الخميس، 25 أبريل 2013

كثرة الزلازل


من نعم الله العظيمة الجليلة علينا نعمة استقرار الأرض وثباتها حتى نستطيع الحياة عليها والاستفادة منها لأن فيها سكننا وحياتنا ومعائشنا ومصالحنا ولا حياة لنا ولا بقاء إلا بتحقق نعمة قرار الأرض (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) .[غافر:64].
وقال تعالى : ( وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ) [الأعراف:24]. وقال :(خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ ۚ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ)[لقمان:10].
وقال :( وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ)[الأنبياء:31].
ثم جعلنا الله خلائف في أرضه لينظر كيف نعمل؟ وأخرج لنا من الأرض الطيبات والكنوز والمنافع، وكيف نقابل هذه النعم ، قال سبحانه :( ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)[يونس:14].
وقال :(هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ۖ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا ۖ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا )[فاطر:39].
فلما استخلفنا في الأرض أنزل علينا كتابه وارسل إلينا رسوله لنقوم بالإصلاح في الأرض على بصيرة ونبتعد عن الفساد في الأرض ونجاهد المفسدين ، قال تعالى :( وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ)[الأعراف:56].وقال :( وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ)[الأعراف:142].
وقال :( فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ۗ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ)[يونس:116].وقال :(وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ )[القصص:77].
فإن أفسد الناس في أرض الله استحقوا عقاب الله ،قال الحق :( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الروم:41].
فقد حذرنا الله من الفساد ومن كفر نعمته وستخدامها في معاصيه وأمرنا بشكره ،قال عز وجل :( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم:7]. وقال :( وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ ۖ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ)[الأعراف:86].

ولله آياتٌ وعظاتٌ يريها عباده في الدنيا إنذاراً وتخويفاً وتحذيراً وترهيباً وإيقاظاً وتذكيراً (وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً) [الإسراء: 59]. قال قتادة: " إن الله يخوف الناس بما يشاء من عباده لعلهم يعتبرون ويذكرون ويرجعون ".
ومن الآيات المخيفة والنذر المرعبة والعظات الموقظة آية الخسف والرجفة والزلزلة؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " لا تقوم الساعة حتى يُقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن ويكثر الهرج -وهو القتل- حتى يكثر فيكم المال فيفيض " أخرجه البخاري.
وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " في هذه الأمة خسفٌ ونسفٌ وقذف، فقال رجل: يارسول الله ومتى ذاك ؟ قال: إذا ظهرت القينات والمعازف وشُربت الخمورُ " أخرجه الترمذي.


ولله حكم عظيمة في إحداث الزلازل وغيرها ومعرفة هذه الحكم نافعة ومهمة للناس ، منها على سبيل الايجاز:
1 - اظهار قدرة الله " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض " الأنعام : 65 .
2 - تخويف الناس (وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً) [الإسراء: 59]. قال قتادة: " إن الله يخوف الناس بما يشاء من عباده لعلهم يعتبرون ويذكرون ويرجعون ".
3 - ليرى الناس آيات الله وأدلة ملكه وتدبيره للكون وأنه فعال لما يريد (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد " فصلت : 53 ، .
4 -ولا شك أن ما حصل من الزلازل في هذه الأيام في جهات كثيرة هو من جملة الآيات التي يخوف الله بها سبحانه عباده ، وكل ما يحدث في الوجود من الزلازل وغيرها مما يضر العباد ويسبب لهم أنواعا من الأذى ، كله بسبب الشرك والمعاصي ، كما قال الله عز وجل : " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " الشورى : 30 ، وقال تعالى : " ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك " النساء : 79 ، وقال تعالى عن الأمم الماضية : " فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " العنكبوت : 40 .
5 - إن هذه الهزة الأرضية, وفزع الناس منها, مع أنه لم يصبهم إلا شيء يسير من أثرها, مع بعدهم جدًا عن مركز الزلزال, يذكرنا بالزلزلة العظيمة الكبرى, يقول ربنا -تبارك وتعالى- في مطلع سورة الحج: (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) [الحج:1-2].


ذكَر النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( اللهمَّ بارِكْ لنا في شامِنا ، اللهمَّ بارِكْ لنا في يَمَنِنا ) . قالوا : يا رسولَ اللهِ ، وفي نَجدِنا ؟ قال : ( اللهمَّ بارِكْ لنا في شامِنا ، اللهمَّ بارِكْ لنا في يَمَنِنا ) . قالوا : يا رسولَ اللهِ ، وفي نَجدِنا ؟ فأظنُّه قال في الثالثةِ : ( هناك الزلازِلُ والفِتَنُ ، وبها يَطلُعُ قرنُ الشيطانِ ) .
صحيح البخاري وقوله ( وبها يَطلُعُ قرنُ الشيطانِ) كأن هذا ذكر سبب الزلازل.


وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " يكون في آخر هذه الأمة خسفٌ ومسخٌ وقذف، قالت: قلت: يارسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم.. إذا ظهر الخبث " أخرجه الترمذي..
وروى أحمد في مسنده بسند صحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بين يدي الساعة سنوات الزلازل".

وعن صفية بنت أبي عبيد قالت: " زُلزلت الأرض في عهد عمر حتى اصطفقت السرر، فخطب عمر للناس فقال:أحدثتم لقد عجلتم.. لئن عادت لأخرجن من بين ظهرانيكم ".. أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي..

وذُكر أن الكوفة رجفت على عهد عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- فقال: " يا أيها الناس إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه "، ومعنى يستعتبكم؛ أي يطلب منكم الرجوع عن المعاصي إلى ما يرضيه عنكم.


(وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى: 30]. قال قتادة: " بلغنا أنه ليس أحدٌ يصيبه خدش عود ولا نكبة قدم ولا خلجات عرق إلا بذنب، ويعفو الله عنه أكثر "..

وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: " خسفت الشمس في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقام فزعاً يخشى أن تقوم الساعة حتى أتى المسجد، فقام يصلي بأطول قيامٍ وركوعٍ وسجود ما رأيته يفعله في صلاة قط، ثم قال: " إن هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله يرسلها يخوف بها عباده، فإذا رأيتم منها شيئاً فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره " متفق عليه ..

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: " كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى غيماً أو ريحاً عُرف في وجهه، فسألته، فقال: " يا عائشة ما يؤمني أن يكون فيه عذاب.. عُذب قومٌ بالريح، وقد رأى قومٌ العذاب فقالوا: ‏هذا عارضٌ ممطرنا " أخرجه البخاري.


 وقال تعالى : وروى البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما نزل قول الله تعالى : " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم " قال : ( أعوذ بوجهك ) " أو من تحت أرجلكم " قال : ( أعوذ بوجهك ) . صحيح البخاري 5/193 .
وروى أبو الشيخ الأصبهاني عن مجاهد في تفسير هذه الآية : " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم " قال : الصيحة والحجارة والريح . " أو من تحت أرجلكم " قال : الرجفة والخسف .
فالواجب على المكلفين من المسليمن وغيرهم ، التوبة إلى الله سبحانه ، والاستقامة على دينه ، والحذر من كل ما نهى عنه من الشرك والمعاصي ، حتى تحصل لهم العافية والنجاة في الدنيا والآخرة من جميع الشرور ، وحتى يدفع الله عنهم كل بلاء ، ويمنحهم كل خير ، كما قال سبحانه : " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون " الأعراف : 96 ، وقال تعالى في أهل الكتاب : " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " المائدة : 66 ، وقال تعالى : " أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون (97) أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون (98) أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله  إلا القوم الخاسرون " الأعراف : 97-99 .
وقال العلامة ابن القيم - رحمه الله - ما نصه : " وقد يأذن الله سبحانه للأرض في بعض الأحيان بالتنفس فتحدث فيها الزلازل العظام ، فيحدث من ذلك لعباده الخوف والخشية ، والإنابة والإقلاع عن المعاصي والتضرع إلى الله سبحانه ، والندم ، كما قال بعض السلف وقد زلزلت الأرض : إن ربكم يستعتبكم . وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد زلزلت المدينة ، فخطبهم ووعظهم ، وقال : لئن عادت لا أساكنكم فيها " انتهى كلامه رحمه الله .
والآثار في هذا المقام عن السلف كثيرة ..
فالواجب عند الزلازل وغيرها من الآيات والكسوف والريح الشديدة والفيضانات - البدار بالتوبة إلى الله سبحانه ، والضراعة إليه ، وسؤال العافية ، والإكثار من ذكره واستغفاره ، كما قال صلى الله عليه وسلم عند الكسوف : " فإذا رأيتم شيئا من ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره " جزء من حديث متفق عليه أخرجه البخاري ( 2/ 30 ) ومسلم ( 2/ 628 ) .
ويستحب أيضا رحمة الفقراء والمساكين والصدقة عليهم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ارحموا ترحموا " أخرجه الإمام أحمد ( 2/165) ، " الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " أخرجه أبو داود ( 13 / 285 ) والترمذي ( 6/43 ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " من لا يرحم لا يرحم " أخرجه البخاري ( 5/75 ) ومسلم ( 4/1809 ) ، وروي عن عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - أنه كان يكتب إلى أمرائه عند وجود الزلزلة أن يتصدقوا .
ومن أسباب العافية والسلامة من كل سوء مبادرة ولاة الأمور بالأخذ على أيدي السفهاء ، وإلزامهم بالحق ، وتحكيم شرع الله فيهم ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كما قال الله عز وجل : " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم " التوبة :71 ، وقال عز وجل : " ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز (40) الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور " الحج : 40 - 41 ، وقال سبحانه : " ومن يتق الله يجعل له مخرجا (2) ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه " الطلاق : 2-3 ، والآيات في هذا المعنى كثيرة .
وقال صلى الله عليه وسلم : " من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته " متفق على صحته البخاري (3/98) ومسلم ( 4/1996 ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : " من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " أخرجه مسلم (4/2074) ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .




أما بعد: فقبل أيام أصاب إيرانَ زلزالٌ قويٌّ مدمّر, تسبب في وفاة وإصابة المئات, وهدم العديد من المباني والمنشآت, وبلغ من قوته أن شعر به سكان البلاد التي تقع قريبًا من مركز الزلزال, بل وصل أثره إلى بعض الدول المجاورة لإيران، كدول الخليج والهند وشرق ووسط المملكة.
شعر بعضنا باهتزاز الأرض من تحته, وأُخْلِيَتْ بعضُ الأبراج والمباني المرتفعة, ولقد مررت بعد هذه الهزة ببعض المباني فوجدت الموظفين قد خرجوا من مكاتبهم وجلسوا في الشارع, وبعض العوائل قد خرجت من بيوتها إلى قارعة الطريق.

يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: إن هذه الحادثة يجب أن لا تمر علينا مرور الكرام, وينبغي أن نتوقف عندها, لنستخلص الدروس والعبر.

ولنا معها ست وقفات:

الوقفة الأولى: لقد جعل الله -تبارك وتعالى- الأرض قرارًا ومستقرًا, وأنشأ فيها جبالاً أوتادًا, تثبتها أن تميد وتزول وتضطرب, لكن؛ حين يأذن الله -تعالى- للأرض أن تضطرب فلا رادّ لأمره وحكمه, عندها تصبح هذه الأرض التي كانت ملجأً من الأخطار هي الخطر ذاته, ويصبح بقاء الإنسان في مسكنه الذي يتقي به الأذى, سببًا من أسباب حدوث الضرر والأذى.

إن الأرض في أصلها مستقرة, وقد اعتاد عليها الإنسان كذلك, وهذا الاستقرار نعمة عظيمة من الله يغفل عنها كثير من الناس, ولا يدركونها؛ لاعتيادهم عليها وعدم استشعارهم عظيم هذه النعمة.

ولذلك؛ امتن الله كثيرًا في كتابه على عباده بهذه النعمة: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) [النبأ:6-7]، (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [النمل:61]، (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [غافر:64-65].

قال ابن القيم -رحمه الله-: "وتأمل خلق الأرض على ما هي عليه حين خلقها واقفة ساكنة؛ لتكون مهادًا ومستقرًا للحيوان والنبات والأمتعة, ويتمكن الحيوان والناس من السعي عليها في مآربهم, ولو كانت رجراجة متكفئة لم يستطيعوا على ظهرها قراراً، ولا ثبت لهم عليها بناء، ولا أمكنهم عليها صناعة ولا تجارة ولا حراثة ولا مصلحة، وكيف كانوا يتهنون بالعيش والأرض ترتج من تحتهم؟ واعتبِر ذلك بما يصيبهم من الزلازل -على قلة مكثها- كيف تصيِّرهم إلى ترك منازلهم والهرب عنها!".

الوقفة الثانية:

مطلع عنيف مرعب، ومشهد ترتجف لهوله القلوب، يبدأ بالنداء الشامل للناس جميعا مسلمهم وكافرهم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ)، يدعوهم إلى الخوف من الله: (اتَّقُوا رَبَّكُمْ)، ويخوفهم ذلك اليوم العصيب: (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ), هكذا بدأ بالتهويل قبل التفصيل.

ثم يأخذ في التفصيل، فإذا هو أشد رهبة من التهويل، وإذا هو مشهد حافل! هناك مرضعة ذاهلة عما أرضعت تنظر ولا ترى، وتتحرك ولا تعي! وهنا حامل تُسقط حملها للهول المروع ينتابُها! والناس سكارى وما هم بسكارى، يتبدى السُكْرُ في نظراتهم الذاهلة، وفي خطواتهم المترنحة! مشهد مزدحم بذلك الحشد المتماوج، تكاد العين تبصره لحظة التلاوة، بينما العقل يتخيله.

يوم القيامة تزلزل الأرض كلها, من أقصاها إلى أقصاها, ويستنكر الإنسان هذا الأمر ويفزع. (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا) [الزلزلة:1-3].  يقول: ما لها؟ ما الذي حدث بها, وقد عهدتها مستقرة؟...

 (إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا) [الواقعة:4-6]، في ذلك اليوم؛ ما حالي؟ فالناس ثلاثة أصناف: (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [الواقعة:7-12]. فلمثل هذا اليوم فأعدوا.

الوقفة الثالثة: في الأزمان المتأخرة كثرت الزلازل والهزات الأرضية, بدرجات قوتها المختلفة, وهذه علامة من علامات الساعة, روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ، وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ، حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ" رواه البخاري.

وأغلب ما في الحديث واقع مشاهد, يقول ابن حجر العسقلاني -رحمه الله-: "وقَدْ وَقَعَ فِي كَثِير مِنْ الْبِلَاد الشّمَالِيَّة وَالشَّرْقِيَّة وَالْغَرْبِيَّة كَثِير مِنْ الزَّلَازِل, وَلَكِنَّ الَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْمُرَاد بِكَثْرَتِهَا شُمُولها وَدَوَامها" اهـ.

وثبت في السنة الصحيحة أن الخسف والمسخ وكثرة الزلازل من علامات الساعة الصغرى، وأيد ذلك ما أثبته العلم الحديث "من أنه يقع في الأرض مليون زلزال كل عام" كما في دراسة نشرتها إحدى المجلات السعودية عام سبعة وعشرين وأربعمائة وألف.


الوقفة الرابعة: لا شك أن للزلازل والاهتزازات أسبابًا دنيوية مادية, لا ينكرها منكر, وقد أقر بهذه الأسباب علماء الشرع منذ القدم.

ولما سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن أسباب ذلك أجاب -رحمه الله-: الحمد لله رب العالمين. الزلازل من الآيات التي يخوف الله بها عباده كما يخوفهم بالكسوف وغيره من الآيات والحوادث, لها أسباب وحكم, فكونها آية يخوف الله بها عباده هي من حكمه في ذلك.

وأما أسبابه؛ فمن أسبابه انضغاط البخار في جوف الأرض كما ينضغط الريح والماء في المكان الضيق، فإذا انضغط طلب مخرجا؛ فيَشُقُ ويُزلزل ما قرب منه من الأرض. اهـ.

 وقال ابن القيم -رحمه الله-: "ولما كانت الرياح تجول فيها (أي في الأرض) وتدخل في تجاويفها, وتُحدث فيها الأبخرة, وتخفق الرياح, ويتعذر عليها الـمَنفذ, أذن الله -سبحانه- لها في بعض الأحيان بالتنفس, فتحدث فيها الزلازل العظام, فيحدث من ذلك لعباده الخوف والخشية والإنابة والإقلاع عن معاصيه والتضرع إليه والندم". اهـ.

إذا عرفنا ذلك؛ علمنا أن للزلازل أسبابًا دنيوية, لكن؛ لها في المقابل أسباب شرعية, فمن الذي أذن لهذه الأرض أن تهتز وتضطرب في هذا الوقت بالتحديد بعد أن كانت هامدة مدة طويلة؟ ومن هو القادر على أن يوقف هذا الزلزال؟ ومن الذي يحدد قوة الزلزال وتأثيره في الأرواح والممتلكات؟ إنه الله جل جلاله.

مهما توقع علماء الأرض وخططوا ودرسوا فإن أجل الله إذا جاء لا يؤخر, ومهما محصوا فإن الله يأتي بالزلزال بغتة دون أن يشعروا, ولو تنبؤوا وعلموا بوقته وموضعه ما استطاعوا دفعه وإيقافه, فتبارك الله رب العالمين.

ا

إن الإنسان إذا رأى اضطراب الأرض واهتزازها من تحته حتى لا يستطيع معها قرارًا ولا ثباتًا, يصيبه الخوف والهلع, خصوصًا إذا علم أن بعض الأقوام كان هلاكهم وعذابهم بالرجفة والزلزلة, كما قال -تعالى- عن قوم شعيب -عليه السلام-: (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ) [العنكبوت:37]، وقال عن ثمود قومِ صالح -عليه السلام-: (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ) [الأعراف:78].

قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-:" لما كان هبوب الريح الشديدة يوجب التخويف, المفضي إلى الخشوع والإنابة, كانت الزلزلة ونحوها من الآيات أولى بذلك". اهـ.

وقال عمر بن عبد العزيز: "إن هذا الرجف شيء يعاقب الله به العباد".

الوقفة السادسة: إذا وقعت الهزات والزلازل؛ فما الذي ينبغي أن يفعله المسلم؟ هناك من يفزع إلى القنوات الفضائية, يتابع أخبار الزلزال: كم عدد الضحايا؟ إلى أي مدى بلغ؟ وآخرون يتجهون لبث الأخبار والأراجيف مما يضر ولا ينفع.

لكن المسلم الحصيف ينبغي عليه أن يلتزم هدي الإسلام في مثل هذه المواقف, فيلجأَ إلى الله -تعالى-, ويكثرَ من الأعمال الصالحة، وخاصة الصدقة؛ فالزلازل والكوارث تنبيه من الله -عز وجل- لعباده, وتجب التوبة إلى الله, والإكثار من الذكر والاستغفار والدعاء وقراءة القران؛ فإن الله -تعالى- يقول: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا) [الأنعام:43].

وكذلك فإن الاستغفار له أثر كبير في منع وقوع العذاب, وقد قال -تعالى-: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال:33].

ووقعت رجفة في عهد عمر بن عبد العزيز فكتب إلى أهل البلدان: "إن هذه الرجفة شيء يعاتب الله به عباده، فمن استطاع أن يتصدق فليفعل؛ فإن الله يقول: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) [الأعلى:14]".

ولما رجفت الأرض بالكوفة قال ابن مسعود: أيها الناس، إن الله يستعتبُكم؛ فاعتبوه.

وليس في السنة دليل على استحباب ذكر أو دعاء معين عند حدوث الزلازل، وإنما يدعو بما فتح الله عليه مما فيه طلب الرحمة, والغوث من الله -عز وجل-، ليصرف عن الناس البلاء.



الناسكـون يحاذرون *** ومــا بسيئـة ألمــوا
كانوا إذا راموا كلاماً *** مطلقاً خطمـوا وزمـوا
إن قيلت الفحشاء أو *** ظهرت عموا عنها وصموا
فمضوا وجاء معاشر *** بالمنكرات قـووا وطمـوا
ففم لطعـم فاغـر *** ويـد على مـال تضـم
عدلوا عن الحسن الجميل *** وللخما عمدوا وأموا
وإذا هـم أعيتهـم *** شنائعهـم كذبوا وأمـوا







ياكاشف الضر صفحـاً عن جرائمنـا *** لقد أحاطت بنا يا رب بأسـاء
نشكـو إليك خطوبـا لا نطيـق لهـا *** حملاً ونحن بها حقـاً أحقـاء
زلازل تخشـع الصـم الصـلاب لهـا *** وكيف يقوى على الزلزال شماء
فباسمك الأعظم المكنـون إن عظمـت *** منا الذنوب وساء القلب أسواء
فاسمح وهب وتفضل وامحُ واعفُ وأجب *** واصفح فكل لفرط الجهل خطاء


وقال :( )[الأعراف:24].
وقال :( )[الأعراف:24].
وقال :( )[الأعراف:24].
وقال :( )[الأعراف:24].
وقال :( )[الأعراف:24].
وقال :( )[الأعراف:24].
وقال :( )[الأعراف:24].




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق