الخميس، 25 أبريل 2013

سورة النِعَم (سورة النحل)

ومن عجائب هذه السورة -التي وُصِفت فيها الزلزلة بأدق وصف، وهُدد العباد فيها بالخسف إن مكروا السيئات- أنها أكثر السور ذكراً لنعم الله تعالى المعنوية والحسية، وتفصيلاً لمنافعها؛ حتى سماها التابعي الجليل قتادة السدوسي رحمه الله تعالى: "سورة النِعَم"؛ لكثرة ما ذكر فيها منها، فذُكر فيها من النعم المعنوية: الوحي والقرآن والذكر والتوحيد والملة الحنيفية والحفظ من الشيطان وغير ذلك، وذكر فيها من النعم الحسية: الخلق والرزق والأسماع والأبصار والأفئدة والمآكل والمشارب والملابس والمراكب والمنازل والتزاوج والنسل، كما ذُكرت فيها نعم الشمس والقمر والنجوم والبحار وما فيها من أرزاق ومنافع للعباد.

هل تتخيلون -يا عباد الله- أن هذه السورة الزاخرة بتعداد نعم الله تعالى علينا قد ذُكر فيها لفظ النعمة في ست آيات؛ فبعد تعداد جملة من النعم يقول الله تعالى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لَا تُحْصُوهَا) [النحل:18].

ويَختِم سبحانه ذكر النعم بالأمر بشكرها (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ الله إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [النحل:114].

وينوه بذكر الخليل عليه السلام ثم يصفه سبحانه قائلاً: (شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ) [النحل:121] للتأسي به في الشكر.

ويذكر عز وجل حال فريق آخر وهم من تقلبوا في نعمه ولم يشكروها، ففي ثلاث آيات متقاربات (أَفَبِنِعْمَةِ الله يَجْحَدُونَ) [النحل:71] (أَفَبِالبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) [النحل:72] (يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ الله ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الكَافِرُونَ) [النحل:83] ويضرب مثلاً عظيماً بقرية لم تشكر النعمة فعوقبت (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل:112].

وبذكر الخسف في هذه السورة، وتخويف الله تعالى به، وتعليق ذلك بمكر السيئات، مع تكرار الأمر بشكر النعم، والتحذير من كفرها - نستفيد معرفة خطورة كفران النعم، وتسببها في نزول العقوبات، وأن اجتراح السيئات سبب للخسف والزلازل؛ لأن الخسف عُلق بمكر السيئات، ومكر السيئات هو مقارفتها، والمكر فيه تحايل؛ فيدخل في ذلك التحايل على الشريعة لإسقاطها، أو لإباحة المحرم منها، أو الالتفاف على نصوصها بتحريف معانيها وتأويلها لإرضاء البشر، وقد انتشر هذا البلاء في هذا الزمن، فلا عجب أن تتنوع فيه العقوبات، وأن تتابع النذر والآيات، فالكوارث في زمننا هذا يُنسِي بعضها بعضاً من كثرتها (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأَرْضَ) [النحل:45].

إنه تهديد عظيم بالخسف والزلزلة في سورة النِعَم؛ إذ كيف ينعم الله تعالى على عباده بالنعم الكثيرة التي عددها في هذه السورة، ثم يكفرونها وفيها ردٌ على أهل الجهل والهوى الذين يرفضون تعليق آيات التخويف والعذاب بالمعاصي والموبقات؛ زاعمين أنها أسباب كونية اعتيادية، ويفسرنها تفسيرات مادية؛ فما عساهم أن يفعلوا بآيتي النحل في الخسف والزلزلة، وقد عُلق فيهما الخسف والزلزلة بمكر السيئات؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق