الخميس، 10 سبتمبر 2020

خطبة جمعة : التخبيب بين الزوجين ، تخبيب المرأة على زوجها

 الحمد لله وكفى 

من أحبُ جنودِ إبليس إليه وارضاهم عملا عنده

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ ويَلْتَزِمُهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ))

فهل يقوم أحد من البشر بهذا العمل الإبليسي؟

نعم كثير من الناس يقع في التفريق بين المرء وزوجه سواء علم أم جهل    .

ومن أكثر أنواع التفريق بين المرء وزوجه انتشارا " التخبيب ".

والتخبيب هو افساد أحد الزوجين على الآخر فيقع بسبب التخبيب بينهما من الخلاف أو الكره والشقاق ما يفسد علاقتهما ببعضهما.. ومن أخطر الأساليب : إلباس التخبيب ثوبَ النصيحة، وتظاهُرِ المخبِّبِ بالشفقة على من يريد تخبيبه فيتسلل إلى قلبه ، فالمفسد في هذه الحال لا يصرح بالتحريش، ولكن يلبس ثوب الناصح المشفق المتعاطف  ، فيبدأ قلب المخبَّبِ وهو الضحية بالغليان، ثم الغيظ على صاحبه أو زوجه  ، فينقلب عليه بغضا وذما، بعدما كان يُكْبره ويحبه ويكنُّ له الاحترام , وهكذا ينجح شيطان الإنس في فك العلاقة بين الطرفين وزعزعتها، وإزالة خيوط الترابط والمحبة وسلامة الصدر.

التخبيب بين الزوجين وإفساد ما بينهما لأي غرض كان، منكرا وجريمة  .. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا، أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ»   وفي رواية  : ((وَمَنْ أَفْسَدَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا فَلَيْسَ مِنَّا)).

ومن صور التخبيب بين الزوجين  : أن يُوقعَ  عداوةَ احدِها في قلب الآخر  ، كمن يَذكرُ مساوئَ الزوج عند الزوجة،  ويَحملَها على أن تنفر منه وتُؤذيَه، وتطلبَ الطلاقَ منه،  وكذلك من يذكر مساوئ الزوجة عند زوجها وتحقيرها في عينه، سواء بشكلها وهيئتها أو خدمتها له وعشرتها معه، ثم إما أن يحمله ذلك على سوء عشرتها، أو طلاقها، أو يذرها كالمعلقة.

وقد يهدف المخببُ بين الزوجين إلى الإفساد بين الزوجين لأجل الزواج  من احدهما، وكل ذلك من الإثم العظيم.

ومن صور التخبيب: تخبيب القنوات الفضائيّةِ ووسائل الاتصال والتواصل التي تعرِض صوَرَ النساءِ والرّجالِ في أكمَلِ زينةٍ، فأصبحَت المواصَفاتُ للزّواج فضائيّة، او انترنتية فلا تُرضِي الرجلَ امرأةٌ، وكذلك يقال للمرأةِ التي تَبني أحلامًا ورديّة للحياةِ على ضوءِ ما تربّت عليه من أفلامٍ ومسلسَلات، ثم تُصدَم بواقعِ الحياة جاهلةً أنَّ ما تربّت عليه أو تربَّى عليه الزوجُ ما هو إلاَّ مجرَّد تمثيليّات وصوَرٍ وخيالات وعُصارة أفكارِ فاسقة.

إنَّ الأفلامَ والمسلسَلاتِ وما تبثُّه القنواتُ من حِواراتٍ لم يقتصِر شرُّها على إثارةِ الشَّهوات، بل أفسدَت أخلاقَ الناس وتعاملاتِهم في بيوتهم، وقرَّرت في نفوسِ مشاهديها مبادئَ خاطئةً عن الحياةِ الزوجيّة والتعاملِ الأسريّ، وقلبَت المفاهيمَ، وحسَّنت المنكرَ، وقبَّحت المعروفَ، وفتحَت على البيوتِ أنواعًا من المشكِلات لم تكن موجودةً من قبل. إنَّ ما تقومُ به هذه الوسائلُ الإعلاميّة هو منَ التخبيب الذي حرَّمه النبيّ ‘ وهو إفساد المرأة على زوجِها وإثارتها عليه أو افساد الزوج على زوجته.

ومنَ التخبيبِ ومن إفسادِ البيوت : مناداةُ المغرضين بخروجِ المرأةِ عن ولايةِ الرجل، وإقناعُها بأنها مهضومةَ الحقوق مسلوبةَ الحرية.

ومن صور التخبيب الحديثة: تخبيب برامج التواصل ، وخاصة تلك البرامج التي تنقل اليوميات، فترى الواحدة منهن تعرض أكلها وشربها ومسكنها وسفراتها وهداياها مما يوغر صدور الزوجات على أزواجهن فيطالبن بما يعجز عنه الزوج من النفقة الباهظة لأجل مماثلة تلك ومجاراة أخرى، فيقع بين الزوجين خصومة وجدال قد تؤدي إلى الطلاق أو النفرة، ولو أن كل امرأة ورجل احتفظ بخاصة أمره ولم ينشره لتوقفت مظاهر المفاخرة والتقليد الذي سبب ديونا ومشاكل أسرية، وعدم رضا بما قسم الله، وحسدا لمن أنعم الله عليهم .. (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ).

 بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بكتابه وبسنة سيد المرسلين، أقول قولي هذا.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: نداء إلى المخبِّبِ: اعلم أي شر أصبت به، وأي دور تقوم به، إنه دور الشيطانِ ومُغْضِبُ الرحمن، وكفاك به سوءا ومغبة، إنه «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ» ، وإن رسول الله ‘ قد تبرأ ممن هذا عمله، فإياك أن تغلبك شهوة نفسكَ وهوى قلبِكَ وغيرةً تجدها في جوانحك، فتطفئَ نارَ قلبِك بإشعالِ قلوبِ الناس على بعضهم، فتفرقَ بين المرء وزوجه، وتسعى جهدك في الفتنة، ألا فلتنتبه ولتحذر، وليتوقف لسانك وقلمك ، وسل ربك العفو، وأصلح ما أفسدت فهو والله خير لك.

وأنتما أيها الزوجان: احذرا قبول من يريد التخبيب بينكما  ، ولو كان من يثير ذلك أُمًّا أو أبًا أو أخًا أو أختًا أو قريبًا أو أيا كان..

 وإذا أردت أن تفرق بين الناصح والمفسد، فعلامة المصلح محبةُ الألفةِ والحرصُ على الاجتماعِ والترابُط، وعلامةُ المفسدِ التخريبُ وإفسادُ العلاقة وفتح أبواب الخلاف والشقاق.

فإذا سمعت احداً من أولائك المخببين فتحل بصفات الأولياء الأصفياء {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ}.

  ..

أيها المسلم: يا لا تكن أذنا تسمع وتستجيب، فالعاقل يحلل وينظر ويفكر ويقيس الأمور والمصالح، ويحفظ الود، ويبقي على العلاقة، ويتجنب سبل الشيطان، ويسعى للتلاحم والترابط وتقوية المحبة والعشرة، ويعلم علم اليقين أن لا صفاء في هذه الدنيا ولا سلامة من الأخطاء والتقصير ولن يجد الكمال في أحد

فالوعي بهذه الأمور عاصم بإذن الله من شرورها، مع الاستعانة بالله تعالى أولًا وآخرًا، . والحذر من اشباه الشياطين والسحرة الذين من أعمالهم التفريق بين المرء وزوجه (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ)

أحسن الله أحوالنا، وسلم قلوبنا، وحفظ أسماعنا وأبصارنا وألسنتنا وجوارحنا عن العصيان وأهله، واجعلنا أخوة متحابين، وأعاذنا من الشيطان الرجيم وشر كل ذي شر، إن ربي لسميع الدعاء

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق