الحمد لله الذي
فتح لعباده أبواب الخير، ودلّهم على طرق البر، ويسّر لهم سبل النجاة، نحمده سبحانه
وتعالى على فضله العميم، ونشكره على عطائه الكثير،.
وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر بالخير ورغب فيه، ونهى عن الشر وحرّمه، وأشهد
أن محمداً عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه، ما ترك باب خيرٍ إلا دلّ أمته
عليه، ولا طريق شرٍ إلا حذّرهم منه.
أما بعد:
فيا أيها
الناس، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عزّ وجل، فإنها وصية الله للأولين والآخرين، قال
تعالى:
{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا
اللَّهَ}
عباد الله،
إن أبواب الخير
كثيرة، وفرص الطاعات واسعة، لكن العجيب – بل المحزن – أن كثيرًا من الناس يمرون
بها ولا يدخلون، ويدعون إليها فلا يستجيبون، وكأن بين قلوبهم وبين الخير حواجز
وسدود.
فما الذي يمنع
الناس من طاعة الله؟
وما الذي يثقل
عليهم العبادة؟
وما الذي
يصرفهم عن البر والإحسان؟
حديثنا اليوم
عن موانع الخير، تلك العوائق التي إذا سكنت القلوب، حرمتها نور الطاعة، وأبعدتها
عن سُبل الرشاد...
وكثير من الناس يعرفون الخير ويحبونه لأنفسهم ويعلمون أنه لا ينفعهم
في الاخرة إلا ما عملوه من خير في حياتهم وتمر عليهم مواسم تضاعف فيها الحسنات
ويفعلون بعض الطاعات ولكن لا يتقبل منها أو تقل أجورهم وتضعف حسناتهم فما السبب؟
السبب هو موانع الخير
ومن موانع الخير التي تمنع الإنسان من نيل
الخير في الدنيا والآخرة
الغرور:
قَالَ الله: {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ
الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} ومن الغرور أن
الإنسان يخدع نفسه ويمنيها الأماني ويزين له الشيطان تقصيره وتهاونه في الطاعة
فيغتر بذلك قَالَ الله تبارك وتعالى (وَما يَعِدُهُمُ
الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) ومن الغرور إن الإنسان يعمل المعصية ويرجو
المغفرة من غير توبة وعمل صالح .
الذنوب والمعاصي
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«إن العبد ليُحرمُ الرزقَ بالذنب يصيبه»
فإذا كانت الذنوب تحرم الرزق فهي تحرم ما هو اهم وانفع من الرزق وهو
العمل الصالح
ومن
موانع الخير البخل ، فمن بخل
بما اتاه الله عوقب بالحرمان من الخير كما
قال تعالى:﴿وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ
* وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلْعُسْرَىٰ﴾
قَالَ الله {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ}
فالبخل يمنع صاحبه من الإنفاق في رضا الله، ويحول بينه وبين الأجر
والثواب والرحمة والبخل باب من أبواب الشر ومانع للخير
اتباع هوى النفس
قال الله عز
شأنه {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ
سَبِيلِ اللَّهِ}
وقال سبحانه {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ
السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ}
الكبر
الكبر
لا يخلو منه أحد إلا المعصوم ومن الناس من يغلب كبره ومنهم من يغلبه الكبر ويصده
عن النظر إلى عيوبه، ويحول وبينه وبين الانقياد للحق. فالكبر من الأمراض
الخفية في النفس ويمنع من الخير قال صلى الله عليه وسلم:
"لَا
يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ"..
الحسد
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
: «إِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ، فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ
كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ،»
فالحسد يحرق حسنات صاحبه ويمنعه من التوفيق للخير والإعانة على الطاعة
والحسد يؤدي للقبائح ويصرف عن الفضائل ويحسن الفواحش والجرائم
ولا يخلو جسد من حسد ولكن أكثر الناس لا يعلمون
ومن هذه الموانع:
الرفقة السيئة، وصديق السوء، ومن اخطر أصحاب
السوء البرامج والأجهزة التي يخلو بها الإنسان وتضيع وقته وتفتن قلبه وتشتت عقله،
وقد ذكر الله تعالى خطورة أثر الصاحب في صاحبه فقال: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ
يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَاوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ
أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ
الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾
ومن موانع الخير نسيان الله كما حذر الله من ذلك يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ
لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (18) وَلا
تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ
الْفاسِقُونَ
إخوة الإيمان
لا يظن الإنسان إنه إذا بلغ الأزمنة الفاضلة إنه قد ادرك الخير أو إنه
إذا فعل الخير قبل منه فقد قص الله علينا خبر ابني آدم وأنهما قربا قربانا لله
وقاما بطاعة لم تقبل من أحدهما وردت إليه عبادته لأن عنده مانع للخير والقبول وهو
ضعف الإخلاص لله والتقوى فقد قدم هابيل أفضل ما يجد من ماله فتَقَبَلَ اللهُ منه
وقدم قابيل أسوأ ما عنده من ماله فلم يُقْبَلْ منه قَالَ
الله {إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ
مِنَ الْمُتَّقِينَ}
فهل أنت تتقرب إلى الله بما يحب الله كما فعل هابيل أو بما تحب نفسك
كما فعل قابيل؟ إذا صليت لله مثلا ، فهل تصلي صلاة ترضي الله!! أو تصلي صلاة ترضي
نفسك وتوافق هواك وتؤديها كما تحب أنت لا كما يحب الله !!
ألم نسمع ونقرأ أن بعض المصلين لهم الويل والعذاب {فَوَيْلٌ
لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ}
فهل اتقينا الله أن لا نكون منهم ؟ هل نصلي حبا لله واخلاصا له ورغبة
ورجاء في فضله ورحمته وخوفا من عذابه وخشية لعظمته!!
هل نحن من الصادقين المخلصين الذين يسارعون
ويسابقون إلى صلاة الجمعة والجماعة وينافسون في التقدم والتبكير أما نحن من الذين يتأخرون
بسبب ما عندهم من الكسل
وتعودوا على التأخر الذي منعهم من كثير من الخير قَالَ رَسُولُ
اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ عَنِ الصَّفِّ
الْأَوَّلِ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ فِي النَّارِ.»
الخطبة الثانية
كثير من
المسلمين قد تفوتهم فرصة الاستفادة من أوقاتهم أو من فضل عشر ذي الحجة، وهي من
أعظم أيام السنة، بسبب وجود موانع تمنعهم من الخير، مثل:
الكسل والتسويف
في الطاعات.
والانشغال
بالدنيا عن العبادة.
وضعف الهمة في
الطاعة.
والذنوب
والمعاصي التي تثقل القلب وتبعد عن الطاعة
والانشغال
بالملهيات .
والنتيجة: أنهم
يخسرون أعمارهم وأوقاتهم ويخسرون موسمًا
عظيمًا للثواب، كان يمكن أن يرفع درجاتهم، ويكفّر ذنوبهم، ويقربهم من الله .
العبرة
من ذلك والفائدة.
هي رسالة لنا جميعا أن نغتنم
هذه الأيام ما استطعنا، ونشغل أنفسنا فيها بما ينفعنا من أعمال صالحة قبل أن يحال
بيننا وبين العمل الصالح. ومن خير العمل الصالح محاسبة النفس بصدق والتوبة النصوح …
فمن حُرم خير هذه
الأيام ، فهو المحروم حقًا
قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ
فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ" يَعْنِي الْعَشْرَ،
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ:
"وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ
وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ"
اللهم صل وسلم
على عبدك ورسولك محمد
اللَّهُمَّ
إِنِّا نسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَسْأَلَةِ، وَخَيْرَ الدُّعَاءِ،
وَخَيْرَ النَّجَاحِ،
وَخَيْرَ الْعَمَلِ، وَخَيْرَ الثَّوَابِ، وَخَيْرَ الْحَيَاةِ، وَخَيْرَ
الْمَمَاتِ،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق