الثلاثاء، 30 أبريل 2013

فضل الصدقة

منقول
فضل الصدقة
الصدقة! كنزٌ لا تصل إليه الأيدي.. وذُخرٌ لا تخاف عليه حوادث الأيام! قال ابن مسعود رضي الله عنه: ( إن استطعت أن تجعل كنزك حيث لا يأكله السوس، ولا تناله اللصوص؛ فافعل بالصدقة! ).
أخي المسلم: فضل الصدقة عظيم.. وخيرها واصل لأصحابها في الدنيا والآخرة.. ولا تنسى أن ما يصلك من خير الصدقة؛ أكثر مما يصل من تصدقت عليه! فلا تظنن أن المسكين هو المنتفع بالصدقة وحده، فإنّ من ظنّ ذلك فهو جاهل بثواب الصدقة العظيم.. قال الشعبي : (من لم ير نفسه إلى ثواب الصدقة أحوج من الفقير إلى صدقته؛ فقد أبطل صدقته؛ وضرب بها وجهه! ).
وكان سفيان الثوري ينشرح إذا رأى سائلاً على بابه، ويقول : ( مرحباً بمن جاء يغسل ذنوبي! ).

وكان الفضيل بن عيّاض يقول : ( نعم السائلون؛ يحملون أزوادنا إلى الآخرة بغير أجرة! حتى يضعوها في الميزان بين يدي الله تعالى! ).


هكذا كان فهم العلماء الربانيين للصدقة؛ فإياك أن يغيب عنك هذا المعنى!

واسأل نفسك:
هل دار في فكرك هذا المعنى في يوم من الأيام؟!

فإن الكثيرين يتصدقون، ولا يتذكرون مثل هذه المعاني.. وكان من الأحسن أن يعيشوا لحظات هذا العمل الجليل بقلوبهم؛ حتى يجدوا حلاوة العمل الصالح..

فإنّ الصدقة؛ بركة.. وتوفيق.. وخير.. وذخر.. وأصحابها هم أهل المعروف؛ وأسعدهم بها؛ أصدقهم نية.. وأعرفهم بشرفها..

فحاسب نفسك أخي:
ما هو نصيبك من هذا الفضل؟! وكم فاتك منه؟!

ولا يفوتنّك أن تتأمل فيما جاء في فضلها من الآيات والأحاديث النبوية؛ ليكون ذلك حافزاً لك أن تكون من أهل الصدقة.. ومن المسارعين إليها..

قال الله تعالى:
{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (268) سورة البقرة قال ابن عباس رضي الله عنهما: ( اثنان من الشيطان، واثنان من الله تعالى، ثم قرأ هذه الآية: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً يعني: يأمركم بالطاعة والصدقة؛ لتنالوا مغفرته وفضله وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ يعني: واسع الفضل، عليم بثواب من يتصدق ).

قال النبي صلى الله عليه وسلم:
{ الساعي على الأرملة والمسكين؛ كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار! } [رواه البخاري ومسلم].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{ أفضل الأعمال أن تُدخل على أخيك المؤمن سروراً، أوتقضي عنه ديناً، أو تطعمه خبزاً } [رواه البيهقي في الشعب وابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج/ صحيح الجامع:1096].

أخي المسلم: إن الصدقة إذا كانت لله تعالى؛ فلا تستحقرنّ شيئاً منها.. فإن الله كريم.. يضاعف الحسنات.. فلا تنسى وأنت تتصدق أنك تتعامل مع الله تعالى.. المتفرّد بالأمر!

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{ ما تصدق أحد بصدقة من طيّب، ولا يقبل الله إلا الطيب، إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة، فتربُو في كف الرحمن، حتى تكون أعظم من الجبل! كما يُربِّي أحدكم فَلُوّه أو فصيله } [رواه البخاري ومسلم، واللفظ لمسلم]. قال ابن مسعود رضي الله عنه: ( إن رجلاً عَبَدَ الله سبعين سنة، ثم أصاب فاحشة، فأحبط عمله، ثم مر بمسكين فتصدق عليه برغيف، فغفر الله له ذنبه، ورد عليه عمل السبعين سنة! ).
ويقال: إن الحسن مرّ به نخاس ومعه جارية، فقال للنخاس: ( أترضى في ثمنها الدرهم والدرهمين؟! ) قال: لا! قال: ( فاذهب فإن الله عز وجل رضى في الحور العين بالفلس واللقمة! ).

والمتصدِّق يحسِن إلى نفسِه بالصّدقات؛ لأنَّ الله يدفع بالصدقاتِ الشرور والمكروهات، ويجلِب بها الخيرَ والبرَكات، عن أبي أمامةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((صنائِعُ المعروف تقِي مصارعَ السوء، وصَدَقةُ السّرِّ تطفِئ غضبَ الربّ، وصِلةُ الرّحِم تزيد في العمر)) رواه الطبراني قال في مجمع الزوائد: "إسناده حسن"، وعن معاذٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((والصّدقةُ تطفئ الخطيئةَ كما يطفِئ الماء النارَ)) رواه الترمذي.، وعن عقبة بنِ عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((كلُّ امرئٍ في ظلِّ صدقتِه يوم القيامة حتى يُفصَل بين الناس)) رواه أحمد والطبراني، وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: [قال رسول الله :] ((ما نقصَت صدقة من مالٍ، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع عبدٌ لله إلاَّ رفعه الله)) رواه مسلم والترمذي.، وتصديقُ ذلك في كتاب الله تعالى، قال عزّ وجلّ: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39].
               
فتصدّق أخي المسلم.. وثق بموعود الله تعالى.. فإنه لا يخلف الميعاد.. واعلم أنك ما من شيء تُخرجه لله تعالى؛ إلا وجدته أمامك مدّخراً.. فتصدق.. وأنفق،، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم : { اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة } [رواه البخاري ومسلم]. قال يحيى بن معاذ: ( ما أعرف حبة تزن جبال الدنيا إلا من الصدقة! ).

فأيقظ همتك أخي.. واطرد الشحّ والحرص من قلبك وابذل المعروف للمحتاج؛ فإنك لا تدري متى ترحل من الدنيا؟! فهل يسرّك أن ترحل بغير زاد؟!! فإنّ قليلاً تقدّمه اليوم؛ خير لك من كثير تخلفه! فقدّم لنفسك في كأس قبل الممات.. وكثرة الحسرات!

قال تعالى
{وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ} {وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (10) (11) سورة المنافقون

فكم من أناس رحلوا من الدنيا بغير زاد! بعد أن تركوا الأموال.. وودّعوا النعيم! رحلوا بالحسرات.. ولزمتهم التبعات! فلا المال ليوم معادهم قدّموه.. ولا رحلوا به؛ بل لأهل الميراث تركوه!! فكأنك غداً خبرٌ من الأخبار.. وسَمَرٌ من الأسمار!
أَيا مَنْ عاش في الدنيا طويلاً *** وأفْنَى العُمْرَ في قيلٍ وقالِ
وأتعب نفسَهُ فيما سيفنَى *** وجمَّع من حرامٍ أو حلالِ
هَبِ الدُنيا تُقادُ إليك عفْواً *** أليس مصيرُ ذلك للزوالِ


أخي المسلم: ولا تقولن: إني إذا أنفقت افتقرت! فإن ذلك من وسواس الشيطان، كما مر معك ذلك.. فإن الصدقة؛ خير وبركة؛ فإنك كلما أخرجت شيئاً لله تعالى، عوّضك الله خيراً منه، مع ما ادّخره لك من الحسنات والثواب العظيم..

واستمع إلى وصية النبي صلى الله عليه وسلم لبلال رضي الله عنه.. فقد وصّاه بقوله:
{ أنفق يا بلال، ولا تخش من ذي العرش إقلالاً } [رواه البزار والطبراني/ صحيح الجامع:1512].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم :
{ ما من يوم يُصبح العباد فيه؛ إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعْط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعْط ممسكاً تلفاً } [رواه البخاري ومسلم].

   
ولتعلم أخي؛ أنك لكي تكون من المتصدقين؛
لا يشترط أن تكون كثير المال؛ بل إن كل ما جادت به يداك فهو صدقة، وإن لقمة واحدة تطعمها لجائع.. بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن خير الصدقة صدقة رجل قليل المال!

عن أبي هريرة أنه قال:
( يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟ ) قال: { جُهدُ المُقلّ، وابدأ بمن تَعُول } [رواه أبو داود/ صحيح أبو داود للألباني:1677].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
{ سبق درهم مائة ألف! } قالوا: يا رسول الله وكيف؟! قال: { رجل له درهمان؛ فأخذ أحدهما فتصدّق به، ورجلٌ له مالٌ كثير، فأخذ من عُرْض ماله مائة ألف، فتصدق بها } [رواه النسائي وغيره/ صحيح النسائي للألباني:2527].

عن أبي مسعود رضي الله عنه قال:
( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالصدقة، فما يجد أحدنا شيئاً يتصدق به؛ حتى ينطلق إلى السوق، فيحمل على ظهره، فيجيء بالمدّ، فيعطيه رسول الله ، إني لأعرف اليوم رجلاً له مائة ألف، ما كان له يومئذ درهم! ) [رواه النسائي/ صحيح النسائي:2528].

وعن أم بُجيد رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله إن المسكين ليقوم على بابي فما أجد شيئاً أُعطيه إياه. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{ إن لم تجدي إلا ظِلْفاً محرّفاً، فادفعيه إليه في يده } [رواه الترمذي وابن خزيمة/ صحيح الترغيب للألباني:884].

فتصدّق أخي المسلم ولو بأقل القليل.. وارج ثواب الله تعالى.. فإن القليل إذا أخرجته بنية صادقة؛ فهو خير من كثير يخرجه صاحبه بنية ضعيفة.. فكم من جائع اللقمة عنده أفضل مما حوته الدنيا! وكم من عار الثوب عنده أفضل من كل غال!

أخي المسلم: وإن من أبواب الخير العظيمة؛ أن يكون لك دين على أخيك؛ فتمهله حتى يتيسر له قضاؤه، أو تضع عنه بعضه، أو تتصدق عليه بجميعه.. فإن الكثيرين ينسون هذا الباب من الخير؛ فيفرّطوا في ثواب كثير!

قال الله تعالى:
{وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (280) سورة البقرة

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{ من سرّه أن يُظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ فليُيسر عن مُعسر، أو ليضع عنه } [رواه الطبراني/ صحيح الترغيب:912]. فإن ذلك من أسباب دخول الجنة.. فلا يفوتنّك هذا الخير العظيم!

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{ كان رجل يداين الناس، فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسراً، فتجاوز عنه، لعل الله يتجاوز عنا، فلقي الله فتجاوز عنه } [رواه البخاري ومسلم]. وفي رواية للبخاري: { فأدخله الله الجنة! }.

أخي المسلم: ذلك خير عظيم تناله إذا يسّرت على أخيك المسلم في الدَّيْن، وهو عمل قليل تدرك من خلفه ذلك الثواب كله! فلا تكوننّ في ذلك من المغبونين! فحاسب نفسك أيها العاقل: أين أنت من ثواب الصدقة! ذلك الذُخر العظيم.. والثواب الكبير! ثم أخي المسلم لا بد أن تعلم أن فضائل الصدقة كثيرة وعظيمة.. وهي ثمار يجنيها المتصدقون!

فإليك فضائل وفوائد الصدقة؛ حتى تقف على شرفها..

أولاً: أنها تطفىء غضب الله سبحانه وتعالى وتدفع المكروه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السِّر تُطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر } [رواه الطبراني/ صحيح الجامع:3797]. قال ابن أبي الجعد: ( إن الصدقة لتدفع سبعين باباً من السوء! ).
ثانياً: أنها تمحو الخطيئة، وتذهب نارها كما في قوله صلى الله عليه وسلم : { والصدقة تطفىء الخطيئة كما تطفىء الماء النار } [صحيح الترغيب]. ثالثاً: أنها وقاية من النار كما في قوله صلى الله عليه وسلم : { فاتقوا النار، ولو بشق تمرة }.
رابعاً: أن المتصدق في ظل صدقته يوم القيامة كما في حديث عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله يقول: { كل امرىء في ظل صدقته، حتى يُقضى بين الناس }. قال يزيد: ( فكان أبو مرثد لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو كعكة أو بصلة )، قد ذكر النبي أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: { رجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه } [في الصحيحين].
خامساً: أن في الصدقة دواء للأمراض البدنية كما في قوله صلى الله عليه وسلم: { داووا مرضاكم بالصدقة }.
يقول ابن شقيق: ( سمعت ابن المبارك وسأله رجل: عن قرحةٍ خرجت في ركبته منذ سبع سنين، وقد عالجها بأنواع العلاج، وسأل الأطباء فلم ينتفع به، فقال: اذهب فأحفر بئراً في مكان حاجة إلى الماء، فإني أرجو أن ينبع هناك عين ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبرأ ) [صحيح الترغيب].
سادساً: إن فيها دواء للأمراض القلبية كما في قوله صلى الله عليه وسلم لمن شكى إليه قسوة قلبه: { إذا إردت تليين قلبك فأطعم المسكين، وامسح على رأس اليتيم } [رواه أحمد].
سابعاً: أن الله يدفع بالصدقة أنواعاً من البلاء كما في وصية يحيى عليه السلام لبني إسرائيل: ( وآمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه فقال: أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم ) [صحيح الجامع] فالصدقة لها تأثير عجيب في دفع أنواع البلاء ولو كانت من فاجرٍ أو ظالمٍ بل من كافر فإن الله تعالى يدفع بها أنواعاً من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم وأهل الأرض مقرون به لأنهم قد جربوه.
ثامناً: أن العبد إنما يصل حقيقة البر بالصدقة
كما جاء في قوله تعالى:
{لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (92) سورة آل عمران.
تاسعاً: أن المنفق يدعو له الملك كل يوم بخلاف الممسك وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم : { ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً } [في الصحيحين].

عاشراً: أن صاحب الصدقة يبارك له في ماله كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: { ما نقصت صدقة من مال } [في صحيح مسلم].

الحادي عشر: أنه لا يبقى لصاحب المال من ماله إلا ما تصدق به كما في قوله تعالى: {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } (272) سورة البقرة .
ولما سأل النبي صلى لله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها عن الشاة التي ذبحوها ما بقى منها: قالت: ما بقى منها إلا كتفها. قال:
{ بقي كلها غير كتفها } [في صحيح مسلم].

الثاني عشر: أن الله يضاعف للمتصدق أجره كما في قوله عز وجل: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} (18) سورة الحديد . وقوله سبحانه: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (245) سورة البقرة .
الثالث عشر: أن صاحبها يدعى من باب خاص من أبواب الجنة يقال له باب الصدقة كما في حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي في الجنة يا عبد الله، هذا خير: فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان } قال أبو بكر: يا رسول الله، ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها: قال: { نعم وأرجو أن تكون منهم } [في الصحيحين].
الرابع عشر: أنها متى ما اجتمعت مع الصيام واتباع الجنازة وعيادة المريض في يوم واحد إلا أوجب ذلك لصاحبه الجنة كما في حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { من أصبح منكم اليوم صائماً؟ } قال أبو بكر: أنا. قال: { فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ } قال أبو بكر: أنا. قال: { فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ } قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله : { ما اجتمعت في امرىء إلا دخل الجنة } [رواه مسلم].
الخامس عشر: أن فيها انشراح الصدر، وراحة القلب وطمأنينته، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من ثدييهما إلى تراقيهما فأما المنفق فلا ينفق إلا اتسعت أو فرت على جلده حتى يخفى أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئاً إلا لزقت كل حلقة مكانها فهو يوسعها ولا تتسع [في الصحيحين]
( فالمتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه، وانفسح بها صدره، فهو بمنزلة اتساع تلك الجبة عليه، فكلمَّا تصدَّق اتسع وانفسح وانشرح، وقوي فرحه، وعظم سروره، ولو لم يكن في الصَّدقة إلا هذه الفائدة وحدها لكان العبدُ حقيقياً بالاستكثار منها والمبادرة إليها وقد قال تعالى:
{وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (16) سورة التغابن.
السادس عشر: أنَّ المنفق إذا كان من العلماء فهو بأفضل المنازل عند الله كما في قوله صلى الله عليه وسلم : { إنَّما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقاً فهذا بأفضل المنازل.. } الحديث.
السابع عشر: أنَّ النبَّي جعل الغنى مع الإنفاق بمنزلة القرآن مع القيام به، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم : { لا حسد إلا في اثنين: رجلٌ آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل والنهار }، فكيف إذا وفق الله عبده إلى الجمع بين ذلك كله؟ نسأل الله الكريم من فضله.

الثامن عشر: أنَّ العبد موفٍ بالعهد الذي بينه وبين الله ومتممٌ للصفقة التي عقدها معه متى ما بذل نفسه وماله في سبيل الله يشير إلى ذلك قوله جل وعلا: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (111) سورة التوبة.
التاسع عشر: أنَّ الصدقة دليلٌ على صدق العبد وإيمانه كما في قوله صلى الله عليه وسلم : { والصدقة برهان } [رواه مسلم].
العشرون: أنَّ الصدقة مطهرة للمال، تخلصه من الدَّخن الذي يصيبه من جراء اللغو، والحلف، والكذب، والغفلة فقد كان النَّبي صلى الله عليه وسلم يوصي التَّجار بقوله: { يا معشر التجار، إنَّ هذا البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة } [رواه أحمد والنسائي وابن ماجة، صحيح الجامع].
 الحادي والعشرون : الصدقة تُطفئ حر القبور , كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إن الصدقة لتطفئ عن أهلها حرّ القبورّ! } [رواه الطبراني والبيهقي/ صحيح الترغيب].
الثاني والعشرون : الصدقة تقرِّبك من الله تعالى , قال عبدالعزيز بن عمير: ( الصلاة تبلغك نصف الطريق، والصوم يبلغك باب الملك، والصدقة تدخلك عليه! ).

الثالث والعشرون : الصدقة سبب في تيسير موقف الحساب يوم القيامة ,
قال عبيد بن عمير: ( يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قَطْ، وأعطش ما كانوا قَطْ، وأعرى ما كانوا قَطْ، فمن أطعم لله عز وجل، أشبعه الله؛ ومن سقى لله عز وجل، سقاه الله؛ ومن كسا لله عز وجل، كساه الله ).

أفضل الصدقات
الأول: الصدقة الخفية؛ لأنَّها أقرب إلى الإخلاص من المعلنة , وفي ذلك يقول جل وعلا {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (271) سورة البقرة
ومن هذا مدح النبي صدقة السَّر، وأثنى على فاعلها، وأخبر أنَّه أحد السبعة الذين هم في ظلِّ عرش الرحمن يوم القيامة، ولهذا جعله سبحانه خيراً للمنفق وأخبر أنَّه يكفر عنه بذلك الإنفاق من سيئاته
الثانية: الصدقةُ في حال الصحة والقوة أفضل من الوصية بعد الموت أو حال المرض والاحتضار , كما في قوله صلى الله عليه وسلم : { أفضل الصدقة أن تصدَّق وأنت صحيحٌ شحيحُ، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان كذا } [في الصحيحين].

الثالثة: الصدقة التي تكون بعد أداء الواجب , كما في قوله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ } (219) سورة البقرة، وقوله صلى الله عليه وسلم : { لا صدقة إلا عن ظهر غنى... }، وفي رواية: { وخير الصدقة ظهر غنى } [كلا الروايتين في البخاري].

 الرابعة: بذل الإنسان ما يستطيعه ويطيقه مع القلة والحاجة , لقوله صلى الله عليه وسلم : { أفضل الصدقة جهد المُقل، وابدأ بمن تعول } [رواه أبو داود]، وقال صلى الله عليه وسلم : { سبق درهم مائة ألف درهم }، قالوا: وكيف؟! قال: { كان لرجل درهمان تصدق بأحدهما، وانطلق رجل إلى عرض ماله، فأخذ منه مائة ألف درهم فتصدق بها } [رواه النسائي، صحيح الجامع]قال البغوي رحمه الله: ( والإختيار للرجل أن يتصدق بالفضل من ماله، ويستبقي لنفسه قوتاً لما يخاف عليه من فتنة الفقر، وربما يلحقه الندم على ما فعل، فيبطل به أجره، ويبقى كلاً على الناس، ولم ينكر النبي على أبي بكر خروجه من ماله أجمع، لَّما علم من قوة يقينه وصحة توكله، فلم يخف عليه الفتنة، كما خافها على غيره، أما من تصدق وأهله محتاجون إليه أو عليه دين فليس له ذلك، وأداء الدين والإنفاق على الأهل أولى، إلا أن يكون معروفاً بالصبر، فيؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة كفعل أبي بكر، وكذلك آثر الأنصار المهاجرين، فأثنى الله عليهم بقوله وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر:9] وهي الحاجة والفقر [شرح السنة].

الخامسة: الإنفاق على الأولاد , قال صلى الله عليه وسلم { أربعة دنانير: دينار أعطيته مسكيناً، ودينار أعطيته في رقبةٍ، ودينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته على أهلك، أفضلها الدينار الذي أنفقته على أهلك } [رواه مسلم].

السادسة: الصدقة على القريب , كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالاً، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله يدخلها ويشرب من ماء فيها طيِّبٍ. قال أنس: ( فلما أنزلت هذه الآية: لَن تَنَالُواْ البِر حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]. قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنَّ الله يقول في كتابه لَن تَنَالُواْ البِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برَّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { بخ بخ مال رابح، وقد سمعت ما قلت فيها، إني أرى أن تجعلها في الأقربين }. فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول، فقسَّمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه [في الصحيحين].

وقال صلى الله عليه وسلم:
{ الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة } [رواه أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجة]، وأخصُّ الأقارب - بعد من تلزمه نفقتهم - اثنان:
الأول: اليتيم؛ لقوله جلَّ وعلا: فَلا اقتَحَمَ العَقَبَةَ (11) وَمَا أدرَاكَ مَا العَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَو إِطعَامٌ فِى يَومٍ ذي مَسغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذَا مَقرَبَةٍ (15) أَو مِسكِيناً ذَا مَتْرَبةَ [البلد:11-16]. والمسبغة: الجوع والشِّدة.
الثاني: القريب الذي يضمر العداوة ويخفيها
فقد قال صلى الله عليه وسلم :
{ أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح } [رواه أحمد وأبو داود والترمذي صحيح الجامع].
السابعة: الصَّدقة على الجار, فقد أوصى به الله سبحانه وتعالى بقوله: وَالْجَارِ ذِي القُرْبَى وَالْجَارِ الجُنُبِ [النساء:36] وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر بقوله: { وإذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، واغرف لجيرانك منها } [رواه مسلم].
الثامنة: الصدقة على الصاحب والصديق في سبيل الله , لقوله صلى الله عليه وسلم: { أفضل الدنانير: دينار ينفقه الرجل على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله عز وجل } [رواه مسلم].
التاسعة: النفقة في الجهاد في سبيل الله سواء كان جهاداً للكفار أو المنافقين فإنه من أعظم ما بُذلت فيه الأموال
فإن الله أمر بذلك في غير ما موضع من كتابه، وقدَّم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في أكثر الآيات ومن ذلك قوله سبحانه:
(انفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْبِأَموَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [التوبة:41]،
ويقول عليه الصلاة والسلام:
{ أفضل الصدقات ظلُّ فسطاطٍ في سبيل الله عز وجل أو منحة خادم في سبيل الله، أو طروقة فحل في سبيل الله } [رواه أحمد والترمذي، صحيح الجامع]، وقال صلى الله عليه وسلم: { من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا } [في الصحيحين]،

ولكن ليُعلم أن أفضل الصدقة في الجهاد في سبيل الله ما كان في وقت الحاجة والقلة في المسلمين كما هو في وقتنا هذا، أمَّا ما كان في وقت كفاية وانتصار للمسلمين فلا شك أن في ذلك خيراً ولكن لا يعدل الأجر في الحالة الأولى.
العاشرة: الصدقة الجارية وهي ما يبقى بعد موت العبد، ويستمر أجره عليه , لقوله صلى الله عليه وسلم : { إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له } [رواه مسلم].

وقال صلى الله عليه وسلم
(سبع تجري للعبد بعد موته ، وهو في قبره : من علم علما ، أو كرى نهرا ، أو حفر بئرا ، أو غرس نخلا ، أو بنى مسجدا ، أو نهرا أكراه ، أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته).
بدأنا بقصة وننتهي ايضا بقصة ورد بها ما يلي:
عن الفضيل بن عياض قال: حدثني رجل أن رجلا خرج بغزل، فباعه بدرهم ليشتري به دقيقا فمر على رجلين كل واحد منهم آخذ برأس صاحبه.
فقال: ما هذا؟
فقيل: يقتتلان في درهم، فأعطاهما ذلك الدرهم، وليس له شيء غيره، فأتى إلى امرأته فأخبرها بما جرى له فجمعت له أشياء من البيت فذهب لبيعها، فكسدت عليه، فمر على رجل ومعه سمكة قد أروحت – أي تغيرت رائحتها.
فقال له: إن معك شيئا قد كسد، ومعي شيء قد كسد، فهل لك أن تبيعني هذا بهذا؟ فباعه، وجاء الرجل بالسمكة إلى البيت وقال لزوجته: قومي فأصلحي أمر هذه السمكة، فقد هلكنا من الجوع.
فقامت المرأة تصلحها فشقت جوف السمكة، فإذا هي بلؤلؤة قد خرجت من جوفها، فقالت المرأة: يا سيدي قد خرج من جوف السمكة شيء أصغر من بيض الدجاج، وهو يقارب بيض الحمام.
فقال: أريني، فنظر إلى شيء ما رأى في عمره مثله فطار عقله، وحار إليه، فقال لزوجته: هذه أظنها لؤلؤة.
فقالت: أتعرف قدر اللؤلؤة؟!
قال: لا، ولكني أعرف من يعرف ذلك.
ثم أخذها وانطلق بها إلى أصحاب اللؤلؤ، إلى صديق له جوهري، فسلم عليه، فرد عليه السلام وجلس إلى جانبه يتحدث، وأخرج تلك اللؤلؤة، وقال: انظر كم قيمة هذه؟
قال: فنظر زمانا طويلا، ثم قال: لك بها عليَّ أربعون ألفا، فإن شئت أقبضتك المال بسرعة، وإن طلبت الزيادة، فاذهب بها إلى فلان فإنه أثمن بها لك مني.
فذهب بها إليه، فنظر إليها واستحسنها، وقال: لك بها علي ثمانون ألفا، وإن شئت الزيادة فاذهب بها إلى فلان فإني أراه أثمن بها مني.
فذهب بها إليه، فقال: لك بها عليَّ مائة وعشرون ألفا، ولا أرى أحدا يزيدك فوق ذلك شيئا.
فقال: نعم، فوزن له المال، فحمل الرجل في ذلك اليوم اثنتي عشرة بدرة في كل بدرة عشرة آلاف درهم، فذهب بها إلى منزله ليضعها فيه فإذا فقير واقف بالباب يسأل.
فقال: هذه قصتي التي كنت عليها... أدخل، فدخل الفقير.
فقال: خذ نصف هذا المال، فأخذ الرجل الفقير ست بدر فحملها ثم تباعد غير بعيد ورجع إليه، وقال: ما أنا بمسكين ولا فقير، وإنما أرسلني إليك ربك عز وجل الذي أعطاك بالدرهم عشرين قيراطا، فهذا الذي أعطاك قيراطا منه وذخر لك تسعة عشر قيراطا.


أاخواني : تلك هي الصدقة.. وذلك هو شرفها وفضلها.. فحاسب النفس: أين هي من ذلك كله؟!

واغتنم العمر في فعل الصالحات.. فإن قليلاً تُقدمه بين يديك اليوم؛ خيرٌ لك من كنز الأموال، والبخل بإنفاقها..

والله اسأل أن يجعلني وإياكم من المتصدقين والمزكين والراحمين وأن يتقبل منا أعمالنا سبحانه عزوجل.

الخميس، 25 أبريل 2013

سورة النِعَم (سورة النحل)

ومن عجائب هذه السورة -التي وُصِفت فيها الزلزلة بأدق وصف، وهُدد العباد فيها بالخسف إن مكروا السيئات- أنها أكثر السور ذكراً لنعم الله تعالى المعنوية والحسية، وتفصيلاً لمنافعها؛ حتى سماها التابعي الجليل قتادة السدوسي رحمه الله تعالى: "سورة النِعَم"؛ لكثرة ما ذكر فيها منها، فذُكر فيها من النعم المعنوية: الوحي والقرآن والذكر والتوحيد والملة الحنيفية والحفظ من الشيطان وغير ذلك، وذكر فيها من النعم الحسية: الخلق والرزق والأسماع والأبصار والأفئدة والمآكل والمشارب والملابس والمراكب والمنازل والتزاوج والنسل، كما ذُكرت فيها نعم الشمس والقمر والنجوم والبحار وما فيها من أرزاق ومنافع للعباد.

هل تتخيلون -يا عباد الله- أن هذه السورة الزاخرة بتعداد نعم الله تعالى علينا قد ذُكر فيها لفظ النعمة في ست آيات؛ فبعد تعداد جملة من النعم يقول الله تعالى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لَا تُحْصُوهَا) [النحل:18].

ويَختِم سبحانه ذكر النعم بالأمر بشكرها (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ الله إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [النحل:114].

وينوه بذكر الخليل عليه السلام ثم يصفه سبحانه قائلاً: (شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ) [النحل:121] للتأسي به في الشكر.

ويذكر عز وجل حال فريق آخر وهم من تقلبوا في نعمه ولم يشكروها، ففي ثلاث آيات متقاربات (أَفَبِنِعْمَةِ الله يَجْحَدُونَ) [النحل:71] (أَفَبِالبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) [النحل:72] (يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ الله ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الكَافِرُونَ) [النحل:83] ويضرب مثلاً عظيماً بقرية لم تشكر النعمة فعوقبت (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل:112].

وبذكر الخسف في هذه السورة، وتخويف الله تعالى به، وتعليق ذلك بمكر السيئات، مع تكرار الأمر بشكر النعم، والتحذير من كفرها - نستفيد معرفة خطورة كفران النعم، وتسببها في نزول العقوبات، وأن اجتراح السيئات سبب للخسف والزلازل؛ لأن الخسف عُلق بمكر السيئات، ومكر السيئات هو مقارفتها، والمكر فيه تحايل؛ فيدخل في ذلك التحايل على الشريعة لإسقاطها، أو لإباحة المحرم منها، أو الالتفاف على نصوصها بتحريف معانيها وتأويلها لإرضاء البشر، وقد انتشر هذا البلاء في هذا الزمن، فلا عجب أن تتنوع فيه العقوبات، وأن تتابع النذر والآيات، فالكوارث في زمننا هذا يُنسِي بعضها بعضاً من كثرتها (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأَرْضَ) [النحل:45].

إنه تهديد عظيم بالخسف والزلزلة في سورة النِعَم؛ إذ كيف ينعم الله تعالى على عباده بالنعم الكثيرة التي عددها في هذه السورة، ثم يكفرونها وفيها ردٌ على أهل الجهل والهوى الذين يرفضون تعليق آيات التخويف والعذاب بالمعاصي والموبقات؛ زاعمين أنها أسباب كونية اعتيادية، ويفسرنها تفسيرات مادية؛ فما عساهم أن يفعلوا بآيتي النحل في الخسف والزلزلة، وقد عُلق فيهما الخسف والزلزلة بمكر السيئات؟!

كثرة الزلازل


من نعم الله العظيمة الجليلة علينا نعمة استقرار الأرض وثباتها حتى نستطيع الحياة عليها والاستفادة منها لأن فيها سكننا وحياتنا ومعائشنا ومصالحنا ولا حياة لنا ولا بقاء إلا بتحقق نعمة قرار الأرض (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) .[غافر:64].
وقال تعالى : ( وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ) [الأعراف:24]. وقال :(خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ ۚ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ)[لقمان:10].
وقال :( وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ)[الأنبياء:31].
ثم جعلنا الله خلائف في أرضه لينظر كيف نعمل؟ وأخرج لنا من الأرض الطيبات والكنوز والمنافع، وكيف نقابل هذه النعم ، قال سبحانه :( ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)[يونس:14].
وقال :(هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ۖ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا ۖ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا )[فاطر:39].
فلما استخلفنا في الأرض أنزل علينا كتابه وارسل إلينا رسوله لنقوم بالإصلاح في الأرض على بصيرة ونبتعد عن الفساد في الأرض ونجاهد المفسدين ، قال تعالى :( وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ)[الأعراف:56].وقال :( وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ)[الأعراف:142].
وقال :( فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ۗ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ)[يونس:116].وقال :(وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ )[القصص:77].
فإن أفسد الناس في أرض الله استحقوا عقاب الله ،قال الحق :( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الروم:41].
فقد حذرنا الله من الفساد ومن كفر نعمته وستخدامها في معاصيه وأمرنا بشكره ،قال عز وجل :( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم:7]. وقال :( وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ ۖ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ)[الأعراف:86].

ولله آياتٌ وعظاتٌ يريها عباده في الدنيا إنذاراً وتخويفاً وتحذيراً وترهيباً وإيقاظاً وتذكيراً (وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً) [الإسراء: 59]. قال قتادة: " إن الله يخوف الناس بما يشاء من عباده لعلهم يعتبرون ويذكرون ويرجعون ".
ومن الآيات المخيفة والنذر المرعبة والعظات الموقظة آية الخسف والرجفة والزلزلة؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " لا تقوم الساعة حتى يُقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن ويكثر الهرج -وهو القتل- حتى يكثر فيكم المال فيفيض " أخرجه البخاري.
وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " في هذه الأمة خسفٌ ونسفٌ وقذف، فقال رجل: يارسول الله ومتى ذاك ؟ قال: إذا ظهرت القينات والمعازف وشُربت الخمورُ " أخرجه الترمذي.


ولله حكم عظيمة في إحداث الزلازل وغيرها ومعرفة هذه الحكم نافعة ومهمة للناس ، منها على سبيل الايجاز:
1 - اظهار قدرة الله " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض " الأنعام : 65 .
2 - تخويف الناس (وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً) [الإسراء: 59]. قال قتادة: " إن الله يخوف الناس بما يشاء من عباده لعلهم يعتبرون ويذكرون ويرجعون ".
3 - ليرى الناس آيات الله وأدلة ملكه وتدبيره للكون وأنه فعال لما يريد (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد " فصلت : 53 ، .
4 -ولا شك أن ما حصل من الزلازل في هذه الأيام في جهات كثيرة هو من جملة الآيات التي يخوف الله بها سبحانه عباده ، وكل ما يحدث في الوجود من الزلازل وغيرها مما يضر العباد ويسبب لهم أنواعا من الأذى ، كله بسبب الشرك والمعاصي ، كما قال الله عز وجل : " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " الشورى : 30 ، وقال تعالى : " ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك " النساء : 79 ، وقال تعالى عن الأمم الماضية : " فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " العنكبوت : 40 .
5 - إن هذه الهزة الأرضية, وفزع الناس منها, مع أنه لم يصبهم إلا شيء يسير من أثرها, مع بعدهم جدًا عن مركز الزلزال, يذكرنا بالزلزلة العظيمة الكبرى, يقول ربنا -تبارك وتعالى- في مطلع سورة الحج: (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) [الحج:1-2].


ذكَر النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( اللهمَّ بارِكْ لنا في شامِنا ، اللهمَّ بارِكْ لنا في يَمَنِنا ) . قالوا : يا رسولَ اللهِ ، وفي نَجدِنا ؟ قال : ( اللهمَّ بارِكْ لنا في شامِنا ، اللهمَّ بارِكْ لنا في يَمَنِنا ) . قالوا : يا رسولَ اللهِ ، وفي نَجدِنا ؟ فأظنُّه قال في الثالثةِ : ( هناك الزلازِلُ والفِتَنُ ، وبها يَطلُعُ قرنُ الشيطانِ ) .
صحيح البخاري وقوله ( وبها يَطلُعُ قرنُ الشيطانِ) كأن هذا ذكر سبب الزلازل.


وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " يكون في آخر هذه الأمة خسفٌ ومسخٌ وقذف، قالت: قلت: يارسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم.. إذا ظهر الخبث " أخرجه الترمذي..
وروى أحمد في مسنده بسند صحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بين يدي الساعة سنوات الزلازل".

وعن صفية بنت أبي عبيد قالت: " زُلزلت الأرض في عهد عمر حتى اصطفقت السرر، فخطب عمر للناس فقال:أحدثتم لقد عجلتم.. لئن عادت لأخرجن من بين ظهرانيكم ".. أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي..

وذُكر أن الكوفة رجفت على عهد عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- فقال: " يا أيها الناس إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه "، ومعنى يستعتبكم؛ أي يطلب منكم الرجوع عن المعاصي إلى ما يرضيه عنكم.


(وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى: 30]. قال قتادة: " بلغنا أنه ليس أحدٌ يصيبه خدش عود ولا نكبة قدم ولا خلجات عرق إلا بذنب، ويعفو الله عنه أكثر "..

وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: " خسفت الشمس في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقام فزعاً يخشى أن تقوم الساعة حتى أتى المسجد، فقام يصلي بأطول قيامٍ وركوعٍ وسجود ما رأيته يفعله في صلاة قط، ثم قال: " إن هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله يرسلها يخوف بها عباده، فإذا رأيتم منها شيئاً فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره " متفق عليه ..

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: " كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى غيماً أو ريحاً عُرف في وجهه، فسألته، فقال: " يا عائشة ما يؤمني أن يكون فيه عذاب.. عُذب قومٌ بالريح، وقد رأى قومٌ العذاب فقالوا: ‏هذا عارضٌ ممطرنا " أخرجه البخاري.


 وقال تعالى : وروى البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما نزل قول الله تعالى : " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم " قال : ( أعوذ بوجهك ) " أو من تحت أرجلكم " قال : ( أعوذ بوجهك ) . صحيح البخاري 5/193 .
وروى أبو الشيخ الأصبهاني عن مجاهد في تفسير هذه الآية : " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم " قال : الصيحة والحجارة والريح . " أو من تحت أرجلكم " قال : الرجفة والخسف .
فالواجب على المكلفين من المسليمن وغيرهم ، التوبة إلى الله سبحانه ، والاستقامة على دينه ، والحذر من كل ما نهى عنه من الشرك والمعاصي ، حتى تحصل لهم العافية والنجاة في الدنيا والآخرة من جميع الشرور ، وحتى يدفع الله عنهم كل بلاء ، ويمنحهم كل خير ، كما قال سبحانه : " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون " الأعراف : 96 ، وقال تعالى في أهل الكتاب : " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " المائدة : 66 ، وقال تعالى : " أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون (97) أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون (98) أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله  إلا القوم الخاسرون " الأعراف : 97-99 .
وقال العلامة ابن القيم - رحمه الله - ما نصه : " وقد يأذن الله سبحانه للأرض في بعض الأحيان بالتنفس فتحدث فيها الزلازل العظام ، فيحدث من ذلك لعباده الخوف والخشية ، والإنابة والإقلاع عن المعاصي والتضرع إلى الله سبحانه ، والندم ، كما قال بعض السلف وقد زلزلت الأرض : إن ربكم يستعتبكم . وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد زلزلت المدينة ، فخطبهم ووعظهم ، وقال : لئن عادت لا أساكنكم فيها " انتهى كلامه رحمه الله .
والآثار في هذا المقام عن السلف كثيرة ..
فالواجب عند الزلازل وغيرها من الآيات والكسوف والريح الشديدة والفيضانات - البدار بالتوبة إلى الله سبحانه ، والضراعة إليه ، وسؤال العافية ، والإكثار من ذكره واستغفاره ، كما قال صلى الله عليه وسلم عند الكسوف : " فإذا رأيتم شيئا من ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره " جزء من حديث متفق عليه أخرجه البخاري ( 2/ 30 ) ومسلم ( 2/ 628 ) .
ويستحب أيضا رحمة الفقراء والمساكين والصدقة عليهم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ارحموا ترحموا " أخرجه الإمام أحمد ( 2/165) ، " الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " أخرجه أبو داود ( 13 / 285 ) والترمذي ( 6/43 ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " من لا يرحم لا يرحم " أخرجه البخاري ( 5/75 ) ومسلم ( 4/1809 ) ، وروي عن عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - أنه كان يكتب إلى أمرائه عند وجود الزلزلة أن يتصدقوا .
ومن أسباب العافية والسلامة من كل سوء مبادرة ولاة الأمور بالأخذ على أيدي السفهاء ، وإلزامهم بالحق ، وتحكيم شرع الله فيهم ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كما قال الله عز وجل : " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم " التوبة :71 ، وقال عز وجل : " ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز (40) الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور " الحج : 40 - 41 ، وقال سبحانه : " ومن يتق الله يجعل له مخرجا (2) ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه " الطلاق : 2-3 ، والآيات في هذا المعنى كثيرة .
وقال صلى الله عليه وسلم : " من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته " متفق على صحته البخاري (3/98) ومسلم ( 4/1996 ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : " من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " أخرجه مسلم (4/2074) ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .




أما بعد: فقبل أيام أصاب إيرانَ زلزالٌ قويٌّ مدمّر, تسبب في وفاة وإصابة المئات, وهدم العديد من المباني والمنشآت, وبلغ من قوته أن شعر به سكان البلاد التي تقع قريبًا من مركز الزلزال, بل وصل أثره إلى بعض الدول المجاورة لإيران، كدول الخليج والهند وشرق ووسط المملكة.
شعر بعضنا باهتزاز الأرض من تحته, وأُخْلِيَتْ بعضُ الأبراج والمباني المرتفعة, ولقد مررت بعد هذه الهزة ببعض المباني فوجدت الموظفين قد خرجوا من مكاتبهم وجلسوا في الشارع, وبعض العوائل قد خرجت من بيوتها إلى قارعة الطريق.

يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: إن هذه الحادثة يجب أن لا تمر علينا مرور الكرام, وينبغي أن نتوقف عندها, لنستخلص الدروس والعبر.

ولنا معها ست وقفات:

الوقفة الأولى: لقد جعل الله -تبارك وتعالى- الأرض قرارًا ومستقرًا, وأنشأ فيها جبالاً أوتادًا, تثبتها أن تميد وتزول وتضطرب, لكن؛ حين يأذن الله -تعالى- للأرض أن تضطرب فلا رادّ لأمره وحكمه, عندها تصبح هذه الأرض التي كانت ملجأً من الأخطار هي الخطر ذاته, ويصبح بقاء الإنسان في مسكنه الذي يتقي به الأذى, سببًا من أسباب حدوث الضرر والأذى.

إن الأرض في أصلها مستقرة, وقد اعتاد عليها الإنسان كذلك, وهذا الاستقرار نعمة عظيمة من الله يغفل عنها كثير من الناس, ولا يدركونها؛ لاعتيادهم عليها وعدم استشعارهم عظيم هذه النعمة.

ولذلك؛ امتن الله كثيرًا في كتابه على عباده بهذه النعمة: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) [النبأ:6-7]، (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [النمل:61]، (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [غافر:64-65].

قال ابن القيم -رحمه الله-: "وتأمل خلق الأرض على ما هي عليه حين خلقها واقفة ساكنة؛ لتكون مهادًا ومستقرًا للحيوان والنبات والأمتعة, ويتمكن الحيوان والناس من السعي عليها في مآربهم, ولو كانت رجراجة متكفئة لم يستطيعوا على ظهرها قراراً، ولا ثبت لهم عليها بناء، ولا أمكنهم عليها صناعة ولا تجارة ولا حراثة ولا مصلحة، وكيف كانوا يتهنون بالعيش والأرض ترتج من تحتهم؟ واعتبِر ذلك بما يصيبهم من الزلازل -على قلة مكثها- كيف تصيِّرهم إلى ترك منازلهم والهرب عنها!".

الوقفة الثانية:

مطلع عنيف مرعب، ومشهد ترتجف لهوله القلوب، يبدأ بالنداء الشامل للناس جميعا مسلمهم وكافرهم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ)، يدعوهم إلى الخوف من الله: (اتَّقُوا رَبَّكُمْ)، ويخوفهم ذلك اليوم العصيب: (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ), هكذا بدأ بالتهويل قبل التفصيل.

ثم يأخذ في التفصيل، فإذا هو أشد رهبة من التهويل، وإذا هو مشهد حافل! هناك مرضعة ذاهلة عما أرضعت تنظر ولا ترى، وتتحرك ولا تعي! وهنا حامل تُسقط حملها للهول المروع ينتابُها! والناس سكارى وما هم بسكارى، يتبدى السُكْرُ في نظراتهم الذاهلة، وفي خطواتهم المترنحة! مشهد مزدحم بذلك الحشد المتماوج، تكاد العين تبصره لحظة التلاوة، بينما العقل يتخيله.

يوم القيامة تزلزل الأرض كلها, من أقصاها إلى أقصاها, ويستنكر الإنسان هذا الأمر ويفزع. (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا) [الزلزلة:1-3].  يقول: ما لها؟ ما الذي حدث بها, وقد عهدتها مستقرة؟...

 (إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا) [الواقعة:4-6]، في ذلك اليوم؛ ما حالي؟ فالناس ثلاثة أصناف: (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [الواقعة:7-12]. فلمثل هذا اليوم فأعدوا.

الوقفة الثالثة: في الأزمان المتأخرة كثرت الزلازل والهزات الأرضية, بدرجات قوتها المختلفة, وهذه علامة من علامات الساعة, روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ، وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ، حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ" رواه البخاري.

وأغلب ما في الحديث واقع مشاهد, يقول ابن حجر العسقلاني -رحمه الله-: "وقَدْ وَقَعَ فِي كَثِير مِنْ الْبِلَاد الشّمَالِيَّة وَالشَّرْقِيَّة وَالْغَرْبِيَّة كَثِير مِنْ الزَّلَازِل, وَلَكِنَّ الَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْمُرَاد بِكَثْرَتِهَا شُمُولها وَدَوَامها" اهـ.

وثبت في السنة الصحيحة أن الخسف والمسخ وكثرة الزلازل من علامات الساعة الصغرى، وأيد ذلك ما أثبته العلم الحديث "من أنه يقع في الأرض مليون زلزال كل عام" كما في دراسة نشرتها إحدى المجلات السعودية عام سبعة وعشرين وأربعمائة وألف.


الوقفة الرابعة: لا شك أن للزلازل والاهتزازات أسبابًا دنيوية مادية, لا ينكرها منكر, وقد أقر بهذه الأسباب علماء الشرع منذ القدم.

ولما سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن أسباب ذلك أجاب -رحمه الله-: الحمد لله رب العالمين. الزلازل من الآيات التي يخوف الله بها عباده كما يخوفهم بالكسوف وغيره من الآيات والحوادث, لها أسباب وحكم, فكونها آية يخوف الله بها عباده هي من حكمه في ذلك.

وأما أسبابه؛ فمن أسبابه انضغاط البخار في جوف الأرض كما ينضغط الريح والماء في المكان الضيق، فإذا انضغط طلب مخرجا؛ فيَشُقُ ويُزلزل ما قرب منه من الأرض. اهـ.

 وقال ابن القيم -رحمه الله-: "ولما كانت الرياح تجول فيها (أي في الأرض) وتدخل في تجاويفها, وتُحدث فيها الأبخرة, وتخفق الرياح, ويتعذر عليها الـمَنفذ, أذن الله -سبحانه- لها في بعض الأحيان بالتنفس, فتحدث فيها الزلازل العظام, فيحدث من ذلك لعباده الخوف والخشية والإنابة والإقلاع عن معاصيه والتضرع إليه والندم". اهـ.

إذا عرفنا ذلك؛ علمنا أن للزلازل أسبابًا دنيوية, لكن؛ لها في المقابل أسباب شرعية, فمن الذي أذن لهذه الأرض أن تهتز وتضطرب في هذا الوقت بالتحديد بعد أن كانت هامدة مدة طويلة؟ ومن هو القادر على أن يوقف هذا الزلزال؟ ومن الذي يحدد قوة الزلزال وتأثيره في الأرواح والممتلكات؟ إنه الله جل جلاله.

مهما توقع علماء الأرض وخططوا ودرسوا فإن أجل الله إذا جاء لا يؤخر, ومهما محصوا فإن الله يأتي بالزلزال بغتة دون أن يشعروا, ولو تنبؤوا وعلموا بوقته وموضعه ما استطاعوا دفعه وإيقافه, فتبارك الله رب العالمين.

ا

إن الإنسان إذا رأى اضطراب الأرض واهتزازها من تحته حتى لا يستطيع معها قرارًا ولا ثباتًا, يصيبه الخوف والهلع, خصوصًا إذا علم أن بعض الأقوام كان هلاكهم وعذابهم بالرجفة والزلزلة, كما قال -تعالى- عن قوم شعيب -عليه السلام-: (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ) [العنكبوت:37]، وقال عن ثمود قومِ صالح -عليه السلام-: (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ) [الأعراف:78].

قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-:" لما كان هبوب الريح الشديدة يوجب التخويف, المفضي إلى الخشوع والإنابة, كانت الزلزلة ونحوها من الآيات أولى بذلك". اهـ.

وقال عمر بن عبد العزيز: "إن هذا الرجف شيء يعاقب الله به العباد".

الوقفة السادسة: إذا وقعت الهزات والزلازل؛ فما الذي ينبغي أن يفعله المسلم؟ هناك من يفزع إلى القنوات الفضائية, يتابع أخبار الزلزال: كم عدد الضحايا؟ إلى أي مدى بلغ؟ وآخرون يتجهون لبث الأخبار والأراجيف مما يضر ولا ينفع.

لكن المسلم الحصيف ينبغي عليه أن يلتزم هدي الإسلام في مثل هذه المواقف, فيلجأَ إلى الله -تعالى-, ويكثرَ من الأعمال الصالحة، وخاصة الصدقة؛ فالزلازل والكوارث تنبيه من الله -عز وجل- لعباده, وتجب التوبة إلى الله, والإكثار من الذكر والاستغفار والدعاء وقراءة القران؛ فإن الله -تعالى- يقول: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا) [الأنعام:43].

وكذلك فإن الاستغفار له أثر كبير في منع وقوع العذاب, وقد قال -تعالى-: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال:33].

ووقعت رجفة في عهد عمر بن عبد العزيز فكتب إلى أهل البلدان: "إن هذه الرجفة شيء يعاتب الله به عباده، فمن استطاع أن يتصدق فليفعل؛ فإن الله يقول: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) [الأعلى:14]".

ولما رجفت الأرض بالكوفة قال ابن مسعود: أيها الناس، إن الله يستعتبُكم؛ فاعتبوه.

وليس في السنة دليل على استحباب ذكر أو دعاء معين عند حدوث الزلازل، وإنما يدعو بما فتح الله عليه مما فيه طلب الرحمة, والغوث من الله -عز وجل-، ليصرف عن الناس البلاء.



الناسكـون يحاذرون *** ومــا بسيئـة ألمــوا
كانوا إذا راموا كلاماً *** مطلقاً خطمـوا وزمـوا
إن قيلت الفحشاء أو *** ظهرت عموا عنها وصموا
فمضوا وجاء معاشر *** بالمنكرات قـووا وطمـوا
ففم لطعـم فاغـر *** ويـد على مـال تضـم
عدلوا عن الحسن الجميل *** وللخما عمدوا وأموا
وإذا هـم أعيتهـم *** شنائعهـم كذبوا وأمـوا







ياكاشف الضر صفحـاً عن جرائمنـا *** لقد أحاطت بنا يا رب بأسـاء
نشكـو إليك خطوبـا لا نطيـق لهـا *** حملاً ونحن بها حقـاً أحقـاء
زلازل تخشـع الصـم الصـلاب لهـا *** وكيف يقوى على الزلزال شماء
فباسمك الأعظم المكنـون إن عظمـت *** منا الذنوب وساء القلب أسواء
فاسمح وهب وتفضل وامحُ واعفُ وأجب *** واصفح فكل لفرط الجهل خطاء


وقال :( )[الأعراف:24].
وقال :( )[الأعراف:24].
وقال :( )[الأعراف:24].
وقال :( )[الأعراف:24].
وقال :( )[الأعراف:24].
وقال :( )[الأعراف:24].
وقال :( )[الأعراف:24].