السبت، 26 مارس 2016

لتتبعن سنن من قبلكم (1)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى.

هذه سلسلة من الكلمات المستندة على الأحاديث والآيات فيما يتعلق بموضوع الحديث الآتي.

عن أبي سعيد الخدري، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لتتبعن سنن الذين من قبلكم، شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم» قلنا: يا رسول الله آليهود والنصارى؟ قال: «فمن». (1).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها، شبرا بشبر وذراعا بذراع»، فقيل: يا رسول الله، كفارس والروم؟ فقال: «ومن الناس إلا أولئك».(2).

هذا بيان نبوي بليغ موجز حذر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أمته من سبل ومناهج وعادات المغضوب عليهم والضالين والمضلين.

وهذا الخبر المؤكد بوقوع الأمة في مشابهة من سبقها من الأمم ومشاركتها فيما وقعت فيه من انحراف عن الصراط المستقيم،  فيه علم من أعلام نبوة نبينا محمد لأنه أخبر بأمر لم يقع بعد وقد وقع كما اخبر الصادق المصدوق.

وهذا الحديث أصل من الأصول التي يقوم عليها دين الإسلام ويتلخص هذا الأصل في واجبين:
" وجوب مخالفة الكفار  باتباع الحق، ووجوب الحذر من موافقتهم على الباطل أو مشابهتهم فيه".

وقد جاءت آيات كثيرة تبين هذا الأصل  وتقص على المسلمين ما وقع فيه أهل الكتاب من زيغ وضلال وفساد،  وتحذر طريقهم ، قال ابن تيمية:( فإن بني إسرائيل قد ذهبوا أو كفروا، وإنما ذكرت قصصهم عبرة لنا، وكان بعض السلف يقول: إن بني إسرائيل ذهبوا، وإنما يعني أنتم، ومن الأمثال السائرة: إياك أعني واسمعي يا جارة فكان فيما خاطب الله بني إسرائيل عبرة لنا: أن لا نلبس الحق بالباطل، ونكتم الحق).(3).

وقال ابن عبد البر: (وكان صلى الله عليه وسلم يحب مخالفة أهل الكتاب وسائر الكفار ، وكان يخاف على أمته اتباعهم، ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم - على جهة التعيير والتوبيخ - : ((لتتبعن سنن الذين كانوا قبلكم حذو النعل بالنعل حتى إن أحدهم لو دخل جحر ضب لدخلتموه)). (4).

وقوله : (لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع)

هذا كناية عن شدة الموافقة لهم في المخالفات والمعاصي . (5).

والناظر في واقع المسلمين اليوم يرى مظاهرا كثيرة ومتعددة ومتجددة من متابعة اليهود والنصارى وفارس والروم والتشبه بهم ومحاكاتهم في العقيدة والعبادة والانحلال والغلو والأخلاق والسلوك وغيرها.. وهؤلاء المخالفون لدينهم والمشابهون لليهود والنصارى والمتشبهون بهم فئات متعددة من المسلمين من حكام ومحكومين وعلماء وعامة وأغنياء وفقراء ورجال ونساء!

ولا شك أن الجيل الذي ينشأ في أجواء ملوثة بالمشابهة والتشبه يتطبع على صفات المغضوب عليهم والضالين وهو يظن أنه على الصراط المستقيم فيتجذر في نفوس الناشئة الانحلال والانحراف  وقد أُشربت قلوبهم بالشبهات والشهوات.

فيجب الحذر من التشبه بالكفار، كما نهى وحذر الرسول بقوله: «لتتبعن سنن من كان قبلكم»

ونبشَّر  المؤمنين ببقاء هذا الدين وبقاء أهل السنة على الحق، (6) لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس»  (7) .


__________________

(1) رواه البخاري ومسلم.

(2) رواه البخاري.

(3) درء تعارض العقل والنقل (1/ 220).

(4) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (5/ 45).

(5) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (16/ 43)

(6) من مقدمة اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم بتصرف.

(7) رواه مسلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق