الأحد، 3 مارس 2013

الجهاد المدني



الجهاد المدني

موسى عبد الشكور الخليل
تتعرض الأمة الإسلامية لحملة تضليل واسعة لحرفها عن دينها منذ أوائل القرن التاسع عشر تمثل بالغزو الثقافي بالأفكار القومية والوطنية وما شابهها, وحتى هذه الساعة والكفار ما انفكوا عن تسميم أفكار المسلمين للإبقاء على الأمة الإسلامية ممزقة ليبقى مصير المسلمين مرتبط بمصير الدول الكافرة.

ولما تم الإجهاز على دولة الإسلام وإنشاء دويلات عميلة على أنقاضها وتأسيس ما يسمى بالوطن لكل بقعة ازدادت عملية التضليل للأمة الإسلامية بطرح أفكار ومفاهيم غريبة عنا نتجت من التجربة الأوروبية, فأشاع الكفار ومن خلفهم من الحكام الكفرة وبطانتهم أفكار الوطنية والقومية والعدالة والتجديد والعصرنة والحرية والحقوق المدنية والديمقراطية وحقوق الإنسان والجهاد المدني والمقاومة.

وسأتناول في مقالتي هذه أحد هذه الأفكار الدخيلة التي لم تنبت عندنا كمسلمين, و إنما جاءت عبر قنوات مبرمجة ومدروسة للتضليل ألا وهي الجهاد المدني.

فالجهاد المدني : يعرف بأنه اللاعنف وهو مصطلح غربي مستورد نبت في بيئة غير إسلامية, وهو من إفرازات الصراع الذي دار في الدول الغربية أثناء الخلاف مع الكنيسة, فهو مفهوم نصراني مأخوذ من القول ان “ من لطمك على خدك الأيمن أدر له خدك الأيسر"ويصطدم مع فكرة الجهاد في سبيل الله.

وهذا المفهوم غير موجود عندنا كمسلمين فلا تجد له أي أصل في أي كتاب من كتب الفقه أو التفسير أو كتب المعارف الإسلامية وإنما ظهر إبان الفترة الاستعمارية لبلادنا وهو مربوط بأمرين مربوط بمفهوم المعارضة في النظام الرأسمالي ومربوط بالنصرانية
واللاعنف الذي يزعمون والمأخوذ من الفكر الغربي ولا يلتزم به حتى الغرب الكافر نفسه ، واللاعنف كما يقولون هو منهاج في التفكير والفعل يتفق مع الدعوة للجهاد المدني للتوصل إلى التغيير والتعبئة بالبعد عن العنف.
وقد حاولوا إضفاء الشرعية على هذا المفهوم من منطلق إسلامي بإيجاد أدلة شرعية له وادعوا زورا أن روافد الجهاد المدني هي :

1) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و أدلته الكثيرة.
2) اللاعنف والعصيان المدني وثقافة المقاومة وتشجيع آلية المظاهرات لمشاركة الشعوب للأنظمة .
3) العمل الاجتماعي الخيري وخدمة إنسانية ، واي عمل مدني غير سياسي وتشجيع الادخار ومحاربة الترف .
4) إن الجهاد المدني ناتج من تكوين المجتمع المدني العالمي الذي تسود فيه الرأسمالية .
5) يرتبط الجهاد المدني بفرض الديمقراطية .
6) الدبلوماسية الشعبية عبر الإنترنت ومراقبة الإعلام.
7) إيجاد الجسور والشبكات لتبسيط لهجة الخطاب وأدواته عبر الإنترنت .

وإمعانا في التضليل وفي محاولة إضفاء الشرعية على هذا المفهوم ادعى هؤلاء بأن الجهاد المدني مستند إلى الآية {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ }في محاولة لأسلمت هذا المفهوم.
وكذلك قالوا إن التعددية السياسية أساس في العمل مما يجعل مفاهيم قبول الآخر وحرية الاعتقاد واحترام الآخر هي التي تسود ويترك العقاب في الآخرة لله وحده يوم القيامة.ويدعون بأن التعامل مع الناس يكون بالتساوي كبشر من آدم ، وان اقتصار مفهوم الجهاد على القتال المباشر هو إساءة لمفاهيم أخرى يصيب الناس بالإحباط.

ويتعدى هؤلاء حدود الجهاد المدني إلي التفريق بين العادات والتقاليد الغربية وأسلمتها زورا خاصة في ما يتعلق بالمرأة ويطالبون بإعادة النظر في الأحكام الموروثة من التراث ويطالبون بأحكام جديدة لتصبح كتراث إنساني، وهذا يدل على أن أصحاب هذه الطروحات المشبوهة هم امتداد لأفكار التنوير الذين جاءوا في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كما يقول د. شاكر النابلسي ، ويضيف أن مبدأهم يرتكز على موقف عدائي من الدين والتراث والتاريخ والماضي ويصرون على إصلاح التعليم الديني وإخضاع المقدس للنقد العقلي والعلمي ،واعتبار الأحكام الشرعية خاصة بزمانها وينبغي الاحتكام للقوانين الوضعية وسيادة العقل للوصول إلى الحرية وحل الصراعات بالمفاوضات السلمية. يريدون التخلي عن الدين وقبول الآخر فكيف يوفق هؤلاء إعلان بوش بأنها حرب صليبية دينية وبعد أن تبنى أن فصل الدين عن الدولة فكرة خرافية خاضعة للمساومات وبين ما يدعون من أفكار.

ويدعي هؤلاء بأن منهج اللاعنف هو مثل توسيع دائرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا يتطلب إيجاد آلاف المبادرات التي لا تحتاج إلى قوة مادية وتحويل المحاسن إلى شكل من أشكال المعارضة لإلغاء مفهوم الجهاد الماضي إلى يوم القيامة وتعطيله وإيجاد البديل له عبر تثقيف الناس لأن من يحمل فكرة الجهاد المدني هم المثقفون . كما ويمكن أن يجاهد المسلم عن طريق الإنترنت فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها كما يقولون.
إن هذا الطرح ما هو إلا خلط في الأفكار والمفاهيم دون تحديد للمعالم في البحث ، فهو خلط للصراع الفكري والجهاد للخروج بفكرة جديدة ، لإبقاء الوضع كما كان دون تغيير، أو باستخدام الجهاد المدني ، أما ما يسمى المقاومة أو اتخاذ مثل حالة غاندي في الهند ضد الإنجليز أو العصيان المدني أو الثورة البيضاء مثل الثورة الإيرانية كنموذج للجهاد المدني.

وهنا نطرح سؤال على هؤلاء المنادون بفكرة الجهاد المدني الذين يقومون بمغازلة للغرب وهي الفكرة المأخوذة منه
1) لماذا لا تستخدم أمريكا فكرة الجهاد المدني بل تعمد إلى استخدام القوة في العالم كله.
2) لماذا لا تستخدم روسيا الجهاد المدني في الشيشان .
3) لماذا لا تستخدم إسرائيل الجهاد المدني في فلسطين .

لا ادري كيف يرد هؤلاء على هذه الأسئلة خاصة وان أمريكا أصبحت شرطي العالم المسلح وخاصة أنها لا تعرف سوى لغة السلاح .
وفي المقابل نتساءل:

• هل أننا كمسلمين لم نفهم فكرة الجهاد ويأتي لكع ابن لكع ليبين لنا أمر ديننا .
• هل كان فهم الصحابة الذين جاهدوا في سبيل الله على خطأ في فهم الجهاد .
• هل أن الأحكام الشرعية التي نزلت في الجهاد والحث عليه لم تعد تصلح لوقتنا .
• هل اصبح الجهاد المدني ذروة سنام الإسلام .
• لماذا وضع هذا المفهوم للجهاد مع أن الشرع وضع مفاهيم إسلامية يجب الالتزام بها .
إن الخطر يكمن في اتخاذ الجهاد المدني كبديل للجهاد في سبيل الله وهو إلغاء للحكم الشرعي المتعلق بحمل الدعوة الإسلامية لغير المسلمين ،وهذا يصب في اتجاه من قال على استحياء بان جهاد الطلب انتهى وبقي فقط جهاد الدفع، ومن ينادي بالجهاد المدني هو محاولة أخرى لإلغاء حكم جهاد الدفع أي إفراغ محتوى كلمة الجهاد من مضمونها مع أن الجهاد ليس بقضية هامشية أو وقتية بل هو حكم شرعي وذروة سنام الإسلام ، به ينشر الإسلام وتفتح البلاد وتحمى بيضة الإسلام .

وقد خلط مفهوم الجهاد مع مفهوم الخروج على الحاكم المسلم متى وكيف حيث أن الجهاد متعلق بنشر الإسلام وهو حكم شرعي ، والخروج على الحاكم المسلم وليس حكام اليوم له شروطه التي منها ظهور الكفر البواح .

وهذا واضح في أن طرح فكرة الجهاد المدني هو التفاف حول المعنى الواضح للجهاد وهو القتال كما يقول محمد مسعد ونضيف إن حرف المعنى إلى جهاد النفس أو أي تعريف آخر بغية تسلية المحرومين من الجهاد الذين لا يجدون إليه سبيلا.

فالجهاد مصطلح له معنى شرعي وهو القتال في سبيل الله مباشرة أو معاونة برأي أو تكثير سواد قال تعالى: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} أما لغة فهو بذل الوسع أو استفراغ الوسع.

فكلمة الجهاد لها معنى اصطلاحي شرعي ومعنى لغوي ويتم استخدام الكلمة في اللغة والقرينة هي التي تصرف المعنى إلى الشرعي أو اللغوي ولا يجوز أن نقول أن هذا مجاهد عند بذله جهدا فالمعنى الشرعي لهذه الكلمة واضح ومفصل .

ولذلك يجب أن نعيد للمفاهيم الإسلامية مكانها في الاستخدام ونشيعها لتحل محل المفاهيم الغربية الكافرة ونحارب مفاهيم حقبة الحكم الجبري التي يروج لها الكفار وأعوانهم .

وأخيرا إن هذه المؤامرات وحملات التضليل للأفكار وهذا التسميم السياسي للأمة الإسلامية ما كان ليتم لو كان هناك حاكم مسلم مخلص ملتزم بشرع الله ولذلك الأصل أن نعمل معا وسويا لإزاحة هؤلاء عن كراسيهم وتنصيب حاكم مسلم واحد لتعود امتنا إلى خير أمة أخرجت للناس ترفع راية لا اله إلا الله لتلقن الكفار دروسا ليست في التضليل وانما في الهداية والنور والعدل.
التاريخ:
الكاتب أو المصدر:موسى عبد الشكور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق