الخميس، 24 فبراير 2022

كيف ربى النبي أمة تقود الأمم ، ما أسس التربية النبوية

 

‌‌‌كيف أحيا الرسول أمة متخلفة مهانة بين الأمم متعمقة فيها الجاهلية راسخة فيها الوثنية سائدة فيها الخرافة إلى أمة تقود الأمم بالعلم والعدل والإصلاح ؟ إن هذا التساؤل يجعلنا نتلمس أُسُسَ تربية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؛ ويمكن أن نجمل التربية النبوية في ثَلَاث ‌أُسُسٍ

التربية على العقيدة وَالْعِبَادَة

فقد حرص النبي كل الحرص على صحة العقيدة وسلامتها وقوتها وعلى إتقان العبادة واستمرارها وتنوعها

فيجب على كل مسلم أَن يهتم أَولا بالعقيدة ويركز عَلَيْهَا لِأَنَّهَا الركيزة لما بعْدهَا وَلِأَن قُوَّة الْإِيمَان بِاللَّه تَسْتَلْزِم الانقياد لشرعه وتثمر الاستسلام لمنهجه والرضا بحكمه

ومن ثمرات العقيدة التربية على المراقبة لله وَحفظ أوامره ونواهيه وَذَلِكَ بِاتِّبَاع الْأَوَامِر وَأَدَاء الْفَرَائِض والمحافظة عَلَيْهَا وَاجْتنَاب النواهي والبعد عَنْهَا وَبِذَلِك يحفظه الله وَيكون مَعَه بالتسديد وَالْحِفْظ والعون ثمَّ التَّوْجِيه إِلَى قُوَّة الارتباط بِاللَّه واللجوء إِلَيْهِ والخضوع لَهُ والتذلل لَهُ بسؤاله وَحده والاستعانة بِهِ وَحده.

التربية الأخلاقية

لقد أعْطى الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للأخلاق منزلَة عالية تمثلت فِي توجيهاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمَا أعطَاهُ للأخلاق من أهمية، وَمَا بذله فِي سَبِيل ترسيخ الْأَخْلَاق، وغرسها فِي نفوس أَصْحَابه منهجاً رائعاً آتى ثماره وَكَانَ خير مَنْهَج فِي تَقْوِيم السلوك والدعوة لِلْخلقِ الْحسن. فقد كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل أَن يُوَجه أَصْحَابه إِلَى اتّباع الْخلق الْحسن كَانَ خير قدوة لَهُم فِي ذَلِك فقد كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام قمة سامقة فِي الْأَخْلَاق السامية حَتَّى شهد لَهُ بذلك الْقُرْآن الْكَرِيم قَالَ تَعَالَى: {وَإنَّك لعلى خلق عَظِيم}  فقد أدب الله (نبيه بآداب حَسَنَة، وَجعل لَهُ برحمته هَذِه الْأَخْلَاق الْعَالِيَة ،   وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يَسْتَقِي من الْقُرْآن أخلاقه، فَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا سُئلت عَن خلق رَسُول الله (فَقَالَت: (كَانَ خلقه الْقُرْآن)  

التربية بالقدوة

وَلَقَد كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير قدوة لأَصْحَابه، وَكَذَا حَال الْأَنْبِيَاء جعلهم الله مِثَالا وأسوة لأممهم فَمَا كَانُوا ليأمروا بِمَا يخالفونه أوَ يَقُولُوا مَالا يَفْعَلُونَهُ.  وَقد جعل الله من الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُسْوَة يحتذى وقدوة يُتَّبع لنيل ثَوَاب الْآخِرَة فقد تمثلت فِيهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة والآداب المرعية، فَمَا من خير إِلَّا سبق إِلَيْهِ وَلَا خصْلَة حميدة إِلَّا نَالَ أوفر الْحَظ مِنْهَا. وَلِهَذَا أمرنا بالتأسي بِهِ {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة لمن كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْم الآخر}   والقدوة لَهَا أعظم الْأَثر فِي النُّفُوس، وتأثيرها أعظم من تَأْثِير الْخطب والمقالات والكتابات وَهَذَا مِمَّا يُثبتهُ الْوَاقِع وتدركه الْعُقُول. وَلِهَذَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَمَثَّل حَقِيقَة الْإِسْلَام بَين أَصْحَابه فِي قدوة حَسَنَة يقرن الْفِكر بِالْعَمَلِ، ويربط النظرية بالتطبيق وَيقدم الْمعَانِي حقائق حَيَّة فيُهتدى بِعَمَلِهِ قبل قَوْله ، وبفعله قبل علمه وَيكون أَمَام أَصْحَابه تجسيداً حَيا لدعوته ومثلاً صَرِيحًا على مبادئه. وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمر الصَّحَابَة بالاقتداء بِهِ فَيَقُول: (صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) وَيَقُول: ((خُذُوا عني مناسككم)

وقد استخدم الرسول في بناء هذه الأسس النبوية

أساليب تربوية في تربيته لأَصْحَابه ، منها :

أسلوب التربية بالثواب وَالْعِقَاب

فمن أساليب التربية الَّتِي يتَّفق عَلَيْهَا عُلَمَاء التربية: التربية بالثواب وَالْعِقَاب وَهُوَ أَمر فطري، وجد عناية فِي التربية الإسلامية فها هِيَ آيَات الْقُرْآن لاتكاد تَخْلُو صفحة من وعد بالثواب للطائعين ووعيد بالعقاب للعاصين ،وَهَذَا الْمنْهَج القرآني لَهُ أبلغ الْأَثر فِي النُّفُوس وتربيتها وتهذيبها ، وَكم ترَبَّتْ نفوس الْمُؤمنِينَ وزكت بآيَات الْقُرْآن لما وعتها وفهمت حَقِيقَتهَا فصاروا يعْبدُونَ رَبهم ويدعونه رغباً ورهباً وأوجدت صور الْوَعيد فِي نُفُوسهم عبودية الْخَوْف وأحيت صور الْوَعْد فِي نُفُوسهم عبودية الرَّجَاء، وَالْخَوْف والرجاء كجناحي طَائِر وهما قطبان فِي الْعِبَادَة.

ومن الأساليب النبوية في التربية: التربية بِالْقُرْآنِ

لقد كَانَ كتاب الله عز وَجل لَهُ أعظم الْأَثر فِي تَهْذِيب نفوس الصَّحَابَة وتربيتهم كَيفَ لَا وَهُوَ كتاب الله المعجز الَّذِي تَأْخُذ فَصَاحَته بالألباب. وتؤثر مَعَانِيه فِي الْقُلُوب وَلَو نزل على الْجبَال الراسيات لصدّعها {لَو أنزلنَا هَذَا الْقُرْآن على جبل لرأيته خَاشِعًا متصدعاً من خشيَة الله} هُوَ الَّذِي لم تتمالك الْجِنّ إِذْ حَضَرُوهُ إِلَّا أَن {قَالُوا: أَنْصتُوا فَلَمَّا قضي وَلَو إِلَى قَومهمْ منذرين} ، وَقَالُوا أَيْضا {إِنَّا سمعنَا قرآناًعجباً يهدي إِلَى الرشد فَآمَنا بِهِ}  وَلَقَد شهد بتأثير الْقُرْآن وفصاحته وعلوه الْمُشْركُونَ الَّذين عاندوه وَكَفرُوا بِهِ فالوليد بن الْمُغيرَة عِنْدَمَا قَرَأَ عَلَيْهِ النَّبِي (الْقُرْآن قَالَ: (وَالله إِن لقَوْله الَّذِي يَقُول حلاوة، وَإِن عَلَيْهِ لطلاوة وَإِن أَعْلَاهُ لمثمر، وَأَن أَسْفَله لمغدق وَإنَّهُ ليعلو وَمَا يعلى عَلَيْهِ، وَإنَّهُ ليحطم مَا تَحْتَهُ) .

هَذَا الْقُرْآن الْعَظِيم تلقّاه الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم بشغف عَجِيب يتلونه ويتدبرونه ويعملون بِهِ وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يربيهم بِالْقُرْآنِ ويتمثل أمامهم بآداب الْقُرْآن فَكَانَ خلقه الْقُرْآن وهديه الْقُرْآن ثمَّ كَانَ يحدوهم فِي ذَلِك ماورد من الثَّوَاب لمن تَلا الْقُرْآن وتدبره وَعمل بِهِ كَقَوْلِه تَعَالَى ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ 

الخطبة الثانية

وَمن معالم التربية النَّبَوِيَّة غرس الْيَقِين بِالآخِرَة فِي النُّفُوس والتذكير بهَا وَجعلهَا هِيَ الهمّ والغاية الَّتِي يسْعَى إِلَيْهَا الْمُسلم. وَالْيَقِين بِالآخِرَة من أعظم أَسبَاب صَلَاح النُّفُوس واستقامتها وَهُوَ ركن أصيل فِي إِيمَان العَبْد الْمُسلم وصلاحه واستقامته وَلِهَذَا نجد أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعله من أهم صِفَات الْمُؤمنِينَ، قَالَ تَعَالَى: {…وبالآخرة هم يوقنون}   ونجد الْقُرْآن الْكَرِيم لَا تَخْلُو صفحة من صفحاته من التَّذْكِير بِالآخِرَة وَمَا فِيهَا. وَلَقَد كَانَ مَنْهَج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ربط النُّفُوس بِالآخِرَة وَبِمَا فِيهَا من النَّعيم الْمُقِيم وَمَا فِيهَا من الْجَزَاء وَالْعِقَاب الْأَلِيم.

وما هو أثر التربية النبوية!

التربية النبوية أخرجت خير أمة جعل الله لها القيادة والسيادة والريادة ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ‌أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ 

نعم هؤلاء هم الذين تخرجوا من المدرسة الربانية النبوية ، إنهم أصحاب محمد الرسول النبي الأمي ﷺ ، وقد وصفهم الله بالصدق ،وبالوفاء بالعهد ،وإنهم صدقوا الله: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى ‌نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ 

ووصفهم الله بكثرة العبادة ودوامها وخاصة الصلاة فقال سبحانه وتعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ}

ووصفهم الله بقوة اليقين والثبات على الدين قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ}

                                                         

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق