قال ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ- في صفة عرائس الْجَنَّة، وحسنهن وجمالهن، ولذة وصالهن ومهورهن:
يا مَنْ يَطُوفُ بِكَعْبَةِ الْحُسْنِ الَّتِي ** حُفَّتْ بِذَاكَ الْحِجْرِ وَالأَرْكَانِ
وَيَظَلُّ يَسْعَى دَائِمًا بَيْنَ الصَّفَا ** وَمُحَسِّرٌ مَسْعَاهُ لا الْعَلَمَانِ
وَيَرُومُ قُرْبَانَ الْوِصَالِ عَلَى مِنَى ** وَالْخَيْفُ يَحْجِبُهُ عَنِ الْقُرْبَانِ
فَلِذَا تَرَاهُ مُحْرِمًا أَبَدًا وَمَوْ ** ضِعُ حِلِّهِ مِنْهُ فَلَيْسَ بِدَانِي
يَبْغِي التَّمَتُعَ مُفْرَدًا عَنْ حِبِّهِ ** مُتَجَرِّدًا يَبْغِي شَفِيعَ قِرَانِ
فَيَظَلُّ بِالْجَمَرَاتِ يَرْمِي قَلْبَهُ ** هَذِي مَنَاسِكُهُ وَكُلُّ زَمَانِ
وَالنَّاسُ قَدْ قَضَّوْا مَنَاسِكَهُمْ وَقَدْ ** حَثُوا رَكَائِبَهُمْ إِلَى الأَوْطَان
وَخَدَتْ بِهِمْ هِمَمٌ لَهُمْ وَعَزَائِمُ ** نَحْوَ الْمَنَازِلَ أَوَّلَ الأَزْمَانِ
رُفِعَتْ لَهُمْ فِي السَّيْرِ أَعْلامُ الْوِصَا ** لِ فَشَمِّرُوا يَا خَيْبَةَ الْكَسْلانِ
وَرَأَوا عَلَى بُعْدٍ خِيَامًا مُشْرِفَا ** تٍ مُشْرِقَاتِ النُّورِ وَالْبُرْهَانِ
فَتَيَمَّمُوا تِلْكَ الْخِيَامَ فَآنَسُوا ** فِيهِنَّ أَقْمَارًا بِلا نُقْصَانِ
مِنْ قَاصِرَاتِ الطَّرْفِ لا تَبْغِي سِوَى ** مَحْبُوبِهَا مِنْ سَائِرِ الشُّبَّانِ
قَصَرَتْ عَلَيْهِ طَرْفَهَا مِنْ حُسْنِهِ ** وَالطَّرْفُ فِي ذَا الْوَجْهِ لِلنَّسْوَانِ
أَوْ أَنَّهَا قَصَرَتْ عَلَيْهِ طَرْفَهُ ** مِنْ حُسْنِهَا فَالطَّرْفُ لِلذُّكْرَانِ
وَالأَوَّلُ الْمَعْهُودُ مِنْ وَضْعِ الْخِطَا ** بِ فَلا تَحُدْ عَنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ
وَلَرُبَّمَا دَلَّتْ إِشَارَتُه عَلَى الثَّـ ** ـانِي فَتِلْكَ إِشَارَةٌ لِمَعَانِي
هَذَا وَلَيْسَ الْقَاصِرَاتُ كَمَنْ غَدَتْ ** مَقْصُورَةً فَهُمَا إِذًا صِنْفَان
يَا مُطْلِقَ الطَّرْفِ الْمُعَذَّبِ فِي الأُلَى ** جُرِّدْنَ عَنْ حُسْنٍ وَعَنْ إِحْسَانِ
لا تَسْبِينَّكَ صُورَةٌ مِنْ تَحْتِهَا الدَّ ** اءُ الدَّفِينُ تَبُوءُ بِالْخُسْرَانِ
قَبُحَتْ خَلائِقُهَا وَقُبِّحَ فِعْلُهَا ** شَيْطَانَةٌ فِي صُورَةِ الإِنْسَانِ
تَنْقَادُ لِلأَنْذَالِ وَالأَرْذَالِ هُمْ ** أَكْفَاؤُهَا مِنْ دُونِ ذِي الإِحْسَانِ
مَا ثُمَّ مِنْ دِينٍ وَلا عَقْلٍ وَلا ** خُلُقٍ وَلا خَوْفٍ مِن الرَّحْمَنِ
وَجَمَالُهَا زُورٌ وَمَصْنُوعٌ فَإِنْ ** تَرَكْتُهُ لَمْ تَطْمَح لَهَا الْعَيْنَانِ
طُبِعَتْ عَلَى تَرْكِ الْحِفَاظِ فَمَا لَهَا ** بِوَفَاءِ حَقِّ الْبَعْلِ قَطُ يَدَانِ
إِن قَصَّرَ السَّاعِي عَلَيْهَا سَاعَةً ** قَالَتْ وَهَلْ أَوْلَيْتَ مِنْ إِحْسَانِ
أَوْ رَامَ تَقْوِيمًا لَهَا اسْتَعْصَتْ وَلَمْ ** تَقْبَلَ سِوَى التَّعْوِيجِ وَالنُّقْصَانِ
أَفْكَارُهَا فِي الْمَكْرِ وَالْكيدِ الَّذِي ** قَدْ حَارَ فِيهِ فِكْرَةُ الإِنْسَانِ
فَجَمَالُهَا قِشْرٌ رَقِيقٌ تَحْتَهُ ** مَا شِئْتَ مِنْ عَيْبٍ وَمِنْ نُقْصَانِ
نَقْدٌ رَدِيءٌ فَوْقَهُ مِنْ فِضَّةٍ ** شَيْءٌ يُظَنُّ بِهِ مِنْ الأَثْمَانِ
فَالنَّاقِدُونَ يَرَوْنَ مَاذَا تَحْتَهُ ** وَالنَّاسُ أَكْثَرْهُم مِن الْعُمْيَانِ
أَمَّا جَمِيلاتُ الْوُجُوهِ فَخَائِنَا ** تُ بُعُولَهنَّ وَهُنَّ لِلأَخْدَانِ
وَالْحَافِظَاتُ الْغَيْبِ مِنْهُنَّ الَّتِي ** قَدْ أَصْبَحَتْ فَرْدًا مِنْ النّسْوَانِ
فَانْظُرْ مَصَارِعَ مَنْ يَلِيكَ وَمَنْ خَلا ** مِنْ قَبْلُ مِن شَيْبٍ وَمِنْ شُبَّانِ
وَارْغَبْ بِعَقْلِكَ أَنْ تَبِيعَ الْغَالِي الْـ ** بَاقِي بِذَا الأَدْنَى الَّذِي هُوَ فَانِي
إِنْ كَانَ قَدْ أَعْيَاكَ خُودٌ مِثْلَ مَا ** تَبْغِي وَلَمْ تَظْفَرْ إِلَى ذَا الآنِ
فَاخْطُبْ مِنَ الرَّحْمَنِ خُودًا ثُمَّ قَدِّ ** مْ مَهْرَهَا مَا دُمْتَ ذَا إِمْكَانِ
ذَاكَ النِّكَاحُ عَلَيْكَ أَيْسَرُ إِنْ يَكُنْ ** لَكَ نِسْبَةٌ لِلْعِلْمِ وَالإِيمَانِ
وَاللهِ لَمْ تُخْرَجْ إِلَى الدُّنْيَا لِلَّذْ ** ةِ عَيْشِهَا أَوْ لِلْحُطَامِ الْفَانِي
لَكِنْ خَرَجْتَ لِكَيْ تُعِدَّ الزَّادَ لِلْـ ** أُخْرَى فَجِئْتَ بِأَقْبَحِ الْخُسْرَانِ
أَهْمَلْتَ جَمْعَ الزَّادِ حَتَّى فَاتَ بَلْ ** فَاتَ الَّذِي أَلْهَاكَ عَنْ ذَا الشَّانِ
وَاللهِ لَوْ أَنَّ الْقُلُوبَ سَلِيمَةٌ ** لِتَقَطَّعَتْ أَسَفًا مِن الْحُرْمَانِ
لَكِنَّهَا سَكَرَى بِحُبِّ حَيَاتِهَا الدُّ ** نْيَا وَسَوْفَ تَفِيقُ بَعْدَ زَمَان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق