الخميس، 3 سبتمبر 2020

خطبة جمعة عن الاخوة الاسلامية في زمن ثورة التواصل

 

الحمد لله؛ شرح قلوب من شاء من عباده بالإسلام، وألف بينهم بالإيمان؛ فأصبحوا بنعمة الله إخوانا، أحمده وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ امتن على رسوله ‘ بإزالة الشحناء من قلوب أصحابه، وملأها محبة ومودة ووئاما؛ {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ نهى عن الإفساد بين الناس وأمر بالعدل والإصلاح، وكان للمتقين إماما، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أَمَّا بَعْدُ: أيها الناس: اتقوا الله وامتثلوا أمر ربكم {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، وكونوا لبعضكم أولياء وإخوة كما يحب ربكم {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}

ف((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)) بهذا أخبر نبيكم ‘ وشبّك بين أصابعه.

أيها المسلمون: إن الأخوّةَ التي هي أعظمُ من أخوةِ النسبِ: الأخوةُ بين المسلمين وإن تباعدت أقطارهم ونأت ديارهم، أخوةٌ توجبُ التناصحَ والتناصرَ والتواصيَ بالحق والصبرِ عليه، أخوةٌ تمنع المسلم أنْ يغُش أخاه المسلم أو يخدعه أو يخذله أو يؤذيه بأي أذى في دمه وماله وعرضه، فقد قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً}. إن اللهَ سبحانه قد رسم لهذه الأخوةِ طريقاً تسير عليه، يُثبتُ قواعدَها وينمِّي ثمراتِها، ويدفعُ كلَّ ما يتنافى معها أو يقف في طريقها.

فأمر سبحانه بالتثبت حينما ينقل إلينا خبر سيّئ عن فرد أو جماعة من المسلمين، فلا نتعجل بقبوله حتى نعلم مدى صحته. بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} ونهى المسلمَ أنْ يسخرَ أو يحطَّ من قدر أخيهِ المسلم، وقدر المسلم عند الله عظيم، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ}.

ونهى الله سبحانه عن تلمسِ العيوبِ للمسلم وإعلانها على الناس. ونهى سبحانه عن تعيير المسلم بلقب يكرهه؛ لأن ذلك مما يسيء إليه ويورث العداوة، وربما يسبب الرد بالمثل، فيكون الإنسان قد جنى على أخيه وجنى على نفسه، قال تعالى: {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} واعتبر ذلك فسوقاً وظلماً ممن لم يتب منه فقال: {بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.

ثم نهى سبحانه عن سوء الظن بالمسلم ما لم يتبين منه ما يوجب ذلك. فإن الأصل في المسلم العدالةُ والخيرية. وسوءُ الظنِّ به يسبب الابتعاد عنه، وعداوته وبغضه، وهذا يتنافى مع الأخوة الإيمانية، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}.

ونهى -سبحانه- عن البحث عن عورات المسلم وتطلب عثراته التي قد سترها الله عليه؛ لأن في البحث عن عورات المسلم وتطلب عثراته التي قد سترها الله عليه إشاعةً للمنكر، وتشويهًا للمجتمع المسلم، وزعزعة للثقة بين المسلمين فقال تعالى: {وَلا تَجَسَّسُوا}.

كما نهى سبحانه عن الغيبة؛ لأن فيها انتهاكاً لحرمته، وتدنيساً لعرضه، وخيانة له في غيبته {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} فكيف يكره أكل لحمه ميتاً، ويأكل لحمه حياً.

عباد الله: كيف إذا اجتمعت تلك الصفات السيئة التي ذكرها الله وحذر منها، إذا اجتمع سوء الظن والسخرية والحط من أقدار الآخرين والهمز واللمز والغيبة والنميمة؟ إذا اجتمعت في امرئ أصبح شيطانا يمشي على الأرض. ثم قلَّ من كانت هذه خصاله إلا وله من الشر والإفساد نصيب, فتراه لا يهنأ بعيش إلا أن ينغص حياةَ غيره، ويحملُه غلُّه على إفساد غيره، وتفكيك الروابط بين المسلمين بعد أن كانت معقودة بعقد وميثاق، ذلكم عباد الله هو مراد الشيطان وبغيته

 

 الحمد لله الذي جعل المؤمنين إخوة. وشرع بموجب هذه الأخوة لبعضهم على بعض حقوقاً واجبة ومستحبة. أحمده على نعمه التي لا تعد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الإخوة الأحبة، وسلم تسليماً كثيراً.

أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: اتقوا الله, فإن تقوى الله خير زاد, وأفضل وسيلة إلى إرضاء رب العباد {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}

الأخوة الإسلامية: هي رابطة شرعية ربانية، وثيقة دائمة، تجمع بين كل مسلم وجميع المسلمين في كل ناحية وجزء من العالم.

﴿ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ أي: صرتم بنعمة الإسلام أخواناً في الدين

فالله تعالى هو الذي صيَّر المسلمين بالإسلام إخوانا، بعد أن كانوا قبله طرائق قددا، كما جعل سبحانه الكفار الذين أسلموا وصاروا مؤمنين إخوانا للمسلمين، تظللهم راية الأخوة الإسلامية، فقال جل شأنه: ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾

((أحبُّ الناس إلى الله تعالى أنفعُهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرورٌ يُدخِله على مسلم، أو يكشِف عنه كربةً، أو يقضي عنه دَينًا، أو يطرد عنه جوعًا، ولأن أمشِي مع أخٍ في حاجةٍ أحبُّ إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد - يعني: مسجد المدينة - شهرًا، ومَن كف غضبه ستر الله عورتَه، ومَن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة، ومَن مشَى مع أخيه في حاجة حتى تتهيَّأ له، أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام، وإن سوء الخلق يُفسِد العمل كما يُفسِد الخلُّ العسلَ

عباد الله .. هل استخدم المسلمون وسائل الاتصال والتواصل فيما يتلقونه وينقلونه لترسيخ مبادئ الأخوة بينهم والتعاون والتناصح والتصالح والألفة والمحبة والسلام فيدخلوا جنة ربهم بسلام أم أن هذه التقنية اصبحت كالوقود لنار الفتنة التي ينفخ عليها بمنفاخ البغضاء لاشعال جحيم العداوات بحطب الاحقاد فتكون النتيجة خسارة وعذاب.

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق