الخميس، 1 مايو 2025

احذر السيئة فإن لها خوات ومن ألف السيئات ثقلت عليه الحسنات

 

 

وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ.

السيئة لها أخوات 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: مِمَّا يُوجِعُ قَلبَ المُسلِمِ الغُيُورِ أَن يَرَى فِيمَن حَولَهُ أُنَاسًا مُقِيمِينَ عَلَى مَعصية الله، تَمُرُّ بِهِمُ الشُّهُورُ وَالسَّنَوَاتُ وَهُم عَلَيهَا مُصِرُّونَ، وَتَمضِي أَعمَارُهُم وَهُم عَلَيهَا عَاكِفُونَ، لا يَنفَكُّونَ عَنهَا ولا يَسعونَ في التَّخَلُّصِ مِنهَا، بَل قَد صَارُوا بِهَا كَالمُجَاهِرِينَ، وَالنَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ : “كُلُّ أُمَّتي مُعَافَى إِلاَّ المُجَاهِرُونَ“.

 

فَهَذَا لا يَشهَدُ الصلاة مَعَ الجَمَاعَةِ واخر متهاون في صلاة الفجر، وَذَاكَ لا يَكَادُ يَشهَدُ جُمُعَتَينِ مُتَتَالِيَتَينِ، وَإن شَهِدَ الصَّلاةَ لم يَحضُرِ الخُطبَةَ، وَثَالِثٌ مُفَرِّطٌ في حَقِّ وَالِدَيهِ أَو عَاقٌّ لَهُمَا، وَرَابِعٌ قَاطِعٌ أَرحَامَهُ لا يُسَلِّمُ عَلَيهِم وَلا يَسأَلُ عَنهُم، وَخَامِسٌ شُغلُهُ النَّمِيمَةُ وَالإِفسَادُ وَتَفرِيقُ القُلُوبِ المُجتَمِعَةِ، وَهُنَا مَن يُؤذِي جِيرَانَهُ وَزُمَلاءَهُ بِسُوءِ خُلُقِهِ، وَهُنَاكَ مَن يُنَغِّصُ حَيَاةَ مَن حَولَهُ بِشَكَاوَاهُ وَمُرَافَعَاتِهِ، وَثَمَّةَ مَن تَعَوَّدَ لِسَانُهُ اللَّعنَ وَالسَّبَّ وَالشَّتمَ، وَمَن أَخَذَ عَلَى الاستِهزَاءِ وَالسُّخرِيَةِ وَفَاحِشِ الكَلامِ.

 

وَالْتَفِتْ يَمنَةً تَرَ مُهمِلاً بَيتَهُ مُقَصِّرًا في تَربِيَةِ مَن تَحتَ يَدِهِ، وَتَأَمَّلْ تَجِدْ مَن هُوَ خَائِنٌ أَمَانَتَهُ مُقَصِّرٌ في وَاجباتِهِ، وهناك مُستَوفٍ الأَجرَ غَيرُ مُتقِنٍ لِلعَمَلِ، وَتسمع عمن هُوَ مُرتَشٍ أَو غَاشٌّ، وَكَم تَرَى مِن مُتَكَبِّرٍ فَخُورٍ مَغرُورٍ، وَظَلُومٍ جَهُولٍ حَسُودٍ، وَنَاظِرٍ إِلى العَورَاتِ وَمُستَمِعٍ لِلغِنَاءِ، إِلى غَيرِ ذَلِكَ مِن مَعَاصِيَ أَلِفَهَا أَصحَابُهَا وَاستَسَاغُوهَا وَمَرَدُوا عَلَيهَا، وَعَادَ أَحَدُهُم يُقَارِفُهَا مِرَارًا وَتَكرَارًا، دُونَ أَن تَهتَزَّ في جَسَدِهِ شَعرَةٌ أَو يَتَحَرَّكُ لَهُ شُعُورٌ

 

وَيَستَنكِرُ الغُيُورُ حُدُوثَ هَذِهِ المَعَاصِي وَأَمثَالِهَا عَلَى وَجهِ الاستِمرَارِ وَالدَّوَامِ، مِن أُنَاسٍ يَعرِفُونَ الحَلالَ وَلا يَخفَى عَلَيهِمُ الحَرَامُ، وَقَد لا يَجهَلُونَ خَطرَ الإِصرَارِ عَلَى المَعَاصِي، وَيَتَسَاءَلُ بَعدَ ذَلِكَ: مَا الفَرقُ بَينَ هَؤُلاءِ المُستَسهِلِينَ فِعلَ المَعصِيَةِ المُصِرِّينَ عَلَيهَا، وَبَينَ آخَرِينَ تَفزَعُ قُلُوبُهُم وَتَرتَجِفُ مِن مُجَرَّدِ التَّفكِيرِ فِيهَا، وَيَخَافُونَ وَيَحزَنُونَ وَيَنكَسِرُونَ لَو فَعَلُوهَا مَرَّةً وَاحِدَةً؟! فَيُقَالُ: إِنَّهَا القُلُوبُ الصَّحِيحَةُ المُتَيَقِّظَةُ، وَالقُلُوبُ المَرِيضَةُ الغَافِلَةُ، القُلُوبُ المُزهِرَةُ النَّيِّرَةُ، وَالقُلُوبُ اليَابِسَةُ المُظلِمَةُ، قُلُوبٌ يَتَعَاهَدُهَا أَصحَابُهَا بِالغِذَاءِ وَالدَّوَاءِ، وَأُخرَى قاحلةٌ مُجدبَةٌ قَد أَنهَكَهَا المَرَضُ وَالدَّاءُ.

 

أَجَل -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- إِنَّ القَلبَ يَصِحُّ وَيَمرَضُ، وَيَستَنِيرُ وَيُظلِمُ، وَيَستَيقِظُ وَيَغفَلُ، بَل وَيَحيَا وَيَمُوتُ، وَمَرَدُّ ذَلِكَ كُلِّهِ إِلى أَحَدِ أَمرَينِ: استِسهَالِ المَعَاصِي وَالسَّمَاحِ لها بِإِضعَافِ القَلبِ وَإِمَاتَتِهِ، أَوِ استِنكَارِهَا وَطَردِهَا وَتَعَاهُدِ القَلبِ وَحِمَايَتِهِ مِن أَن تَلِجَ إِلَيهِ أَو تَسكُنَ فِيهِ، شَاهِدُ ذَلِكَ قَولُهُ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: “تُعرَضُ الفِتَنُ عَلَى القُلُوبِ كَالحَصِيرِ عُودًا عُودًا؛ فَأَيُّ قَلبٍ أُشرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكتَةٌ سَودَاءُ، وَأَيُّ قَلبٍ أَنكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكتَةٌ بَيضَاءُ، حَتى تَصِيرَ عَلَى قَلبَينِ: عَلَى أَبيَضَ مِثلِ الصَّفَا فَلا تَضُرُّهُ فِتنَةٌ مَادَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ، وَالآخَرُ أَسوَدَ مُربَادًّا كَالكُوزِ مُجَخِّيًا، لا يَعرِفُ مَعرُوفًا وَلا يُنكِرُ مُنكَرًا إِلاَّ مَا أُشرِبَ مِن هَوَاهُ“.

 

نَعَم -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- حِينَ يَغفَلُ المَرءُ عَن قَلبِهِ، وَيَفتَحُهُ لِلشَّهَوَاتِ وَاحِدَةً بَعدَ وَاحِدَةٍ، وَيَسمَحُ لِلمَعَاصِي أَن تَزُورَهُ مَعصِيَةً بَعدَ أُخرَى، وَلا يَستَنكِرُ أَن يَطعَنَهُ بِمُنكَرٍ مِنَ القَولِ أَوِ الفِعلِ طَعَنَاتٍ مُتَتَالِيَاتٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ القَلبَ يَمرَضُ وَيَسقَمُ، وَيَألَفُ المَعَاصِيَ وَيُدمِنُ المُنكَرَاتِ، كَمَا يَألَفُ الخَمرَ شَارِبُهَا وَيُدمِنُهَا، فَتَصِيرُ تِلكَ المَعَاصِي جُزءًا مِنهُ أَو كَالجُزءِ مِنهُ، لا يَستَنكِرُهَا وَلا يَخَافُ مِنهَا، بَل لا يَعِيشُ إِلاَّ عَلَيهَا، بَينَمَا يَبقَى القَلبُ الصَّحِيحُ الحَيُّ كَالثَّوبِ النَّظِيفِ، لا يَكَادُ يَخفَى عَلَى صَاحِبِهِ مَا يَقَعُ عَلَيهِ مِن وَسَخٍ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّهُ لا يَرتَاحُ حَتى يُزِيلَ ذَلِكَ الوَسَخَ مَهمَا صَغُرَ أَو قَلَّ، لِيَعُودَ الثَّوبُ نَظِيفًا نَقِيًّا.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّهُ لا يَكَادُ يَسلَمُ مِنَ المَعَاصِي أَحَدٌ مِن بَني آدَمَ، وَلَكِنَّ العِبرَةَ فِيمَا بَعدَ وُقُوعِ المَعصِيَةِ وَتَلَبُّسِ العَبدِ بِهَا؛ فَمَنِ المُوَفَّقُ الَّذِي يُسَارِعُ إِلى الإِقلاعِ عَنهَا وَالتَّوبَةِ مِنهَا وَالنَّدَمِ عَلَى فِعلِهَا؟ مَنِ الحَيُّ الَّذِي يَخَافُ مِنهَا وَيَخشَى أَن تَكُونَ هِيَ مُهلِكَتَهُ؟ وَمَنِ المَخذُولُ الَّذِي لا يَهتَمُّ لِذَلِكَ وَلا يَتَحَرَّكُ بِهِ شُعُورُهُ، فَيَستَصغِرُهَا وَيَحتَقِرُهَا وَيَمضِي وَكَأَنَّه لم يَحدُثْ لَهُ شَيءُ؟! قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: ” كُلُّ بَني آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ " ، وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: “إِيَّاكُم وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَومٍ نَزَلُوا بَطنَ وَادٍ فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ،  حَتَّى جَمَعُوا مَا أَنْضَجُوا بِهِ خُبْزَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتى يُؤخَذْ بها صَاحِبُهَا تُهلِكْهُ“..

 

وَقَالَ ابنُ مَسعُودِ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-: “إنَّ المُؤمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَن يَقَعَ عَلَيهِ، وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا“…

 

أَيُّهَا الإِخوَةُ حري وجدير بِالمُسلِمِ  أَن يَتَعَاهَدَ نَفسَهُ وَيَكُونَ شَدِيدَ المُحَاسَبَةِ لها، سَرِيعَ الرُّجُوعِ إِلى رَبِّهِ، سَرِيعَ الأَوبَةِ مِن ذَنبِهِ، سَرِيعَ الإِقلاعِ عَنِ المَعصِيَةِ، مُسَابِقًا إِلى التَّوبَةِ مِنهَا، كُلَّمَا فَعَلَ ذَنبًا أَتبَعَهُ بِعَمَلٍ صَالِحٍ دُونَ تَرَدُّدٍ وَلا تَلَكُّؤٍ وَلا تَأَخُّرٍ، وَكُلَّمَا زَلَّت بِهِ قَدَمٌ عَادَ وَنَدِمَ، وَأَتبَعَ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ مُبَاشَرَةً لَعَلَّهَا تَمحُوهَا وَتُزِيلُ أَثَرَهَا السَّيِّئَ وَتُطَهِّرُ القَلبَ مِنهَا، وَقَد أَمَرَ بِهَذَا العِلاجِ النَّاجِعِ طَبِيبُ القُلُوبِ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-؛  اتَّقِ اللهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا"..وقال : وَمَن قَالَ لِصَاحِبهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ” هَل وَعَيتُم هَذَا العِلاجَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ-؟!

 

إِنَّهُ المُبَادَرَةُ بِالطَّاعَةِ بَعدَ المَعصِيَةِ، وَالتَّعَجُّلُ بِتَصحِيحِ الخَطَأِ بَعدَ وُقُوعِهِ، وَالمُسَارَعَةُ بِإِرغَامِ الشَّيطَانِ بِفِعلِ الخَيرِ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّحمَانُ؛ فَمَا أَحرَانَا أَن نَأخُذَ بِهَذَا العِلاجِ النَّاجِعِ في حَيَاتِنَا كُلِّهَا، فَنُبَادِرَ إِلى مَا يُرضِي اللهَ بَعدَ الوُقُوعِ فِيمَا يُسخِطُهَ، وَنُسَارِعَ بِالعَودَةِ إِلى الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ إِن نَسِينَا أَو غَفَلنَا فَمِلْنَا عَنهُ أَو جَانَبنَاهُ، فَبِذَلِكَ تَبقَى قُلُوبُنَا حَيَّةً فَتُحِبُّ الطَّاعَةَ وَتَألَفُهَا، وَتَكرَهُ المَعصِيَةَ وَتُنكِرُهَا، وَبِذَلِكَ نَكُونُ مِنَ المُتَّقِينَ المَهدِيِّينَ المَرحُومِينَ، الثَابتِينَ عَلَى الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ، المُيَسَّرِ لَهُم فِعلُ الخَيرِ، قَالَ -سُبحَانَهُ- في وَصفِ المُتَّقِينَ: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَو ظَلَمُوا أَنفُسَهُم ذَكَرُوا اللهَ فَاستَغفَرُوا لِذُنُوبِهِم وَمَن يَغفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلم يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُم يَعلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُم مَغفِرَةٌ مِن رَبِّهِم وَجَنَّاتٌ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعمَ أَجرُ العَامِلِينَ) وَقَالَ -تَعَالى-: (وَلَو أَنَّهُم فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيرًا لَهُم وَأَشدَّ تَثبِيتًا * وَإِذًا لآتَينَاهُم مِن لَدُنَّا أَجرًا عَظِيمًا وَلَهَدَينَاهُم صِرَاطًا مُستَقِيمًا) .. وَقَالَ -سُبحَانَهُ-: (فَأَمَّا مَن أَعطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالحُسنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاستَغنى * وَكَذَّبَ بِالحُسنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلعُسرَى)..وَقَالَ -جَلَّ وَعَلا-: (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهتَدَوا هُدًى وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيرٌ مَرَدًّا)[مريم: 76]، وَقَالَ -تَعَالى-: (إِنَّهُم فِتيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِم وَزِدنَاهُم هُدًى)..

 

اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنتَ خَيرُ مَن زَكَّاهَا، أَنتَ وَلِيُّهَا وَمَولاهَا، اللَّهُمَّ اهدِنَا لأَحسَنِ الأَعمَالِ لا يَهدِي لأَحسَنِهَا إِلاَّ أَنتَ، وَاصرِفْ عَنَّا سَيِّئَهَا لا يَصرِفُ عَنَّا سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنتَ

 

الخطبة الثانية:

 

أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالى- وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ، وَاذكُرُوهُ وَلا تَنسَوهُ، وَتَعَاهَدُوا أَنفُسَكُم بِفِعلِ الحَسَنَةِ بَعدَ الحَسَنَةِ، وَاحذَرُوا الإِصرَارَ عَلَى المَعصِيَةِ مَهمَا صَغُرَت، وَلْيَعلَمْ مَن وَجَدَ مِن نَفسِهِ حُبًّا لِفِعلِ الحَسَنَاتِ وَخِفَّةً إِلَيهَا، وَوَجَدَ في قَلبِهِ حُرقَةً لِفَوتِهَا، أَنَّ ذَلِكَ مِن تَوفِيقِ اللهِ لَهُ وَإِثَابَتِهِ إِيَّاهُ عَلَى الحَسَنَةِ بِتَيسِيرِ الحَسَنَةِ بَعدَهَا، وَمَن وَجَدَ مِن نَفسِهِ تَسَاهُلاً بِفِعلِ المَعصِيَةِ وَعَدَمِ حُزنٍ عَلَى تَكرَارِ فِعلِهَا فَلْيَعلَمْ أَنَّ ذَلِكَ مِن خِذلانِ اللهِ لَهُ وَعِقَابِهِ عَلَى مَا سَبَقَهَا مِن مَعَاصٍ اقتَرَفَهَا وَلم يَصدُقْ في التَّوبَةِ مِنهَا، وَشَوَاهِدُ ذَلِكَ في كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ كَثِيرةٌ، مِنهَا مَا تَقَدَّمَ في الخُطبَةِ الأُولى، وَمِنهَا أَيضًا قَولُهُ -تَعَالى-: (وَنُقَلِّبُ أَفئِدَتَهُم وَأَبصَارَهُم كَمَا لم يُؤمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُم في طُغيَانِهِم يَعمَهُونَ)[الأنعام:110]، وَقَالَ -سُبحَانَهُ-: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُم)[الصف:5]، وَقَالَ -جَلَّ وَعَلا-: (في قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا)[البقرة:10].

 

وَقال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-:    “عَلَيكُم بِالصِّدقِ؛ فَإِنَّ الصِّدقَ يَهدِي إِلى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهدِي إِلى الجنَّة، وَلا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدقَ حَتَّى يُكتَبَ عِندَ اللهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُم وَالكَذِبَ فَإِنَّ الكَذِبَ يَهدِي إِلى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهدِي إِلى النَّارِ، وَلا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكذِبُ وَيَتَحَرَّى الكَذِبَ حَتَّى يُكتَبَ عِندَ اللهِ كَذَّابًا“.

 

فَالتَّوبَةَ التَّوبَةَ، فَإِنَّ الذُّنُوبَ مَرَضٌ وَدَاءٌ، وَإِنَّ الاستِغفَارَ دَوَاءٌ، وَإِنَّ التَّوبَةَ النَّصُوحَ هِيَ الشِّفَاءُ، قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: “إِنَّ اللهَ يَبسُطُ يَدَهُ بِاللَّيلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيلِ حَتَّى تَطلُعَ الشَّمسُ مِن مَغرِبِهَا“

عظمة الله

 

الحَمْد لله ذي العظَمة والجَلال، الذي تفرَّد بِكُلِّ جمالٍ وكمالٍ، وأشْهد أنْ لا إله إلا الله، وحْده لا شريك له، ولا نِدَّ ولا مِثال، له الأسْماء الحُسْنى والصِّفات العُلى، وهو الكبير المُتَعال، وأشْهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبْده ورسوله، كريم الأخْلاق، وطَيِّب الخصال، وخيْرُ منْ تقرَّب إلى الله بالإعْظام والإكْبار والإجْلال، صلَّى الله وسلَّم عليْه وعلى آله وصحْبه خيْر صحْبٍ وآل، وعلى مَنْ تَبِعهم بإحْسانٍ ما تجدَّدت البُكور والآصال.

 أما بعْد:

فأُوصيكم إخْوة الإسْلام ونَفْسي بِتَقْوى المَلِك العلاَّم، امْلؤوا بها الليالي والأيَّام؛ علَّ الله أنْ يكْتب لي ولكم حُسْن المُنْقلب والمقام.

 عِبادَ الله:

إنَّه لحَريٌّ بنا في هذا العصْر الذي طغَتْ فيه المادِّيات، وزَادتْ فيه المُلْهيات والمغْريات، وتطورتْ فيه الصناعات - أنْ نُذَكِّر أنْفسنا ببديع صُنْع ربِّ البرِّيات، وأنْ نتأمَّل آثار عظمَتِه في الأرْض والسَّماوات، مع ما قام في ذاته سبْحانه من العلُوِّ، وفي أسْمائه وصفاته من الجلال والجمال والسمُوِّ؛ يقول الله تعالى: ﴿ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ 

ويقول سبْحانه: ﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ  ، ويقول عزَّ منْ قائلٍ:﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ 

عَظِيمٌ لاَ تُحِيطُ بِهِ الظُّنُونُ 

بِقَبْضَتِهِ التَّحَرُّكُ والسُّكُونُ 

تَعَالَى اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ 

مُقَدِّرُهُ إِلَى وَقْتٍ يَكُونُ 

 إخْوة الإيمان، مَنْ أراد أنْ يتعرَّف على عظمة الله في ذاته، فلْيتأمَّلْ في عظيم أسْمائه، وجليل صفاته، فمِنْ عظيم أوْصافه عِلْمه الواسع، الذي أحاط بالموْجودات في بَرِّه وبحْره وسمائه، فلا يَخْفى عليْه شيْءٌ مِنْ أمْرهم، يقول الحقُّ سبْحانه: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ  

 عِباد الله:

ومنْ عظيم أمْر الله تعالى أنه تولى بيان عظمته للناس، وتأمَّلوا بعيْن البصيرة والاعْتبار ما حصَل لموسى حين طلب رؤْية الواحد القهار: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا  ، قال ابْن عباسٍ - رضي الله عنْهما -: "ما تجلَّى منْه إلاَّ قَدْر الخنْصر"، ﴿ وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ  

 أيها المسْلمين، وعظمة الله ظاهرةٌ جليةٌ، لمنْ تأمَّل ملكوت ربِّ البرية، تأمَّلوا خلْقه للْملائكة في ضخامة الخِلْقة، وقيامهم بأمْره، وتدْبيرهم شؤون عباده، يقول صلَّى الله عليه وسلَّم: ( أُذِنَ لي أنْ أُحَدِّثَ عن مَلَكٍ من ملائكةِ اللهِ من حملةِ العرشِ ما بين ‌شَحْمَةِ ‌أُذُنِهِ إلى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سبعَمِائةِ سنةٍ) ، ، ويقول رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم -: ((إنِّي أرى ما لا ترَوْن، وأسْمعُ ما لا تَسْمعون، أطَّت السَّماء - أيْ: صاحتْ وأنَّتْ من ثِقَل ما عليْها من الملائكة - وحقَّ لها أنْ تئطَّ، ما فيها موْضِعُ أرْبعِ أصابعَ إلاَّ وملَكٌ واضعٌ جبْهته ساجدًا لله، واللهِ لوْ تعْلمون ما أعْلم لضَحِكْتم قليلاً ولبكيْتم كثيرًا، وما تلذَّذْتم بالنِّساء على الْفُرُشِ، ولخرَجْتم إلى ‌الصُّعُدَاتِ تجْأرون إلى الله وتبكون)).

 يا أهْلَ القرْآن، وإذا تفاخرَت الأُمَم بأبْحاثها في الفضاء، وتوصَّل باحثوها إلى نتائج تحْتمل الصِّحة والأخْطاء، فدُونَكم القرْآن الكريم كلام ربِّ العالمين يحدِّثكم عنْ مَشْهد السَّحاب كيْف يَصْنعه الله، وعن المطر كيْف يُؤَلِّفه الله، وعن البَرَد كيْف يكوِّنه الله، ومنْ يُصاب به، ومنْ يُصْرف عنْه، وعنْ سَنا بَرْقه وأثرِه في الأبْصار، اسْتمعْ إلى ذلك متأمِّلاً خاشعًا للْملك الجبَّار: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ  

أيها الناس، هناك مشاهد كوْنيةٌ تتكرَّر في الصباح والمساء، وهي جزْءٌ منْ عظمة الله في كوْنه، وآيةٌ على وحْدانيته، وداعيةٌ إلى العبودية والشكْر له سبْحانه: ﴿ وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ﴾   ، وأما مشْهد قدوم الليْل والنهار، فمشْهدٌ ما أكْثر منْ يراه! وما أقلَّ منْ يتأمَّل فيه عظمة الله! يقول الله تعالى: ﴿ وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ 

فسُبْحانك ربَّنا سبْحانك، سبْحانك ما عظَّمْناك حقَّ تعْظيمك، وما أطعْناك حقَّ طاعتك، أمَا والله لوْ علم العباد ما لله من العظمة ما عصَوْه، ولوْ علم المُحبُّون ما لَه من الجمال والكمال ما أحبُّوا غيْره، ولوْ عرف الفقراء غِنَى الربِّ ما رجَوْا سواه، فسبْحانه وتعالى هو سلْوان الطائعين، وملاذ الهاربين، وملْجأ الخائفين.

أَمَامَ بَابِكَ كُلُّ الْخَلْقِ قَدْ وَقَفُوا 

وَهُمْ يُنَادُونَ يَا فَتَّاحُ يَا صَمَدُ 

فَأَنْتَ وَحْدَكَ تُعْطِي السَّائِلِينَ وَلاَ 

تَرُدُّ عَنْ بَابِكَ الْمَقْصُودِ مَنْ قَصَدُوا 

وَالْخَيْرُ عِنْدَكَ مَبْذُولٌ لِطَالِبِهِ 

حَتَّى لِمَنْ كَفَرُوا، حَتَّى لِمَنْ جَحَدُوا 

إِنْ أَنْتَ يَا رَبِّ لَمْ تَرْحَمْ ضَرَاعَتَهُمْ 

فَلَيْسَ يَرْحَمُهُمْ مِنْ بَيْنِهِمْ أَحَدُ 

الخطبة الثانية

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾  ، وأشْهد أنْ لا إله إلا الله وحْده لا شريك له، العظيم القدير، وأشْهد أنَّ محمدًا عبْده ورسوله البشير النذير، والسِّراج المنير، صلَّى الله عليْه وعلى آله وصحْبه وسلَّم التسْليم الكثير.

 أما بعْد:

أَنَّ فَرِيقَ الْإِيمَانِ وَأَهْلَ تَقْوَى اللَّهِ إِذَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ تَذَكَّرُوا ‌عَظَمَةَ ‌اللَّهِ وَعِقَابَهُ، فَكَفَّتْهُمْ رَهْبَتُهُ عَنْ مَعَاصِيهِ وَرَدَّتْهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ إِلَى اللَّهِ مِمَّا كَانَ مِنْهُمْ مِنْ زَلَّةً، وَأَنَّ فَرِيقَ الغفلةِ يَزِيدُهُمُ الشَّيْطَانُ غَيًّا إِلَى غَيِّهِمْ إِذَا رَكِبُوا مَعْصِيَةً مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ، وَلَا يَحْجُزُهُمْ تَقْوَى اللَّهِ وَلَا خَوْفُ الْمَعَادِ إِلَيْهِ عَنِ التَّمَادِي فِي معاصيه ولا  الزِّيَادَةِ مِنْهَا، لأنهم اخلوا

بتعْظيم الله الواجبُ على العباد،

فقدْ ذَمَّ الله تعالى منْ اخل بهذا الواجب ولم يُعَظِّمْه حقَّ عظمته، ولم يوقِّرْه حقَّ توْقيره، يقول الله تعالى: ﴿ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ﴾ ما لكم لا تُعَظِّمون الله حقَّ عظمته؟!

إخْوة الإيمان، إنَّ المسْلم الذي امْتلأ قلْبه بتعْظيم الله لديْه ثقةٌ مطْلقةٌ بالله، فتَجِدُه هادِئَ البال، ساكِنَ النَّفْس، مهْما ضاقت به السُّبُل، واسْتشْعاره عظمة الله يمْلأ قلْبه رضًا وصبْرًا، ويدْعوه إلى العمل طاعةً وشكْرًا، ويورثه الشعور بمعية الله سبْحانه، ولا أدَلَّ على ذلك منْ موْقف نبينا صلَّى الله عليه وسلَّم مع صاحبه أبي بكْرٍ رضي الله عنه في الغار والمشْركون فوْق رؤوسهمْ، حتى قال أبو بكْرٍ رضي الله عنه: يا رسول الله، لوْ أنَّ أحدهم نظَر إلى قدَمَيْه لأبْصرنا، فقال: ((يا أبا بكْرٍ، ما ظَنُّك باثْنيْن الله ثالثهما))، وإنَّ تعْظيم الله لا يكون بالتمنِّي، بلْ لا بُدَّ من اتِّباعٍ صادقٍ لنبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم علْمًا بأسْماء الله تعالى، ومحافظةً على توْحيده، وقيامًا بشريعته، واجْتنابًا لمعْصيته، قال بعْض السَّلف: "لا تَنْظرْ إلى صِغَر الخطيئة، ولكن انْظرْ إلى عظَمَة مَنْ عصيْت".

واعلموا رحمكم الله أن أفضل الذكر وانفعه هو الْتفكْرُ فِي ‌عَظَمَةِ ‌اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَقُدْرَتِهِ وَالتفكر فِيمَا فِي خَلْقِهِ وَصُنْعِهِ مِنْ الدَّلَائِلِ عَلَيْهِ وَعَلَى حُكْمِهِ وَجَمِيلِ صُنْعِهِ.  {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ‌ذِكْراً ‌كَثِيراً   وَسَبِّحُوهُ ‌بُكْرَةً ‌وَأَصِيلاً}

اللَّهم امْلأْ قلوبَنا إعْظامًا وإجْلالاً لك، واجْعلْنا من الرَّاغبين الرَّاهبين الخاشعين، اللهم وفِّقْنا لطاعتك، وجنِّبْنا معْصيتك، واجْعلْنا من الراشدين، اللهم - ربَّنا - صلِّ على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه الطيِّبين الطاهرين، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 اللهم ارفع عنَّا الغلاء والوَباء، والزَّلازل والمِحَن، والفِتَن ما ظهَر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامَّة، يا ربَّ العالمين.