الأربعاء، 4 سبتمبر 2019

خطبة جمعة : التعليم وفضل العلم وتعلمه وتعليمه


الحمد لله الذي قَرَنَ شَهَادَةَ مَلَائِكَتِهِ وَأُولِي الْعِلْمِ بِشَهَادَتِهِ فَقَالَ: { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ } أحمده واشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله  
الذي نبأه الله بقوله : [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ  ..  خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ  .. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ  .. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ  .. عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ] صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }   أما بعد  
فإن التعليمَ هوَ رسالةُ الأنبياء، ومزكاةُ الأتقياء: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)
-التعليمَ أمانةٌ عظمى على عاتقِ المعلمين والأباء والأمهات، فينبغيْ لهمْ استشعارُ هذه الأمانة وأداؤُها على الوجهِ الذي يرضي الله: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)
-والاسرةُ هيَ مؤسسةُ التعليمِ الأولى في حياةِ فلذاتِ الأكباد، وإنَّ رسالةَ المؤسساتِ التعليميةِ الأخرى لنْ تتمَّ ما لمْ تقم الأسرةُ بدورِها في التعليم، ومنْ مهامِ مؤسسةِ الأسرةِ في التعليمِ هو تحبيبُ العلمَ للناشئة.
-ورسالة المسلمين  هي تعلم العلم وتعليمه والتعاون على نشره كتب أمير الشام إلى أميرِ المؤمنينَ عمرَ الفاروقِ -رضيَ اللهُ عنه-: “إِنَّ أَهْلَ الشَّامِ قَدْ كَثرُوا، وَمَلَؤُوا المَدَائِن، وَاحْتَاجُوا إِلَى مَنْ يُعَلِّمُهُمُ القُرْآن، فَأَعِنِّي بِرِجَالٍ يُعَلِّمُوْنَهُمْ، فدعا عمر الذين جمعُوا القرآنَ منَ الصحابة، فقالَ لهم: إِنَّ إِخْوَانَكُم قَدِ اسْتَعَانُوْنِي .. مَنْ يُعَلِّمُهُمُ القُرْآنَ، وَيُفَقِّهُهُمْ فِي الدِّيْنِ، فَأَعِيْنُوْنِي يَرْحَمْكُمُ اللهُ بِثَلاَثَةٍ مِنْكُمْ إِنْ أَحْبَبْتُمْ“.. فَخَرَجَ: مُعَاذٌ، وَعُبَادَةُ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ -رضيَ اللهُ عنهمْ أجمعين-.
-وكان الرّسول –صلى الله عليه وسلم- أوّلَ من سعَى لمحو الأمّيّة حين جعَل فداءَ أسرى بدرٍ أن يعلِّم كلٌّ منهم عشرةً من المسلمين القراءةَ والكتابة.
-
عباد الله  : وللعلم وأهله الذين يتعلمونه ويعلمونه فضل عظيم في الإسلام  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
«مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّهُ لَيَسْتَغْفِرُ لِلْعَالِمِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرِثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ، أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ»
أيها المعلم أيها المربي من أب وأم : إن تعليم الأولاد العلم النافع صدقة جارية يستمر أجرها بعد الموت قَالَ رسول الله : " إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ ".
أيها المسلمون : العلم لن ينفع إلا إذا كانت النفوس صالحة لاستقبال العلم ولن تكون النفوس صالحة إلا بالمحافظة على فطرة الأولاد ذكورا واناثا .. وحفظ الفطرة مسئولية مشتركة بين الأبوين والمدرسة والمجتمع
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، وَيُمَجِّسَانِهِ "
والمحافظة على الفطرة تكون بتنمية الخير والصلاح ومنع الشر والفساد.
والعلم كالمطر والنفوس كالأرض فإذا نزل المطر على أرض صالحة نفع وكذلك العلم ينفع النفوس التي حفظت فطرتها وبقيت سليمة .. وإذا نزل المطر على أرض سبخة فلن ينفع ولن يبقى منه ماء يشرب  ولن ينبت منه نبات يؤكل وكذل النفوس التي تتعرض لتغيير الفطرة لن ينفعها العلم.
ومن اخطر ما يفسد الفطرة التلقي مما ينشر في وسائل التقنية الحديثة من برامج ملغومة بالشر ومواد مسومة بالباطل .
والمسئولية تقع على الأب والأم في حفظ فطرة الأولاد من التطبع بطبع ردئ أو التخلق بخلق سيء أو التشبه بمن نهينا عن مشابتهم والتشبه بهم قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ والمتشبِّهات من النِّسَاء بِالرِّجَالِ» .
يا من تحب أولادك وتريد لهم الخير والفلاح والنجاة والسلامة احفظ فطرتهم وأخلاقهم وإيمانهم بالعلم والإيمان والتقوى والعمل الصالح فإن ذلك هو الذي ينجيك وينجيهم من النار
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)   أيها المؤمنون، قوا أهليكم وأولادكم النار بفتح أبواب الخير لهم وتوجيههم إليها وتشجيعهم عليها، بينوا لهم الحق ومنافعه ومروهم به وبينوا لهم الباطل ومضاره وحذروهم منه. فإنكم رعاة عليهم وكل راع مسؤول عن رعيته، فمن قام بحسن رعايته فيهم أفلح ونجا، ومن فرط في رعايته فيهم خسر وهلك. قال رسول الله ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ  عَنْ رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ  ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا)
اقول هذا واستغفر الله


الخطبة الثانية
الحمد لله القائل { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } أحمده حمدا كثيرا  وأشكره شكرا مزيدا  واصلي واسلم على عبده ورسوله الذي أمره الله بالدعاء بزيادة العلم { وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا }    أما بعد
إن التعليم الناجح هو التعليم والتعلم بالقدوة الحسنة ويكون ذلك من خلال ثلاث ركائز :
الأولى : أن يكون المربي من معلم وأب وأم قدوة حسنة في نفسه وأفعاله وأقواله وأحواله وفي كل شأنه.
ثانيا : تعليم الأولاد وتربيتهم على معرفة القدوات الحسنة من الرسل والصحابة وأمهات المؤمنين.
ثالثا : حمايتهم وحفظهم من القدوات السيئة وخاصة ما يصل إليهم عبر وسائل التقنية الحديثة .
إخوة الإيمان :
قد منّ الله  على عباده بالأولاد وجعل ذلك فتنة لعباده ليختبر بذلك من يقوم بحقهم ويسعى في إصلاحهم ويصونهم عن الفساد .. ومن يضيعهم ويتركهم هملا فيكونون خسارة عليه في الدنيا ويوم يقوم الأشهاد
[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ..  وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ]
فيا عباد احفظوا هذه الأمانة وأدوها بحقها واحتسبوا الأجر عند الله
فإن معلم الناس الخير له أجر كبير وفضل عظيم وشرف رفيع وإن الله يحبه ويمدحه وإن المخلوقات تستغفر له وتدعو له قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ»


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق