الخميس، 7 مارس 2019

الخشوع في الصلاة (خطبة جمعة)

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد.

عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ   فَأُصيبت  امْرَأَةٌ  مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَحَلَفَ زوجها َأنْ لَا يَنْتَهِيَ حَتَّى يهَرِيقَ دَمًا فِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، فَخَرَجَ يَتْبَعُ أَثَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلًا، فَقَالَ: مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا؟ أي يحرسونا  .  فَانْتَدَبَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَهُمَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ، ، فَقَالَ: «كُونَا بِفَمِ الشِّعْبِ»، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلَانِ إِلَى فَمِ الشِّعْبِ اضْطَجَعَ الْمُهَاجِرِيُّ، وَقَامَ الْأَنْصَارِيُّ يُصَلِّ، وَأَتَى الرَّجُلُ فَضَرَبَ عَبَّادًا وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي بِسَهْمٍ، فَنَزَعَهُ وَلَمْ يُبْطِلْ صَلَاتَهُ حَتَّى رَشَقَهُ بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ، فَلَمْ يَنْصَرِفْ مِنْهَا حَتَى سَلَّمَ، فَأَيْقَظَ صَاحِبَهُ، وَلَمَّا رَأَى الْمُهَاجِرِيُّ مَا بِالْأَنْصَارِيِّ مِنَ الدَّمِ، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ أَلَا أَنْبَهْتَنِي أَوَّلَ مَا رَمَى، قَالَ: كُنْتَ فِي سُورَةٍ أَقْرَؤُهَا فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا
هكذا رباهم رسول الله على تعظيم شأن الصلاة والعناية بها وتعلموا منه حبها والسرور بها والتلذذ بأدائها وكانوا رضي الله عنهم يجدون لصلاتهم لذة.. كانوا يجدون لصلاتهم نعيما وسرورا .. كانت صدورهم تنشرح للصلاة وكانوا إذا دخلوا في الصلاة يجدون أثرا وتغيرا في نفوسهم بعد انتهاء الصلاة !

فهل وجدنا شيئا من ذلك يا عباد الله  هل صلاتنا تحدث لنا تغير في نفوسنا نحو الخير هل نجد لصلاتنا أثر في زيادة إيماننا وصلاح سلوكنا وحياتنا أم صلاتنا عادة وحركات نؤديها بدون أن نجد لها نتيجة نافعة

وَكَانَ صلى الله عليه وسلم قَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى قُرَّةَ عَيْنِهِ وَنَعِيمَهُ وَسُرُورَهُ وَرُوحَهُ فِي الصَّلَاةِ. وَكَانَ يَقُولُ: ( «يَا بلال أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ» ) . والكثير من المسلمين لسان حاله يقول ارحنا من الصلاة وكانت نتيجة ذلك فساد أحوالهم
وَكَانَ يَقُولُ: ( «وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» ) . والكثير من المسلمين جعلوا قرة أعيونهم أشياء تضرهم ولا تنفعهم.
أيها المصلون
تأملوا في مَدْحهُ سبحانه وتَعَالَى الْمُصَلِّينَ.. فَمَدَحَ اللَّهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ ..فَبَدَأَ بِذِكْرِ الصَّلَاةِ قَبْلَ كُلِّ عَمَلٍ فَقَالَ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}   فَمَدَحَهُمْ فِي أَوَّلِ نَعْتِهِمْ بِالْخُشُوعِ فِيهَا، ثُمَّ أَعَادَ ذِكْرَهَا فِي آخِرِ الْقِصَّةِ إِعْظَامًا لِقَدْرِهَا فِي الْقُرْبَةِ إِلَيْهِ، وَلِمَا أَعَدَّ لِلْقَائِمِينَ بِهَا الْمُحَافِظَينَ عَلَيْهَا مِنْ جَزِيلِ الثَّوَابِ، وَنَعِيمِ الْمَآبِ، فَقَالَ: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}
أيها الموفق     إن كثيرا من الناس اليوم يستعجل في صلاته وينقرها وينفر منها وهذا محروم قد حرم نفسه من منافع الصلاة وآثارها الطيبة
وكيف يستعجل العاقل في صلاته وهو أقرب ما يكون من ربه وهو في صلاته
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ»
ادعو ربك في سجودك واطل الدعاء أن يرزق الخشوع.. فإن الدعاء من أحد الأسباب المحصلة للخشوع 
ومن أسباب الخشوع في الصلاة الحذر من الشيطان  فإذا جاءك عدوك وقال لك اسرع في صلاتك فقل اخسأ عدو الله أتريدني أن اسرع وأنا اناجي ربي الذي أحبه وارجوه وأخافه.
ومن أسباب الخشوع في الصلاة مجاهدة النفس على الخشوع فإذا افسد عليك الشطان خشوعك فعد إلى المجاهدة فمن عود نفسه المجاهدة على  الخشوع تحقق له ومن أهمال الخشوع وغفل عنه  ضاع عمره وطال تحسره وندمه
ومن أسباب الخشوع في الصلاة  صل صلاة مودع
قَالَ: «إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ،
ومن أسباب الخشوع في الصلاة أن تعلم أن الخشوع روح والصلاة   والصلاة التي لا خشوع فيها كالجسد بلا روح .

ومن أسباب الخشوع في الصلاة أن تستشعر انك نخاطب الله في صلاتك وأن تنوي بقراءتك وكل ما تقوله في صلاتك إنك بين يدي ربك وتكلمه ولا تكن في صلاتك وكأنك  تسمع الاذكار وغافل عن استشعار مخاطبة الله ومناجاته
لماذا أحدنا يقف مع صديقه نصف ساعة لا يملل .. لانه يشعر انه يخاطبه ويستانس بحديثه
ومن أسباب الخشوع في الصلاة استشعار منزلة الإحسان هل انت إذا دخلت صلاتك تشعر إنك تعبده كانك تراه  
ومن أسباب الخشوع في الصلاة استشعار معاني ودلالات ما تقرأه وتقوله ..استشعر في كل لحظة معنى الله اكبر
التفكر مع تكرار الله أكبر يقوي هيبة الله في القلب
إن فهم معاني الله أكبر يربي النفس على التذلل بين يدي الملك مالك الملك
من آثار الله أكبر أن تستقل عبادتك وتحذر من العجب واستكثار طاعتك
ومن أسباب الخشوع في الصلاة  أن العَبد  إذا خشع بَين يَدي الله  فِي الصَّلَاة صار ذلك سبب لتيسير الموقف الثقيل الخطير الكبير يوم القيامة في يوم مقداره خمسين ألف سنة
وَمن استهان بِموقفه بين يدي الله في صلاته  وَلم يوفّه حقّه شدّد عَلَيْهِ ذَلِك الْموقف قَالَ تَعَالَى وَمن اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً
عباد الله   الخاشعون لله في صلاتهم المحبون له ولقربه ولمناجاته هم فِي رَوْضَة طعامهم فِيهَا الْخُشُوع وشرابهم فِيهَا الدُّمُوع

أَن مَا تقر بِهِ الْعين أَعلَى من مُجَرّد مَا يُحِبهُ الإنسان فَالصَّلَاة قُرَّة عُيُون المحبين فِي هَذِه الدُّنْيَا لما فِيهَا من مُنَاجَاة من لَا تقر ... الْعُيُون وَلَا تطمئِن الْقُلُوب وَلَا تسكن النُّفُوس إِلَّا إِلَيْهِ والتنعم بِذكرِهِ والتذلل والخضوع لَهُ والقرب مِنْهُ


فالمُحبُ لربه  رَاحَتُه وقرةُ عينه فِي الصَّلَاة والغافل المعرض لَيْسَ لَهُ نصيب من ذَلِك بل الصَّلَاة كَبِيرَة شاقة عَلَيْهِ إِذا قَامَ فِيهَا كَأَنَّهُ على الْجَمْر حَتَّى يتَخَلَّص مِنْهَا وَأحب الصَّلَاة إِلَيْهِ أعجلها وأسرعها فَإِنَّ لسان حاله يقول نصلي ونستريح من الصَّلَاة
لَيْسَ لَهُ قُرَّة عين فِيهَا وَلَا لِقَلْبِهِ رَاحَة بهَا ..وَالْعَبْدُ إِذا قرت عينه بِشَيْء واستراح قلبه بِهِ فأشق مَا عَلَيْهِ مُفَارقَته ... والمتكلف الفارغ الْقلب من الله وَالدَّار الْآخِرَة الْمُبْتَلى بمحبة الدُّنْيَا أشق مَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وأكره مَا إِلَيْهِ طولهَا مَعَ تفرغه وَصِحَّته وَعدم اشْتِغَاله
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يعلم أَن الصَّلَاة الَّتِي تقر بهَا الْعين ويستريح بهَا الْقلب هِيَ الَّتِي تكون كما يحب الله ويرضى وليس كما تحب النفس وترضى.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ

وابتعدوا عن صفات المنافقين الذين قال الله عنهم :
وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى      وقال تعالى وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى
واحذروا أشد الحذر أن تكونوا ممن قال الله فيهم
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا

الخطبة الثانية
الحمدلله وكفى والصلاة والسلام على عبده ورسوله المصطفى.

أما بعد

اعلموا إنه لا حظ للإنسان  من الإسلام على قدر حظه  من الصلاة ورغبته في الإسلام على قدر رغبته في الصلاة .. فاعرف نفسك يا عبد الله واحذر أن تلقى الله عز وجل ولا قدر للإسلام عندك. فإن قدر الإسلام في قلبك كقدر الصلاة في قلبك. وليس حظ القلب العامر بمحبة الله وخشيته والرغبة فيه وإجلاله وتعظيمه من الصلاة كحظ القلب الخالي الخراب من ذلك فإذا وقف الاثنان بين يدي الله في الصلاة وقف هذا بقلب مخبت خاشع له قريب منه سليم من معارضات السوء قد امتلأت أرجاؤه بالهيبة وسطع فيه نور الإيمان وكشف عنه حجاب النفس ودخان الشهوات فيرتع في رياض معاني القرآن, ويتنعم بالصلاة ويوقن ويستشعر المعاني العظيمة التي ذكرها رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  : " قَالَ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}  ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}  ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي - وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي - فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}  قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}  قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ "
فالصلاة قرة عيون المحبين وسرور أرواحهم، ولذة قلوبهم، وبهجة نفوسهم، يحملون هم الفراغ منها إذا دخلوا فيها كما يحمل الفارغ البطال همها حتى يقضيها بسرعة، فَلَهُمْ فيها شأْن وللنقارين شأْن اخر، يشكون إلى الله سوءَ صنيعهم بها إذا ائتموا بهم، كما يشكوا الغافل المعرض تطويل إمامه، فسبحان من فاضل بين النفوس وفاوت بينها هذا التفاوت العظيم. 
والصلاة لها في نفوس الكثير  كرها وثقلا ومشقة لأن الإيمان ضعف ومحبة الله زاحمها محاب أخر والرغبة في الأخرة ضعفت والغفلة عن حقيقة الدنيا وحال الإنسان فيها كثرت وكبرت ولكن يجب أن نكون كما أمر الله  وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ


اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق