السبت، 10 أغسطس 2019

خطبة عيد الأضحى


الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اطصفى 

يومًا  ما أمر إبراهيم- عليه السلام-زوجه “هاجر” أن تحمل ابنها إسماعيل وتستعد لرحلة طويلة!
وبدأت رحلة إبراهيم وهاجر وإسماعيل
 وكان الطفل رضيعًا لم يفطم بعد، وظل إبراهيم- عليه السلام-
 يسير من أرض فلسطين، وسار في رحلته ، حتى دخل إلى صحراء الجزيرة العربية، وقصد إبراهيم- عليه السلام
 واديًا ليس فيه زرع ولا ثمر  ولا طعام ولا ماء ولا سكن، وكان الوادي يخلو تمامًا من أسس الحياة، ولمَّا وصل إبراهيم- عليه السلام- إلى الوادي،
 أنزل زوجته هاجر  وابنه اسماعيل وتركهما هناك في ذلك الوادي،
فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ، وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ استدار وقَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا وتركهما وسار ، فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الوَادِي، الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا ولا يرد عليها ، وظل يسير، فعادت تقول له ما قالته وهو صامت، وأخيرًا فهمت أنه لا يتصرف هكذا من نفسه، وأدركت أن الله أمره بذلك، فسألته: فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَتْ: إِذَنْ لاَ يُضَيِّعُنَا الله رَضِيتُ بِاللَّهِ، ثُمَّ رَجَعَتْ، فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لاَ يَرَوْنَهُ، اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ البَيْتَ، ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلاَءِ الكَلِمَاتِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ وراح يدعو الله:
﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ
 رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ 
ورحل إبراهيم إلى الشام ورَجَعَتْ هاجر فَجَعَلَتْ تَشْرَبُ مِنَ الشَّنَّةِ وَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا، حَتَّى لَمَّا فَنِيَ المَاءُ، قَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ لَعَلِّي أُحِسُّ أَحَدًا،   فَذَهَبَتْ فَصَعِدَتِ الصَّفَا فَنَظَرَتْ، وَنَظَرَتْ هَلْ تُحِسُّ   أَحَدًا، فَلَمْ تُحِسَّ أَحَدًا، فَلَمَّا بَلَغَتِ الوَادِيَ سَعَتْ وَأَتَتِ جبل المَرْوَةَ، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ أَشْوَاطًا، ثُمَّ قَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ مَا فَعَلَ الصَّبِيُّ، فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ فَإِذَا هُوَ عَلَى حَالِهِ كَأَنَّهُ يَنْشَغُ لِلْمَوْتِ، فَلَمْ تُقِرَّهَا نَفْسُهَا، فَقَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ، لَعَلِّي أُحِسُّ أَحَدًا، فَذَهَبَتْ فَصَعِدَتِ الصَّفَا، فَنَظَرَتْ وَنَظَرَتْ فَلَمْ تُحِسَّ أَحَدًا، حَتَّى أَتَمَّتْ سَبْعًا، ثُمَّ قَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ مَا فَعَلَ، فَإِذَا هِيَ بِصَوْتٍ، فَقَالَتْ: صه، فَإِذَا جِبْرِيلُ، فحرك الأرض بجناحه  فَانْبَثَقَ المَاءُ، فَدَهَشَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، وشربت وعادت لها الحياة من جديد ولرضيعها

بعد هذه الشدة والتضحية جاءت شدة اخرى وابتلاء واختبار اشد واصعب وهو ذبح ابنها اسماعيل فعاد إبراهيم وقد كبر الطفل وبلغ السعي فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ.
فصبرت هاجر ورضيت وطاع وانقاد وستسلم إبراهيم وابنه ففداه الله بِذِبْحٍ عَظِيمٍ.
ولكن المنح تكون في طيات المحن فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا.
نتج عن هذه الشدائد والابتلاءات بناء الكعبة المشرفة ودعا إبراهيم الناس للحج.
وجعل الله الناس تبعا لأم إسماعيل وفرض عليهم السعي بين الصفا والمروة سبعا.
وبارك الله للناس في ماء زمزم والذي كانت أم إسماعيل سبب في نبعه.
وشرع الله للناس ذبح الهدي والأضاحي ورمي الجمار اتباعا لسنة إبراهيم والسبب في ذلك هو إسماعيل وأمه هاجر.
إذا هذه التضحيات لها منافع وفضائل وفيها دروس وعبر وعظات فما هي الدروس المستفادة من تضحية هاجر.

الخطبة الثانية 
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اطصفى 

1. التسليم لله والانقياد له والقبول لحكمه بدون تردد
 2- الزوجة هاجر المؤمنة الصادقة أطاعت زوجها فى طاعة لله عندما تركها فى الصحراء فانجاها الله  وابنها من الخوف والجوع :- ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب )
  3. صدق الزوج باعث للثقه بين الزوجين والتعاون بينهما على مصاعب الحياة

 4. الأخذ بالأسباب واجب قدر الإمكان؛ فإبراهيم ترك مع هاجر جراب تمر وقربة ماء وهاجر سعت بين الصفا والمروة باحثة عن الماء لسقاية الرضيع، وهذا لا ينافي التوكل على الله

 5.  التسليم لله فيما قضى  والرضا به لأن ام اسماعيل قالت رضيت بالله   قال الرسول صلى الله عليه وسلم (ذاق طعم الايمان من  رضي بالله ربا) اي رضي بافعاله وحكمه وعلم ان كل افعاله حكمه وعدل.
 6. حسن الظن بالله وعلامة حسن الظن بالله حسن العمل والتسليم لله والرضا بالقدر
  7. البيئة الصالحة والقدوة الحسنة اساس النشء الصالح
  8. ومن بركات رضا هاجر بالله وبحكمه ما كان بسبب ذلك من بناء البيت المعظم ونبع ماء زمزم والهدي والأضاحي.
 9. الام المدرسة   فهاجر هي من ربت النبي اسماعيل في غياب ابوه وغرست فيه الإيمان مكارم الاخلاق حتى نفس وتميز  في قبيلة جرهم .
  10. الدرس الكبير من مدرسة هاجر واسرتها الكريمة أن وظيفة الزوج والزوجة هي تحقيق العبودية لله والتعاون على تحقيق ذلك وتربية الأطفال على العبودية لربهم .
نلخص من مدرسة هاجر حقيقة التربية الصالحة الواجبة على كل أب وأم
التربية الإسلامية هي التربيه التي تقوم علي أسس التربيه الصالحة المصلحة :
1.  التربية الإسلامية تقوم على الايمان الخالص لله و قوه اليقين بالله حتى تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ .
2.  التربية الإسلامية تقوم على اساس التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب والاستعانة بالله في كل شيء من مصالح الدنيا والدين.. إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ .. وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ.
3.  التربية الإسلامية تؤسس على الرضا بالله و بدينه وشرعه والرضا بفعل أمره والرضا بترك واجتناب نهيه فمن رضي بالله وبحكمه ودينه ورسوله  " فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ ".
  4.  التربية الإسلامية تبنا على الصدق مع الله{ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
  5.  التربية الإسلامية هدفها تحقيق العبودية لله رب العالمين وتقديم محبة الله على رغبات النفس وأهوائها ومحابها {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى .. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}
  6.  التربية الإسلامية طريق الجنة وهو طريق مملوء بابتلاءات السراء والضراء والشدايد  وهو طريق لا يمضي فيه ولا يستمر معه ولا يثبت عليه الا أهل الصبر القوي المستنير بنور هدى الله والسير على تقوى الله.
7. نجاح التربية الإسلامية بالقدوة الحسنة وحسن التربية و التنشئة الصالحة بابراز القدوات الصالحة اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ .. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ.
أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ .
8.  وختاما فان التربية الإسلامية أساسها ورأسها وروحها التسليم التام الشامل الكامل لله الرب الملك الخالق والاستسلام له والقبول لشرعه والانقياد له والخضوع {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق