الخميس، 26 سبتمبر 2019

الملائكة حملة العرش يدعون الله أن يعطي من تاب واستقام على طاعة الله خمسة فضائل جليلة


الحمد الله الذي يقبل التوبةَ ويعفو عن السيئات, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ربُّ الأرض والسموات, وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه, خير من عبد الله وتاب واستقام, صلوات الله عليه وعلى أهلِ بَيْتِه وأصحابِه, وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أنّ ذنوبنا كثيرة, وزلاتُنا لا يُحصيها إلا الله الرقيب علينا وعليها, ولا سبيل إلى الخلاص منها إلا بالتوبة الصادقة.
عباد الله : دعوات طيبة نافعة صادقة مخلصة دعوات مستجابة
فمن الداعي ومن المدعو له وهي تلك الدعوات
الداعي هم عباد لله صالحون مقربون هم حملة العرش والمدعو له هو التائب لله الذي يتوب ويستقيم على طاعة الله وهذه الدعوات تأملوها في قول الله  تَعَالَى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ - رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ - وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [سُورَةُ غَافِرٍ: 7 - 9] .
يخبر تعالى عن شرف حملة العرش ومن حوله، وقربهم من ربهم، وكثرة عبادتهم ونصحهم لعباد الله، لعلمهم أن الله يحب ذلك منهم فقال: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ﴾ وهو عرش الرحمن، الذي هو سقف المخلوقات وأكبرها وأعظمها وأوسعها وأحسنها وأشرفها  ، وأقربها من الله تعالى.
وهؤلاء الملائكة، قد وكلهم الله تعالى بحمل عرشه العظيم، فلا شك أنهم من أكبر الملائكة وأعظمهم وأقواهم، وحَمَلَةُ الْعَرْشِ َهُمْ سَادَةُ الْمَلَائِكَةِ المقربين في المنزلة والفضيلة. واختيار الله لهم لحمل عرشه، وتقديمهم في الذكر، وقربهم منه، يدل على أنهم أفضل أجناس الملائكة عليهم السلام. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إلى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ»
﴿يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ وهذا مدح لهم بكثرة عبادتهم للّه تعالى،
﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ وهذا من جملة فوائد الإيمان وفضائله الكثيرة جدًا، أن الملائكة الذين لا ذنوب عليهم يستغفرون لأهل الإيمان، فالمؤمن يعتني بإيمانه ويحافظ على قوة إيمانه حتى يكن له نصيب من هذا الفضل العظيم وهو دعاء الملائكة.
وهؤلاء الملائكة المقربون يتوسلون الى الله الذي وسع علمه كل شيء ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا﴾ فعلمك قد أحاط بكل شيء، لا يخفى عليك خافية، ولا يعزب عن علمك مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر.
فماذا يطلب هؤلاء الملائكة المقربون
الطلب الأول : ﴿فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ﴾  وكانوا على دِينَكَ واستقاموا على طاعتك وترك معصيتك.
الطلب الثاني  ﴿وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾ قهم العذاب نفسه، وقهم أسباب العذاب
الطلب الثالث والرابع : {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} أَيْ: اجْمَعْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ من يحبون، لِتَقَرَّ بِذَلِكَ أَعْيُنُهُمْ بِالِاجْتِمَاعِ فِي مَنَازِلَ مُتَجَاوِرَةٍ في جنات عدن.
الطلب الخامس : {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} أَيْ: فِعْلَهَا ووَبالها مِمَّنْ وَقَعَتْ مِنْهُ، واسترهم من فضيحتها وخزيها يوم القيامة {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ}   يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {فَقَدْ رَحِمْتَهُ}  ولَطَفْتَ بِهِ وَنَجَّيْتَهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ، {وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} يفوز به من اتى بسبب هذه المطالب الخمسة وهو التوبة الصادقة النصوح والاستقامة على طاعة الله . .
 فَهَذَا دُعَاءُ الْمَلَائِكَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ التَّائِبِينَ الْمُتَّبِعِينَ لِكِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ الَّذِينَ لَا سَبِيلَ لَهُمْ غَيْرُالكتاب والسنة، فَلَا يَطْمَعُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ بِإِجَابَةِ هَذِهِ الدَّعْوَةِ، إِذْ لَمْ يَتَّصِفْ بِصِفَاتِ الْمَدْعُوِّ لَهُ بِهَا،
وهي التوبة والاستقامة على طاعة الله
وقد أشار الله تعالى إلى أنَّ الرابطة التي ربطت بين حملة العرش ومن حوله وبين المؤمنين من بني آدم في الأرض حتى دعوا الله لهم هذا الدعاء الصالح العظيم إنَّما هي رابطة الإيمان بالله التي من علامات صحة وصدق هذه الرابطة التوبة الصالحة الصادقة والاستقامة على طاعة الله وترك معاصيه،
  
والتَّوْبَةُ النَّصُوحُ الَّتِي يَقْبَلُهَا اللَّهُ –تعالى-, يَرْفَعُ بِهَا صَاحِبَهَا إلَى أَعْظَمَ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ, وإن الموفق من كان  بَعْدَ التَّوْبَةِ, خَيْرًا مِنْهُ قَبْلَ الْخَطِيئَةِ.
فليحرص العاقل على التوبة الصادقة النصوح والاستقامة على ما يحبه والتمسك بطاعته والثبات على دينه حتى يفوز بهذه المكاسب العظيمة التي هي مغفرة الذنوب والنجاة من النار والاجتماع مع من يحب في جنات النعيم والستر من السيئات والوقاية من عارها ونارها

الخطبة الثانية
الحمد لله الذي خلق فسوَّى، وقَدَّر فهدى، وصلى الله وسلم على رسوله المجتبى، وعلى آلِه وأصحابِه أعلام الهدى، أما بعد:

أمة الإسلام: إنّ الحديث عن التوبة لا يَخُصُّ أحدًا دون أحد, بل كلّنا مُطالَبٌ بالتوبة عن دقيقِ الذنوب وجليلِها, قديمِها وحديثِها, فكم ذنبٍ ارْتكبناه علمه الله ولم نعلمه, كم قصّرنا في واجباتٍ أُمرنا بها, وكم سكتنا عن مُنكراتٍ خجلاً أو مُحاباة, كم قصّرنا في تربيتنا لأولادنا؟ كم ضيعنا من أوقاتنا ؟  أليست هذه ذنوبًا تحتاج إلى توبة نصوح؟! وقد قال تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31].

فيجب علينا جميعًا أنْ نُجدّد التوبة كلّ حين, وأنْ تكون توبةً صادقةً خالصةً, وهذا نبيّنا وإمامنا -صلى الله عليه وسلم-, كان يستغفر الله ويتوبُ إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة..
إن كثير من الناس اليوم جمعوا الكسل والتهاون والاغترار ببعض الأعمال الصالحة والاستهانة بالمعاصي  فاصابهم العجب والغرور والكبر وغفلوا عن ما ينفعهم وعن التوبة التي هي من صفات أهل الجنة
فاحذر وفقك الله اشد الحذر أن تأت الله بقلب يحمل شيئا من هذه الموبقات وتغتر بشيء من طاعتك وتستهين بمعصيتك يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
فيجب المحافظة على التوبة وتكرارها كل حين لأنها عبادة جليلة تدل على صحة العبودية لله ..فتوبوا لله بقلوب يملأها
الذل لجبروت الله فهو المتكبر القوي الجبار
وقلوب خاضعة لقهره فهو الواحد القهار
ومتوضعة لعظمته فهو العظيم الكبير المتعال
وراغبة في رحمته وعفوه ومغفرته وطامعة في فضله فهو الغفور الرحيم ذو الفضل العظيم
وبقلوب تملأها الرهبة من سلطانه والخشية من عذابه الشديد  
وبقلوب شغفها حب الله ومعرفة كماله وجلاله وانعامه
{يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ  ..  إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}
{مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ}


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق