الخميس، 2 يوليو 2020

واعظ الحر ، قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون


 واعظ الحر
الحر من المواعظ المحسوسة الملموسة التي يعظ الله بها عباده كل سنة وما أكثر مواعظ الله وما أقل المتعظون.
في مثل هذه الأيام الحارة خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى غزوة تبوك وكانت فِي حَرٍّ شَدِيدٍ وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا وَعَدُوًّا كَثِيرًا
فتواصى المنافقون فيما بينهم بعدم النفير في هذا الحر (وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرّ )، فجاء الوعيد من الله (قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ).
خرج رسول الله وصحابته والجو -كما تعلمون- حار والصحراء قاحلة والمياه نادرة والهواء ساخن  ولكنهم تذكروا حر الأخرة وأهوالها فهان عليهم تحمل مشاق الطاعة ونصرة الدين وآثروا النعيم المقيم على سراب النعيم الزائل.
وكانوا لنا قدوة ومدرسة في التضحية والصبر والثبات والمسارعة إلى رضوان الله .
أيها الأخوة المؤمنون: إنّ شدة الحرّ ينبغي أن تذكر المؤمن بحر ذلك اليوم العظيم ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَدْنُو الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَدْرِ  مِيلٍ، وَيُزَادُ فِي حَرِّهَا كَذَا وَكَذَا يَغْلِي مِنْهَا الْهَامُّ  كَمَا تَغْلِي الْقُدُورُ يَعْرَقُونَ فِيهَا عَلَى قَدْرِ خَطَايَاهُمْ مِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى سَاقَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى وَسَطِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ »
فيا من لا يطيق حرارة الجو، يا من لا يتحمّل الوقوف في الشمس ساعة: كيف تعصي الله وتنسى النار وحرَّها الشديد، وقعرها البعيد، جاء في الحديث: “يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً، أي يغمس فيها غمسة  ثُمَّ يُقَالُ: يَابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ. ما مرَّ بي نعيم قط“؛  .
أيها الإخوة: حرارة الجو قد تكون سبيلاً لتحصيل المزيد من الأجر والحسنات، في خروج للصلاة في هذا الشمس الملتهبة، وفي صيام في هذا الحر اللافح.
 خرج ابن عمر في سفر معه أصحابه، فوضعوا سفرة لهم، فمر بهم راع، فدعوه إلى أن يأكل معهم، فقال: إني صائم، فقال ابن عمر: في مثل هذا اليومِ الشديدِ حرُه وأنت بين هذه الشعابِ في آثارِ هذه الغنمِ وأنت صائم؟! فقال: أُبَادِرُ أَيَّامِيَ الْخَالِيَةَ.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ...الاية

الخطبة الثانية
 {قُلْ نَارَ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا} مِنْ نَارِ الدُّنْيَا {لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} قَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ: لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ لَعَلِمُوا أَنَّ نَارَ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا مِنْ نَارِ الدُّنْيَا
إنهم اعتذروا عن معصيتهم لله ورسوله بالحر وما يجدوا من شدته وإن اتباع الرسول في الحر أمر عسير عليهم وغير يسير ولكن هل قبل الله منهم هذا العذر ؟ إن الله قد اعد لهم نار جهنم.
عباد الله .. إن نار الدنيا أشد من الحر وإن نار جهنم أشد من نار الدنيا بسبعين مرة .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ بَنُو آدَمَ جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ، قَالُوا: وَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا".
{قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} لمَّا آثروا ما يفنى على ما يبقى، ولمَّا فروا من المشقة الخفيفة المنقضية، إلى المشقة الشديدة الدائمة لأنهم
(قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ } وهذا حال بعض الناس لا فقه لهم ولو كان عندهم فقه نافع في تنزيل الأشياء منازلها، وتقديم ما ينبغي تقديمه لآثروا مشقة رضا الله  على راحة القعود عن الطاعة والكسل الضار عاجلا وآجلا والتقاعس عما يرضي الله
إن الذي يبرر لنفسه مخالفة أمر الله ورسوله هو في الحقيقة لا عقل له فإن العاقل لا يخدع نفسه بسرور زائل وراحة فانية ومتعة لحظية ليوبق نفسه ويوقعها في ندامة باقية ومشقة دائمة وحسرة مستمرة وعذاب خالد.   {وقالوا لاتنفروا في الحر قل نارجهنم أشد حرا}  اختلاق الاعذار لترك الواجبات أو ارتكاب المنهيات لن يدفع عن الانسان سخط الله وعقابه.  فبادروا الى ما ينجيكم قبل أن تغادروا بما يرديكم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق