الخميس، 26 نوفمبر 2020

حملة الوحي " خطبة جمعة "

 

 {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}

وأشهد بما شَهِدَ الله تَعَالَى به -وَكَفَى بِهِ شَهِيدًا، وَهُوَ أَصْدَقُ الشَّاهِدِينَ وَأَعْدَلُهُمْ، وَأَصْدَقُ الْقَائِلِينَ- ﴿أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ﴾ فهو المتفَرد بِالْإِلَهِيَّةِ لِجَمِيعِ الْخَلَائِقِ، وَأَنَّ الْجَمِيعَ عَبِيدُهُ وَخَلْقُهُ، وَالْفُقَرَاءُ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْغَنِيُّ عَمَّا سِوَاهُ وهو ﴿الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ الْعَزِيزُ: الَّذِي لَا يُرَامُ جَنَابُهُ عَظَمَةً وَكِبْرِيَاءً، الْحَكِيمُ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَشَرْعِهِ وَقَدَرِهِ.

والصَّلاة والسَّلام على رسول الهدى الذي أمره الله بالعلم قبل العمل في قوله -جلّ ثناؤه-: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}، وعلى آله وأصحابه ومَنْ بأثره اقتفى والتزم. وبعد

حملة الوحي وما أدراك ما حملة الوحي ! الوحي هو علم صادر من الله إلى رسله للعلم به والعمل وتبليغه للناس.

فالوحي من الله هو الذي أوحاه ، وحملته من أهل السماء هم الملائكة وعلى رأسهم جبريل ، ومن أهل الأرض رسولنا محمد الذي عمل به وعلمه وبلغه ،وحملة الوحي الذي حملوه عن رسولنا هم الصحابة والتابعون لهم بإحسان من أهل العلم العاملون بعلمهم.. فهيا بنا لنرى منزلة حملة الوحي عند الله!

قد قَرَنَ الله شَهَادَةَ مَلَائِكَتِهِ وَأُولِي الْعِلْمِ بِشَهَادَتِهِ فَقَالَ: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ وَهَذِهِ خُصُوصِيَّةٌ عَظِيمَةٌ لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْمَقَامِ مقام حمل الوحي وتبليغ الرسالة والذود عن ميراث الأنبياء      

 وفي هذه الآية دليل على شرف أهل العلم حملة الوحي من وجوه كثيرة:  ومنها:

أحدها : استشهاد الله بهم دون غَيرهم من البشر.. واقتران شَهادَتهم بِشَهادَتِهِ وبِشَهادَة مَلائكَته

والثاني: إن استشهاد الله بهم فيه تزكيتهم وتعديلهم فإن الله لا يستشهد من خلقه إلا العُدُول ومِنه الأثر المَعْرُوف  " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم: «يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلين» . فهم أمناء على ما استرعاهم الله عليه من الوحي والعمل به وتبليغه إلى الناس.

 الثالث: أنه سُبْحانَهُ اسْتشْهد بِنَفسِهِ وهو أجل شاهد ثمَّ بِخِيار خلقه وهم مَلائكَته والعُلَماء من عباده والعظيم القدر إنما يستشهد على الأمر العَظِيم أكابر الخلق وساداتهم ويكفيهم بِهَذا فضلا وشرفا.

الرّابِع : أنه سُبْحانَهُ جعلهم شهداء وحجة على الناس، وألزم الناس العمل بالأمر المشهود به   فهم بِمَنزِلَة آدلته وآياته وبراهينه الدّالَّة على دينه وتوحيده.

الخامِس: جاء في تَفْضِيل العلم وأهله من حملة الوحي أنه سُبْحانَهُ نفي التَّسْوِيَة بَين أهله وبَين غَيرهم كَما نفى التَّسْوِيَة بَين أصحاب الجنَّة وأصحاب النّار فَقالَ تَعالى ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ كَما قالَ تَعالى ﴿ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ﴾ وهَذا يدل على غايَة فَضلهمْ وشرفهم.

السادس: أنه سُبْحانَهُ جعل حملة الوحي هم حملة النور في الناس وجعل أهل الجَهْل بِمَنزِلَة العميان الَّذين لا يبصرون فَقالَ (أفَمَن يَعْلَمُ أنَّما أُنْزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ الحَقُّ كَمَن هو أعْمى} فَما ثمَّ إلا عالم أوْ أعمى، وقد وصف سُبْحانَهُ أهل الجَهْل بِأنَّهُم صم بكم عمي في غير مَوضِع من كِتابه.

السابع: أنه سُبْحانَهُ أمر بسؤال حملة الوحي والرُّجُوع إلى أقْوالهم وجعل ذَلِك كالشَّهادَةِ مِنهُم فَقالَ ﴿وَما أرْسَلْنا قَبْلَكَ إلّا رِجالًا نُوحِي إلَيْهِمْ فاسْألُوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ وأهل الذّكر هم أهل العلم بِما أنْزلْ على الأنبياء.

ثامنا: أنه سُبْحانَهُ أخبر عَن رفْعَة دَرَجات أهل العلم حملة الوحي وأهل الإيمان   فَقالَ تَعالى ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكم والَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجاتٍ ﴾ .

 الوَجْه التّاسِع : أنه سُبْحانَهُ أخبر أن حملة الوحي هم أهل العلم وأهل خَشيته بل خصهم من بَين النّاس بذلك فَقالَ تَعالى ﴿إنَّما يخْشى اللهَ من عباده العلماء ﴾ وهَذا حصر لخشيته في أولي العلم ، وقالَ تَعالى ﴿جَزاؤُهم عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ خالِدِينَ فِيها أبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم ورَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَن خَشِيَ رَبَّهُ (٨)﴾  وَقد أخبر أن أهل خَشيته هم العلماء فَدلَّ على أن هَذا الجَزاء المَذْكُور للْعُلَماء بِمَجْمُوع النصين.وَقالَ ابْن مَسْعُود رضى الله عَنهُ كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار بِالله جهلا.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه. والشكر له على توفيقه وامتنانه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه. اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم تسليمًا كثيرًا.

إن حملة الوحي هم أهل العلم العاملون بكتاب الله وسنة رسوله حفظا وفهما وعملا ودعوة وبلاغا .

وإن من خاصة حملة الوحي أهل الحديث الذي قضوا حياتهم في حفظ سنة الرسول وافنوا أعمارهم في الانشغال بحديثه دراية ورواية وجمعوا سنته في الكتب ودافعوا عنها وحفظوها من إفك الكاذبين وإن من أئمة حملة الوحي الإمام البخاري الذي جمعا بعضا من سنة الرسول في كتابه فمن طعن في كتاب البخاري فهو طاعن في الرسول وهذا يتضمن الطعن في الوحي بأكمله .

عباد الله : إن نشأة ضلالة انتقاص حملة الوحي سنة الكفار الغابرين واليهود رؤوس في هذه الضلالة فقد عادوا جبريل عليه السلام أمين الله على وحيه كما أخبرنا الله بقوله {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)

عباد الله : إن حملة الوحي لهم مكانة عظيمة عند الله فقد جعل الله من أركان الإيمان العظيمة الإيمان بالملائكة الذين منهم حملة الوحي والإيمان بالكتب التي هي الوحي المنقول إلى الرسل و الإيمان بالرسل الذين أوحى الله إليهم تبليغ الناس واخراجهم من الظلمات إلى نور الوحي قال الله تعالى: {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ}

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق