الخميس، 10 مارس 2022

تسوية الصفوف في الصلاة ، اقامة الصفوف من تمام الصلاة وكمالها ، خطبة جمعة

 

الحَمْدُ للهِ الذِيْ جَعَلَ لَنَا دِيْنًا هُوَ خَيْرُ الأَدْيَانِ، وَأَنْزَلَ لَنَا كِتَابًا هُوَ خَيْرُ الكُتُبِ، وَأَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُوْلاً هُوَ خَيْرُ الرُّسُلِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهَ تَسْلِيْمًا كَثِيْرًا.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ، وَتَذَكَّرُوا نِعَمَهُ عَلَيْكُمْ فَاحْمَدُوهُ وَاشْكُرُوهُ، وَتَأَمَّلُوا مَقَادِيرَهُ فِي عِبَادِهِ فَعَظِّمُوهُ وَسَبِّحُوهُ، وَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ وَكَبِّرُوهُ؛ فَإِنَّهُ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ، شَدِيدُ الْمِحَالِ، عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ [ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ].

أَيُّهَا النَّاسُ: لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ مَنَافِعُ عِدَّةٌ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ، فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ، وَأَهْلُ الْمَسَاجِدِ هُمْ زُوَّارُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْكَرِيمُ سُبْحَانَهُ يُكْرِمُهُمْ بِمَا يَلِيقُ بِكَرَمِهِ وَغِنَاهُ. وَمِنْ عَجِيبِ مَا شُرِعَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ تَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ وَتَرَاصُّهَا، فَقَدْ تَوَاتَرَتْ بِهَا الْأَخْبَارُ، وَشَدَّدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهَا، وَسَارَ عَلَى سُنَّتِهِ فِي الْعِنَايَةِ بِهَا وَالتَّشْدِيدِ فِيهَا صَحَابَتُهُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-.


رَوَى جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "...أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ"

مَا أَعْظَمَهُ مِنْ مَقَامٍ، وَمَا أَجَلَّهُ مِنْ وَصْفٍ... صُفُوفُ الْمُصَلِّينَ فِي الْمَسَاجِدِ كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى. وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الْوُقُوفُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى وَمُنَاجَاتُهُ.

صُفُوفٌ فِي الْأَرْضِ وَصُفُوفٌ فِي السَّمَاءِ تَجْمَعُهَا الْعُبُودِيَّةُ لِلَّهِ -تَعَالَى- وَمَحَبَّتُهُ، وَالتَّذَلُّلُ لَهُ وَمُنَاجَاتُهُ. فَهَلْ فِي الدُّنْيَا صُفُوفٌ كَصُفُوفِ الْمُصَلِّينَ فِي وِجْهَتِهَا وَهَيْبَتِهَا وَوَقَارِهَا وَخُشُوعِهَا؟!

عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ فَيَقُولُ: " ‌تَرَاصُّوا وَاعْتَدِلُوا"

 ولأَجْلِ (تَرَاصُّوْا) مُنِعَ مِنْ صَلَاةِ الْمُصَلِّي وَحْدَهُ فِي الصَّفِّ.

لِأَجْلِ (تَرَاصُّوْا) كُرِهَتِ مَعَ السَّعَةِ الصَّلَاةُ بَيْنَ السَّوَارِي.

لِأَجْلِ (تَرَاصُّوْا) مُدِحَ مَنْ يَصِلُ الصَّفَّ وَيَسُدُّ الفُرَجَ.

كلُّ هَذَا لِأَجْلِ أَنْ تَقَرَّ عُيُوْنُنَا بِصَلَاتِنَا، وَلِنُقَابِلَ رَبَّنَا مُقْبِلِيْنَ، وَبِمُنُاجَاتِهِ مُتَلَذِّذِيْنَ.

أيُّهَا المُؤمِنُونَ: التَّرَاصُّ يَكُونَ بَالتَقَارُبُ بِلَا عِوَجٍ وَلَا فُرَجٍ: (كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ).

وَفِي تَسْوِيَةِ الصَّفِّ ثَلَاثُ سُنَنٍ: اسْتِقَامَةُ الصَّفِّ بِلَا عِوَجٍ، وسَدُّ الخَلَلِ بِلَا فُرَجٍ. وَوَصْلُ الصَّفِّ الأَوَّلِ فالأَوَّلِ.

وَمِنَ السُّنَنِ عِنْدَ تَزَاحُمِ الصُّفُوفِ إِتْيَانُ الإِمامِ بِنَفْسِهِ بَيْنَ الصُّفُوفِ لِتَسْوِيَتِهَا، أو إِرسالُ مَنْ يَنُوْبُهُ. فَقَدْ كَانَ عُمَرُ يَمُرُّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، يُسَوِّيْهِمْ. وكَانَ عُثْمَانُ لَا يُكَبِّرُ، حَتَّى يَأْتِيَهُ رِجَالٌ قَدْ وَكَّلَهُمْ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ، فَيُخْبِرُونَهُ أَنْ قَدِ اسْتَوَتْ، فَيُكَبِّرُ. وَابْنُ عُمَرَ يَقُوْلُ: «لَأَنْ يَخِرَّ ثَنِيَّتَايَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَرَى فِي الصَّفِّ خَلَلاً وَلَا أَسُدَّهُ.

وهَذِهِ دَعْوَةٌ للمؤمنين: أَنْ يُطَبِّقُوا سُنَّةَ سَدِّ الفُرَجِ، لا سِيَّمَا وَالنَّاسُ قد جهل بعضهم هذه السنن بل بعضهم لا يبالي بها. ولا يَكْتَفُوا بِكَلِمةِ (اسْتَوَوْا) دُوْنَ تَعْدِيْلٍ وَسَدٍّ، وتَسْوِيَةُ الإِمَامِ للصَّفِّ واجِبَةٌ، وَالجَمَاعَةُ إِذَا لَمْ يُسَوُّوُا الصَّفَّ فَهُمْ آثِمُوْنَ).

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ ‌مِنْ ‌تَمَامِ ‌الصَّلَاةِ»

«أَقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ ، وَلَا تَذَرُوا ‌فُرُجَاتٍ ‌لِلشَّيْطَانِ وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ»

أحبتي في الله : فِي أُخر عَهْدِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- بَدَأَ النَّاسُ يَتَسَاهَلُونَ فِي أَمْرِ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ، وَسَدِّ فُرَجِهَا، وَالتَّرَاصِّ فِيهَا، ثُمَّ صَارَ التَّسَاهُلُ بِهَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ يَزْدَادُ عَبْرَ الْقُرُونِ حَتَّى قَلَّ الْخُشُوعُ وَكَثُرَتِ الْوَسَاوِسُ، كَمَا أَفْصَحَ عَنْ ذَلِكَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَهُوَ مِنَ الْمُعَمَّرِينَ وَمِنْ آخِرِ الصَّحَابَةِ مَوْتًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَقِيلَ لَهُ: مَا أَنْكَرْتَ مِنَّا مُنْذُ يَوْمِ عَهِدْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: "مَا أَنْكَرْتُ شَيْئًا إِلَّا أَنَّكُمْ لَا تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ"

 فَعَلَيْنَا -عِبَادَ اللَّهِ- أَنْ نُولِيَ هَذَا الْأَمْرَ عِنَايَتَنَا؛ امْتِثَالًا لِأَمْرِ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاقْتِدَاءً بِصَحْبِهِ الْكِرَامِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-؛ وَلِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِخُشُوعِنَا فِي صَلَاتِنَا وتمامها وكمالها.

الخطبة الثانية

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاسْتَمْسِكُوا بِدِينِكُمْ؛ فَإِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ، وَتَعَلَّمُوا سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ؛ فَلَا نَجَاةَ لَكُمْ إِلَّا بِاتِّبَاعِهِ {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}

فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُوْلَ: مَا الفَوَائِدُ مِنْ تَسْوِيَتِنَا لِصُفُوفِ صَلَاتِنَا؟ فيُقَالُ: إِلَيْكَ عَشْرَ فَوَائِدَ:

نَقْتَدِيْ برَسُولِنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذِيْ كَانَ يُسَوِّي الصُفُوفَ، حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ. بَلْ كَانَ يَتَخَلَّلُ الصَّفَّ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَى نَاحِيَةٍ؛ يَمْسَحُ صُدُورَهُمْ وَمَنَاكِبَهُمْ.

نَتَشَبَّهُ بِالمَلائِكَةِ الكِرَامِ. قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ.

يَعْظُمُ أَجْرُنَا. قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:مَا مِنْ خُطْوَةٍ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ خُطْوَةٍ مَشَاهَا رَجُلٌ إِلَى فُرْجَةٍ فِي صَفٍّ فَسَدَّهَا.

تَرْتَفِعُ دَرَجَاتُنَا: قَالَ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:مَنْ سَدَّ فُرْجَةً رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً.

يَصِلُنَا اللهُ وَيَزِيْدُ فِي بِرِّنَا: قَالَ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:مَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ.

يُثْنِيْ اللهُ عَلَيْنَا، وَالمَلَائِكَةُ تَسْتَغْفِرُ لَنَا. قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الَّذِينَ يَصِلُونَ الصُّفُوفَ.

نَتَّقِيْ الإِثْمَ والوَعِيْدَ، فَقَدْ رَأَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلًا بَادِيًا صَدْرُهُ مِنَ الصَّفِّ، فَقَالَ: عِبَادَ اللهِ! لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ. وَهَذَا وَعِيْدٌ، وَلَا وَعِيْدَ إلَّا عَلى فِعْلِ مُحَرَّمٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ. وإذا قصر المصلون في تسوية الصف فهم آثمون.

نَقْطَعُ الطَّرِيْقَ عَلى الشَّيْطَانِ ألَّا يُفْسِدَ صَلَاتَنَا بِالوَسْوَسَةِ وَالشُّكُوْكِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ.

تَتَآلَفُ قُلُوبُنَا، فتَقَارُبُ الْأَبْدَانِ يَجْلِبُ تَقَارُبَ الْقُلُوبِ، وَصَلَاحُ الظَّاهِرِ لَهُ أَثَرٌ فِي صَلَاحِ الْبَاطِنِ. قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ.

نَتَعَلَّمُ النِّظَامَ وَالدِّقَّةَ فِي أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ وَفِي أَفْضَلِ الْبِقَاعِ. وَهَذَا تَنْبِيْهٌ لِمَنْ فُتِنَ بالْغَرْبِ وَالشّرْقِ ولم يعلم أنَّ ديننَا يَحُثُّ عَلَى النِّظَامِ. وَكَمْ أَسْلَمَ مِنْ كَافِرٍ بِسَبَبِ مَنْظَرِ تَرَاصِّ صُفُوفِ الْمُصَلِّينَ أَمَامَ الْكَعْبَةِ.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق