الخميس، 5 مايو 2022

محاسبة النفس ، حاسب نفسك قبل أن تحاسب

 

الموفق هو الذي يحاسب نفسه في ليله ونهاره على أقواله واعماله وافعاله ، ودائم الحزم مع نفسه لما فعلتِ كذا ولمن عملتِ؟

ربح من حاسب نفسه ! وفاز من صدق في محاسبتها !وافلح من حَزِمَ معها

قال الله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ ‌وَلْتَنْظُرْ ‌نَفْسٌ ‌مَا ‌قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}

وقال الله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }

المحاسبة: هي التمييز بين ما للإنسان وما عليه.

فيأخذ ماله .. ويؤدي ما عليه .. لأنه مسافر سفر من لا يعود.

وينظر ما قدم لغد، هل يصلح ما قدمه أن يلقى الله به أولا يصلح؟

وينظر هل يكفيه ما قدم من عمل فينجيه من عذاب الله، ويبيض وجهه عند الله؟

وينظر كذلك إلى ما قدم من العمل، هل يحبه الله ويرضاه، أم يبغضه ويسخطه؟.

ومن حاسب نفسه في الدنيا خف في القيامة حسابه، ومن أهمل المحاسبة دامت حسراته في الدنيا والآخرة.

والناس متفاوتون في المحاسبة، وفي كيفية الحساب؟

والمحاسبة أن يخلو العبد بنفسه فيحاسبها ويسألها سؤال المحاسب الدقيق!

يحاسب نفسه على أداء الفرائض وعلى ترك واجتناب المناهي والذنوب المعاصي

يحاسب نفسه على حالها مع القرآن على سماعه وقراءته وتعلم معانيه والعمل بأحكامه

يحاسب نفسه على الصحبة والرفقة فإن أخطر رفيق هو الأجهزة التي اشغلت وضيعت كثيرا .

الرفقة الصالحة تزيد الصالح صلاحا والرفقة الغافلة اللاهية اللاهثة وراء شهوات الدنيا تغير الصالح إلى طالح

يحاسب نفسه على النوافل وعبادات التطوع ، حاسب نفسك على مالك من أين كسبته وفيما انفقته

حاسب نفسك على حقوق العباد وابدأ بحقوق الوالدين والأولاد وأصحاب الحقوق المالية ثم المعنوية وتحلل منها قبل أن يأتي يوم القيامة فيأخذ الغرماء حسناتك وتحمل عنهم سيئاتهم

فيا من يريد النجاة حاسب نفسك فإن الله يحصي عليك كل شيء

تأ ملوا رحمكم الله في هذا المشهد ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ ‌وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ لما غفلوا عن محاسبة أنفسهم نسوا ما عملوه وما نظروا إليه وما سمعوه وما تكلموا به وما اتهموا الناس به ونسوا آذاهم للخلق ومخالفتهم للحق

﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا ‌حَاسِبِينَ﴾ 

حاسب  نفسك قبل أن تحاسب ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ   ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ ‌الْحَاسِبِينَ ﴾ 

إن اتباع أهواء النفس يفسد وينسي ،فيغفل عن الاخرة فيخسر﴿ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ ‌الْحِسَابِ ﴾

إن الناس إذا غفلوا عن محاسبة أنفسهم هلكوا واهلكوا وحاسبهم الله حسابا شديدا ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا ‌حِسَابًا ‌شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا ﴾ 

قَالَ الْحَسَنُ: " إِنَّ الْمُؤْمِنَ قَوَّامٌ عَلَى نَفْسِهِ، يُحَاسِبُ نَفْسَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّمَا خَفَّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَوْمٍ ‌حَاسَبُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا شَقَّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَوْمٍ أَخَذُوا هَذَا الْأَمْرَ مِنْ غَيْرِ مُحَاسَبَةٍ

ومن انفع أنواع محاسبة النّفس : محاسبتها بعد العمل الصالح،

كمحاسبتها على طاعة قصّرت فيها من حقّ الله تعالى؛ فلم تعملها على الوجه الّذي ينبغي.

وحقّ الله تعالى في الطّاعة ستّة أمور وهي: الإخلاص في العمل، والنّصيحة لله فيه، ومتابعة الرّسول فيه، وحصول المراقبة فيه، وشهود منّة الله عليه، وشهود تقصيره فيه بعد ذلك كلّه. فيحاسب نفسه: هل وفّى هذه المقامات حقّها، وهل أتى بها في هذه الطّاعة.

عباد الله :عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ، قَالَ: - وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ؟ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ: قُلْتُ: ‌نَافَقَ ‌حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: ‌نَافَقَ ‌حَنْظَلَةُ، يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَمَا ذَاكَ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً»

يعني ساعة تحضرون مجالس الذكر وساعة تقومون بحقوق أهلكم وأولادكم وما يصلح معاشكم وليست كما يفهم أهل اللهو ساعة لربك وساعة لشيطانك.

وفي هذه القصة حرص السلف الشديد على محاسبة النفس واتهامها. وإنهم رضي الله عنهم يتهمون أنفسهم بالنفاق عندما يرونها قصرت في الاجتهاد في الصالحات فيحملهم محاسبة أنفسهم واتهامها على المسارعة والسابقة في الحسنات والتنافس فيما يرضي الله.

 أُولئكَ آبائِي فجِئنِي بمِثْلِهِم ..إِذَا جَمَعَتْنَا ‌يا ‌حكيمُ ‌الْمَجَامِعُ

الخطبة الثانية

إن من علامات التقوى أن يحاسب نفسه على أمر مباح، أو معتاد: لم فعله؟ وهل أراد به الله والدّار الآخرة؟ فيكون رابحا، أو أراد به الدّنيا وعاجلها؛ فيخسر ذلك الرّبح ويفوته الظّفر به، لأن الذي يحاسب نفسه قد أحسن لنفسه ويسر عليها الحساب ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ ‌حِسَابًا يَسِيرًا ﴾ 

ومن علامات التوفيق أن يحاسب نفسه على كلّ عمل كان تركه خيرا له من فعله. لأن (‌المُؤْمِنُ ‌كَيِّسٌ فَطِنٌ حَذِرٌ)

عباد الله : من حاسب نفسه فله نصيب من قوله ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ ‌زَكَّاهَا ﴾ 

ومن غفل عن محاسبة نفسه فله نصيب من قوله ﴿ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ 

كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، إِلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ،: " أَنْ ‌حَاسِبْ ‌نَفْسَكَ ‌فِي ‌الرَّخَاءِ قَبْلَ حِسَابِ الشِّدَّةِ، فَإِنَّهُ مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الرَّخَاءِ قَبْلَ حِسَابِ الشِّدَّةِ عَادَ مَرْجِعُهُ إِلَى الرِّضَا وَالْغِبْطَةِ وَمَنْ أَلْهَتْهُ حَيَاتُهُ وَشَغَلَتْهُ أَهْوَاؤُهُ عَادَ أَمْرُهُ إِلَى النَّدَامَةِ وَالْحَسْرَةِ فَتَذَكَّرْ مَا تُوعَظُ بِهِ وكُونّْ عِنْدَ التَّذْكِرَةِ وَالْمَوْعِظَةِ مِنْ أُولِي النُّهَى»

وقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: " مَثَّلْتُ نَفْسِي فِي الْجَنَّةِ، آكُلُ ثِمَارَهَا، وَأَشْرَبُ مِنْ أَنْهَارِهَا، وَأُعَانِقُ أَبْكَارَهَا، ثُمَّ ‌مَثَّلْتُ ‌نَفْسِي ‌فِي ‌النَّارِ، آكُلُ مِنْ زَقُّومِهَا، وَأَشْرَبُ مِنْ صَدِيدِهَا، وَأُعَالِجُ سَلَاسِلَهَا وَأَغْلَالَهَا؛ فَقُلْتُ لِنَفْسِي: أَيْ نَفْسِي، أَيُّ شَيْءٍ تُرِيدِينَ؟، قَالَتْ: أُرِيدُ أَنْ أُرَدَّ إِلَى الدُّنْيَا؛ فَأَعْمَلَ صَالِحًا قَالَ: قُلْتُ: فَأَنْتِ فِي الْأُمْنِيَةِ فَاعْمَلِي "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق