الخميس، 29 أكتوبر 2020

القدوة الحسنة

 

عباد الله : إن الله قد فرض علينا في كل ركعة من صلاتنا أن ندعوه بذلك الدعاء العظيم الذي هو أعظم الدعاء وأنفعه (ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ ۝٦ صِرَٰطَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمۡتَ عَلَیۡهِمۡ غَیۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَیۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّاۤلِّینَ ) وأوجب علينا في هذا الدعاء ان نقتدي بالقدوة الحسنة لنكون قدوة حسنة وأن نسلك طريقهم ونتبع منهجهم وأوجب علينا أن نجتنب طريق القدوات السيئة من المغضوب عليهم الذين يعرفون الحق ولا يعملون به والضالين الذين لا يعلمون حقا ولا يعملون خيرا .

وقدوة الذين أنعم الله عليهم هو رسولنا محمد وهو قدوة المسلمين الأولى صاحب الخلق الأكمل والمنهج الأعظم  ، صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك يقول الله- عز وجل-: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]

ومن دقيق المعنى في هذه الآية الكريمة أن الله سبحانه جعل الأسوة في رسول الله، صلى الله عليه وسلم عامة ، ولم يحصرها في وصف خاص من أوصافه أو خلق من أخلاقه أو عمل من

أعماله الكريمة، وما ذلك إلا من أجل أن يشمل الاقتداء أقواله عليه الصلاة والسلام وأفعاله وسيرته كلها فيقتدي به، صلى الله عليه وسلم، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ويقتدي بأفعاله وسلوكه من الصبر والشجاعة والثبات والأدب وسائر أخلاقه، فيقتدى به اقتداء عاما وشاملا

وقد قدم - صلى الله عليه وسلم - القدوة الحسنة لأصحابه حين تمثل جميل الأخلاق وصفات الكمال، ممتثلاً ما أوحى الله إليه  ، فكان في خُلقه كما وصفه ربه {وإنك لعلى خلق عظيم} (القلم: 4)، وصادقت على هذا الوصف زوجه عائشة فقالت: (كان خلقه القرآن)  ، وأكده صاحبه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما بقوله: لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - فاحشاً ولا متفحشاً، وكان يقول: ((إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً)). (3).

إخوة الإيمان : إن الِإسلام انتشر في كثير من بلاد الدنيا بالقدوة الطيبة للمسلمين التي كانت تبهر أنظار غير المسلمين وتحملهم على اعتناق الِإسلام، فالقدوة الحسنة التي يحققها الداعي بسيرته الطيبة هي في الحقيقة دعوة عملية للِإسلام يستدل بها سليم الفطرة راجح العقل من غير المسلمين على أن الِإسلام حق من عند الله.

عباد الله : وجميع الخلق بحاجة إلى القدوة الحسنة، ممن كمّلهم الله بالأخلاق الفاضلة، وعصمهم من الشبهات والشهوات.

وهم الأنبياء  نبراس الهدى، ومصابيح الدجى، يقتدي بهم الخلق، ويتخذون من سيرتهم وحياتهم قدوة يسيرون على منوالهم حتى يصلوا إلى دار السلام، ويحطّوا رحالهم في ساحة ربّ الأنام.

فالرسل هم قدوة الأتباع، والأسوة الحسنة لمن أطاع، هم القدوة الطيبة في العبادات، والأخلاق، والمعاملات، والاستقامة على دين الله (أُو۟لَٰۤئِكَ ٱلَّذِینَ هَدَى ٱللَّهُۖ فَبِهُدَىٰهُمُ ‌ٱقۡتَدِهۡۗ)

ولما علم أعداء الله ورسله أهمية القدوة وإن الرسل هم خير قدوة للناس سعوا بكل ما أتوا لإسقاط القدوات وتشويههم حتى ينفر الناس من الاقتداء بهم وبدأوا بالإساءة للرسل ثم اتباع الرسل من بعدهم :

وإليك أمثلة مما فعله الكفار مع الرسل من أجل صد الناس عن الإيمان والاقتداء بالقدوات الصالحة المصلحة .

 قال قوم نوح لنوح  {إِنَّا لَنَرَىٰكَ فِی ضَلَٰلࣲ مُّبِینࣲ }

وقالوا عن اتباعه من المؤمنين {وَمَا نَرَىٰكَ ٱتَّبَعَكَ إِلَّا ٱلَّذِينَ هُمۡ ‌أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأۡيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمۡ عَلَيۡنَا مِن فَضۡلِۭ بَلۡ نَظُنُّكُمۡ كَٰذِبِينَ }

وقال قوم هود  مقولة إهانة وتنفير الناس عنه { قَالَ ٱلۡمَلَأُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِن قَوۡمِهِۦۤ إِنَّا لَنَرَىٰكَ فِی ‌سَفَاهَةࣲ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِینَ}

ولما جاء موسى بالهدى ودين الحق الى فرعون وقومه رموه واتهموه ببعض الأعمال القبيحة التي كانوا هم يعملونها {  فَقَالُوا۟ ‌سَٰحِرࣱ ‌كَذَّابࣱ}

وكذلك هم أعداء الرسل في كل زمان ومكان يصدون الناس عن اتباع الرسل والاقتداء بهم

  {كَذَٰلِكَ مَاۤ أَتَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا۟ ‌سَاحِرٌ ‌أَوۡ ‌مَجۡنُونٌ}

وقالوا عن رسولنا شاعر وكاهن ومجنون وساحر وسخروا منه وآذوه

ومن أساليب أعداء الله في صد الناس عن الاقتداء برسول الله نشر البدع تحت ذريعة حب الرسول وإقامة الطقوس والاحتفال التي ما أنزل الله بها من سلطان وإنما هي نوع من أنواع المكر التي يضلون بها الناس عن سنة رسول الله.

ومن أساليب الأعداء في صد الناس عن اتباع القدوة الصالحة رسول الله حرصهم على إبراز قدوات من كل ما هب ودب وبكل لون وشكل حسب أهواء الناس وأعمارهم  ورغباتهم {وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ]  {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}     أقول هذا واستغفر الله

الخطبة الثانية:

أيها المسلمون : اننا الآن بين فرض ومكر فماذا عملنا للقيام بالفرض والسلامة من المكر ؟

الفرض هو إن الله فرض علينا الاقنداء برسول الله والمكر هو ما يقوم به شياطين الإنس من مكر الليل والنهار للصد عن اتباع رسول الله !!

عباد الله : كل منا مسئول عن نفسه وأهله في القيام بفرض الأقتداء والسلامة من مكر الأعداء ،ولن نستطيع القيام بمسئوليتنا إلا بالعلم والعمل ،والعلم معرفة الرسول وتعلم سنته والعمل بذلك..

إن الانتساب إلى سنة الرسول أو تبادل الرسائل بالتذكيربالصلاة عليه لا يسمن ولا يغني من جوع ما لم نتعلم ونعمل!

ولنكن صادقين مع انفسنا ونغتنم ما بقي من حياتنا ..فكم نخصص من أوقاتنا لنتعلم سنة رسولنا ؟ كم نسمع ونقرأ في بيوتنا مع أولادنا عن سنة رسول الله وسيرته؟

كيف نريد من أولادنا الاهتداء بهديه وهم يجهلون سيرته ويعرفون سيرة غيره !

يجب أن نتعلم سيرته ونطبق سنته لنكون قدوة حسنة في أنفسنا ولأولادنا ، فإن القدوة الحسنة من ضروريات التربية، فمعلوم أن الأولاد يعجبون بوالديهم ويحبون تقليدهم والاقتداء بهم، فيجب على الآباء والأمهات والمربين أن لا تخالف أقوالهم أفعالهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2].

وقال تعالى عن نبي الله شعيب: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَاّ الإِصْلَاحَ} [هود: 88]

وقال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44]

قال الشاعر:

لَا تَنْهَ عَن خُلُقٍ وَتَاتِيَ مِثلَهُ ... عَارٌ عَلَيكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق