابه مخاطِبًا عباده: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115]، هل يظنُّ عاقلٌ أن الله - عزَّ وجلَّ - خلَقَه من غير فائدة، هكذا من غير غاية؟! لا يوجد عاقل يظن أن الله خلَق الخلق من غير فائدة، وإلا فالأمر عبَثٌ، وتعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، إذًا خلقهم لغاية، وإن لم يفهموا هذه الغاية.
وهذه آية أخرى تبيِّن المراد من الخلق: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾ ، وبهذا تكتمل الصورة، السؤال: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾ ؟
 الجواب: لا يا رب، حاشاك؛ فأنت الحكيم الخبير العليم، السؤال: فلماذا خلقتنا يا رب العالمين؟ جاء الجواب: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾
والعبادة :  اسْم جَامع لكل مَا يُحِبهُ الله ويرضاه من الْأَقْوَال والأعمال الْبَاطِنَة وَالظَّاهِرَة
ومن حكمة الله أنه  نوَّع   في العبادات ولم يجعل الله العبادات من نوع واحد، أو في زمن واحد؟

فأنت ترى أن بعض العبادات بدنية محضَة كالصوم والصلاة، وهناك عبادات مالية محضَة كالزكاة؛   وهناك عبادات مزَج الله - عزَّ وجلَّ - فيها بين المال والبدن كالحج؛ فهو عبادة مشترَكة مالية بدنية،
وهناك عبادة الدعاء وعبادة الذكر وعبادة طلب العلم وعبادة التخلق بالأخلاق الحسنة وعبادة اجتناب المكروهات والمحرمات . وعبادة التمسك بالشريعة  الإسلامية في شوؤن الحياة تمسكا شاملا وعاما
وهنا سؤال مهمٌّ قد يتبادَر إلى الأذهان وهو: لماذا أمرنا الله - عزَّ وجلَّ - بالعبادة؟ هل لحاجته إليها مثلاً؟ حاشا وكلا، بل من المستحيل عقلاً أن يكون الخالق محتاجًا إلى خَلْقِه، وإلا فلو احتاج فلا يسمى خالقًا.
فان الله - عزَّ وجلَّ - لم يأمرنا بالعبادات لأنه محتاج إليها؛ بل لأننا محتاجون إلى هذه العبادات، وثوابها، ورضوان الله علينا إذا امتثلنا أوامره.

ثم إن لكلِّ عبادة فائدة ونورًا ووظيفةً   وحكمة.
إذًا؛ ما خلَقَنا الله عبثًا، بل لعبادته، ولمَّا خلقنا لعبادته نوَّع لنا في العبادات؛ لأن لكلِّ عبادة عملاً تقوم به، وأثرًا يظهر على فاعلها.
إليك مثالاً سريعًا؛ قال - تعالى -: ﴿ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]، هذه إحدى فوائد الصلاة، وهي النهي عن الفحشاء والمنكر، وقال - تعالى -: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، لاحِظ أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وأن الصيام يُورِث التقوى، إذًا لكل عبادة سرٌّ وأثرٌ ونورٌ وفائدة وحكمة.
بعد هذه المقدمة أقول:

ما فائدة صلاة الجمعة؟ لماذا شرع الله - عزَّ وجلَّ - صلاة الجمعة؟ أقول: إن سبب إعراضنا عن استثمار يوم الجمعة هو ضعف شعورنا بأهميته، وغفلتنا فضل هذا اليوم الذي قد يكون سببًا في سعادتنا، سعادة لا نشقى بعدها أبدًا.
إن من فوائد ومنافع يوم الجمعة على المستوى الفردي أنه يوم عبادة وقربة يقرب المسلم من ربه ويكفر السئات ويرفع الدرجات .
 ومن فوائد يوم الجمعة على مستوى الأمة : أن يجتمع المسلمون بأجسامهم، وهذه خطوة أولى لكي يجتمعوا بعدها بأجسامهم وقلوبهم وأفكارهم وآمالهم وآلامهم.

لأن اجتماع المسلمين يخيف أعداء الله، وهم يرونهم يكبِّرون ويركعون ويسجدون معًا، ويقولون: السلام عليكم معًا؛ لذلك شرع الله الجمعة، ولذلك شرع الله الجماعة؛ لكي تكون خطوة لتجتمع القلوب، ودعوة لغير المسلمين عندما يرون عظمة هذا الدين الذي وحَّد كلَّ هذه القلوب، ويحسب أعداء الله للإسلام والمسلمين ألف حساب.
يُحكَى أن رجلاً غير مسلم كان يُشاهِد المسجد الحرام على إحدى شاشات التلفاز وبجواره رجل مسلم، فقال المسلم لغير المسلم: لو أردنا أن نصفَّ أولئك المصلِّين بطريقة ما؛ وقوفًا، جلوسًا، بأيِّ شكل، فكم نستغرق من الوقت؟ فقال: ثلاث ساعات، فقال له: إذا كان هناك طابق آخر؟ قال: نحتاج ضعف الوقت، قال: فإذا علمت أن الحرم مكوَّن من عدة طوابق، فكم نحتاج؟ فقال: نحتاج إلى ساعات كثيرة ، قال: فما تقول إذا كان أولئك الناس من جنسيات مختلفة ويتكلَّمون مئات اللغات؟ فقال له ذلك الرجل: لا يمكن لأحد أن يَصُفَّهم، فقال له المسلم: تابِع مشهد صلاة الجماعة .. أذَّن المؤذِّن ثم أقام الصلاة ، وتقدَّم الإمام للصلاة فقال: استقيموا، ثم كبَّر فكبَّروا معًا دفعة واحدة، فقال الرجل على الفور: أشهد أن  الله حق، وأشهد أن محمدًا رسول  من  الله ..
ما هذا النظام البديع الدقيق الذي جعل هذه الجموع الكثيرة الكبيرة تقوم في لحظة واحدة وتنتظم وتسجيب بهذه السرعة ..  إنه نظام شريعة رب العالمين

إن من فوائد  الجمعة  أنها تجعلُ منك طالبَ علم، والملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم - من باب التواضع - رضًا بما يصنع، فإذا جئت إلى صلاة الجمعة فلتكن نيَّتك عبادة طلبِ العلم؛ لكي تحصل على ثواب طلبِ العلم، وأنت تعلمُ أن نيَّة المرء خيرٌ من عمله.

إذًا؛ أقبِل وأنت مفتوح العينين، متفتِّح الفكر، لا تأتِ وأنت ناعس، لا تأتِ وأنت مشغول بشيء غير الجمعة ، عندها سيكون تقبُّلك للكلام أقلَّ، واستفادتك منه أدنى، انتبه إلى هذا الحديث الذي يرويه لنا أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَدَنَا وَأَنْصَتَ وَاسْتَمَعَ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا»

بداية الحديث رجاء ونهايته تحذير من الانشغال عن الخطبة، ومَن مسَّ الحصى فقد لغا، ومعلومٌ أن مَن لغا فقد أضاع الثواب على نفسه.

الحصى كان موجودًا في المساجد التي بُنِيت في صدر الإسلام، وهو اليوم غير موجود ويقوم مقامه السجَّاد والفرش ، فمن باب القياس - على سبيل المثال - مَن انشغل  بالسجاد فقد لغا.
فالله  أراد من عباده أن يأتوا إلى المسجد وهم في أعلى درجات التقبُّل والاستعداد؛ لكي تكون الفائدة أكبر؛ قال - تعالى -: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا ﴾ [الأعراف: 204]، استمِع بأذنك وأنصِت بقلبك، .. استمِع وزد في الاستماع؛ لتحصل على أكبر فائدة ، وكيف يرجو الفائدة وجوارحه مشغولة، وفكره مشتَّت، .
إخي وفقك الله .. قد تستمع إلى الخطبة وأنت تُداعِب أطراف السجاد أو تعبث في ثوبك أو لحيتك، والأدهى والأمر فتنتك بجوالك.. لكن تأكَّد أنَّك لن تحصل على الفائدة كاملة إلا إذا كان عقلك وقلبك وفكرك وكل جوارحك مع ما يلقى إليك من كلام.
فهيَّا بنا لنُعِيد لهذا اليوم بهاءه وصفاءه ومكانته.
أسأل الله - عز وجل - أن يجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه، والحمد لله رب العالمين                   أقول هذا وأستغفر الله
الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على نبينا محمد و على آله و أصحابه أجمعين وبعد:
ومما ينبغي أن يعلم ويذكر به في هذا المقام وجوب الاستماع للخطبة وتحريم الكلام والخطيب يخطب ولو كان الكلام واجباً كالأمر بالمعروف   فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: أَنْصِتْ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ "

وهذا نهي صريح عن  انشغال المستمع بأمر آخر غير الخطبة فلا ترد السلام على من سلم والإمام يخطب  ولا تشمت العاطس إذا عطس فحمد الله  ولا تستعمل السواك أثناء الخطبة ولا تصل نافلة .. ولكن من دخل المسجد والإمام يخطب  يصلي ركعتين .. لأنه دَخَلَ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: «أَصَلَّيْتَ؟» قَالَ: لاَ، قَالَ: «قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ»
 ومن دخل أثناء الأذان يشرع في تحية المسجد ولا ينتظر فراغ الأذان فالاستماع للخطبة آكد من متابعة المؤذن.

ومما يتعلق بالإنصات: البعد عن النوم أثناء الخطبة، فإذا هجم النوم عليه فليتحول  عن مكانه إلى مكان آخر، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَتَحَوَّلْ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ»

ومما يساعد على الإنصات: الدنو من الخطيب، والقرب منه؛ لأنه أوعى للكلام، وأبعد عن المنام والانشغال وأحسن في الأجر وافضل.

فإذا وصل المسلم المسجد فليجلس في المكان الذي انتهى به، ولا يتخطَ رقاب الناس فيؤذيهم، وعلى المبكرين في الحضور السابقين أن يتقاربوا  ويسدوا الفرج ؛ حتى لا يدعوا مجالاً لتخطي الرقاب للأماكن الشاغرة التي أمامهم ، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَجَعَلَ يَتَخَطَّى النَّاسَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْلِسْ، فَقَدْ آذَيْتَ وَآنَيْتَ»

فقد (آذيت)   الناس بتخطيك، و( آنيت)   أخرت المجيء إلى الصلاة وأبطأت