الخميس، 5 سبتمبر 2019

خطبة جمعة: فضل الحسين وحب أهل السنة له من غير غلو


أيها الإخوة: حديثنا اليوم حديث عن حبيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأحد ريحانتيه من الدنيا؛ إنه الحسينُ بنُ عليٍ الشهيدُ الإمامُ الشريفُ ، سبطُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ومحبُوبُه.

فأبوه أمير المؤمنين؛ أبي الحسن علي بن أبي طالب ليث الكتائب، ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الشقيق الذي يُحبُ اللهَ ورسولَه ويُحبُّه اللهُ ورسولُه، والذي حبُه إيمان، وبغضُه نفاق؛ فَعَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: "لَقَدْ عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ لَا يُحِبُّكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يَبْغَضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ".
والحسين هو ابنُ البتولِ المطهرةِ، فاطمة بنت الرسول
فهو ابنُ فاطمةَ سيدةِ نساءِ الْمُؤْمِنِينَ، التي قال عنها أبوها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "يَا فَاطِمَةُ أَمَا تَرْضِيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ" .
والسَّيِّدُة: هي الشريفة والفاضلة ..
لقد تفرع الحسين من شجرة زكية الندى، باسقة العلى، عربية الأصل، حسيبة الفصل، قرشية الأهل، هاشمية الأغصان، جمع المحاسن من أطرافها، والفضائل من أنحائها، فهو من شجرة طيبة أصولها  ، مباركة نافعة فرضي الله عنه وأرضاه:
وخِلٍّ جاء يسألُ عن قبيلي *** وضوءُ الشمسِ للرائيِ جليُّ
فقلتُ له ولمْ أفخر وإنِّي *** يحقُّ لمثليَ الفخرُ العليُّ
محمدٌ خير خلق الله جدِّي *** وأمِّي فاطمٌ وأبي عليُّ

والحسين: من خير آل بيت نبينا -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، الذين قال الله فيهم { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } ، والذين اخبر بفضلهم  صلى الله عليه وسلم بقوله : " أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي كررها ثلاثاً"
 ولما ولد الحسين هم أبوه أن يسميه حربا، فسماه رسول الله الحسين؛ فَعَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَمَّا وُلِدَ الْحُسَيْنُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: "أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟" قَالَ: قُلْتُ حَرْبًا، قَالَ: "بَلْ هُوَ حُسَيْنٌ".

 لقد اختار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للحسين -رضي الله عنه- اسماً حسناً في اللفظ والمعنى، موافقاً للنظر الشرعي، واللسان العربي، يحمل معنىً كريماً، ووصفاً صادقاً، ذلك أن تمييع الأسماء يورث تمييع الشمائل والطباع، والاسم يُؤثْرُ على المسمى.

أيها الإخوة: وتناوله المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، فكان أول صوت صافح أذنيه نداء الخير والإيمان، كلمات التوحيد الندية، التي تنجي الإنسان من مهالك الردى؛ فلذت بها أذناه، واطمئن بها قلبه، كيف لا؟ وهو صوت المعصوم -صلى الله عليه وسلم-.
وحنكه جده رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبرك عليه كما كان يفعل لأولاد الصحابة -رضي الله عنهم-؛ فعَنْ عَائِشَةَ: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ وَيُحَنِّكُهُمْ"
إخوة الإيمان
وأهل السنة يعتقدون إن الحسين  سيدا من سادات أهل السنة اتباع الرسول الصادق الأمين  وإن الحسين ابن نبي هذه الأمة ، فأهل السنة يحبون الحسين  ويتولونه، ويعتقدون أن حبه -رضي الله عنه- وعن أبيه وأمه من أوثق عرى الإيمان، وأعظم ما يتقرب به المسلم إلى الرحمن مصداقاً لقول جده -صلى الله عليه وسلم-  لرجل جاءه  فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ ؟" فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ" .
أيها المسلمون : إن أبواب الفتنة فتحت على المسلمين بعد قتل الخليفة الراشد عمر الفاروق رضي الله عنه ثم اضطرمت نار الفتنة بعد مقتل الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنهم وقتل في هذه الفتن الخليفة الراشد علي رضي الله عنه وهؤلاء الخلفاء المهديين قتلوا بسبب المكر الذي دسه اليهود بين المسلمين وساهم في نفث سمومه المجوس واستمر شره وامتد خطره إلى يومنا هذا .
وبسببه قتل الحسين رضي الله عنه غدرا وبغيا .
 وَصَارَ الشَّيْطَانُ بِسَبَبِ قَتْلِ الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُحدث لِلنَّاسِ بِدْعَتَيْنِ: بِدْعَةَ الْحُزْنِ وَالنَّوْحِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، مِنَ اللَّطْمِ وَالصُّرَاخِ وَالْبُكَاءِ وَإِنْشَادِ الْمَرَاثِي، وَمَا يُفضى إِلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ سَبِّ السَّلَفِ وَلَعْنَتِهِمْ، وَإِدْخَالِ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ مَعَ ذَوِي الذُّنُوبِ، حَتَّى يُسَبَّ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ، وَتُقْرَأَ أَخْبَارُ مَصْرَعِهِ الَّتِي كَثِيرٌ مِنْهَا كَذِبٌ.
والبدعة الأخرى : بِدْعَةُ السُّرُورِ وَالْفَرَحِ بقتل الحسين..
وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَرُدُّونَ غُلُوَّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الحسين قُتل مَظْلُومًا شَهِيدًا، وَإِنَّ الَّذِينَ قَتَلُوهُ كَانُوا ظَالِمِينَ مُعْتَدِينَ
ومَقْتَلُ الْحُسَيْنِ مُصِيبَةٌ أُصِيبَ بِهَا الْمُسْلِمُونَ فلا تتخذ هذه المصيبة ذريعة للمتاجرة بالدين ولا للمزايدات السياسية ولا لاشعال نار الفتنة وقد كان قبل قتل الحسين قَتْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَعْظَمُ ذَنْبًا وَمُصِيبَةً، وَكَذَلِكَ قَتْلُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أعظم ذنبا ومصيبة ولم يتخذ الصحابة ذلك مأتما أو موسما للبدع والخرافات..
أيها الناس : قد يقول افاك أثيم إن أهل السنة لا يحبون آل بيت النبي ! وهذا من البهتان المبين فإن أهل السنة كتبهم مملؤء بالحديث عن فضل آل بيت النبي وحبهم والثناء عليهم والترضي عنهم واهل السنة  يرون أن صلاتهم التي هي ركن الإسلام العظيم وعموده الشديد لا تصح إلا إذا صلوا في صلاتهم على النبي وآله الطيبين
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ "

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عبده المصطفى، وعلى آله وصحبه ومَن اجتبى.
اعلموا -عباد الله- أنَّ يَومَ عَاشُورَاءَ يَومٌ عَظِيمٌ جَلِيلٌ، وَصِيَامُهُ عَمَلٌ صَالحٌ وَسُنَّةٌ نَبَوِيَّةٌ كَرِيمَةٌ، سُئِلَ ابنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا- عَن صِيَامِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: "مَا عَلِمتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَامَ يَومًا يَطلُبُ فَضلَهُ عَلَى الأَيَّامِ إِلاَّ هَذَا اليَومَ".
وَقَد بَيَّنَ -عليه الصلاةُ والسلامُ- فضل صِيَامِ عَاشُورَاءَ ، فَقَالَ: "صِيَامُ عَاشُورَاءَ أَحتَسِبُ عَلَى اللهِ أَن يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبلَهُ".
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ»
إِنَّ يَومَ عَاشُورَاءَ الَّذِي هُوَ مُنَاسَبَةٌ لِلذِّكرِ وَالشُّكرِ وَالعِبَادَةِ قَدِ ارتَبَطَ عِندَ من ضل وغوى من  هَذِهِ الأُمَّةِ بِضَلالاتٍ وَخُرَافَاتٍ وَخُزعبلاتٍ، وَأَحدَثُوا فِيهِ بِدَعًا وَأَوهَامًا وَمُنكَرَاتٍ، وَاعتَادُوا فِيهِ عَلَى مُمَارَسَاتٍ مَا أَنزَلَ اللهُ بها مِن سُلطَانٍ.
فمَاذَا يُنتَظَرُ مِن قَومٍ فعلوا كل ذلك وكَفَّرُوا الصَّحَابَةَ الِّذِينَ هُم خَيرُ الأُمَّةِ بَعدَ نَبِيِّهَا؟! ويُؤذُونَ رَسُولَ اللهِ في أَحَبِّ نِسَائِهِ إِلَيهِ، ثم يَدَّعُونَ حُبَّ آلِ البَيتِ، وحب الحسين وآل البيت من هذه البدع وأهلها  براء.
أما يخشى من له ذرة عقل أن يكون له نصيبا من قَولِ اللهِ تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُم عَذَابًا مُهِينًا).
«ألا وإِنَّ أَفْضَلَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق