الجمعة، 7 سبتمبر 2012

من حكم شرائع الإسلام تطهير النفوس وتزكيتها (الحج مثالا )

وقفات مع قوله تعالى : ( فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ ).

المتأمل في شريعة الإسلام يعلم أنها جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها
فهذه الشريعة الربانية التي أنزلها الله في كتابه وأرسل بها رسوله ورضيها لعباده وأكملها وأتمها لهم.
جعل الله الانتهاء عن نواهيها وفعل أوامرها والقيام بشرائعها مطّهَرة للنفوس من أدرانها وتزكية لها ورفعة .
ويتضح ذلك جليا في أركان الإسلام ، فقد بين الله لنا أن الصلاة تزكية: قال الله تعالى: ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ( [العنكبوت: 45].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:((أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدا يغتسل فيه كل يوم خمس مرات ما تقولون ذلك يبقى من درنه؟ قالوا لا يبقى من درنه شيئا. قال: فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بها الخطايا .
والصدقة تزكية: قال الله تعالى: ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ( [التوبة: 103].
والحج تزكية: قال الله تعالى: ( فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ ( [البقرة: 197].
والصيام تزكية : قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 183]. لأن تحقيق التقوى من أعظم تطهير النفس وتزكيتها.

وسنخصص الحديث هنا عن قوله تعالى :(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) {البقرة:197}.

أشهرُ الحجِّ أشهرٌ معلوماتٌ .
قال السعدي:والمراد بالأشهر المعلومات عند جمهور العلماء: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، فهي التي يقع فيها الإحرام بالحج غالبا.
{ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ } أي: أحرم به، لأن الشروع فيه يصيره فرضا، ولو كان نفلا.

وقوله: { فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ } أي: يجب أن تعظموا الإحرام بالحج، وخصوصا الواقع في أشهره، وتصونوه عن كل ما يفسده أو ينقصه، من الرفث وهو الجماع ومقدماته الفعلية والقولية، خصوصا عند النساء بحضرتهن. وكذلك فحش  الكلام يعتبر من الرفث.
{ وَلاَ فُسُوقَ } ولا خروج عن حدود الشريعة ، ومنه السباب والتنابز بالألقاب. والفسوق وهو: جميع المعاصي، ومنها محظورات الإحرام.
ولا فسوق : نهي عن المعصية عموما وفي كل حال وبأي جارحة من قول وفعل وعمل.

{ وَلاَ جِدَالَ } ولا مراء مع الرفقاء والخدم والمكارين : وإنما أمر باجتناب ذلك .
والجدال وهو: المماراة والمنازعة والمخاصمة، لكونها تثير الشر، وتوقع العداوة.
ثم أمر تعالى بالتزود لهذا السفر المبارك، فإن التزود فيه الاستغناء عن المخلوقين، والكف عن أموالهم، سؤالا واستشرافا، وفي الإكثار منه نفع وإعانة للمسافرين، وزيادة قربة لرب العالمين، وهذا الزاد الذي المراد منه إقامة البنية بلغة ومتاع.
وأما الزاد الحقيقي المستمر نفعه لصاحبه، في دنياه، وأخراه، فهو زاد التقوى الذي هو زاد إلى دار القرار، وهو الموصل لأكمل لذة، وأجل نعيم دائم أبدا، ومن ترك هذا الزاد، فهو المنقطع به الذي هو عرضة لكل شر، وممنوع من الوصول إلى دار المتقين. فهذا مدح للتقوى.

ثم أمر بها أولي الألباب فقال: { وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الألْبَابِ } أي: يا أهل العقول الرزينة، اتقوا ربكم الذي تقواه أعظم ما تأمر به العقول، وتركها دليل على الجهل، وفساد الرأي.

قال ابن عثيمين :
قوله تعالى: { وما تفعلوا من خير يعلمه الله }: لما نهى عن هذه الشرور انتقل إلى الأمر بالخير؛ وهذه الجملة شرطية: { ما } أداة الشرط؛ وفعل الشرط: { تفعلوا }؛ وجواب الشرط: { يعلمه الله }؛ ولهذا جزمت؛ و{ مِن } بيانية تبين المبهم من اللفظ؛ لأن { ما } شرطية مبهمة كالموصول؛ و{ خير } نكرة في سياق الشرط، فيشمل كل خير سواء كان قليلاً، أو كثيراً.
وقوله تعالى: { يعلمه الله }: أي يحيط به علماً.
قوله تعالى: { وتزودوا } أي اتخذوا زاداً لغذاء أجسامكم، وغذاء قلوبكم -وهذا أفضل النوعين - لقوله تعالى: { فإن خير الزاد التقوى } و«التقوى» اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره، واجتناب نواهيه؛ هذا أجمع ما قيل في التقوى.
لما رغب الله سبحانه وتعالى في التقوى أمر بها طلباً لخيرها فقال تعالى: { واتقون يا أولي الألباب }؛ و{اتقونِ } فعل أمر؛ والنون للوقاية؛ والياء المحذوفة للتخفيف مفعول به؛ و{ يا أولي الألباب } جمع لب؛ أي يا أصحاب العقول؛ ووجه الله تعالى الأمر إلى أصحاب العقول؛ لأنهم هم الذين يدركون فائدة التقوى، وثمرتها؛ أما السفهاء فلا يدركونها.
الفوائد:
1 ــــ من فوائد الآية: تعظيم شأن الحج، حيث جعل الله له أشهراً مع أنه أيام ــــ ستة أيام ــــ؛ وقد جعل الله له أشهراً ثلاثة حتى يأمن الناس، ويتأهبوا لهذا الحج؛ ولهذا ما بعد الحج أقصر مما قبله؛ الذي قبله: شهران وسبعة أيام؛ والذي بعده: سبعة عشر يوماً فقط؛ لأنه إذا حج انتهى غرضه؛ فطُلب منه العودة؛ بخلاف ما إذا كان قبله.
2 ــــ ومن فوائد الآية: أن أشهر الحج ثلاثة؛ لقوله تعالى: { أشهر }؛ وهي جمع قلة؛ والأصل في الجمع أن يكون ثلاثة فأكثر؛ هذا المعروف في اللغة العربية؛ ولا يطلق الجمع على اثنين، أو اثنين وبعض الثالث إلا بقرينة؛ وهنا لا قرينة تدل على ذلك؛ لأنهم إن جعلوا أعمال الحج في الشهرين وعشرة الأيام يرد عليه أن الحج لا يبدأ فعلاً إلا في اليوم الثامن من ذي الحجة؛ وينتهي في الثالث عشر؛ وليس العاشر؛ فلذلك كان القول الراجح أنه ثلاثة أشهر كاملة؛ وهو مذهب مالك؛ وهو الصحيح؛ لأنه موافق للجمع؛ وفائدته أنه لا يجوز تأخير أعمال الحج إلى ما بعد شهر ذي الحجة إلا لعذر؛ لو أخرت طواف الإفاضة مثلاً إلى شهر المحرم قلنا: هذا لا يجوز؛ لأنه ليس في أشهر الحج والله تعالى يقول: { الحج أشهر }؛ فلا بد أن يقع في أشهر الحج؛ ولو أخرت الحلق إلى المحرم فهذا لا يجوز؛ لأنه تعدى أشهر الحج.
وهل هذه الأشهر من الأشهر الحرم؟
الجواب: أن اثنين منها من الأشهر الحرم، وهما ذو القعدة، وذو الحجة؛ وواحد ليس منها -وهو شوال كما أن «المحرم» من الأشهر الحرم، وليس من أشهر الحج؛ فرمضان شهر صيام؛ وشوال شهر حج؛ وذو القعدة شهر حج، ومن الحرم؛ وذو الحجة شهر حج، ومن الحرم؛ والمحرم من الحرم، وليس شهر حج.
3 ــــ ومن فوائد الآية: الإحالة على المعلوم بشرط أن يكون معلوماً؛ لقوله تعالى: { معلومات }؛ وهذا يستعمله الفقهاء كثيراً يقولون: هذا معلوم بالضرورة من الدين؛ وأمر هذا معلوم؛ وما أشبه ذلك؛ فلا يقال: إنه لم يبين؛ لأنه ما دام الشيء مشهوراً بين الناس معروفاً بينهم يصح أن يعَرِّفه بأنه معلوم؛ ومن ذلك ما يفعله بعض الكتاب في الوثائق: يقول: «باع فلان على فلان كذا، وكذا» -وهو معلوم بين الطرفين -يجوز وإن لم تفصل ما دام معلوماً؛ فإضافة الشيء إلى العلم وهو معلوم يعتبر من البيان.
ــــ ومنها: أن من تلبس بالحج، أو العمرة وجب عليه إتمامه، وصار فرضاً عليه؛ لقوله تعالى: { فمن فرض فيهن الحج }؛ ويؤيد ذلك قوله تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم} [الحج: 29] ؛ فسمى الله تعالى أفعال الحج نذوراً؛ ويدل على ذلك أيضاً قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} [البقرة: 196] ؛ فلم يبح الله تعالى الخروج من النسك إلا بالإحصار.
5 ــــ ومنها: وجوب إتمام النفل في الحج؛ لقوله تعالى: { فمن فرض }؛ والفرض لا بد من إتمامه.
6 ــــ ومنها: أن الإحرام بالحج قبل أشهره لا ينعقد؛ لقوله تعالى: { فمن فرض فيهن الحج فلا رفث }؛ فلم يرتب الله أحكام الإحرام إلا لمن فرضه في أشهر الحج؛ ومعلوم أنه إذا انتفت أحكام العمل فمعناه أنه لم يصح العمل، وهذا مذهب الشافعي -رحمه الله -أنه إذا أحرم بالحج قبل دخول أشهر الحج لم ينعقد إحرامه؛ ولكن هل يلغو، أو ينقلب عمرة؟ في هذا قولان عندهم؛ أما عندنا مذهب الحنابلة؛ فيقولون: إن الإحرام بالحج قبل أشهره ينعقد؛ ولكنه مكروه -يكره أن يحرم بالحج قبل أشهره - ومذهب الشافعي أقرب إلى ظاهر الآية الكريمة: أنه إذا أحرم بالحج قبل أشهره لا ينعقد حجاً؛ والظاهر أيضاً أنه لا ينعقد، ولا ينقلب عمرة؛ لأن العبادة لم تنعقد؛ وهو إنما دخل على أنها حج؛ فلا ينعقد لا حجاً، ولا عمرة.
7 ــــ ومن فوائد الآية: أن المحظورات تحرم بمجرد عقد الإحرام - وإن لم يخلع ثيابه من قميص، وسراويل، وغيرها؛ لقوله تعالى: { فمن فرض فيهن الحج فلا رفث }؛ لأنه جواب الشرط؛ وجواب الشرط يكون تالياً لفعله؛ فبمجرد أن يفرض فريضة الحج تحرم عليه المحظورات.
8 ــــ ومنها: أن الإحرام ينعقد بمجرد النية - أي نية الدخول إلى النسك؛ وتثبت بها الأحكام - وإن لم يلبّ؛ لقوله تعالى: { فمن فرض فيهن الحج فلا رفث }.
ــــ ومنها: تحريم الجماع، ومقدماته بعد عقد الإحرام؛ لقوله تعالى: { فلا رفث }؛ وجواب الشرط يكون عقب الشرط؛ فبمجرده يحرم الرفث.
10 ــــ ومنها: تحريم الفسوق؛ لقوله تعالى: { فلا فسوق }.
فإن قال قائل: الفسوق محرم في الإحرام، وغيره.
فالجواب: أنه يتأكد في الإحرام أكثر من غيره.
11 ــــ ومنها: تحريم الجدال؛ لقوله تعالى: { ولا جدال في الحج }؛ والجدال إن كان لإثبات الحق، أو لإبطال الباطل فإنه واجب، وعلى هذا فيكون مستثنًى من هذا العموم؛ لقوله تعالى: {وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل: 125] ؛ وأما الجدال لغير هذا الغرض فإنه محرم حال الإحرام؛ فإن قلت: أليس محرماً في هذا، وفي غيره لما يترتب عليه من العداوة، والبغضاء، وتشويش الفكر؟
فالجواب: أنه في حال الإحرام أوكد.
12 ــــ ومنها: البعد حال الإحرام عن كل ما يشوش الفكر، ويشغل النفس؛ لقوله تعالى: { ولا جدال في الحج }؛ ومن ثم يتبين خطأ أولئك الذين يزاحمون على الحجر عند الطواف؛ لأنه يشوش الفكر، ويشغل النفس عما هو أهم من ذلك.
13 ــــ ومنها: الحث على فعل الخير؛ لأن قوله تعالى: { وما تفعلوا من خير يعلمه الله } يدل على أنه سيجازي على ذلك، ولا يضيعه؛ قال تعالى: {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً} [طه: 112] .
14 ــــ ومنها: أن الخير سواء قلّ، أو كثر، فإنه معلوم عند الله؛ لقوله تعالى: { من خير }؛ وهي نكرة في سياق الشرط؛ والنكرة في سياق الشرط تفيد العموم.
15 ــــ ومنها: عموم علم الله تعالى بكل شيء؛ لقوله تعالى: { وما تفعلوا من خير يعلمه الله }.
16 ــــ ومنها: الحث على التزود من الخير؛ لقوله تعالى: { وتزودوا فإن خير الزاد التقوى }.
17 ــــ ومنها: أنه ينبغي للحاج أن يأخذ معه الزاد الحسيّ من طعام، وشراب، ونفقة، لئلا يحتاج في حجه، فيتكفف الناس؛ لقوله تعالى: { وتزودوا }.
18 ــــ ومنها: أن التقوى خير زاد، كما أن لباسها خير لباس؛ فهي خير لباس؛ لقوله تعالى: {ولباس التقوى ذلك خير} [الأعراف: 26] ؛ وهي خير زاد؛ لقوله تعالى: { فإن خير الزاد التقوى }.
19 ــــ ومنها: وجوب تقوى الله؛ لقوله تعالى: { واتقون }.
20 ــــ ومنها: أن أصحاب العقول هم أهل التقوى؛ لقوله تعالى: { واتقون يا أولي الألباب }.
21 ــــ ومنها: أنه كلما نقص الإنسان من تقوى الله كان ذلك دليلاً على نقص عقله - عقل الرشد؛ بخلاف قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما رأيت من ناقصات عقل، ودين»(1)؛ فإن المراد بنقص العقل هنا عقل الإدراك؛ فإن مناط التكليف عقل الإدراك؛ ومناط المدح عقل الرشد؛ ولهذا نقول: إن هؤلاء الكفار الأذكياء الذين هم في التصرف من أحسن ما يكون؟ نقول: هم عقلاء عقول إدراك؛ لكنهم ليسوا عقلاء عقول رشد؛ ولهذا دائماً ينعى الله عليهم عدم عقلهم؛ والمراد عقل الرشد الذي به يرشدون.

تنبيه مهم:
الجدال منهي عنه ، ولكن جاء لفظ الجدل في القرآن أيضًا في مواضع محمودة، وهي:
- قوله تعالى: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [العنكبوت:46]، فهذا جدل بالتي هي أحسن لدعوة اليهود والنصارى إلى الإسلام.
- قوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل:125].وما أنكر أحد من الصحابة قط الجدال في طلب الحق وأما التابعون ومن بعدهم فتوسعوا في ذلك فثبت أن الجدال المحمود هو طلب الحق ونصره ، وإظهار الباطل وبيان فساده ، وأن الخصام بالباطل هو اللدد ، الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم : أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم.
فالجدال المحمود واجب في الحج وغيره.

الخلاصة:
فالله عز وجل شرع لنا الشرائع من أجل أن تزكو نفوسنا، وأن تصلح دنيانا وآخرتنا، والله عز وجل أغنى وأعز من أن ينتفع بطاعات العباد، أو أن يتضرر بمعاصيهم كما في الحديث القدسي ((يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضرى فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ))(7). بل العباد أنفسهم يتضررون بمعاصيهم، وهم أنفسهم ينتفعون بطاعاتهم، والله تعالى غني عنهم وعن طاعاتهم قال تعالى:(لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا( [الحج: 37]، ألا ترى أن العباد يذبحون الهدايا والأضاحي ويأكلون لحومها، وهم مع ذلك يتقربون بها إلى الله عز وجل، لأنهم يستجيبون لأمر الله، ويستسلمون لشرعه، فالإيمان والعمل الصالح سبب سعادة الدنيا، أنه سبب سعادة الآخرة قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ([النحل: 97] والسعادة سعادة القلوب، والشقاء شقاء القلوب، والقلوب لا تسعد إلا بالله، ولا تطمئن إلا بذكره وطاعته قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ([الرعد: 28] فلا تسعد بالمال، و لا تسعد بالجاه، ولا تسعد بالشهرة، والتعاسة والشقاء تلاحقان العبد إذا تعلق القلب بغير الله حبا ورجاء وخوفا وتوكلا، قال النبي صلى الله عليه وسلم(( تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم، وعبد الخميصة، إن أعطى رضي وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش )) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق