الخميس، 1 مايو 2025

الاخرة خير وابقى

 

اَلْحَمْدُ للهِ ، اَلَّذِيْ : } أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ، يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ، لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى { . وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى { . وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيْلُهُ ، وَخِيْرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ ، صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً.

اِتَّقُوْا اَللهَ  ، وَاَعْلَمُوْا بِأَنَّ هَذِهِ اَلْدُّنْيَاْ فَاْنِيَةٌ زَاْئِلَةٌ، وَأَنَّ اَلْآخِرَةَ دَاْئِمَةٌ بَاْقِيَةٌ، يَقُوْلُ ـ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ ـ : } وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا، إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ، وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ ، لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ {، يُخْبِرُ تَعَاْلَىْ عَنْ حَاْلَةِ اَلْدُّنْيَاْ وَاَلْآخِرَةِ، وَفِيْ ضِمْنِ ذَلِكَ ، اَلْتَّزْهِيْدُ فِيْ اَلْدُّنْيَاْ وَاَلْتَّشْوُيْقُ لِلَأُخْرَىْ فَقَاْلَ : } وَمَاْ هَذِهِ اَلْحَيَاْةُ اَلْدُّنْيَاْ  فِيْ اَلْحَقِيْقَةِ، إِلَّاْ لَهْوٌ وَلَعِبٌ تَلْهُوْ بِهَاْ اَلْقُلُوْبُ ، وَتَلْعَبُ بِهَاْ اَلْأَبْدَاْنُ ، بِسَبَبِ مَاْ جَعَلَ اَللهُ فِيْهَاْ مِنْ اَلْزِّيْنَةِ وَاَلْلَّذَاْتِ، وَاَلْشَّهَوَاْتِ اَلْخَادعةِ لِلْقُلُوْبِ اَلْمُعْرِضَةِ، اَلْبَاْهِجَةِ لِلْعُيُوْنِ اَلْغَاْفَلَةِ ، اَلْمُفْرِحَةِ لِلْنُّفُوْسِ اَلْمُبْطِلَةِ اَلْبَاْطِلَةِ ، ثُمَّ تَزُوْلُ سَرِيْعَاً ، وَتَنْقَضِيْ جَمِيْعَاً ، وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهَاْ مُحِبُّهَاْ إِلَّاْ عَلَىْ اَلْنَّدَمِ وَاَلْحَسْرَةِ وَاَلْخُسْرَاْنِ .

قال الله تعالى (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا  ‌وَالْآخِرَةُ ‌خَيْرٌ وَأَبْقى

 

ولننظر ونتأمل حال الذين تربوا على هدي الرسول وعرفوا حقيقة الدنيا والاخرة كيف كان حالهم وماذا يؤثرون ؟

قَالَ رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ: كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأَبِيتُ مَعَه وَأَقُومُ لَهُ فِي حَوَائِجِهِ فَقَالَ لِي يَوْمًا لِمَا يَرَى مِنْ خِدْمَتِي إِيَّاهُ: " سَلْنِي يَا ‌رَبِيعَةُ أُعْطِكَ " قَالَ: فَقُلْتُ: أَنْظُرُ فِي أَمْرِي يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ أُعْلِمُكَ ذَلِكَ. قَالَ: فَفَكَّرْتُ فِي نَفْسِي، فَعَرَفْتُ أَنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ زَائِلَةٌ، وَأَنَّ لِي فِيهَا رِزْقًا

سَيَكْفِينِي وَيَأْتِينِي. قَالَ: فَقُلْتُ: أَسْأَلُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِآخِرَتِي. قَالَ: فَجِئْتُهُ فَقَالَ: " مَا فَعَلْتَ يَا رَبِيعَةُ؟ " قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَشْفَعَ لِي إِلَى رَبِّكَ، فَيُعْتِقَنِي مِنَ النَّارِ. وأَسْأَلُكَ ‌مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ: فَقَالَ: " مَنْ أَمَرَكَ بِهَذَا يَا رَبِيعَةُ؟ ". قَالَ: فَقُلْتُ: لَا وَاللهِ الَّذِي بَعَثَكِ بِالْحَقِّ، مَا أَمَرَنِي بِهِ أَحَدٌ، وَلَكِنَّكَ لَمَّا قُلْتَ: سَلْنِي أُعْطِكَ، ، نَظَرْتُ فِي أَمْرِي وَعَرَفْتُ  أَنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ وَزَائِلَةٌ، وَأَنَّ لِي فِيهَا رِزْقًا سَيَأْتِينِي، فَقُلْتُ: أَسْأَلُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِآخِرَتِي. قَالَ: فَصَمَتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ لِي: أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ " قَالَ إِنِّي فَاعِلٌ، فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ "

انظروا إلى هذا الشاب من شباب الصحابة كيف تربى على معرفة حقيقة الدنيا والاخرة فقدم العمل للآخرة على الدنيا مع إنه شاب مثل الشباب يحتاج الزوجة والمسكن والعمل ولكن لم يكن كأكثر الناس الذين يؤثرون الدنيا ويغفلون عن الاخرة التي هي خير وأبقى بل قدم الاخرة على كل أمورالدنيا

ولما أصاب الصحابة يوم الأحزاب  الجوع وشدة البرد وشدة بأس الأعداء الذين اجتمعوا على محاولة إبادة المسلمين وتحالف اليهود والمنافقون والكفار على استئصال المسلمين من المدينة 

قال أَنَسٌ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه: «كَانَتِ ‌الْأَنْصَارُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ تَقُولُ:

نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا … عَلَى الْجِهَادِ مَا حَيِينَا أَبَدَا

فَأَجَابَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:

اللَّهُمَّ ‌لَا ‌عَيْشَ إِلَّا ‌عَيْشُ ‌الْآخِرَهْ … فَأَكْرِمِ ‌الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ.»

«اللهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ ‌عَيْشُ ‌الْآخِرَهْ فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَةِ»

فلم يعدهم النبي بشيء من الدنيا وإنما ذكرهم ورغبهم في الباقية وإن عيش الفانية سيزول بسروره وأحزانه وشدته ورخائه

وكان صلى الله عليه وسلم يرسخ الاهتمام بالاخرة وأن لا يبالوا بما هم فيه من شدة الدنيا ويرفع صوته اللَّهُمَّ إِنَّ الْأَجْرَ ‌أَجْرُ ‌الْآخِرَهْ فَارْحَمِ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ

وصدق الله { ‌وَلَأَجْرُ ‌الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ } نعم لو علم الناس عظمة أجر الأخرة لهان عليهم كل شيء في هذه الدنيا لماذا يستثقل اكثر الناس  عمل الصالحات ويزهدوا في أداء الطاعات يإحسان لأنهم غفلوا عن أجر الأجرة

{‌وَلأَجْرُ ‌الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ‌‌}

اشغل الناس اللعب واللهو وقد ذم الله  ذلك ورغب في الاخرة (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَاّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ ‌الْآخِرَةُ ‌خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)

وقال سبحانه (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ ‌الْآخِرَةِ ‌خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ)

فَلْنَتَّقِ اَللهَ ـ أَحِبَتِيْ فِيْ اَللهِ ـ وَلْيَكُنْ هَمُّنَاْ فِيْ هَذِهِ اَلْدُّنْيَاْ هو اَلْآخِرَة ، يَقُوْلُ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ : } مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا ، نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ، وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، بَاْرَكَ اَللهُ لِيْ وَلَكُمْ بِاَلْقُرَّآنِ اَلْعَظِيْمِ ، وَنَفَعَنِيْ وَإِيَّاْكُمْ بِمَاْ فِيْهِ مِنْ اَلآيَاْتِ وَاَلْذِّكْرِ اَلْحَكِيْمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكَمَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ .

الخطبة الثانية

اَلْآخِرَةُ خَيْرٌ مِنْ اَلْدُّنْيَاْ ، وَهِيَ اَلْبَاْقِيَةُ وَاَلْدُّنْيَاْ هِيَ اَلْفَاْنِيَةُ ، وَلَكِنَّ لِلْشَّيْطَاْنِ دُوْرٌ فَعَّاْلٌ فِيْ اَلْإِعْرَاْضِ عَنْ اَلْآخِرَةِ وَاَلْإِقْبِاْلِ عَلَىْ اَلْدُّنْيَاْ ، وَذَلِكَ ظَنُّهُ اَلَّذِيْ جَزَمَ بِهِ ، وَحَذَّرَنَاْ اَللهُ  مِنْهُ ، يَقُوْلُ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ : } وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ، فَاتَّبَعُوهُ إِلا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ { ، فَاَلَّذِيْ يُعْرِضُ عَنْ اَلْآخِرَةِ ، وَيُقْبِلُ عَلَىْ اَلْدُّنْيَاْ ، وَيَجْعَلُهَاْ هَمَّهُ وَشُغْلَهُ اَلْشَّاْغِل ، ويَعْمَلْ لَهَاْ ، وَيُفْنِيْ عُمُرَهُ وَيُبْلِيْ شَبَاْبَهُ مِنْ أَجْلِهَاْ ، هُوَ مِنْ أَتْبَاْعِ اَلْشِّيْطَاْنِ وَمِنْ قُرَنَاْئِهِ ، }  وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا { .

فَلْنَتَّقِ اَللهَ ـ أَحِبَتِيْ فِيْ اَللهِ ـ وَلْتَكُنْ اَلْدُّنْيَاْ بِزَهْرَتِهَاْ ، مَطِيَّةً لَنَاْ لِلْفَوْزِ بِاَلْآخِرَةِ، وَوَسِيْلَةً لِلْوُصُوْلِ إِلَىْ اَلْدَّرَجَاْتِ اَلْعَاْلِيَةِ، وَلْتَكُنْ الدنيا بِأَيْدِيْنَاْ لَاْ فِيْ قُلُوْبِنَاْ ، كَمَاْ قَاْلَ الله: } وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ، وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا { نَبْتَغِيْ بِدُنْيَاْنَاْ مَاْعِنْدَ رَبِّنَاْ، وَنَسْتَمْتِعُ بِهَاْ بِمَاْ لَاْ ينقص دِيْنَنَاْ وَلَاْ يُضِرُّ بِآخِرَتِنَاْ

(قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا) 

عباد الله إن الذين يهتمون بالآخرة ويقدمونها على الدنيا يجدون لذة لعبادتهم وراحة وانشراحا وأنسا وشوقا لكل عمل يقربهم إلى الله وأما من آثر الحياة الدنيا على الاخرة فيجد ضجرا من عبادته ويجد لها ثقلا وكسلا عند القيام اليها ومللا إذا كان في العبادة ومحاولة التخلص منها على أي وجه كانت لا يبالي بما يكره الله فيها ولا يهتم الا بادائها على ما يوافق هواه وتحبه نفسه وليس ما يحبه الله وهكذا هي حال أكثر الناس كما قال الله تعالى ناهيا ومحذرا من ذلك( كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ  وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق