الاثنين، 4 فبراير 2013

بحث مكتوب ( صفات القائد )

      
      

                           بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسولنا الأمين وعلى آله الطاهرين وصحابته الطيبين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

فهذا بحث متواضع وسريع في ذكر بعض  صفات القائد المسلم التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية.

وسأقتصر في هذه الورقات بسبب قصر الوقت على ذكر خمس صفات هامة يجب أن يتصف بها القائد المسلم وكل مسلم. وهي:


1)    العلم.
2)    الأمانة.
3)    الشورى.
4)     القوة.
5)    العدل.

وهناك الكثير من الصفات المهمة لم اذكرها بسبب ضيق الوقت منها على سبيل الإيجاز: التواضع ، الحلم، الحكمة، العفو، الإحسان ، والدفع بالتي هي أحسن ، وغيرها.
اسأل الله التوفيق والسداد.






خطة البحث:

يتكون البحث من مقدمة وخمسة فصول وخاتمة.

أولا:
المقدمة ويتم فيها ذكر الموضوع وبيان أهميته وخطته وسبب اختياره.

ثانيا:
الفصل الأول: العلم

ثالثا:
الفصل الثاني: الأمانة

رابعا:
الفصل الثالث: الشورى

خامسا:
الفصل الرابع: القوة

سادسا :
الفصل الخامس: العدل

سابعا:


الخاتمة ويذكر فيها أهم النتائج والتوصيات.






أهمية الموضوع:

لا شك أنه لا يخفى على أحد أهمية هذا الموضوع الذي هو روح القيادة سواء كانت القيادة عامة أو خاصة.

فالقائد بدون هذه الصفات لا يمكن أن يحقق  نجاحا ولا إنتاجا ولا تميزا ولا تقدما.

وإذا نقصت هذه الصفات نقص بقدر نقصها النجاح والإنتاج والتميز والتقدم.
ووقع من المشاكل بقدر ما يفقد من هذه الصفات.

واتصاف القائد بهذه الصفات المهمة يكسب القائد منها مكاسب كبيرة وعظيمة الشأن تسره وتنفعه في الدنيا والآخرة . منها:

1-             الأجر العظيم الذي يناله من الله وقرب منزله من الرسول يوم القيامة.

2-             السلامة من الإثم والظلم.

3-             محبة الناس له والتعاون معه بإخلاص وصدق.

4-             أنه يكون قدوة حسنة يقتدي به غيره فيحصل على الأجر من حيث لا يحتسب.

5-             الراحة والسعادة التي يتمتع بها القائد في الدنيا والبركة في المال والأهل.

6-             الذكر الحسن والسمعة الطيبة بين الناس مما سبب دعائهم له.



واتصاف القائد بهذه الصفات الجميلة يحقق لمن تحت قيادته الفوائد الكثيرة والمستمرة والمثمرة. منها:

1-             التميز في العمل والوصول لنتائج مبهرة.
2-             الراحة النفسية للعاملين معه مما يكون له الأثر الطيب على نجاحهم وتميزهم.
3-             قلة المشاكل على قدر تحقيق هذه الصفات.
4-    القائد إذا اتصف بهذه الصفات وصل درجة المثالية وصار قدوة حسنة، وهذا أكبر سبب في تعديل سلوكيات العاملين الخاطئة وأسلم علاج وأفضل أسلوب وأمن طريقة.
5-              إحياء روح التنافس بين العاملين اقتداء بالقيادة.
  


أسباب اختيار الموضوع:

اختياري لهذا الموضوع له عدة أسباب منها:
1-    أهمية هذا الموضوع في الشرع لأنه من المسائل الشرعية التي يجب على المسلم أن يتعلمها ويعلمها.
2-    صلاح القائد سبب في صلاح الدين والدنيا.
 3-     تخلف المسلمين بسبب فساد وضعف وجهل قادتهم.
4-    نشر الصفات القيادية مساهمة في الإصلاح في الأمة.







الفصل الأول

العلم  

صفة العلم مهمة لكل مسلم وواجبة عليه وخاصة القائد يجب أن يكون علمه على قدر مستوى قيادته.
والعليم من أسماء الله الحسنى والعلم صفة من صفاته العليا، والعلم به تميز الرسل على بقية الناس وأهل العلم هم ورثة الرسل. قال صلى الله عليه وسلم (إن العلماء ورثة الأنبياء)، وهذا شرف عظيم لأهل العلم.

العلم يبني بيوتا لا عماد لها ................ والجهل يهدم بيت العز والكرم

الأدلة على ذلك:

الدليل الأول:

قال الله تعالى في قصة طالوت: ( وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم).

كان طالوت رجل سقاء يبيع الماء فقدمه الله على بني إسرائيل واختاره عليهم بسبب علمه.
وقد ظهر أثر العلم في شخصية طالوت حينما قاد جيشا عدده ثمانين ألف مقاتل وقد ضعف هذا الجيش وحالته النفسية مزرية فلم يزل طالوت يختبر جيشه مرة بعد الأخرى ويفحص حالته النفسية بعناية فائقة حتى خرج بصفوة جيشه في ثلاثة ألاف وثلاث مائة بعدما كان ثمانون ألف فخاض المعركة مع جيش العمالقة بجيش قليل العدد ضعيف العُدد ولكنه قوي العزيمة كثير الصلة بالله، فصنع بهذا العدد القليل نصرا مؤزرا وأعاد مجد بني إسرائيل.


الدليل الثاني:

قال الله تعالى مبينا فضل أهل العلم: ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط)[1].
قال القرطبي: في هذه الآية دليل على فضل العلم وشرف العلماء وفضلهم فإنه لو كان أحد أشرف من أهل العلم لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته كما قرن اسم أهل العلم.
وقال تعالى : في شرف العلم لنبيه  صلى الله عليه وسلم ( وقل رب زدني علما) فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله تعالى نبيه  صلى الله عليه وسلم  أن يسأله المزيد منه كما أمر أن يستزيده من العلم[2].


الدليل الثالث:

قال الله تعالى عن ملك مصر وهو يخاطب يوسف : (قال إنك اليوم لدينا مكين أمين. قال اجعلني على خزآئن الأرض إني حفيظ عليم)[3].
يظهر لنا من هذه الآية ضرورة العلم لمن يتولى أي أمر.

الدليل الرابع:

قال الله تعالى مبينا أهمية العلم قبل العمل: ( فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر ).
سئل سفيان بن عيينة عن فضل العلم: فقال: ألم تسمع قول الله حين بدأ به ( فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك) فأمر بالعمل بعد العلم[4].
فإذا كانت التوبة من الذنب والاستغفار منه لا بد أن تكون بعلم وهي واجبة. فكيف بغيرها.




الدليل الخامس:

قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: ( ألا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم أو متعلم)[5].
قوله: إن الدنيا ملعونة. أي: مبغوضة من الله، متروكة مبعدة ، لكونها مبعدة عن الله ملعون ما فيها أي مما يشغل عن الله إلا ذكر الله.
فالدنيا ملعونة: لأنها غرت النفوس بزهرتها ولذتها فأمالتها عن العبودية إلى الهوى. فاللعن وقع على ما غر من الدنيا لا على نعيمها ولذتها المباحة[6].
 وقوله : وعالما أو متعلما. أي: هي وما فيها مبعد عن الله إلا العلم النافع الدال على الله فهو المحمود.
فالدنيا بدون العلم النافع والعمل الصالح ملعونة وملعون ما فيها.


والعلم المراد توفره في القائد هو كل علم يحتاجه في عمله.
فأول العلم وأهمه ورأسه العلم الشرعي فيجب معرفة الأمور المهمة في الدين وما لا يعذر في جهله، ويشمل ذلك معرفة الواجبات حتى يفعلها ويأمر بها جنده، ومعرفة المحرمات حتى يجتنبها ويمنع منها من تحت قيادته.
وتعلم تفسير القرآن يميز القائد عن غيره ويصنع منه شخصية فاعلة ناجحة قادرة على التغلب على المصاعب، وينمي عنده فن التعامل مع الناس ، ويجعل له حصانة من كل أذى وضرر، ويوسع افقه ويعمق فكره وينور عقله.








الفصل الثاني

 الأمانة

الأمانة ضد الخيانة. والأمانة حفظ الشيء والعناية والإهتمام به.
والأمانة من الصفات التي وصف الله بها أحب الملائكة إليه وهو جبريل ووصف الله بها أحب البشر إليه وهم الرسل.
والأمانة تكون بين الله والعبد وبين العبد والناس.
فأعظم الأمانات الدين قال الله تعالى: ( يأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون)[7]. فخيانة الله بمعصيته وخيانة الرسول بمخالفة سنته وخيانة الأمانات الأخرى بضياعها وإهمالها.
 وأعظم أمانة سيسأل الله الإنسان عنها الدين، ولذا يجب الحذر والإهتمام والمحافظة على الدين ومتابعة من تحت ولايته في أمور دينهم. قال رسول
 صلى الله عليه وسلم:  (ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة)[8].
وفي رواية: ( ما من وال يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة)[9].
فكيف يكون حال الذي يهملون من تحت قيادتهم ولا يأمرونهم حتى بالصلاة في المسجد أمام الله يوم القيامة.

الأدلة على على الأمانة:

الدليل الأول:

قال الله تعالى في قصة ابنتي صاحب مدين: ( يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين)[10].
فبينت هذه الآية أهمية الأمانة مع القوة في الأجير الذي يتعامل مع الغنم.
فكيف بمن يتعامل مع البشر؟.

الدليل الثاني:

قال الله تعالى:(الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)[11].

الدليل الثالث:

قال الله تعالى عن ملك مصر وهو يخاطب يوسف : (قال إنك اليوم لدينا مكين أمين. قال اجعلني على خزآئن الأرض إني حفيظ عليم)[12].
فدلت الآية الكريمة على اشتراط صفة العلم والأمانة في تولي الأعمال المهمة والعامة.

الدليل الرابع:
عن أبي هريرة قال: بينما النبي  صلى الله عليه وسلم  في مجلس يحدث القوم ، جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث. فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال. وقال بعضهم: بل لم يسمع. حتى إذا قضى حديثه. قال: أين أراه السائل عن الساعة؟ قال: ها أنا يا رسول الله. قال: ( فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة). قال: كيف إضاعتها؟ قال: (إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)[13].
فمن لم يتصف بالأمانة لا يصح أن يكون له أدنى مسئولية، لأنه لا يمكن يحفظ أمانة الدين ولا الأموال ولا الأسرار ولا غير ذلك.

وكل مسلم عليه أن يعلم أنه قد تحمل حملا ثقيلا لم تحمله السماوات ولا الأرض. قال تعالى: ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا)[14].

ويشمل ذلك قبول الأوامر والنواهي بشرطها وهو أنه إن قام بذلك أثيب وإن تركها عوقب فقبلها الإنسان على ضعفه وجهله وظلمه إلا من وفق الله والله المستعان.

الفصل الثالث
 الشورى

الشورى أو المشاورة أو الاستشارة أو التشاور كلها معان متقاربة.
والشورى هي تبادل الرأي في قضية أو أمر وسماع وجهات النظر فيه وعدم الانفراد بالقرار حتى لا يترتب عليه مفاسد ومضار.
وهذا في الأشياء التي ليس لها دليل خاص.

أهمية الشورى:

قد أمر الله نبيه بالاستشارة مع كونه أرجح الناس عقلا فقال تعالى ( وشاورهم في الأمر)[15]   وأثنى تعالى على فاعليها في قوله ( وأمرهم شورى بينهم)[16] .

وأعظم به من حث على استشارة أولي الألباب والاقتداء بهم وفيه تنويه عظيم على شرف العقل.

قال بعض الحكماء :
من استعان بذوي العقول فاز بدرك المأمول.

وقال بعضهم:
لا تصلح الأمور إلا برأي أولي الألباب والرحى لا تدور إلا على الأقطاب .

قال البيهقي:
قيل لرجل من بني عبس: ما أكثر صوابكم. فقال: نحن ألف رجل فينا حازم ونحن نطيعه فكأننا ألف حازم.



وقال علي رضي الله عنه:
نعم المؤازرة المشاورة وبئس الاستعداد الاستبداد.

قال الماوردي:
فيتعين على العاقل أن يسترشد إخوان الصدق الذين هم ضياء القلوب ومزايا المحاسن والعيوب على ما ينبهونه عليه من مساويه التي صرفه حسن الظن عنها ، فأنهم أمكن نظرا وأسلم فكرا ، ويجعل ما ينبهونه عليه من مساويه عوضا عن تصديق المدح فيه.

وقال بعض الكاملين:
حكمة الأمر بالاستشارة أن صاحب الواقعة لا ينفك عن هوى يحجبه عن الصواب[17].

وقال الحسن البصري:
والله ما تشاور قوم بينهم إلا هداهم لأفضل ما يحضر بهم[18].

قال الشعبي:
الرجال ثلاثة :
فرجل. ونصف رجل. ولا شيء.
فأما الرجل التام: فالذي له رأي وهو يستشير.
وأما نصف الرجل: فالذي ليس له رأي وهو يستشير .
وأما الذي لا شيء: فالذي ليس له رأي ولا يستشير[19].

ولا يمكن أن يكون للرجل مكانة ورفعة حتى يستشير ذوي الألباب ولا يبالي بملامة الناس.

وقيل: المشاورة حصن من الندامة ، وأمن وسلامة ، ونعم المؤازرة المشاورة[20].


 حكم الشورى:

 قد دلت الأدلة من الكتاب والسنة وسيرة الخلفاء الراشدين على وجوب الشورى.
ومن هذه الأدلة ما يلي :

الدليل الأول:
قال الله تعالى :( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين)[21]

 قد أمر الله نبيه  صلى الله عليه وسلم  أن يشاور أصحابه في الأمور وهو يأتيه الوحي من السماء فكيف لا يشاور من لا يأتيه الوحي.!!

الدليل الثاني:
قال الله تعالى: ( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون)[22] .
قال ابن كثير:
أي لا يبرمون أمرا حتى يتشاوروا  فيه ليتساعدوا بآرائهم في مثل الحروب وما جرى مجراها[23].

وقال القرطبي :
قد مدح الله تعالى الفضلاء بقوله (وأمرهم شورى بينهم ) والمشاورة من الأمر القديم وخاصة في الحرب فهذه بلقيس امرأة جاهلية كانت تعبد الشمس قالت[24]  ( يأيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون)[25].


وقال السعدي :
أي لا يستبد أحد منهم برأيه في أمر من الأمور المشتركة بينهم وهذا لا يكون إلا فرعا عن إجتماعهم وتوالفهم وتواددهم وتحاببهم فمن كمال عقولهم أنهم إذا أرادوا أمرا من الأمور التي تحتاج إلى إعمال الفكر والرأي فيها اجتمعوا لها وتشاوروا وبحثوا فيها حتى إذا تبينت لهم المصلحة انتهزوها وبادروها وذلك كالرأي في الغزو والجهاد وتولية الموظفين لإمارة أو قضاء أو غيرهما وكالبحث في المسائل الدينية عموما فإنها من الأمور المشتركة والبحث فيها لبيان الصواب مما يحبه الله وهو داخل في هذه الآية[26].

الدليل الثالث:
قال أبو هريرة رضي الله عنه ما رأيت أحدا أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله  صلى الله عليه وسلم[27]. 

الدليل الرابع:

قال البخاري :
وكانت الأئمة[28] بعد النبي  صلى الله عليه وسلم  يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها فإذا وضح الكتاب أو السنة لم يتعدوه إلى غيره اقتداء بالنبي  صلى الله عليه وسلم[29]. 
قال ابن عطية والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب هذا ما لا خلاف فيه وقد مدح الله المؤمنين بقوله (وأمرهم شورى بينهم)[30].

 فيتضح من الآيات السابقة وسيرة الرسول وعمل الخلفاء الراشدين وجوب الشورى وخاصة في الأمور المهمة والعامة.
 

وقت المشورة:

وقت المشاورة قبل اتخاذ القرار والإقدام على العمل وتبين الأمور.
قال البخاري :
وأن المشاورة قبل العزم والتبين لقوله تعالى ( فإذا عزمت فتوكل على الله)[31].


شروط المستشار:

1-         أن يكون من أهل التقوى وممن يخشى الله تعالى.

2-         أن يكون متصفا بالأمانة.

3-         أن يكون متصفا برجاحة العقل.

4-         أن يكون له تجربة في الحياة وخبرة بالأمور ، وخاصة الأمر المستشار فيه. وقد قيل : شاور من جرب الأمور فإنه يعطيك من رأيه ما وقع عليه غاليا وأنت تأخذه مجانا.

5-         أن يكون المستشار ناصحا.

6-         أن يكون من تستشيره ثابت الجأش.

7-         أن يكون من تستشيره غير معجب بنفسه.

8-         أن يكون من تستشيره غير متلون في رأيه ولا كاذب في مقاله فمن كذب لسانه كذب رأيه.

9-         أن يكون من تستشيره فارغ البال وقت الاستشارة[32].


فوائد المشاورة:

(وشاورهم في الأمر ) أي الأمور التي تحتاج إلى استشارة ونظر وفكر فإن في الاستشارة من الفوائد والمصالح الدينية والدنيوية ما لا يمكن حصره منها:
1-       أن المشاورة من العبادات المتقرب بها إلى الله.
2-        ومنها أن فيها تسميحا لخواطر مساعديه وإزالة لما يصير في القلوب عند الحوادث فإن من له الأمر على الناس - إذا جمع أهل الرأي والفضل وشاورهم في حادثة من الحوادث - اطمأنت إليه نفوسهم وأحبوه وعلموا أنه ليس يستبد عليهم وإنما ينظر إلى المصلحة الكلية العامة للجميع فبذلوا جهدهم ومقدورهم في طاعته لعلمهم بسعيه في مصالح العموم بخلاف من ليس كذلك فإنهم لا يكادون يحبونه محبة صادقة ولا يطيعونه وإن أطاعوه فطاعة غير تامة.
3-        ومنها أن في الاستشارة تنور الأفكار بسبب إعمالها فيما وضعت له فصار في ذلك زيادة للعقول.
4-        ومنها ما تنتجه الاستشارة من الرأي المصيب فإن المشاور لا يكاد يخطى ء في فعله وإن أخطأ أو لم يتم له مطلوب فليس بملوم فإذا كان الله يقول لرسوله  صلى الله عليه وسلم  - وهو أكمل الناس عقلا وأغزرهم علما وأفضلهم رأيا – (وشاورهم في الأمر) فكيف بغيره[33].


هل الرأي في الشورى ملزم أو غير ملزم؟

الرأي في الشورى ينقسم إلى قسمين :
1-             رأي فردي في قضية خاصة فهذا غير ملزم.
  مثاله: إذا استشارك زميلك أو أنت شرت عليه في زواج أو شراء سيارة أو نقل إلى وحدة أخرى.
2-             رأي جماعي في قضية عامة فهذا ملزم ويجب العمل به.

الفصل الرابع
 القوة

القوة المطلوبة هي القوة في كل ما ينفع وأما القوة في غير النافع فهي بطش أو تكبر أو تجبر أو سمها ما شئت ، فهذه قوة مذمومة وصفة الطغاة، وحال من نسي أو جهل أن الله هو القوي العزيز، وبالمرصاد لن طغى.
والقوة الضارة كل يستطيع أن يتصف بها أما القوة النافعة المحكومة بالحق والحكمة فهي صعبة المنال إلا على النخبة من الرجال.

الأدلة على صفة القوة

الدليل الأول:

قال الله تعالى: ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شئ في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون)[34].

الدليل الثاني:

قال الله تعالى في قصة موسى بعدما سقا للامرأتين من أهل مدين: ( يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين)[35].

 الدليل الثالث:

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم:  (المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان)[36].

جوانب القوة المطلوب توفرها في المسلم والقائد خاصة.

1-            قوة الدين.

لابد للمسلم أن يقوي إيمانه بالله ويقوي علاقته وصلته بربه والقائد يتعرض يوميا للمشاق والأمور المهمة ومشاكل الناس وقوة الدين أعظم معين له على أداء عمله على أكمل وجه.
قال الله تعالى: ( يا يحيى خذ الكتاب بقوة)[37].
وقال الله تعالى (خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا)[38]. أي: استجيبوا.

2-            قوة العلم.

     ويشمل ذلك علم الدين وعلم التخصص وبقية العلوم النافعة.

3-            قوة الرأي والفكر.

 ويمكن للإنسان أن يطور تفكير وينشط عقله بالاستمرار في التعلم ومخالطة من يتميز بذلك والتعلم منه.

4-            قوة التحمل والصبر.

فلا بد من تحمل التعب والجوع والعطش وتغيرات الطقس ومشقة التدريب وتعويد النفس على ذلك والصبر عليه.

5-            قوة الجسم.
ويكون ذلك بالتدريب والرياضة والرماية والمحافظة على صحته مما يضر.

نتبيه هام

القوة يجب مزجها بالتواضع والحلم والحكمة والعفو وإحاطتها بسياج التقوى حتى لا تطغي وتضر ولا تنفع.

 قال الله تعالى: (استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم )[40].

والاعتماد على القوة المادية والاغترار بذلك دمر من كان قبلنا وأهلكهم.

 قال الله تعالى: ( فأما عاد فاستكبروا في إلا رض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون)[41].

فالقوة إذا أعانت على طاعة الله والعدل والخير فهي نعمة وإن لم تكن كذلك فهي نقمة.

فيجب أن نشكر الله على كل قوة أعطانا ونسأله المزيد من فضله، وبالشكر تدوم النعم، وبالكفر تزول النعم، وكفر النعمة استخدامها في معصية الله.

قال الله تعالى: (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)[42].








الفصل الخامس

العدل
 العدل هو صفة الله، والعدل ضده الجور والظلم.
والعدل وضع كل شيء في مكانه المناسب له من غير زيادة ولا نقص وإيصال كل حق لمستحقه وإعطاء كل قضية حجمها اللائق بها.

الأدلة على صفة العدل

الدليل الأول:

قال الله تعالى:(الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)[43].

الدليل الثاني:

قال الله تعالى:( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)[44].

فالمسلم عبد لله يجب عليه أن يطيعه فيما أمره به وقد أمره بالعدل ونهاه عن الجور والظلم.

الدليل الثالث:

قال الله تعالى: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب).

فإذا حذر الله رسوله داود من إتباع الهوى فغيره من باب أولى والخطر منه أقرب.


الدليل الرابع:

وعن أبي هريرة عن النبي  صلى الله عليه وسلم قال: ( سبعة يظلهم الله يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله . – ثم ذكر منهم - إمام عادل)[45].

 وهذا الفضل يشمل كل من تولى منصبا كبيرا أو صغيرا.

الدليل الرابع:

عن أبي سعيد قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: ( إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأدناهم منه مجلسا إمام عادل وأبغض الناس إلى الله وأبعدهم منه مجلسا إمام جائر)[46].
وهذا يشمل الرئيس والقاضي والوزير والقائد والمدير، وكل من تولى أمر من أمور المسلمين.
الدليل الخامس:
قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم:  (إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا)[47].
(إن المقسطين) : يعني أهل العدل.

فالعدل صفة الله ويحب هذه الصفة ومن اتصف بها وهو سبحانه مع كل مسؤل عادل يعينه ويوفقه، فعن عبد الله بن أبي أوفى قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: ( إن الله مع القاضي ما لم يجر فإذا جار تخلى عنه ولزمه الشيطان)[48].




الخاتمة ويذكر فيها أهم النتائج والتوصيات.

الحمد لله أولا وأخرا ، وبعد كتابة هذه الورقات نحاول نلخص أهم ما توصلنا إليه من نتائج.
1-             أهمية أن يتصف من له أدنى مسئولية وعلاقة بالناس بهذه الصفات.
2-             الأثر الطيب الذي ينتج عن التطبيق العملي لهذه الصفات.
3-             الفضل العظيم لمن يتعلم العلم وقد شرفه الله ورفع مكانته.
4-             أن صفة العلم لا قيمة لها إلا بالعمل والتطبيق الفعلي لما يعلم، والعلم بدون عمل لشجرة بدون ثمر، والذي يعلم ولا يعمل له نصيب من المغضوب عليهم بقدر تقصيره في ذلك.
5-             قد تبين لنا المنزلة العالية للأمانة عند الله وأن الله وصف بها أحب الملائكة إليه وهو جبريل وأحب البشر إليه وهو رسولنا محمد بن عبدالله.
6-             خطر التفريط في الأمانة وأن ذلك من صفات المنافق.
7-             الشورى عمل يثمر تصحيح الأخطاء وإصلاح الدين والدنيا ، والأخذ بالأحسن والتقدم للأفضل ولا يتم التطوير إلا به . وبالشورى يوضع كل رجل في مكانه المناسب ويفتح باب الإبداع وهو طريق الجد ومسلك الاجتهاد.
8-             لا قوة إلا مع الإيمان والتقوى ودعائمها التي تقوم عليها هي التواضع والحلم والحكمة والإحسان.



هذا ما تيسر جمعه والله أعلم وأعلى وأجل وأحكم.
فما كان فيه من صواب فمن الله وما كان من خطأ فمني.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين.





[1] - سورة آل عمران : 18.
[2] - تفسير القرطبي ج4/ص41.
[3] - سورة يوسف : 54.
[4] - تفسير القرطبي ج16/ص242.
[5] - سنن الترمذي ج4/ص561.
[6] - تحفة الأحوذي ج6/ص504.
[7] - سورة الأنفال : 27.
[8] - صحيح البخاري ج6/ص2614.
[9] - المرجع السابق.
[10] - سور ة القصص : 26 .
[11] - سورة النساء : 58.
[12] - سورة يوسف : 54.
[13] - صحيح البخاري ج1/ص33.
[14] - سورة الأحزاب : 72.
[15] - سورة آل عمران: 159.
[16] - الشورى :38.
[17] - فيض القدير ج1/ص489.
[18] - تفسير القرطبي ج4/ص251.
[19] - سنن البيهقي الكبرى ج10/ص109.
[20] - فيض القدير ج6/ص268.
[21] - سورة آل عمران: 159.
[22] - سورة الشورى :38.
[23] - تفسير ابن كثير ج4/ص119.
[24]- تفسير القرطبي ج13/ص194.
[25] -  سورة النمل : 32.
[26] - تفسير السعدي ج1/ص760.
[27] - سنن البيهقي الكبرى ج7/ص45.
[28] -  يعني : الأمراء. وهذه يشمل القادة العسكريين من المسلمين.
[29] - صحيح البخاري ج6/ص2682.
[30] - تفسير القرطبي ج4/ص249
[31] - صحيح البخاري ج6/ص2682.
[32] - فيض القدير ج1/ص275.
[33] - تفسير السعدي ج1/ص154
[34] - سورة الأنفال : 60.
[35] - سور ة القصص : 26 .
[36] - صحيح مسلم: (2664).
[37] - سورة مريم : 12.
[38] - سورة البقرة: 93.
[39] - سورة الأعراف : 154.
[40] - سورة  هود : 52.
[41] - سورة  فصلت :15.
[42] - سورة إبراهيم :7.
[43] - سورة النساء : 58.
[44] - سورة النحل : 90.
[45] - صحيح البخاري ج6/ص2496.
[46] - سنن الترمذي: (1329). 
[47] - صحيح مسلم ج3/ص1458.
[48] - مصنف ابن أبي شيبة ج6/ص421.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق