الحمد
لله الذي هدانا للإيمان، وشرع لنا من الدين ما تزكو به النفوس، وتصلح به القلوب،
وتستقيم به الحياة، الحمد لله على نعمة الإسلام، وكفى بها نعمة، وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله
وصحبه أجمعين.
أما
بعد، أيها المسلمون،
ها
نحن في يوم عظيم، يوم عيدٍ وذكرى خالدة، تخلّد أعظم مشهد من مشاهد الطاعة، وتجسد
أرقى صور الامتثال، إنه مشهد الذبح العظيم، قصة إبراهيم مع ابنه إسماعيل عليهما
السلام.
لقد رأى الخليل إبراهيم
عليه
السلام في منامه – ورؤيا الأنبياء وحي – أنه يذبح ابنه إسماعيل، فلما استيقن أن
هذا أمر من الله، لم يتردد، ولم يتراجع، بل أسرّ إلى إسماعيل الأمر بكل حكمة ولين:
{يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي
الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ}
فأجابه
إسماعيل، الابن البار، النموذج الفريد في الطاعة والإيمان:
{يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ
سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}
فلما
أسلما وانقادا لأمر الله، واستلقى إسماعيل للذبح، ورفع إبراهيم السكين ليذبح، جاء
لطف الله ورحمته:
{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}
فيا
لها من لحظة! لحظة خضوعٍ مطلق لله،
تجلت فيها العبودية بأسمى معانيها، لحظة إيمان عظيم، وتسليم
كامل، وثقة تامة في رحمة الله وعدله.
عباد
الله،
في
قصة إبراهيم مع إسماعيل دروسٌ عظيمة، وعِبرٌ خالدة، وتربيةٌ إيمانية فريدة، وقدوةٌ
عملية نادرة:
✅ من الدروس
والعبر:
1. الامتثال
التام لأمر الله دون اعتراض أو تأخير، حتى في أصعب المواقف.
2. التربية على الطاعة والإيمان،
فهكذا ربى إبراهيم ابنه، وهكذا استجاب إسماعيل.
3. الثقة في الله، أن ما أمر به
الله لا بد أن يكون فيه الخير، ولو خفي على العبد وجه الحكمة.
4. الابتلاء سنة المؤمنين، فكلما زاد
الإيمان، زاد الاختبار، قال تعالى:
{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ
الْمُبِينُ}
5. الفداء والتيسير بعد التضحية، فإن مع العسر يسرا، وبعد الشدة يأتي
الفرج، وفديناه بذبح عظيم.
✅ ومن التربية
الإيمانية:
أن
نربي أبناءنا على الطاعة لا التمرد، وعلى الإيمان لا التبرم، وعلى الرضا لا
الاعتراض.
أن
نغرس فيهم حب الله أكثر من حب النفس.
أن
نكون نحن أول المربين بالفعل قبل القول.
✅ ومن القدوة
العملية:
أن
يكون الأب قدوةً في طاعته لله.
وأن
يكون الابن متأدبًا مطيعًا لوالده، كما كان إسماعيل.
ولنعلم
أن الإسلام دين التضحية والصبر والتسليم لله، لا دين الترف واتباع الهوى.
أيها
المسلمون،
في
هذا العيد، ونحن نُحيي سنة أبينا إبراهيم، ونسوق الأضاحي تقربًا إلى الله، فلنتذكر
أن الله لا ينظر إلى لحومها ولا دمائها، ولكن ينظر إلى قلوبنا وتقوانا.
قال
تعالى:
{لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن
يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ}
الخطبة
الثانية:
الحمد
لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا
رسول الله.
فالكثير
يغفل عن دور المرأة في قصة ذبح إسماعيل، رغم أن فيها إشارات عظيمة لدور الأم
المسلمة في غرس الإيمان، وتربية الأبطال، وتثبيت البيوت على الطاعة. وإليكم بعض ما
يتعلق بالنساء من هذه القصة العظيمة:
دور (هاجر عليها السلام) في قصة الذبح
1. هاجر… الأم المؤمنة المحتسبة
حين
أمر الله إبراهيم أن يترك زوجته هاجر وابنها إسماعيل في وادٍ غير ذي زرع (وهو مكة )، لم تعترض، ولم تحتج، بل قالت بكل يقين:
"آلله أمرك بهذا؟"
قال:
نعم.
فقالت:
"إذًا لا يُضيعنا."
هذا
الموقف يلخص عظمة المرأة المؤمنة، التي تعلم أن أمر الله لا يأتي إلا بخير، ولو
بدا في ظاهره شدة. هذه المرأة بثباتها كانت أول من رسّخ في قلب إسماعيل أن أمر
الله مُقدّم، وأن الثقة به لا حدود لها.
2. البيئة الإيمانية تبدأ من الأم
هاجر
لم تكن فقط صابرة، بل كانت مربية عظيمة، مؤمنة بربها، تشبعت منها نفسُ إسماعيل بالإيمان
والطاعة، فكان استعداده للذبح نتيجة تربية إيمانية مبكرة من الأم الصالحة.
ما
كان إسماعيل ليقول:
{يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ...}
إلا
لأنه نشأ في بيت أسسه أب على الإيمان، وأم على الثبات والتسليم.
3. المرأة شريكة في تنشئة جيل الهدى والتقى
قصة
الذبح ليست فقط انجاز أب وابن فقط، بل هي نجاح بيتٍ
مؤمنٍ متكامل، نوره الزوجة المصلحة التي لا تعارض أمر الله، ولا تشغل زوجها
عن طاعته، بل تثبته، وتبني خلفه أجيالًا مطيعة مستقيمة.
ومن
الدروس التربوية والإيمانية للمرأة من قصة الذبح
1. ✅ المرأة المسلمة تصنع القادة بثباتها على الإيمان، لا بكثرة الكلام، بل بالقدوة والصبر.
2. ✅ لا تعارض بين طاعة الزوج وطاعة الله إذا كان الزوج يسير في طاعة الله، بل المرأة الصالحة تعينه وتثبته.
3. ✅ الثقة في قضاء الله سمة المرأة المؤمنة، كما كانت هاجر، لا تجزع، بل تقول: "لا يضيعنا الله."
4. ✅ غرس اليقين في الأبناء يبدأ من حضن الأم، فالإيمان الذي سكن قلب إسماعيل زرعته أمه قبل أن ينطقه لسانه.
5. ✅ الصبر على الابتلاء رسالة خالدة للنساء، أن التمكين يأتي بعد التضحية، وأن الله يكرم الصابرات كما كرم هاجر، فنبع زمزم وقيام منسك من مناسك الحج تخليدٌ لصبرها.
وختاما:
قصة
الذبح ليست حكاية رجال فقط، بل هي قصة بيت مسلم كامل، فيه أب مطيع، وأم مصلحة،
وابن بار. وكل امرأة مسلمة اليوم تستطيع أن تكون على خُطَى هاجر، تبني بيتًا يسير
على درب الطاعة ويؤسس على تقوى من الله ورضوان، ويُخرِج للعالم أبناءً قدوتهم
إسماعيل.
الله
أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
اللهم
اجعلنا من المتقين، ومن عبادك المخلصين، واجعلنا من الشاكرين الصابرين، وألحقنا بالصالحين.
اللهم
اشف مرضانا
وكل
عام وأنتم بخير، وتقبل الله منا ومنكم، وغفر لنا ولكم، والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق