الخميس، 15 أغسطس 2019

خطبة جمعة : ما أثر عبادتك عليك


الحمد لله القائل { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
واشهد أن لا إله الله القائل ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
واشكره على نعمه التي لا تعد ولا تحصى وقد أمر وقال [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ]
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خير وأحسن من عبد ربه فصلى الله عليه وسلم وعلى آله الطاهرين وصحابته الطيبين والتابعين بإحسان إلى يوم الدين
ما هو أثر عبادتك عليك؟  ومعنى أثر العبادة أي :
هل تجد لعبادتك راحة ؟ هل تجد لعبادتك لذة وطمأنينة ؟ هل أنت تشتاق للعبادة ؟ هل أنت تنشط للعبادة وتسارع وتسابق إليها؟
هل تتغير نفسك بعد العبادة عما كانت عليه قبلها أم إن العبادة لا تغير فيك شيئا ؟
أخي رعاك : يجب أن تنتبه من غفلتك وتحاسب نفسك قبل أن تحاسب وتحذر أن تكون من الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم فلم يفيقوا من سكرة الغفلة إلا في عالم الموتى فندموا على ما فرطوا ولات حين مندم.
وحتى نفهم الجواب على سؤال ما هو أثر عبادتك عليك؟
يجب أن نجيب على السؤال من خلال الخطوات التالية
أولا : ما هو مفهومك للعبادة ؟
إن عبادة الله تعالى اسم جامع لفعل كل ما يحبه الله ويرضاه؛ مما شرعه من الاعتقاد الصحيح والقول السديد، والعمل الصالح، وترك كل ما يكرهه الله ويأباه؛ وهو ما حرمه تعالى من أنواع الشرك والضلال وفروعها من فاحش القول وسيئ العمل وقبيح الاعتقاد، ونحوها من موجبات الشقاء والخسران في المعاش والمعاد.
 .
ثانيا : ما حالك مع عبادتك ؟
هل تمن على الله بعبادتك [يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ]
هل تعبد الله عبادة المستغني عنه ؟  أو تعبده  عادة وتقليدا بغير علم ولا فهم ؟ وهل تعبده وانت تجادل في دينه بغير علم وتعترض على شرعه حسب هواك وجهلك وتقدم هواك على هداه
أم تعبده على طريقة الرسل والصادقين المخلصين من المؤمنين وأنت تظهر له غاية الحب والذل  والفقر والضعف  وتستشعر شدة حاجتك لربك
فتعبده مخلصا مستسلما خاضعا متواضعا محبا راغبا خائفا .
ثالثا
مبنى العبادة على أمرين ، أحدهما : المحبة لله المعبود .. والثاني :  التعظيم لله ..  بمعنى ان الباعث على العبادة هما هذين الامرين
الواجبات الشرعيه مبنية على المحبة لأن من احب الله اطاع الله وفعل ما يحبه..  والمنهيات مبنية على التعظيم لان من عظم الله خاف الله واجتنب أسباب سخطه.
فمن فهم حقيقة العبادة وكان حاله في عبادته حال العابدين المخلصين الخاشعين وبنى عبادته على حب المعبود وتعظيمه فإن سيجد ثمار ومنافع وفوائد وآثار العبادة وهي كثيرة وكبيرة:
ومنها :
  1. الحياة الطيبة في الدنيا (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) وليس المراد بطيب الحياة كثرة الأموال والبنين وإنما انشراح الصدر وسعادة القلب وطمأنينة النفس.
  2. الأجر في الاخرة (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
3. تنهى عن الفحشاء والمنكر ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾العبادة تحفظ العابد من الضرر وتحميه من المفاسد وترفعه عن المساوئ إذا كانت عبادة حقيقية فيها روح وحياة
فكلُّ عبادة لها ظاهر وهو شكلها وصورتها الظاهرية، وباطن وهو حقيقتها وروحها ، فهذه الصلاة على سبيل المثال لها ظاهر، وهو الركوع والسجود، وغيرهما، وباطن وهو الخشوع، والطمأنينة القلبية، والنفسية، وحيث إن لدينا نقصًا في الظاهر، مع نقصنا في الباطن لهذه العبادة العظيمة، فلمْ تؤثر على سلوكنا التأثيرَ المطلوب، فلا بد من إكمال هذا النقص في الظاهر والباطن، وهكذا بقيةُ العبادات؛ كالذكر، والبر، والصدقة، والصيام، والحج، وغير ذلك من العبادات، فكلٌّ فيها ظاهر وباطن، وعندما نستكمل الظاهرَ - كما أمر الشرع - بالفعل، والتطبيق، ونجاهد أنفسنا على  استكمال الباطن بحضور القلب والاحتساب والنصح في العمل والاخلاص لله والصدق معه، فحينها سيتغير حالنا مع العبادة؛ واستكمال الظاهر والباطن هو تحقيق حقيقة العبادة، وإذا حقَّقنا العبادة استفدنا ثمرتين عظيمتين:
  1. سهولة العبادة حالَ فعلها، وعدم التعب فيها.
  2. والتطهير من الذنوب والمعاصي، والاستقامة على الطاعة
 أخي وفقك الله : إن عبادة الله اختبار خطير لا ينجح فيه الا الموفق قال الله (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) وهذا الاختبار يحتاج منك صبر قوي  حتى تجتازه قال الله (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ) والصبر يحتاج للاستمرار والثبات حتى الممات  قال الله (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا
واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم تسليما كثيرا مزيدا.
 ويبقى سؤالٌ مهمٌّ، وهو ما  خلاصة الجواب على سؤال أثر العبادة  نريد أن نخرج بجواب  يعيننا بعد الله على أن يكون لعبادتنا أثر نافع طيب صالح  ؟
والجواب في أمرين إصلاحُ القلب ...  وحراسته.:

الأول: إصلاحُ القلب، وسقيه بالعلم النافع، والعمل الصالح، وإصلاح القلب يكون في  ستةَ مشاهد للعابد في عبادته، وهي:
  1. الإخلاصُ لله وحده

2. المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم  

  3. الإحسان في العبادة ، فيعبد الله كأنه يراه  وَهُوَ مشْهد المراقبة أَن يعبد الله كَأَنَّهُ يرَاهُ وَهَذَا المشهد إِنَّمَا ينشأ من كَمَال الْإِيمَان بِاللَّه وأسمائه وَصِفَاته حَتَّى كَأَنَّهُ يرى الله سُبْحَانَهُ فَوق سمواته مستويا على عَرْشه..

  4. النصحُ لنفسه بإصلاح عمله، والاجتهاد فيه  { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }.

5. شهودُ العبدِ على نفسه بالتقصير في أي عمل صالح يعمله ؛ فإن ذلك يدعوه  إلى اللجوء إلى الله بكثرة الاستغفار والتوبة والنوافل ..

  6. شهودُ مِنَّةِ الله على عبده في أي عمل صالح وأن هذا العمل الصالح محض فضل الله وحده..

الثاني: حراسةُ القلب من أبواب الخطر السبعة، وهي
العين  ..  اللسان ... السمع ... البطن ... الفرج ... اليد ... الرجل.

وهي منافذ الشيطان في إفساد قلب الإنسان، فبحراستها يسلم هذا القلب، ويحيى ويقوى بإذن الله تعالى، ويمثل التربويون هذه المنافذ للبدن كالمنافذ  والحدود للبلد، فبحراستها يسلم البلد، وبحراسة هذه المنافذ يسلم القلب..
فَجَمَعَ الله طريقة حراسة القلب فِي أَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 200] .
وَلَا يَتِمُّ أَمْرُ هَذَا الْجِهَادِ في حفظ القلب وحراسته إِلَّا بِهَذِهِ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ، فَلَا يَتِمُّ الصَّبْرُ إِلَّا بِمُصَابَرَةِ الْعَدُوِّ، وَهُوَ مُقَاوَمَتُهُ وَمُنَازَلَتُهُ، فَإِذَا صَابَرَ عَدُوَّهُ احْتَاجَ إِلَى أَمْرٍ آخَرَ وَهِيَ الْمُرَابَطَةُ، وَهِيَ لُزُومُ ثَغْرِ الْقَلْبِ وَحِرَاسَتُهُ لِئَلَّا يَدْخُلَ مِنْهُ الْعَدُوُّ، وَلُزُومُ ثَغْرِ الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ وَاللِّسَانِ وَالْبَطْنِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ، فَهَذِهِ الثُّغُورُ يَدْخُلُ مِنْهَا الْعَدُوُّ فَيَجُوسُ خِلَالَ الدِّيَارِ وَيُفْسِدُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ، فَالْمُرَابَطَةُ لُزُومُ هَذِهِ الثُّغُورِ، وَلَا يُخَلِّي مَكَانَهَا فَيُصَادِفَ الْعَدُوُّ الثَّغْرَ خَالِيًا فَيَدْخُلَ مِنْهُ.
وَجِمَاعُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَعَمُودُهَا الَّذِي تَقُومُ بِهِ هُوَ تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا يَنْفَعُ الصَّبْرُ وَلَا الْمُصَابَرَةُ وَلَا الْمُرَابَطَةُ إِلَّا بِالتَّقْوَى، وَلَا تَقُومُ التَّقْوَى إِلَّا عَلَى سَاقِ الصَّبْرِ.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق