الخميس، 18 أبريل 2019

الشهود على الإنسان يوم القيامة



عباد الله الحمد لله نحمده ونستعينه 
أما بعد:
فاتقوا الله معاشر المؤمنين ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾  .
ما رأيكم في حال شخص أجلسه خصمه أمام القاضي، فأنكر الدعوى، لكنّ خصمَه أثبت الدعوى عليه بشهودٍ عدول، ودلائل بيّنات واضحات؟ لاشك أنه موقف صعب، لا يُحسد عليه.
أحبتي في الله
إذا كان الأمر كذلك، فلنفكر في أمرٍ أعظمَ من ذلك  ، إنه يومُ العرض على الله عز وجل، ذلك اليوم الذي يُظهر الله فيه كل شيء، وسيكون الشهود في ذلك اليوم، من أصدق الخلق، وأعدلهم فمنهم الشهود يوم القيامة.
أيها الاخوة:
إن شهودَ الدنيا قد يكذِبون، وقد يُبالغون في الحقيقة، وقد يمتنعون عن الإدلاء بالشهادة خوفاً من مُهدِّدٍ، أو طمعاً في مُرَغِّب، وقد تكون شهادتُهم غامضةٌ تحتاج إلى توضيح وتفصيل، وقد يحضرون للشهادة وقد يمتنعون عن الحضور لشغل أو عائقٍ، لكن شهودَ يومِ القيامة يختلفون تماماً عن شهود الدنيا، لا تنفع معهم الرشاوي، ولا يعرفون المجاملات، يُؤمرون من ربهم وخالقهم فينطقون، لا يزيدون ولا ينقصُون، لا يكذبون ولا يمتنعون، شهادتهم واضحة، وعباراتهم مفهومة.

فلنحاسب أنفسنا، ما دمنا في دار المهلة، ومادام في العمر فسحة، وفي الوقت متسع، ومادام باب التوبة مفتوحا .   
عباد الله: من الشهود الذين سيقفون معنا أمام الملك الجبار يوم القيامة؟

أما الشاهد الأول: فهو الأرضُ التي نعيش عليها، يقول الله تعالى: ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا  
 قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ، فقَالَ: ((أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا ؟)) قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (( فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا، أَنْ تَقُولَ عَمِلَ كَذَا وَكَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا )) قَالَ: ((فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا)).

فياله من موقف صعب محرج  ، فهل فكرنا يوم أن اقترفنا المعصية، أن تلك الأرض التي نطؤها بأقدامنا سوف ينطقها الله يوم القيامة، لتكون شاهدةً لنا أو علينا؟ فمن العقل: أن لا نفعل على هذه الأرض إلا ما يرضي الله؛ كي تكون شاهدة لنا بدل أن تكون شاهدةً علينا، ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾  
فإن  ما يعمله الإنسان من خير وشر يكتب له وعليه ولو كان مثقال ذرة   والأرض تشهد لمن مشى عليها إلى الخير أو إلى الشر،(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ )..
أحبتي في الله:
ومن شهود يوم القيامة رسولنا - صلى الله عليه وسلم -، في ذلك الموقف العظيم سوف يشهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - على المكذبين والعصاة من أمته، يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا ﴾ [النساء: 41، 42]، في ذلك الموقف العظيم يتمنى المرابون، والظالمون، والمتكبرون، والذين يسعون لإشاعة الفاحشة بين المؤمنين، وغيرهم من أصحاب المعاصي الأخرى الذين عصوا الرسول ، يتمنون أن تبتلعهم الأرض، ويهال عليهم التراب، وتسوى بهم الأرض، ولا يقفون ذلك الموقف المهين أمام الله عز وجل، ورسول - صلى الله عليه وسلم - يشهد عليهم  بمعاصيهم .

الشاهد الثالث من شهود يوم القيامة: الأشهاد، وهم الملائكة والرسل والعلماء ، يقول الله جل وعلا: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [هود: 18] والأشهاد هم: من الملائكةِ  ، والرسلِ الذين كانوا يُكذَّبون بما جاءوا به من الحق، والعلماء والدعاة إلى الله الذين كانوا يُكذبون، ويستهزئ بهم، هم الأشهاد الذين يشهدون يوم القيامة على الكفرة، والمنافقين ودعاة المعاصي، والمجاهرين بالمعصية ..

أما الشاهد الرابع: فهما الملكان قال الله تعالى: ﴿ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ * وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ﴾  فالإنسان ياتي معه ملكٌ يسوقه إلى المحشِر، وملكٌ يشهد عليه بأعماله.
"وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ  " هذا كلام الملَكُ السائق يقول: هذا ابن آدم الذي وكلتني به، قد أحضرته".

فلنتق الله عباد الله في أنفسنا، فإننا قادمون على مواقف تستحق أن نفكر فيها كثيراً، وعلى شهادات ليس لنا منها مفر ولا مهرب، فلنحاسب أنفسنا قبل أن يأتي ذلك اليوم، وتُكشف الأوراق، وتتبينُ الأعمال، وينطقُ الأشهاد، ثم يعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه الكريم، وهدانا للاستمساك بهدي رسولنا الأمين، وجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه،

أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم ......
الخطبة الثانية
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، رضي عنهم، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد، عباد الله:
فاتقوا الله حق تقواه، ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ أيها المسلمون:
مع كثرة الشهود يوم القيامة، إلا أن من الناس صنفاً، قد  غفلوا وغرتهم الدنيا واطغتهم النعمة وأمنوا عذاب الله بسبب ستر الله عليهم  ويحسبون أن بإمكانهم تغطية معاصيهم وفسادهم عن الله، كما كانوا في الدنيا يغطونها عن الناس،  وإذا بهم يفاجؤون بختم أفواههم، واستنطاق جوارحهم، ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يس: 65]، هذا هو الشاهد الخامس من شهود يوم القيامة، فهؤلاء تشهد عليهم أسماعهم وأبصارهم وجلودهم وألسنتهم وأيديهم وأرجلهم، وهنا تكون المفاجأةُ لهم. يقول الله تبارك وتعالى:
 ﴿  حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ ﴾ .. فالنار في ذلك اليوم تُذيب القلوبَ التي لم تليِّنها آياتُ القرآن،. يُساقون إلى النار في ذلة ومهانة واحتقار؛ لأنهم استهانوا بأوامر الله عز وجل في الدنيا قال الله  (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
عباد الله:
إن تلك الجوارح التي تحت تصرفنا اليوم، سنفقد السيطرة عليها يوم القيامة، فإما أن تكون شاهدةً لنا بالخير، أو شاهدةً علينا بسيئ أعمالنا.
عبد الله:
كم من نظرة محرمة أطلقتها في شاشة؟ ستنطق عيناك بها، وكم من خطوة مشيتها لمعصية الله؟ ستنطق رجلاك بها، وكم من محرم سمعته بسمعك سينطق سمعك بالشهادة به والإدانة لك يوم القيامة ، وكم قبضت يداك مما لا يحل لك؟ وستنطق بها يداك.
وكم من الأموال دخلت بطونَ أناسٍ ظلماً وعدواناً وجوراً واحتيالاً؟ ستنطق أعضاؤهم بها
الْعُمْرُ يَنْقُصُ وَالذُّنُوبُ تَزِيدُ ... وَتُقَالُ عَثَرَاتُ الْفَتَى فَيَعُودُ
هَلْ يَسْتَطِيعُ جُحُودَ ذَنْبٍ وَاحِدٍ ... امرئٌ جَوَارِحُهُ عَلَيْهِ شُهُودُ
فليعلم العاصي المسكين أن جوارحه التي يعصي الله بها، ويذوق بها، ويطعم بها، ويلمس بها، ويرى بها، ويسمع بها، ويمشي بها، ويبطش بها أنها ستكون الشهود عليه، وضده يوم الدين .
يا من استترت من أعين الخلائق في الدنيا ألم تعلم بأن الله يرى؟ ألم تعلم بأن الملائكة الكرام الكاتبين يحصون عليك كل صغيرة وكبيرة؟ أين يهرب الواحد منا والأرض شاهدة عليه، والأنبياء شهود، والأيام والليالي شهود، والملائكة شهود، والجوارح والأعضاء والجلود شهود، وكفى بالله شهيداً
فإذا ما أذن الله بقيام الساعة واضطربت الأرض وانطمست النجوم وكورت الشمس وسيرت الجبال، واختل نظام الكون عندها يتتابع الشهود بعضهم وراء بعض ، ويظهر للعبد ما لم يكن يعهده من قبل وما لم يكن بحسبانه، وأعظم الشهداء يوم المعاد على العباد هو ربهم وخالقهم وفاطرهم سبحانه، الذي خلقهم، ولا تخفى عليه خافية، (وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) .(إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا) . وأي شهادة أعظم من شهادة الله على عبده وأمته،( قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق