السبت، 16 يناير 2021

معروف الرصافي وقصيدة الأرملة

ڪان الشاعر العراقي  
معروف الرصافي
جالساً في دڪان صديقه محمد علي ، الڪائن أمام جامع الحيدر ببغداد .. 
 بينما ڪان الرصافي يتجاذب أطراف الحديث مع صديقه التتنجي(بائع التتن)، 
وإذا بإمرأة محجبة ، يوحي منظرها العام بأنها فقيرة ، وڪانت تحمل صحنا، وطلبت بالإشارة من صاحبه أن يعطيها بضعة قروش ڪثمن لهذا الصحن ، 
لڪن صاحب الدڪان خرج إليها وحدثها همساً ، فانصرفت المرأة الفقيرة .

هذا الحدث جعل الرصافي يرسم علامات استفهام ڪبيرة ، وقد حيّره تصرف السيدة الفقيرة ، وتصرف صاحبه التتنچي معها همساً ، فاستفسر من صديقه عنها .

فقال له :
 إنها أرملة تعيل يتيمين ، وهم الآن جياع ، وتريد أن ترهن الصحن بأربعة قروش ڪي تشتري لهما خبزاً ، فما ڪان من الرصافي إلا أن يلحق بها وأعطاها اثني عشر قرشاً ڪان ڪل ما يملڪه الرصافي في جيبه ، فأخذت السيدة الأرملة القروش وهي في حالة تردد وحياء ، وسلمت الصحن للرصافي وهي تقول :
" الله يرضى عليك تفضل وخذ الصحن " .. !
فرفض الرصافي وغادرها عائداً إلى دڪان صديقه وقلبه يعتصر من الألم .

عاد الرصافي إلى بيته ، ولم يستطع النوم ليلتها ، وراح يڪتب هذه القصيدة والدموع تنهمر من عينيه ڪما أوضح هو بقلمه وهذا يعني أن ..
( قصيدة الأرملة  المرضعة )
ڪتبت بدموع عيني الرصافي ، فجاء التعبير عن المأساة تجسيداً صادقاً لدقة ورقة التعبير عن مشڪلة اجتماعية استأثرت باهتمام المعلمين في المدارس الابتدائية فيما بعد واعتبروها انموذجاً ، جسّد معاناة الرصافي حيث استأثر بموضوع الفقر والفقراء .

وتعد هذه القصيدة من روائع الشعر العربي في عصر النهضة . 

  *قصيدة الأرملة المرضعة* 

لَقِيتُها لَيْتَنِـي مَا ڪُنْتُ أَلْقَاهَـا
 تَمْشِي وَقَدْ أَثْقَلَ الإمْلاقُ مَمْشَاهَـا

أَثْوَابُـهَا رَثَّـةٌ والرِّجْلُ حَافِيَـةٌ
 وَالدَّمْعُ تَذْرِفُهُ في الخَدِّ عَيْنَاهَـا

بَڪَتْ مِنَ الفَقْرِ فَاحْمَرَّتْ مَدَامِعُهَا
 وَاصْفَرَّ ڪَالوَرْسِ مِنْ جُوعٍ مُحَيَّاهَـا

مَاتَ الذي ڪَانَ يَحْمِيهَا وَيُسْعِدُهَا
 فَالدَّهْرُ مِنْ بَعْدِهِ بِالفَقْرِ أَشْقَاهَـا

المَوْتُ أَفْجَعَهَـا وَالفَقْرُ أَوْجَعَهَا
 وَالهَمُّ أَنْحَلَهَا وَالغَمُّ أَضْنَاهَـا

فَمَنْظَرُ الحُزْنِ مَشْهُودٌ بِمَنْظَرِهَـا
 وَالبُؤْسُ مَرْآهُ مَقْرُونٌ بِمَرْآهَـا

ڪَرُّ الجَدِيدَيْنِ قَدْ أَبْلَى عَبَاءَتَهَـا
 فَانْشَقَّ أَسْفَلُهَا وَانْشَقَّ أَعْلاَهَـا

وَمَزَّقَ الدَّهْرُ ، وَيْلَ الدَّهْرِ، مِئْزَرَهَا
 حَتَّى بَدَا مِنْ شُقُوقِ الثَّوْبِ جَنْبَاهَـا

تَمْشِي بِأَطْمَارِهَا وَالبَرْدُ يَلْسَعُهَـا
 ڪَأَنَّهُ عَقْرَبٌ شَالَـتْ زُبَانَاهَـا

حَتَّى غَدَا جِسْمُهَا بِالبَرْدِ مُرْتَجِفَاً
 ڪَالغُصْنِ في الرِّيحِ وَاصْطَڪَّتْ ثَنَايَاهَا

تَمْشِي وَتَحْمِلُ بِاليُسْرَى وَلِيدَتَهَا
 حَمْلاً عَلَى الصَّدْرِ مَدْعُومَاً بِيُمْنَاهَـا

قَدْ قَمَّطَتْهَا بِأَهْـدَامٍ مُمَزَّقَـةٍ
  في العَيْنِ مَنْشَرُهَا سَمْجٌ وَمَطْوَاهَـا

مَا أَنْسَ لا أنْسَ أَنِّي ڪُنْتُ أَسْمَعُهَا
 تَشْڪُو إِلَى رَبِّهَا أوْصَابَ دُنْيَاهَـا

تَقُولُ يَا رَبِّ، لا تَتْرُكْ بِلاَ لَبَنٍ
 هَذِي الرَّضِيعَةَ وَارْحَمْنِي وَإيَاهَـا

مَا تَصْنَعُ الأُمُّ في تَرْبِيبِ طِفْلَتِهَا
 إِنْ مَسَّهَا الضُّرُّ حَتَّى جَفَّ ثَدْيَاهَـا

يَا رَبِّ مَا حِيلَتِي فِيهَا وَقَدْ ذَبُلَتْ
 ڪَزَهْرَةِ الرَّوْضِ فَقْدُ الغَيْثِ أَظْمَاهَـا

مَا بَالُهَا وَهْيَ طُولَ اللَّيْلِ بَاڪِيَةٌ
 وَالأُمُّ سَاهِرَةٌ تَبْڪي لِمَبْڪَاهَـا

يَڪَادُ يَنْقَدُّ قَلْبِي حِينَ أَنْظُرُهَـا
 تَبْڪِي وَتَفْتَحُ لِي مِنْ جُوعِهَا فَاهَـا

وَيْلُمِّهَا طِفْلَـةً بَاتَـتْ مُرَوَّعَـة
 وَبِتُّ مِنْ حَوْلِهَا في اللَّيْلِ أَرْعَاهَـا

تَبْڪِي لِتَشْڪُوَ مِنْ دَاءٍ أَلَمَّ بِهَـا
 وَلَسْتُ أَفْهَمُ مِنْهَا ڪُنْهَ شَڪْوَاهَـا

قَدْ فَاتَهَا النُّطْقُ ڪَالعَجْمَاءِ ، أَرْحَمُهَـا
 وَلَسْتُ أَعْلَمُ أَيَّ السُّقْمِ آذَاهَـا

وَيْحَ ابْنَتِي إِنَّ رَيْبَ الدَّهْرِ رَوَّعَهـا
 بِالفَقْرِ وَاليُتْمِ ، آهَـاً مِنْهُمَا آهَـا

ڪَانَتْ مُصِيبَتُهَا بِالفَقْرِ وَاحَـدَةً
 وَمَـوْتُ وَالِدِهَـا بِاليُتْمِ ثَنَّاهَـا

هَذَا الذي في طَرِيقِي ڪُنْتُ أَسْمَعُـهُ
 مِنْهَا فَأَثَّرَ في نَفْسِي وَأَشْجَاهَـا

حَتَّى دَنَوْتُ إلَيْهَـا وَهْيَ مَاشِيَـةٌ
 وَأَدْمُعِي أَوْسَعَتْ في الخَدِّ مَجْرَاهَـا

وَقُلْتُ : يَا أُخْتُ مَهْلاً إِنَّنِي رَجلٌ
 أُشَارِكُ النَّاسَ طُرَّاً في بَلاَيَاهَـا

سَمِعْتُ يَا أُخْتُ شَڪْوَى تَهْمِسِينَ بِهَا
 في قَالَةٍ أَوْجَعَتْ قَلْبِي بِفَحْوَاهَـا

هَلْ تَسْمَحُ الأُخْتُ لِي أَنِّي أُشَاطِرُهَا
 مَا في يَدِي الآنَ أَسْتَرْضِي بِـهِ اللهَ

ثُمَّ اجْتَذَبْتُ لَهَا مِنْ جَيْبِ مِلْحَفَتِي
 دَرَاهِمَاً ڪُنْـتُ أَسْتَبْقِي بَقَايَاهَـا

وَقُلْتُ يَا أُخْتُ أَرْجُو مِنْكِ تَڪْرِمَتِي
 بِأَخْذِهَـا دُونَ مَا مَنٍّ تَغَشَّاهَـا

فَأَرْسَلَتْ نَظْرَةً رَعْشَـاءَ رَاجِفَـةً
 تَرْمِي السِّهَامَ وَقَلْبِي مِنْ رَمَايَاهَـا

وَأَخْرَجَتْ زَفَرَاتٍ مِنْ جَوَانِحِهَـا
 ڪَالنَّارِ تَصْعَدُ مِنْ أَعْمَاقِ أَحْشَاهَـا

وَأَجْهَشَتْ ثُمَّ قَالَتْ وَهْيَ بَاڪِيَـةٌ
 وَاهَاً لِمِثْلِكَ مِنْ ذِي رِقَّةٍ وَاهَـا

لَوْ عَمَّ في النَّاسِ حِسٌّ مِثْلُ حِسِّكَ لِي
 مَا تَاهَ في فَلَوَاتِ الفَقْرِ مَنْ تَاهَـا

أَوْ ڪَانَ في النَّاسِ إِنْصَافٌ وَمَرْحَمَةٌ
 لَمْ تَشْكُ أَرْمَلَةٌ ضَنْڪَاً بِدُنْيَاهَـا

هَذِي حِڪَايَةُ حَالٍ جِئْتُ أَذْڪُرُهَا
 وَلَيْسَ يَخْفَى عَلَى الأَحْرَارَ فَحْوَاهَـا

أَوْلَى الأَنَامِ بِعَطْفِ النَّاسِ أَرْمَلَـةٌ
 وَأَشْرَفُ النَّاسِ مَنْ بِالمَالِ وَاسَاهَـا
__________
هذه القصيدة لا يعرفها 
إلا الجيل الذهبي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق