الخميس، 10 فبراير 2022

طول الأمل وخطره وسببه واضراره

 

طول الأمل: الحرص على الدّنيا والانكباب عليها، والحبّ لها والإعراض عن الآخرة!

عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: " إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمُ اثْنَتَيْنِ: اتِّبَاعُ الْهَوَى، وَطُولُ الْأَمَلِ، فَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ، وَأَمَّا ‌طُولُ ‌الْأَمَلِ فَيُنْسِي الْآخِرَةَ، وَارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الْآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابٌ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ "

 

وعلامة العقل هي إنزال الدنيا منزلتها وترك الركون إليها مع اغتنام البقاء فيها للفوز بالعيش الدائم الآمن في الاخرة والنعيم المقيم.

وطول الآمال قطعت أعناق الرجال كالسراب أخلف من رجاه وخاب من رآه .

ومن اختار ‌قِصَرَ ‌الْأَمَلِ اختار الامنَ والسلامة ومن طال أملُه طال ألمه ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ 

ان طول الأمل جند من جنود إبليس يوقع في أُمَّهَاتِ الْخَطَايَا وهي: الْحَسَدُ وَالْحِرْصُ وَالْكِبْرُ.

فَأَمَّا الْكِبْرُ فَكَانَ أَصْلُهُ مِنْ إِبْلِيسَ حِينَ تَكَبَّرَ وَأَبَى أَنْ يَسْجُدَ، فَلُعِنَ.

وَأَمَّا الْحِرْصُ فَكَانَ أَصْلَهُ مِنْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ قِيلَ لَهُ الْجَنَّةُ كُلُّهَا مُبَاحٌ لَكَ إِلَّا هَذِهِ الشَّجَرَةَ، فَحَمَلَهُ الْحِرْصُ عَلَى الأَكْلِ مِنْهَا.

وَالْحَسَدُ أَصْلُهُ مِنْ قَابِيلَ ابْنِ آدَمَ حِينَ قَتَلَ أَخَاهُ هَابِيلَ، فَصَارَ مَأْوَاهُ النَّار.

فلا تكونوا من الذين غرهم طول الأمل فغفلوا عن قرب الأجل وفرطوا في صالح العمل

وَاعْلَموا أَن ‌طول ‌الأمل دَاء عضال وَمرض مزمن وَمَتى تمكن من الْقلب فسد مزاجه وَاشْتَدَّ علاجه!

وقد ذم الله الذين غرهم طول الأمل وتوعدهم بقوله ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ ‌الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ 

وَقَالَ بعض الْحُكَمَاء إِن للْبَاقِي بالماضي مُعْتَبرا .. وَللْآخِر بِالْأولِ مزدجرا .. والسعيد لَا يغتر بالطمع وَلَا يركن إِلَى الخدع وَمن ذكر الْمنية نسي الأمنية وَمن أَطَالَ الأمل نسي الْعَمَل وغفل عَن الْأَجَل

يا مَنْ بدنياهُ اشتغلْ … وغرَّه طولُ الأمل

الموتُ يأتي بغتةً … ‌والقبرُ ‌صندوقُ العملْ

أهم اسباب  ‌طول ‌الأمل شيئان:

أحدهما: حب الدنيا، والثاني: الجهل

ومن أحب الدنيا قدمها على الآخرة وأضاع قلبه ووقته ،وهما أصل كل إِضَاعَة: إِضَاعَة الْقلب وإضاعة الْوَقْت فإضاعة الْقلب من إِيثَار الدُّنْيَا على الْآخِرَة وإضاعة الْوَقْت من ‌طول ‌الأمل فَاجْتمع الْفساد كُله فِي إتباع الْهوى وَطول الأمل وَالصَّلَاح كُله فى اتِّبَاع لهدى والاستعداد للقاء َالله.

الْهُدَى وَاضِحٌ فَلا تَعْدِلُوا عَنْهُ … وَلا تَسْلُكُوا سَبِيلَ الضَّلالِ)

(وَأَنِيبُوا قَبْلَ الْمَمَاتِ وَتُوبُوا … تَسْلَمُوا فِي غَدٍ مِنَ الأَهْوَالِ

ولا تكونوا من الذين {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}

 

وَقَالَ الْحُكَمَاءُ الْجَاهِلُ يَعْتَمِدُ عَلَى الْأَمَلِ وَالْعَاقِلُ يَعْتَمِدُ عَلَى الْعَمَلِ،

واعلموا أن ‌طول ‌الأمل أصل كل فتنة، ومنه أتى كل هلاك.

 ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ ‌الْآخِرَةُ ‌خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾

اضرار طول الأمل:

وَيَتَوَلَّدُ مِنْ ‌طُولِ ‌الْأَمَلِ الْكَسَلُ عَنْ الطَّاعَةِ وَالتَّسْوِيفُ بِالتَّوْبَةِ وَالرَّغْبَةُ فِي الدُّنْيَا ويحسنها ويحببها، وَنِسْيَانُ الْآخِرَةِ، وَيُقَوِّي الْهوى وَيكثر الشَّهَوَات، ويسهل الوقوع في المعاصي، ويورث سيء الأخلاق ، وَقَسْوَةُ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّ رِقَّة القلب وَصَفَاءَهُ إنَّمَا يَقَعُ بِتَذَكُّرِ الْمَوْتِ وتقديم أمر الآخرة على الدنيا.

قال تعالى محذرا من مشابهة اليهود والمشركين الذين اهتموا بدنياهم وضيعوا اخرتهم {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ}

(عَنْ ‌مُجَاهِدٍ ، عَنِ ‌ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنكبي فَقَالَ: كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ،» وَعُدَّ نَفْسَكَ فِي أَهْلِ الْقُبُورِ فَقَالَ لِيَ ابْنُ عُمَرَ: إِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالْمَسَاءِ، وَإِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالصَّبَاحِ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ)

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: «‌اغْتَنِمْ ‌خَمْسًا ‌قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ »

 

إنا لنفرح بالأيام نقطعها … وكلُّ يوم مضى يُدني من الأجل

فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً … فإن الربح والخسران في العمل

‌وقال الاخر:

إِنَّا ‌لَنَفْرَحُ ‌بِالأَيَّامِ ‌نَقْطَعُهَا * وَكُلُّ يَوْمٍ مَضَى لِلْعُمْرِ نُقْصَانُ

وقيل:

‌وَمَا ‌الدُّنْيَا ‌بِبَاقِيَةٍ ‌لِحَيٍّ … وَمَا حَيٌّ عَلَى الدُّنْيَا بِبَاق

﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ ‌فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ 

الخطبة الثانية

يا من غره طول الأمل تذكر قول الله تعالى ﴿‌كُلُّ ‌نَفْسٍ ‌ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ 

قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم « لَا يَزَالُ قَلْبُ الْكَبِيرِ شَابًّا فِي اثْنَتَيْنِ: فِي حُبِّ الدُّنْيَا، ‌وَطُولِ ‌الْأَمَلِ ».

أخي الحبيب اصلح نفسك بالتقوى والاستعداد للرحيل من الدنيا ولقاء الله!

تَزَوَّدْ مِنَ التَّقوَى فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي * إِذَا جَنَّ لَيْلٌ هَلْ تَعِيشُ إِلى الفَجْرِ

فَكَمْ مِنْ طَبِيبٍ مَاتَ في زَهْرَةِ العُمْرِ * وَكَمْ مِنْ مَرِيضٍ عَاشَ حِينَاً مِنَ الدَّهْرِ

فَكَمْ مِنْ سَلِيمٍ مَاتَ مِن غَيرِ عِلَّةٍ * وَكَمْ مِنْ سَقِيمٍ عَاشَ حِينَاً مِنَ الدَّهْرِ

‌وَكَمْ ‌مِن ‌عَرُوسٍ ‌زَيَّنُوهَا ‌لِزَوْجِهَا * وَقَدْ قُبِضَتْ أَرْوَاحُهُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ

فكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكًا … وقد نُسِجَتْ أكفانُه وهو لا يدري

وكم من صغارٍ يُرتجى طول عمرهم … وقد أُدخلت أجسادُهم ظلمة القبرِ

وكم من ساكن عند الصباح بقصره ××× وعند المسا قد كان من ساكن القبر

فكن مخلصًا واعمل الخير دائمًا ××× لعلك تحظى بالمثوبة والأجر

وداوم على تقوى الإله فإنها ××× أمان من الأهوال في موقف الحشر

 ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٨) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ ‌نَسُوا ‌اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق